خطوة متعثرة.. كيف فشلت الاستشارة الإلكترونية في حشد الدعم لقيس سعيد؟

تونس- الاستقلال | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

اقترب موعد انتهاء الاستشارة الإلكترونية التي دعا إليها الرئيس التونسي قيس سعيد، كأول خطوة في خريطة الطريق التي تمهد لوضع دستور جديد للبلاد، وسط مقاطعة واسعة لها وانتقاد للأساليب التي انتهجتها أجهزة الدولة لحث المواطنين على المشاركة فيها.

ويتهم قيس سعيد ومعاونوه بإهدار أموال الدولة خلال حملة الترويج للاستشارة، زادها سوء إدارتها وتعثرها وتوظيف المؤسسات العمومية للترويج لها.

والاستشارة الإلكترونية كان قد أعلن عنها سعيد، في ديسمبر/كانون الأول 2021، وانطلقت رسميا منتصف يناير/كانون الثاني 2022، على أن تنتهي في 20 مارس/آذار من ذات العام.

تهدف هذه الاستشارة إلى معرفة التوجهات العامة للمواطنين الذين تتجاوز أعمارهم 16 عاما حول مجموعة من الملفات المتعلقة بالوضع السياسي والاقتصادي والاجتماعي في البلاد، عبر طرح مجموعة من الأسئلة يجيب عنها المشاركون من خلال موقع إلكتروني، تحدد التوجهات العامة للدستور الجديد.

كما أن نجاح هذه الاستشارة كان يمكن أن يكون تثبيتا للشعبية المزعومة لقيس سعيد وإجراءاته في 25 يوليو/تموز 2021، فإن فشلها تأكيد على توسع دائرة المعارضة له وأول تعثر في خارطة طريقه، ما يفتح الباب على مصراعيه لرفض مخرجاتها وكل ما يبنى عليه من دستور واستفتاء وانتخابات نيابية.

مقاطعة واسعة  

لأسابيع طويلة، بشر قيس سعيد التونسيين بحوار وطني مختلف يعتمد فيه على آراء الشباب في مختلف مجالاتها الاقتصادية والسياسية. 

واختار القائمون على الاستشارة شعار "رأيكم قرارنا" الذي اعتبره كثيرون حاملا في طياته أمرا مفتوحا للتأويل، وأن نتائجها معلومة منذ البداية، وهي مجرد إخراج قرارات متخذة قبل انقلاب 25 يوليو 2021. 

ففي عريضة إلكترونية أطلقها "اللقاء الشبابي من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية"، دعا الشباب وعموم التونسيين، لمقاطعة الاستشارة.

وعدتها "إمعانا في الانفراد بالسلطة وإلغاء للتعددية السياسية ومصادرة لحق الشعب التونسي في ممارسة سيادته عبر عملية سياسية ديمقراطية ومؤسسات شرعية منتخبة". 

وأضافت العريضة التي وقع عليها المئات من الناشطين السياسيين والمدنيين الشباب أن هذه الخطوة التفاف على مطالبات المجتمع السياسي والمدني بإنهاء حالة الانفراد بالسلطة، وللتغطية على العزلة السياسية التي تعانيها. 

ولم يتأخر قيس سعيد طويلا ليؤكد تخوفات المعارضين، حيث أعلن في 27 يناير 2022، أن 82 بالمئة من مواطني بلاده يفضلون النظام الرئاسي.

وأضاف في معرض كشفه للنتائج التي رصدتها السلطات خلال الأيام الأولى للاستشارة، خلال اجتماع لمجلس الوزراء: "82 بالمئة من المواطنين يفضلون النظام الرئاسي، و92 بالمئة يؤيدون سحب الثقة من النواب البرلمانيين".

كما تابع: "89 بالمئة من المواطنين ليست لديهم ثقة بالقضاء، و81 بالمئة يؤيدون أن تتولى الدولة تنظيم الشؤون الدينية". ومضى سعيد مؤكدا: "هذه الأرقام ليست مزيفة، ولم يضعها أشخاص من مكاتب أو جهات".

من جهتها أعلنت رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي أنها لن تعترف بأي نتائج تنبثق عن الاستشارة الوطنية، مشيرة إلى أنها ستتقدم بشكوى قضائية ضد المشرفين عليها بتهمة "إهدار المال العام وتدليس إرادة المواطنين".

وتتهم موسي السلطات التونسية بتنفيذ صفقة مشبوهة لإعداد موقع الاستشارة الإلكترونية بالإضافة إلى إنفاق أموال غير محددة بميزانية الدولة للدعاية والترويج لها.

هذا الاهتمام الكبير من قيس سعيد بالاستشارة ونتائجها لم يغير من حجم المشاركة فيها، فبعد أكثر من 3 أشهر من إطلاقها لم يتجاوز عدد المشاركين نصف مليون مشارك، على الرغم من الحملة الدعائية الكبيرة إعلاميا وميدانيا.

خطوة متعثرة

وبحسب ما أعلن عنه سعيد في 13 ديسمبر/كانون الثاني 2021، فإن البلاد ستشهد انتخابات تشريعية جديدة يوم 17 من ذات الشهر لعام 2022، على ضوء دستور جديد وقانون انتخابي تعده لجنة من الخبراء يجري اختيارهم من قبله.

هذا الدستور الذي سيعرض على الاستفتاء في 25 يوليو 2022، هو عبارة عن تأليف لخلاصة النتائج الصادرة عن الاستشارة الإلكترونية والتي ستحدد أهم التوجهات التي سيتشكل بها النظام السياسي الجديد .

