انسحاب كليتشدار أوغلو.. هل تُفاقم اتهامات الفساد الخلافات داخل حزب "أتاتورك"؟

"الانقسامات العميقة داخل صفوفه تهدد بتفكك التحالفات المعارضة"
نتيجة متوقعة لمسار من التوترات والصراعات الداخلية التي عصفت بحزب “الشعب الجمهوري” المعارض في تركيا خلال الفترة الأخيرة، حين أعلن كمال كليتشدار أوغلو، عدم ترشحه مجددا لرئاسة الحزب في المؤتمر الاستثنائي بالعاصمة أنقرة في 6 أبريل/ نيسان 2025
ونشرت صحيفة “صباح” التركية مقالا للكاتب محمود أوفور، سلط فيه الضوء على الصراع الداخلي والمرحلة الجديدة من التحديات السياسية داخل حزب الشعب الجمهوري بعد التجديد لأوزغور أوزيل.
ملفات فساد
وأوضح كليتشدار أوغلو في بيان أن قراره بعدم الترشح “ليس نتيجة تهديدات السياسيين الذين قالوا لي: لو ترشحت سيبصق في وجهك'، لأن البصق يكون في وجه السارق، وأنا لم أسرق”.
وعلق أوفور قائلا: إن “تصريحه هذا، الذي جاء بنبرة غاضبة وغير معتادة، كشف حجم الضغوط التي واجهها في الآونة الأخيرة، التي لم تكن فقط من خصومه السياسيين، بل من داخل الحزب نفسه”.
وأفاد بأن “كليتشدار أوغلو تعرض لحملة تشويه ممنهجة قادتها وسائل إعلام محسوبة على التيار المعارض ومدعومة من مصادر تمويل خارجية، حيث استُخدمت فيها لغة قاسية وصلت إلى حدود الإهانة العلنية بمشاركة وجوه إعلامية بارزة”.
ويرى مراقبون أن "تقديم موعد المؤتمر الحزبي لم يكن مجرد إجراء تنظيمي، بل خطوة محسوبة تهدف إلى قطع الطريق أمام كليتشدار أوغلو للترشح مجددا، خصوصا بعد تصاعد الاتهامات بوجود (شبهات) في قيادة الحزب".
وقال أوفور: "لأجل ذلك فقد تم تحريك ماكينة إعلامية ضخمة لتحقيق هذا الهدف، مع تغييب شبه كامل لأي نقاش داخلي حول صحة ما يحدث أو خطورته على مستقبل الحزب".
وفي ظل هذا المناخ المتوتر "لم يكن أمام كليتشدار أوغلو سوى الإذعان للضغوط. حتى إنه اضطر –حسب تعبير البعض– إلى التصويت لصالح رئيس بلدية إسطنبول الكبرى السابق، أكرم إمام أوغلو، الذي وصفه هو نفسه في وقت سابق بـ(الطاعن في الظهر)".
وأردف الكاتب التركي بأن “التصريح الذي أثار زوبعة سياسية، والذي لمح فيه كليتشدار أوغلو إلى وجود (سارقين)، ألقى بظلاله الثقيلة على الساحة السياسية”.
ورغم عدم ذكر أسماء محددة، إلا أن كثيرين رأوا أن الاتهام موجه بشكل مباشر إلى إمام أوغلو وفريقه، الذين ارتبطت أسماؤهم أخيرا بملفات فساد تتعلق ببلدية إسطنبول الكبرى.
ومن اللافت أن هذه الملفات لم تذكر فيها أسماء قياديين آخرين في الحزب مثل أوزغور أوزيل أو غوكهان زيبك، وهو ما يسلّط الضوء أكثر على إمام أوغلو بصفته الهدف غير المعلن لكليتشدار أوغلو.
