رغم احتكاره السلطات.. لوبوان: قيس سعيد لا يحكم تونس على أرض الواقع
أكدت صحيفة لوبوان الفرنسية أنه رغم نجاح الرئيس التونسي قيس سعيد في جمع السلطات كافة بيده عبر دستور قاطعه أكثر من 70 بالمئة من السكان، فإنه لا يحكم البلاد على أرض الواقع في ظل تفاقم أزمات متنوعة بالبلاد.
ودقت الصحيفة ناقوس الخطر بشأن هذه الأوضاع، مؤكدة أن تونس تنجرف نحو أزمة اجتماعية واقتصادية حادة جراء غياب سلع أساسية مثل السكر، فضلا عن ارتفاع الأسعار بصورة جنونية وانخفاض قدرة المواطنين الشرائية.
حاكم من ورق
وذكرت الصحيفة الفرنسية أن سعيد الذي كان قد استولى في 25 يوليو/ تموز 2021، على جميع الصلاحيات، ليس هو الحاكم الفعلي لتونس وأنه فقط على الورق هو من يحكم البلاد.
وأشارت إلى أن السبب وراء ذلك هو المراسيم والقوانين التي يصوغها سعيد والتي تتعارض مع الوضعية الاقتصادية في تونس.
ونقلت عن كبير المحللين في مجموعة الأزمات الدولية مايكل العياري قوله، "لا يمكنك أن تحكم مجتمعا بأوامر تنفيذية".
في الواقع، فإنه مع قيس سعيد أو بدونه، الوضعية الاقتصادية في تونس هي نفسها ولم تتغير.
على سبيل المثال، مازالت شركة الطيران الوطنية التونسية، التي تمتلك فيها الخطوط الجوية الفرنسية 5 بالمئة، بطلة التأخير في المواعيد.
وهذه الشركة المثقلة بالرواتب المُوجهة لآلاف العمال، غير قادرة فعليا على إصلاح طائراتها بينما يستأنف الموسم السياحي سالف عهده بعد عامين من الإغلاق الشامل بسبب أزمة كورونا.
وتونس اليوم حبيسة الإضرابات المتواصلة التي تقودها النقابات العمالية في كل المجالات، من المطارات، إلى النقل العمومي، وليس انتهاء بالنقابات الأمنية.
والمالية العامة في تونس تتجه نحو طريق مسدود خاصة فيما يتعلق بسداد أجور الوظيفة العمومية البالغ عددهم أكثر من 600 ألف موظف.
وساهمت الإضرابات المتواصلة في قطاعات الطاقة في البلاد وخاصة التي يقودها التجار في محطات التزود، في تفاقم الأزمة الاقتصادية مع مطالبتهم بدفع أجرهم قبل تفريغ الوقود.
ونفس الشيء بالنسبة للحبوب، والقهوة، والسكر (العنصر الأساسي للحياة اليومية) حيث تعاني المخابز والمقاهي التونسية شحا مزمنا في التزود بالحبوب والقهوة.
ويخشى أصحاب المقاهي في تونس توقفَ أنشطتهم تماما، بينما تتزايد المخاوف بشأن سبل معيشة العاملين في هذا القطاع إذا اختفى زبائن المقاهي.
وتشهد تونس منذ أكثر من شهر أزمة فقدان عدة مواد أساسية مدعومة من الأسواق كالسكر والزيت النباتي والقهوة والدقيق والطحين والأرز.
أزمة حادة
ما دفع عدة مقاه ومصانع إلى الإغلاق، مع تحذيرات من أزمة اجتماعية حادة جراء الارتفاع الكبير في الأسعار وتدهور القدرة الشرائية للمواطنين.
ويبلغ الحجم السنوي للاستهلاك الوطني من مادة السكر في تونس 365 ألف طن والمخزون الإستراتيجي 90 ألف طن.
وتقدر حاجة السوق المحلي من هذه المادة بألف طن يوميا، وفق تصريح المدير العام السابق للديوان التونسي للتجارة صلاح اللواتي في مايو/ أيار 2022.