لذلك يرى عدد من المراقبين أن مرحلة الاستشارة الوطنية هي نقطة البداية والحجر الأساسي لخريطة الطريق التي كان قد أعلن عنها سعيد للخروج من الوضع الاستثنائي.

الاستشارة أثارت جدلا كبيرا في البلاد وتشكيكا في مصداقيتها، إلا أن سعيد يراهن كثيرا عليها، فهي التي تحمل مشروعه السياسي باعتبار أنها عبارة عن عملية لسبر آراء التونسيين ومعرفة انتظاراتهم أو مطالبهم خاصة على المستوى السياسي.

وهو ما أجبره على البحث عن مخارج لاحتواء التعثرات وضعف المشاركة، على أمل تحسنها في الأيام القليلة القادمة مع قرب انتهاء الفترة المحددة.

وكغيرها من الملفات، حمل سعيد مسؤولية الفشل لأطراف أخرى، حيث أقر لدى إشرافه على مجلس الوزراء بأن عدد المشاركين في الاستشارة الوطنية الإلكترونية دون المطلوب.

وقال سعيد: "بالإضافة إلى المشاكل الفنية وهذا طبيعي، هناك عقبات أخرى من قبل المنظومة القديمة التي تحاول بكل ما أوتيت من أدوات إجهاض هذه التجربة"، وفق تعبيره.

وهو ما دفعه للبحث في اتخاذ قرار "فتح الإنترنت مجانا" أمام التونسيين، لزيادة المشاركة في "الاستشارة الإلكترونية" التي أطلقها، الأمر الذي قوبل بموجة سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

وجاء في بيان للرئاسة التونسية في مارس 2022 أن "لقاء سعيد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن تناول الاستشارة الوطنية وجرى النظر في سبل فتح شبكة الإنترنت دون مقابل لتمكين المواطنين من المشاركة فيها حتى يساهموا بتحديد أسس المستقبل الذي يريدون". 

وشهدت المدن التونسية والأسواق الأسبوعية إقامة عدد من الخيام الدعائية للاستشارة، كما تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لأطفال يروجون لها وفيديو آخر لعز الدين شلبي محافظ ولاية بن عروس يدعو فيه الموظفين إلى جلب المواطنين للمشاركة فيها.

وانتشرت مقاطع مصورة في عدد من المدن التونسية لسيارات تجوب المدن بمكبرات الصوت شبيهة بالباعة المتجولين، مما أثار سخرية واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

الحل في الحوار 

يؤكد الأمين العام لحزب التكتل من أجل العمل والحريات كمال القرقوري أنه يمكن وصف الاستشارة الإلكترونية بأنها مجرد تهريج أو عبث فقط ولا يمكن أن ترتقي إلى مستوى عملية تجميع لآراء المواطنين ومواقفهم من الوضع السياسي والاقتصادي في البلاد.

وهو ما أكده ضعف المشاركة فيها ومقاطعتها من قبل الأغلبية العظمى من التونسيين، وفق حديثه لـ"الاستقلال".

وقال القرقوري "موقفنا في حزب التكتل وفي تجمع القوى الديمقراطية هو نفسه من كل الخطوات التي أعلن عنها قيس سعيد، ونحن نرفض المشاركة فيها جميعا، وما بني على باطل فهو باطل".

وبين أن تعطيل العمل بالدستور وجمع السلطات لا يمكن أن يبنى عليه مسار ديمقراطي لحل الأزمة، ونسبة المشاركة الضعيفة في الاستشارة تجعل من المسار الدستوري الذي يريد أن يفرضه رئيس الجمهورية غير شرعي.

وذكر القيادي في حزب التكتل بأن دستور العام 2014 كان بمشاركة المجتمع المدني والسياسي وتحت رقابة المواطنين وتأثيرهم.

"ففي تلك الفترة كنا نقول أنه أصبح في البلاد 10 ملايين خبير دستوري، وكان الفصل الواحد يأخذ أسابيع من النقاشات والجدل ليس داخل المجلس الوطني التأسيسي فقط بل داخل المجتمع المنظم مدنيا وسياسيا والمجتمع غير المنظم"، وفق قوله.

وأضاف الأمين العام لحزب التكتل "الحل الوحيد الذي يمكن أن يخرج البلاد من أزمتها هو حوار وطني بين الفرقاء السياسيين، دون أي إقصاء بأي حجة، خاصة اتهام الخصوم بالفساد، حيث إن هذا الاتهام لا يمكن الحسم فيه إلا بحكم قضائي".

وأمام تصاعد الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد، وافتقار الأسواق التونسية إلى المواد الغذائية الأساسية، وتواصل أزمة الأجور التي أصبحت تهدد الموظفين والعمال في القطاع العمومي نهاية كل شهر، تتوسع دائرة المعارضين لإجراءات قيس سعيد وينسحب جزء كبير من المواطنين من مساندته.

كما أن القوى المعارضة بدأت تقدم بوادر حسن نية تجاه بعضها البعض لخلق فضاء للحوار وتنسيق المواقف للخروج من الأزمة التي أدخل قيس سعيد البلاد فيها.

ومن ذلك، ما جاء على لسان غازي الشواشي الأمين العام لحزب التيار الديمقراطي (22 نائبا من أصل 217 في البرلمان المجمد) خلال حوار إذاعي في 14 مارس 2022، عبر فيه على استعداده للحوار حتى مع حزبي النهضة و"الدستوري الحر".