شكوك في الشرعية
وأشار الكاتب إلى أن "كليتشدار أوغلو لم يكن وحده من أطلق اتهامات مبطنة. فقد سبقته إلى ذلك ميرال أكشنار، زعيمة حزب "الجيد" وشريكته السابقة في (طاولة الستة)، التي قالت في تصريح مثير: عندما اكتشفنا أن من ساعدناهم على الفوز مجرد لصوص كبار، لا يمكنني وصف الألم الذي شعرنا به".
ورغم أنها لم تذكر أسماء أيضا، إلا أن المراقبين وجدوا تشابها واضحا في التلميح، وهو ما يعكس توافقا ضمنيا بين قيادات المعارضة على وجود تجاوزات خطيرة داخل بلدية إسطنبول، يقف وراءها أشخاص كانوا حتى الأمس القريب محل دعم وتحالف.
واستدرك الكاتب: "مع انسحاب كليتشدار أوغلو وتراكم ملفات الفساد والتخوين داخل الحزب، يواجه حزب الشعب الجمهوري مرحلة دقيقة قد تعيد تشكيل بنيته الداخلية وتؤثر على مستقبله السياسي".
واستطرد: "كما أن الانقسامات العميقة داخل صفوفه تهدد بتفكك التحالفات المعارضة التي نشأت لمواجهة السلطة، والتي باتت اليوم تعاني من خلافات أكبر مما جمعها يوما".
ويبقى السؤال: هل سيكون المؤتمر الاستثنائي بداية لعهد جديد في الحزب؟ أم استمرارا لسلسلة من التصفية والانقسامات التي قد تطيح بأكبر أحزاب المعارضة في تركيا؟"
وأردف الكاتب: "رغم انعقاد المؤتمر الاستثنائي للشعب الجمهوري وفوز أوزيل، تتزايد التساؤلات حول مدى شرعيته، خاصة في ظل حالة من التوتر والانقسام داخل الحزب وتصاعد الاتهامات بين أعضائه، وأبرزها التصريحات التي أدلى بها الرئيس السابق كمال كليتشدار أوغلو".
ورغم أن "كليتشدار أوغلو لم يكن حادا في لهجته إلا أن تصريحاته الأخيرة كانت كافية لإحداث زلزال داخل الحزب، فقد ألمح بوضوح إلى وجود فساد وتجاوزات، بل وذهب إلى حد وصف بعض الشخصيات النافذة في الحزب بـ(السارقين)".
وقال أوفور: "حين يصدر مثل هذا الاتهام عن أحد أبرز القادة التاريخيين للحزب، لا يمكن أن يُمرّ مرور الكرام، خاصة وهو يوجه ضمنيا إلى أسماء مرشحة لقيادة الحزب في المرحلة المقبلة".
من جهة أخرى، "المؤتمر انتهى بتزكية أوزغور أوزيل كمرشح وحيد للرئاسة، وصُور الأمر على أنه إجماع حزبي، غير أن الواقع يقول شيئا آخر".
ففي ظل مناخ "من التشكيك والصراع الداخلي، فإن ترشح أوزيل منفردا وفوزه بالرئاسة لن يعكس بالضرورة وحدة الصف، بل قد يُقرأ كمحاولة للالتفاف على الأزمة الحقيقية التي تعصف بالحزب منذ الانتخابات الأخيرة".
ولفت الكاتب النظر إلى أن الخطير في المسألة لا يقتصر على طبيعة القيادة، بل على الأجواء التي عقدت فيها جلسات المؤتمر، فمجرد أن يُتهم بعض من سيديرون الحزب بـ"السرقة" على لسان رئيسه السابق، فإن هذا الاتهام سيظل يلاحقهم، مهما كانت نتائج التصويت أو الشعارات المرفوعة".
ورأى أن “حزبا لا يستطيع ضمان مشاركة رموزه التاريخية، ولا يحظى بمشاركة واسعة من مندوبيه، يفقد تلقائيا الكثير من وزنه المعنوي في الساحة السياسية”.
وختم الكاتب مقاله قائلا: إن "انسحاب كليتشدار أوغلو ليس مجرد لفتة احتجاجية، بل رسالة واضحة مفادها: لا أعد هذا المؤتمر شرعيا".