دور حاسم.. هل ينجح ترامب وميلوني في كسر الجمود السياسي الليبي؟

“يمكن لواشنطن وروما المساهمة في إطلاق عملية سياسية جديدة”
لا يزال الجمود السياسي في ليبيا قائما، لكنّ هناك مجالا للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ورئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني لتحدي الوضع الراهن.
وأعلنت المؤسسة الوطنية للنفط في ليبيا، في يناير/كانون الثاني 2025، عزمها طرح مناقصة عامة قريبا لاستكشاف حقول نفط وغاز رئيسة، في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عام 2007.
وقد تمثل هذه الجولة المرتقبة من العطاءات فرصة حيوية لتحقيق قدر من الاستقرار وزيادة الإنتاج النفطي، فضلا عن جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى قطاع الطاقة. وفق "المجلس الأطلسي" الأميركي.
فرصة نادرة
ويمثل قطاع الطاقة شريان الاقتصاد الليبي بنسبة تقارب 60 بالمئة من الناتج المحلي، و94 بالمئة من الصادرات، و97 بالمئة من إيرادات الدولة.
ومع ذلك، لا تزال آفاق النمو واسعة، إذ لم يُستكشف بعد الجزء الأكبر من المياه الإقليمية الليبية ونحو 70 بالمئة من مساحة اليابسة، وهي مناطق يُعتقد أنها تحتوي على أحواض ضخمة من احتياطيات النفط والغاز.
وقال المجلس في تقرير له: "لكن هذه الجولة المرتقبة تأتي في ظل جمود سياسي مستمر منذ أكثر من عقد بين حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس ومجلس النواب في طبرق".
فمنذ عام 2014، فشلت الأطراف المتنازعة في التوصل إلى توافق بشأن مسار الانتخابات الوطنية أو عملية مصالحة سياسية شاملة.
وتُعد هذه الأزمة -بحسب التقرير- فرصة نادرة قد تكون الولايات المتحدة وإيطاليا في موقع مميز، بل ولديهما الدافع، للعب دور حاسم في احتوائها.
ففي ظل استمرار هذا الجمود، يصعب تصور تدفق استثمارات كبيرة في قطاع الطاقة إلى طرابلس، بل إن استمراره قد يفتح الباب أمام انزلاق ليبيا إلى دوامة أعمق من التدخلات الخارجية الخبيثة، وفق وصف المجلس.
وأضاف أن "هنا، يمكن لكل من واشنطن وروما استثمار نفوذهما العالمي للحد من تفشي الفساد المستشري، والمساهمة في تمهيد الطريق نحو عملية سياسية بقيادة تكنوقراط ليبيين".
"أما "الثمن المقابل لهذا الدور الأميركي-الإيطالي، فهو ما تحمله ليبيا من فرصة إستراتيجية لتعزيز التعاون في مواجهة تنامي نفوذ روسيا والصين داخل البلاد".
وأشار المجلس إلى أن "أي انخراط دولي جديد في الملف الليبي دون دور أميركي واضح في تسهيل التوصل إلى اتفاق، ينذر بانزلاق البلاد إلى شبكة أعمق من التدخلات الأجنبية الخبيثة، ويقوّض فرص التنمية ومستقبل الاستقرار".
ويُعد ترامب، إلى جانب شريكته في حلف شمال الأطلسي (الناتو) ميلوني، من أبرز اللاعبين الدوليين في الملف الليبي، وقد أتاح غيابهما الدبلوماسي الفرصة لروسيا والصين لتوسيع نفوذهما داخل البلاد، وفق التقرير.
وأضاف أنه "من خلال قيادة مسار سياسي جديد، يمكن لواشنطن وروما أن تجنيا فوائد إستراتيجية، من ضمنها الفوز بعقود استكشاف موارد الطاقة الليبية، والمساهمة في تلبية احتياجات أوروبا من الطاقة، وضمان تلبية تطلعات الليبيين نحو الديمقراطية التي نادوا بها منذ عام 2011".
تحركات إيطالية
وأفاد بأن "إيطاليا بدأت بالفعل في تطوير إطار عمل يمكن لترامب أن يسانده؛ إذ تسعى إلى أن تصبح مركزا للطاقة في أوروبا، من خلال تسهيل تصدير النفط والغاز من إفريقيا إلى القارة الأوروبية، في وقت تتجه فيه أوروبا لفك ارتباطها بالموارد الروسية".
وتُعد "خطة ماتي" التي أطلقتها ميلوني -والمُسمّاة على اسم مؤسس شركة إيني النفطية، إنريكو ماتي- ركيزة أساسية لهذا الطموح، وقد تشكل ليبيا حجر الأساس في تحقيقه.
وأكد التقرير على أن “فرص الطاقة في طرابلس لا تزال غير مستغلة، لكنها قادرة على تقديم مزايا تنافسية لإيطاليا وأوروبا من خلال كلفة إنتاج منخفضة ونفط خام خفيف عالي الجودة يتفوق على ما لدى دول الجوار”.
