أفارقة فرنسا.. رؤوس حربة بمنتخب الكرة القومي بدلاء على دكة احتياط الوطن

داود علي | 2 years ago

12

طباعة

مشاركة

يبرز الجدل بشأن هوية لاعبي منتخب فرنسا فقط مع كل هزيمة، بينما تغيب هذه الحالة مع الانتصارات والإنجازات. 

هزيمة فرنسا في نهائي كأس العالم بقطر في 18 ديسمبر/كانون الأول 2022، أمام الأرجنتين في مباراة تاريخية ستذكر لوقت طويل.

فقد فتحت الباب أمام موجة هجوم وعنصرية ضد لاعبي فرنسا ذوي الأصول الإفريقية، وهي السمة الغالبة على المنتخب الوطني. 

حتى إن صفحة "Le Meilleur du Football" الفرنسية المتخصصة في كرة القدم على موقع "فيسبوك" نشرت في 19 ديسمبر 2022، منشورا قالت فيه: "هذه فرنسا عندما تربح، فأنت فرنسي وعندما تخسر فسوف تتذكر أصولك".

وأردفت: "يرجى تذكير (زين الدين) زيدان بأنه جزائري وكذلك مبابي أنه كاميروني، ولا ينسى أن بنزيمة جزائري أيضا.. إنه واقع حزين لبلد الأعراق".

الحملة العنصرية ضد لاعبي فرنسا ذوي الأصول الإفريقية، تفجرت عقب انتهاء مباراة الأرجنتين مباشرة.

إذ أثار المرشح الرئاسي السابق العنصري المتطرف إريك زمور، ضجة بسبب تصريحاته حول أصول عدد من لاعبي المنتخب الفرنسي.

وأعرب إريك زمور على "قناة بي أف أم" الفرنسية، عن أسفه لحقيقة أن كثيرا من لاعبي المنتخب الفرنسي، من أصل إفريقي وبشرة سوداء.

وسبق للمتطرف اليميني زمور، أن قال في يناير/كانون الثاني 2022، خلال جولات حملته الانتخابية للرئاسة: "الكثير من السود في منتخب فرنسا"، وهو تصريح أحدث ضجة عارمة وجدلا في المجتمع الفرنسي آنذاك. 

لم يقف الأمر عند هذا الحد، إذ تصاعدت العنصرية بقوة ضد اللاعبين الفرنسيين، على منصات التواصل الاجتماعي، وأجبرت بعضهم على إيقاف التعليقات على حساباتهم بإنستغرام.

واضطر الثلاثي كينغسلي كومان، وأوريليان تشاوميني، وراندال كولو مواني إلى إغلاق خاصية الرسائل والتعليقات على حساباتهم الرسمية على "إنستغرام" بسبب الكم الهائل من الرسائل والتعليقات العنصرية التي أرسلت إليهم منذ هزيمة فرنسا في نهائي كأس العالم أمام الأرجنتين.

أعيدوه لإفريقيا

ركزت الإهانات للعنصريين الفرنسيين ضد اللاعبين، على نشر رموز تعبيرية على شكل غوريلا أو قرد وعبارات مثل "الأفارقة القذرين" و"الزنوج" و"العبيد".

وطالبت بعض التعليقات ضد "كولو مواني" مهاجم المنتخب الفرنسي الذي ينحدر من أصول كونغولية، إلى إعادته مرة أخرى إلى إفريقيا.

ما اضطره إلى منع التعليق على صوره في إنستغرام، بعد أن تجاوزت التعليقات المهينة كل الحدود، ولم يعد قادرا على تحملها.

رغم أنه قبل سنوات قليلة كان أحد اللاعبين الذين أسهموا بفوز فرنسا بكأس العالم في روسيا 2018.

دفعت تلك الوقائع نادي بايرن ميونيخ الألماني، إلى نشر تغريدة على حسابه الرسمي بموقع "تويتر" يدعم فيها اللاعبين الفرنسيين الذين تعرضوا للعنصرية.

وقال: "هذا أمر مخز.. دعم كامل لجميع اللاعبين الذين وقعوا ضحايا للتعليقات العنصرية على وسائل التواصل الاجتماعي التي لا مكان لها في كرة القدم أو في أي مكان آخر".

عنصرية فرنسا ضد لاعبيها من الأصول الإفريقية، فتحت الباب لسخرية واسعة النطاق، ومن أبرزها استحضار وسائل التواصل الاجتماعي لمقطع قديم بعد فوز باريس بكأس العالم 2018 في روسيا، كان قد قدمه المذيع الكوميدي الجنوب إفريقي "تريفور نواه"، مقدم برنامج "ذا ديلي شو" على قناة "كوميدي سنترال" الأميركية. 

وقال نواه حينها تعليقا على تناقض فرنسا بحق مواطنيها ذوي الأصول الإفريقية، "إن الأمر انعكاس للاستيطان الفرنسي لإفريقيا، وفي فرنسا العديد من النازيين (المتطرفين) يقللون من فرنسية ذوي الأصول الإفريقية، يقولون لهم أنتم لستم فرنسيين، وعودوا من حيث أتيتم". 

وأضاف: "عندما يكونون عاطلين عن العمل أو يرتكبون الجرائم أو يقومون بشيء سيئ فإنهم مهاجرون إفريقيون، ولكن عندما يجعل أبناؤهم فرنسا تفوز بكأس العالم، عندها يشيرون إليهم فقط كفرنسيين". 

