مع تحرره سياسيا.. إلى أي مدى كسر الساحل الإفريقي أغلال الغرب الاقتصادية؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

تشكل الثروات الطبيعية في دول الساحل الإفريقي واحدة من أهم معطيات الأزمة السياسية والانقلابات التي وقعت في السنوات الأخيرة بعد أن أطاح عدد من القادة العسكريين بالحكومات الشرعية بالمنطقة.

وفي إطار ذلك، تسلط صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية الضوء على مساعي النيجر إلى تعزيز اقتصادها من خلال تطوير صناعة تعدين النحاس؛ حيث منحت ترخيصا لشركة محلية لاستخراج النحاس بالقرب من مدينة أجاديز النيجرية. 

وفي الوقت نفسه، تشير الصحيفة إلى أن صناعة تعدين اليورانيوم تشهد توقفا بعد انقلاب 2023، مع سعي الحكومة لتقليل النفوذ الغربي في هذا القطاع. 

ومن ناحية أخرى، تسعى النيجر إلى جانب مالي وبوركينا فاسو، لتقوية تحالفاتها مع دول مثل الصين وروسيا وإيران في مجال التعدين؛ حيث تزايد دور هذه الدول في استخراج المعادن الحيوية مثل اليورانيوم والذهب.

ورغم الخطوات نحو الاستقلال الاقتصادي، إلا أن الشركات الأجنبية تظل مؤثرة في القطاع المعدني في المنطقة، وفق الصحيفة.

السيادة والإنتاج المحلي

تستهل الصحيفة الألمانية تقريرها بالإشارة إلى أن النيجر، من خلال استخراج النحاس في الصحراء بالقرب من أجاديز، تسعى إلى تحفيز اقتصادها وتوسيع صناعة التعدين.

وفي هذا الصدد، تذكر الصحيفة أن البلاد منحت ترخيصا لشركة "كومينير إس إيه" المحلية لاستخراج النحاس.

وبالنسبة لأولف لايسينغ، رئيس برنامج الساحل الإقليمي في مؤسسة "كونراد أديناور" في مالي، فإن "هذه الرخصة جزء من إستراتيجية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الشركات الأجنبية في استخراج المعادن".

وبهذا الشأن، قال لايسينغ: "من غير الممكن تحديد مدى نجاح هذا المشروع؛ إذ يقع المنجم المستهدف في الشمال، بالقرب من ليبيا؛ حيث الوضع الأمني سيئ جدا".

ومن ناحية أخرى، توضح الصحيفة أنه حسب تقديرات مشغلي منجم "مورادي"، فإن المقدار الذي سيُستخرج حوالي 2700 طن من النحاس سنويا على مدار عشر سنوات. 

ومن خلال هذا المشروع، تأمل الحكومة أن يوفر المنجم مئات من فرص العمل الجديدة وأن يكون صفقة مربحة؛ حيث يُتداول النحاس حاليا بسعر 9700 دولار أميركي للطن في السوق العالمية.

وفي هذا السياق، تنوه الصحيفة إلى أن الأمر لا يقتصر على النحاس فقط، بل من المتوقع أيضا استخراج الليثيوم، الذي يُعد عنصرا أساسيا في العديد من البطاريات والمهم للانتقال إلى الطاقة المتجددة، في منطقة دانيت بالقرب من أجاديز.

ومن المتوقع -بحسب الصحيفة- أن تنتج شركة "مناجم البحث والاستخراج" 300 طن سنويا.

ولضمان سيطرة الحكومة على الموارد، تذكر الصحيفة أن الدولة النيجرية تمتلك 25 بالمئة من أسهم منجم النحاس "كومينير" و40 بالمئة من أسهم شركة "كوميركس".

توقف استخراج اليورانيوم

وفي هذا الإطار، تذكر "دويتشه فيله" أن هذا البلد الصحراوي كان أيضا، لعقود من الزمن، منتجا كبيرا لليورانيوم. 

ووفقا لرابطة الطاقة النووية العالمية، يمتلك النيجر منجمين هامين لليورانيوم؛ حيث استخرج حوالي خمسة بالمئة من اليورانيوم المنتج عالميا في عام 2022.

ولكن منذ الانقلاب العسكري وتولي عبد الرحمن تشياني السلطة في النيجر في يوليو/ تموز 2023، توقفت إنتاجية اليورانيوم، بحسب ما ورد عن الصحيفة.

وفي هذا الصدد، يقول لايسينغ: “ذلك لأن الحدود مع بنين مغلقة ولا يمكن تصدير اليورانيوم إلا عبر بنين”. مشيرا إلى أن الميناء في كوتونو هو الوحيد الذي يمتلك ترخيصا لذلك.

ولفت إلى أن ذلك يوضح الواقع الداخلي في النيجر، موضحا أن "الحكومة تريد أن تقوم بالكثير من الأمور بنفسها، وأن تتوقف عن التعاون مع الشركات الفرنسية أو الشركات الغربية الأخرى".

وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة الألمانية عن لايسينغ رأيه بأنه "لن يحدث أي شيء جديد في إنتاج اليورانيوم، طالما بقيت الحدود مع بنين مغلقة بسبب الخلافات بعد الانقلاب".