ويقول مايكل العياري إن هذا الواقع الاقتصادي المتأزم يكسر "الإغراء الاستبدادي" الذي يحاول قيس سعيد ممارسته، مضيفا: "لا يمكنك أن تحكم مجتمعا بمرسوم".
وفي 18 أغسطس/ آب 2022، دخل الدستور الجديد الذي صاغه قيس سعيد، والذي قدمه للاستفتاء عليه، حيز التنفيذ.
لكن المفارقة، أنه حتى مع تركيز رئيس الجمهورية جميع السلطات بين يديه، فإن حكمه الفعلي ضعيف على أرض الواقع.
ويعدل قيس سعيد وهو أستاذ القانون الدستوري، مؤسسات الدولة كما يشاء، ويفرض أسلوبه على البلاد بنجاح نسبي، رغم امتناع 70 بالمئة عن التصويت على الاستفتاء.
على الورق، قيس سعيد هو إمبراطور قرطاج، لكنه رجل بلا ضوابط ولا توازنات.
أما معارضوه فقد برعوا لغة الصمت، حيث إن مختلف الأحزاب السياسية تدين وتحتج وتتوعد لكن يبدو أنه لا مصداقية لها على المستوى الشعبي.
ورأى الأمين العام لحزب الاتحاد الشعبي الجمهوري لطفي المرايحي في 5 سبتمبر/ أيلول 2022، أنه لا فائدة من معارضة قيس سعيد.
وقال المرايحي إن "رئيس الجمهورية لديه معارض قوي وشر جدا هو قيس سعيد"، مؤكدا أن قيس سعيد يعارض نفسه ولا فائدة من وجود معارضة.
وتابع: "هذه الفترة فترة من الماضي ويجب عدم الوقوف عندها، وهذا الدستور لا يعنيني، وقيس سعيد لا يعنيني، بصفته رجلا إمكانياته محدودة ولا ينصت لأحد وليس لديه القدرة على العمل مع فريق ويجب النظر إلى المستقبل".
صانع المشاكل
أما المجتمع المدني، الذي جرى الإشادة به لمدة طويلة، فهو واقف على حدي الصراع بين كل من أنصار قيس سعيد ومعارضيه.
إلى ذلك فقد كانت الأزمة الدبلوماسية التي ظهرت أخيرا بين المغرب وتونس جلية الملامح للجميع.
إذ بدأت الأزمة من رغبة قيس سعيد في استقبال زعيم جبهة البوليساريو التي تطالب بانفصال إقليم الصحراء عن المغرب ببروتوكول مخصص لرئيس دولة.
وهي لفتة سياسية تسببت في استدعاء السفير المغربي في تونس وما تلا ذلك من حرب بيانات صحفية بين الرباط وتونس.
ورأت الصحيفة الفرنسية أن قرار الرئيس سعيد من جانب واحد بشأن استدعاء إبراهيم غالي، يجعل من الممكن حصر حدود استبداده: في الدستور والشؤون الخارجية.
ويأتي كل ذلك في الوقت الذي يترقب فيه التونسيون أن يصدر قيس سعيّد مرسوما انتخابيا إعدادا للانتخابات التشريعية المعلنة في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2022.
إذ استقبل سعيّد، قبل أيام رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر، وبحث معه استعدادات الهيئة للانتخابات التشريعية.
وبحسب بيان للرئاسة أكد سعيد أنه سيضع "مشروع نصّ جديد مع اعتبار الملاحظات والمقترحات التي سيتقدّم بها الذين دعموا المسار الإصلاحي في 25 يوليو وانخرطوا في عملية التأسيس الجديد، عكس الذين يظهرون ما لا يبطنون وتسلّلوا باسم هذا المسار دون أن تكون لهم أي علاقة به".
وتزيد هذه التصريحات الغامضة من مخاوف إصدار قانون انتخابي بشكل فردي، يتضمن مشكلات الدستور الفردي نفسها.
كما تكشف غضب سعيد من بعض مناصريه مع نوايا لاستبعادهم وإقصائهم، فضلا عن معارضيه.