نهج نظامي 

قد يظن البعض أن العنصرية ضد الأفارقة نابعة من مجموعة جماهير متطرفة، أو أحزاب يمينية وقومية جامعة في نظرتها لأصحاب البشرة السمراء والعرب والمهاجرين عموما. 

لكن ما حدث في التحقيق الذي نشره موقع "ميديابارت" الفرنسي الإلكتروني عام 2011، أثبت أن إقصاء الأفارقة الفرنسيين، نهج معتمد ومقصود حتى من أشخاص داخل مؤسسات الدولة.

وقتها كشف التحقيق عن رغبة مسؤولي الاتحاد الفرنسي لكرة القدم، بتقليص عدد اللاعبين "العرب" و"السود" في صفوف المنتخبات ومراكز التكوين الفرنسية.

ومما زاد في الصدمة أن مدرب منتخب فرنسا الأول (آنذاك) لوران بلان قد بارك الفكرة.

وذكر "ميديابارت" أن مسؤولي الاتحاد عقدوا بالفعل منذ نهاية العام 2010 عدة اجتماعات سرية ناقشوا فيها وضع كرة القدم الفرنسية.

 وأعربوا عن استيائهم من "الحضور المكثف للاعبين العرب والسود" في صفوف المنتخبات والأندية الفرنسية بل وحتى في مراكز التكوين.

وجعلوا خطتهم الأساسية في النهاية، العمل على تقليص هذا الحضور لصالح ما سماه الموقع اللاعبين "البيض". 

ذلك الكشف اعتبر فضيحة في الأوساط الفرنسية ليست الرياضية فحسب، بل العامة والسياسية. 

وهو ما جعل صحيفة "فيغارو" الفرنسية تصدر في عام 2011، تقريرا تزامنا مع الجدل المثار حول قضية تقليص عدد اللاعبين "العرب" و"السود" في صفوف المنتخبات الفرنسية.

وسألت مجموعة من الأطفال في منطقة "بوندي" عن رأيهم وبالمصادفة جرى سؤال النجم الأول حاليا لمنتخب الديوك كليان إمبابي.

وأجاب مبابي الطفل الذي كان في عمر 12 آنذاك: "بالنظر إلى تاريخ الكرة الفرنسية فإن الأفضل هم السود والعرب باستثناء بلاتيني". 

صنعوا التاريخ

الباحث السياسي المقيم في فرنسا خالد رزاق، قال في حديثه لـ"الاستقلال": "إن الأفارقة والعرب هم من صنعوا تاريخ كرة القدم الفرنسية بشكل حقيقي، فحدثني عن إنجازات فرنسا الكروية قبل جيل زين الدين زيدان، الذي حصد كأس العالم عام 1998".

وأردف: "ستصدم عندما تعرف أن فرنسا طوال تاريخها قبل هذا الجيل لم تحصل إلا على بطول واحدة للأمم الأوروبية عام 1984، وذلك قبل صعود الأفارقة والعرب إلى سلم الرياضة كرة القدم الفرنسية، حيث حولوها إلى قوة ضاربة في هذا المجال". 

واستطرد: "ومع مطلع القرن الحالي فازت فرنسا بأمم أوروبا للعام 2000، وبطولة القارات مرتين في 2001 و2003، ثم وصافة كأس العالم في 2006 و2022، وكانت قد حصلت على كأس العالم في 2018، وكل هذا حدث بفضل المهاجرين من العرب والأفارقة". 

وذكر رزاق: "أن مسألة ارتباط المهاجرين بالرياضة عموما في فرنسا لها اعتبارات متعددة، إذ أن كرة القدم من أهم سبل الترقي الاجتماعي وتحسين الوضع والدخل للمهاجرين، فهي بمثابة الكنز لهم".

ومن جانب آخر تساعد في عملية الاندماج وإثبات الذات، فكثير من هؤلاء اللاعبين لو لم يحترفوا الكرة، فوضعهم ووضع أسرهم سيكون في غاية السوء، وسيقبعون في أسفل الهرم الاجتماعي، وإما أن يعيشوا حياة الفقر والحرمان، أو الأسوأ حيث عالم السرقة والجريمة".

وأضاف: "بالتالي فإن احتراف المهاجرين لكرة القدم كان إيجابي من جميع النواحي على الدولة أولا وعليهم ثانيا، ولا ننسى أن هذا ليس فضلا خالصا من حكام باريس، بل إن هذه ضريبة الاستعمار الفرنسي لهذه الأمم".

ولا تزال تهيمن فرنسا على مقدرات إفريقيا، تحت لافتة الشركات، بينما تستمر في الاستعمار المقنع، فخيرات القارة ومواردها في يد باريس وأقرانها من العواصم الأوروبية.

واختتم: "المهاجرون الذين نهضوا بكرة القدم الفرنسية مثل زيدان وهنري وامبابي وبنزيمة، إنما يمثلون شريحة لمجتمع أكبر بكثير من أطباء وعلماء في الكيمياء والفيزياء ورواد صناعة وتجارة وغيرهم".

وتابع: "بلا شك استفادت منهم فرنسا، ولا يجب أن يوضعوا في خانة الدفاع المستمر عن النفس، أو الوصم لأي سبب كان، ويجب تجريم هذا الفعل بعقوبات وغرامات مغلظة، لأنه فعل ضد الإنسانية نفسها، ليس فقط القيم الاخلاقية والعرف".