وكانت استثمارات إيطاليا في ليبيا محدودة نسبيا؛ بسبب المخاوف من عدم الاستقرار الحكومي، لذلك، اتجهت روما لعقد اتفاقيات طاقة مع شركاء آخرين في شمال إفريقيا، مثل مشروع الربط الكهربائي "إلميد" مع تونس، وشركة "سوناطراك" الجزائرية.
ومع ذلك، استأنفت شركة "إيني" أعمال الحفر في مناطق من حوض غدامس أواخر العام 2024، بعد توقف دام قرابة عقد، في إشارة إلى استعدادها للاستثمار في الإمكانات الليبية بمجال الطاقة.
ويُضاف إلى ذلك أن قرب ليبيا الجغرافي من إيطاليا يتيح تخفيض تكاليف النقل، “ما يجعلها شريكا جاذبا للغاية في مجال الطاقة”، وفق التقرير.
وأكد على أن "ميلوني تدرك أن غياب حل سياسي واضح في ليبيا يجعل أي استثمار في قطاع الطاقة محفوفا بالمخاطر".
واستطرد: “فقد فشل كل من مجلس النواب وحكومة الوحدة الوطنية في الوفاء بتعهدهما بإجراء الانتخابات، ما أفقدهما الشرعية لدى شريحة واسعة من الليبيين، بعد سنوات من الانفصال عن تطلعات الشعب ومستقبل البلاد”.
عملية جديدة
ويمكن للولايات المتحدة وإيطاليا المساهمة في إطلاق عملية سياسية جديدة من خلال فرض عقوبات على من وصفهم تقرير المجلس الأطلسي بـ"فاسدي ليبيا"، الذين عرقلوا التوصل إلى حل سياسي على حساب الأرواح.
ويقترح الحد من إشراك هؤلاء في أي مسار سياسي مقبل، خشية أن يُفرغوا العملية من مضمونها مقابل وعود بسلطة مستقبلية.
وبدلا من ذلك، يمكن لواشنطن وروما التركيز على دعم المجتمع المدني الليبي، والانفتاح على الخبراء السياسيين والاقتصاديين في الداخل والخارج، لقيادة مرحلة انتقالية محددة المهام والصلاحيات والجدول الزمني، تمهيدا لإجراء الانتخابات.
وقال: "تتطلب العملية السياسية المجددة التفاوض بشأن الدور المستقبلي للجنرال (الانقلابي) خليفة حفتر في ليبيا، وهي مسألة لا يملك أحد قدرة تأثير فيها تضاهي الولايات المتحدة، نظرا لحمل حفتر الجنسية الأميركية وامتلاكه أصولا في منطقة واشنطن الكبرى".
كما أن العلاقة التي أقامها مع الرئيس ترامب خلال ولايته الأولى قد تتيح للإدارة الأميركية “فرصة تفاوضية غير مسبوقة مع معسكر حفتر بشأن مستقبل ليبيا”، وفق التقرير.
وهناك جاذبية إضافية لترامب في ليبيا؛ إذ تُعدّ الأخيرة عضوا مهما في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وكان ترامب قد صرّح مطلع العام 2025 بأنه سيطالب المنظمة بخفض أسعار النفط، محملا ارتفاعها للحرب الروسية- الأوكرانية.
ويمكن لطرابلس المساعدة في تقليص تكاليف النفط من خلال زيادة الإنتاج واستقراره.
وأشار وزير النفط والغاز الليبي بالإنابة، خليفة عبد الصادق، بالفعل إلى هدفه في زيادة الإنتاج من 1.5 مليون إلى 2 مليون برميل يوميا بحلول ديسمبر/أيلول 2025. وقد تعافى الإنتاج وزاد في الأشهر الأخيرة.
ومن خلال جذب الاستثمارات، يمكن لقطاع الطاقة في البلاد أن يعود إلى مستوى إنتاج ما قبل عام 2011.
وأضاف التقرير أنه "عبر تنويع الاستثمارات الأجنبية في البلاد بعيدا عن القوى الأجنبية غير المرغوب فيها مثل الصين وروسيا، اللتين أفسدتا عملية السلام من خلال السعي وراء مصالحهما الخاصة، يمكن لليبيا ضمان شفافية أكبر للمتعدين على القوانين الدولية، بما في ذلك حظر الأسلحة الحالي".
واستدرك أن "مع ذلك، لا يمكن تحقيق ذلك من خلال الوضع الراهن، فقد حان الوقت لتجديد الانخراط الأميركي-الإيطالي في ليبيا بحثا عن حلول مبتكرة لحالة الجمود التي طال أمدها".
وقال المجلس: "لقد أثبت ترامب بالفعل أنه ليس خائفا من التفكير خارج الصندوق في الشؤون الخارجية خلال ولايته الثانية، وهي سياسة قد تساعد في إتمام صفقة لإنهاء الجمود القائم في ليبيا".