وبالحديث عن تمويل المشاريع المحلية في قطاع التعدين، يقول لايسينغ: إن "التمويل ليس شفافا". 

مشيرا إلى أن "استخراج النحاس قد يُمول جزئيا من عائدات إنتاج النفط".

ومن ناحية أخرى، تلفت "دويتشه فيله" إلى أن المجلس العسكري، الذي حكم النيجر منذ يوليو/ تموز 2023، سحب أخيرا إذن شركة الطاقة النووية الفرنسية "أورانو" لاستخراج اليورانيوم، بعد 50 عاما من العمل في النيجر. 

وكما تؤكد الصحيفة، فقد أصبحت القوة الاستعمارية السابقة غير محبوبة في منطقة الساحل وفقدت نفوذها.

مضيفا: "وأصبح المجلس العسكري كذلك لا يرى نفسه ملزما بعد الآن باتفاقيات الشراكة التي وقعت تحت رعاية الرئيس محمد بازوم".

علاوة على ذلك، تنوه الصحيفة الألمانية إلى أن الشركة الكندية "غوفي إكس" لم تعد تملك ترخيصا لتشغيل منجم اليورانيوم "ماداوليا".

وفي هذا الإطار، يقول لايسينغ: إن "هذه أفعال رمزية تهدف إلى تقليل الاعتماد على الشركات الغربية". مؤكدا أنه "من الصعب تقييم فرص النجاح".

أما فيما يتعلق بالموارد الطبيعية اللازمة للانتقال إلى الطاقة المتجددة، تذكر الصحيفة أن الجار مالي أصبح الآن في وضع جيد أيضا.

ففي الأشهر الأخيرة، بدأ منجمان جديدان لاستخراج الليثيوم في العمل بالتعاون جزئيا مع الصين.

وأفادت الصحيفة بوجود كميات من النحاس والزنك والمنجنيز في بوركينا فاسو.

مسار مناهض للغرب

وفي إطار ذلك، تبرز "دويتشه فيله" أن الدول الثلاث تسير على نهج معادٍ للغرب وتبحث عن حلفاء جدد.

فمن جهة، تسعى روسيا للاستفادة من استخراج اليورانيوم من خلال شركة الطاقة النووية "روس آتوم". ومن جهة أخرى، تمتلك الصين -في الأغلب- شركة التعدين "أزليك".

ومن ناحية أخرى، وفقا لمنتدى الدفاع الإفريقي، تتفاوض النيجر مع إيران على بيع اليورانيوم.

جدير بالذكر أن حكومات جميع دول الساحل الثلاث باتت عسكرية بعد الانقلابات التي حدثت بين عامي 2020 و2023.

وفي سعي هذه الحكومات للتحرر من الشركاء القدامى والتغلب على العقوبات، انسحبت من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إيكواس" وأسسوا "تحالف دول الساحل" الخاص بهم.

وفي هذا السياق، يقول سعيديك أبا، رئيس مركز التفكير في شؤون الساحل "CIRES" ومقره باريس: "هناك رغبة قوية في هذه البلدان منذ فترة طويلة في التنويع في العلاقات الدولية".

كما يشير أبا، في حديثه مع "دويتشه فيله"، إلى أن "العلاقات الاقتصادية مع الغرب لم تكن متكافئة، حتى بعد نهاية الحقبة الاستعمارية".

ويضيف: "كانت الشروط تُفرض من قبل الدول الغربية بشكل أحادي. وعلى سبيل المثال، كانت الدول الغربية تحدد أسعار المواد الخام التي يشترونها من البلدان الإفريقية، وهو ما يعده الإفريقيون إجراء مجحفا غير عادل".

وفقا لخدمة أخبار التعدين "ماينينغ تكنولوجي"، فقد استخرجت بوركينا فاسو، في عام 2023، ما مقداره 57.3 طن من الذهب، مما جعلها تحتل المركز الرابع عشر عالميا. 

وهنا، تنقل الصحيفة الألمانية عن لايسينغ قوله: "البلد لم يتخذ نفس الخطوة التي اتخذتها مالي؛ حيث تريد مالي الحصول على المزيد من الأموال والرسوم والضرائب من شركات التعدين الغربية في إنتاج الذهب، بل لا يزال التركيز على التعاون المشترك".

ويضيف لايسينغ أن "بوركينا فاسو فهمت أنه سيكون من الصعب استمرارية إنتاج الذهب دون الشركات الأجنبية".

ولكن بالنسبة لمالي، تذكر الصحيفة أن وزارة التعدين أعلنت في عام 2024 عن انخفاض بنسبة 23 بالمئة ليصل الإنتاج إلى 51 طنا فقط.

مشيرة إلى أن "الحكومة العسكرية مارست ضغوطا على الشركات التي تستغل احتياطات الذهب". 

فعلى سبيل المثال، تطالب باماكو بحوالي 438 مليون دولار أميركي من عملاق التعدين الكندي "باريك جولد" عن الضرائب غير المدفوعة.

ولكن على الرغم من أن الحكومة الرسمية تتبنى خطابا يُظهر أنها الآن ذات سيادة، إلا أن الشركات الأجنبية لا تزال تلعب دورا كبيرا في الواقع، كما يقول لايسينغ.