"التوافق الحضري" بإسطنبول.. كيف تسبب في اعتقال أكرم إمام أوغلو؟

داود علي | منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

العملية الأمنية التي أطلقت ضد رئيس بلدية إسطنبول الكبرى أكرم إمام أوغلو، في 19 مارس/ آذار 2024، على خلفية اتهامات بالفساد والإرهاب، استندت إلى عدة اتهامات منها "التوافق الحضري".

ويُقصد بـ"التوافق الحضري"، اتفاق يسهل أكرم إمام أوغلو بموجبه حضور حزب العمال الكردستاني “بي كا كا” في مجلس بلديات إسطنبول مقابل دعم حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب “ديم” الكردي في انتخابات البلدية.

كما يهدف هذا الاتفاق بالعموم إلى دمج الأكراد الموجودين في المدن الغربية من تركيا داخل مجالس البلديات عبر حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، وهو ما تراه السلطات التركية تهديدا لأمنها.

وينتشر المكون الكردي في عموم تركيا ويمثل نحو ربع سكان البلاد، غير أن مدن الشرق والجنوب الشرقي تمثل الثقل الحقيقي لهم، على عكس الغرب التركي المعروف بأنه ليس منطقة كردية من الدرجة الأولى.

التوافق الحضري

وكانت إستراتيجية "التوافق الحضري" واحدة من قرارات عشرة، تم اتخاذها في اجتماع الجمعية العامة لحزب المساواة وديمقراطية الشعوب، بعد خسارة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية عام 2023.

فبعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالرئاسة، ونجاح حزبه العدالة والتنمية مع حليفه حزب الحركة القومية في تحقيق الأغلبية البرلمانية، أعلن الحزب الكردي عن إستراتيجيته، في اجتماع الجمعية العامة خلال ديسمبر/ كانون الثاني 2023، عن قرارات بشأن الانتخابات المحلية (البلديات) في مارس/ آذار 2024 ، ومنها قرار "التوافق الحضري". 

وحينها قالت "إلكنور بيرول"، المتحدثة باسم لجنة شؤون الانتخابات في الحزب خلال مقابلة مع وكالة أنباء "حين نيوز" التركية، إن "التوافق الحضري نموذج للعيش والحكم في آن واحد". 

وأضافت: "سنفوز في انتخابات البلديات بالعديد من المحافظات والأحياء والبلديات التي لم نحكمها سابقا".

وقدمت بيرول شرحا لشكل التوافق الحضري، الذي سيكون بناء عليه التحالف الانتخابي.

حيث قالت: "سننقذ الشعب من الفساد وشبكات التربح ومن ينكرون هويتنا، ولتحقيق هذا الهدف، سنمضي قدما من خلال إقامة تعاونات وتحالفات مختلفة تحت اسم حزبنا" .

وأضافت: "سنتواصل مع جميع المؤسسات والمنظمات والعمال والنساء والشباب، والمنظمات الدينية، والأحزاب السياسية، والمنظمات العمالية والمهنية في المناطق الغربية".

تحريك القضية 

وجاء التحرك القضائي ضد "التوافق الحضري" في 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، عندما اعتقل أحمد أوزر، رئيس بلدية منطقة "اسنيورت" في إسطنبول، التي تعد من أهم مراكز الانتخابات من حيث "التوافق الحضري".

وتم الاعتقال بتهمة "الانتماء إلى حزب العمال الكردستاني"، وتم تعيين رئيس آخر مكانه.

وقد تم تضمين "التوافق الحضري" ضمن لائحة الاتهامات الأساسية التي تم إعدادها ضد أوزر.

وورد في لائحة الاتهام أن هذه الإستراتيجية تهدف إلى "زيادة نفوذ حزب العمال الكردستاني في المحافظات الكبرى".

في هذه الأثناء، أطلق مكتب المدعي العام في إسطنبول تحقيقا بتهمة "الإرهاب"، مشيرا إلى "التوافق الحضري" كسبب.

وفي إطار التحقيقات، تم اعتقال العديد من الأشخاص في عملية نفذت في 11 فبراير/ شباط 2025، ضد تسع بلديات تابعة لحزب الشعب الجمهوري المعارض، في إسطنبول.

وكانوا كالتالي: "اسنيورت، كارتال، أتا شاهير، أوسكودار، سانجاك تيبي، توزلا، الجزر"، إضافة إلى "شيشلي بيوغلو".

حينها تم اعتقال عشرة أشخاص، من بينهم رئيس بلدية "أتا شاهير" ليفان جور، ونائب رئيس بلدية "كارتال" جمال الدين يوكسل.

وبحسب الادعاء العام التركي، فإن هذه القضية قد تتراوح أحكام السجن فيها إلى مدة لا تقل عن 15 عاما.

حينها علق رئيس حزب الشعب الجمهوري، أوزغور أوزيل، على التحقيق قائلا: “إن المدعي العام في إسطنبول ينفذ عملية سياسية، لا نعلم في أي مرحلة وصلنا، لكننا نعلم أنها لم تنته بعد”، وأكمل "لن نتحمل النهاية التي يريدونها".

رد أكرم 

ومع تطورات الأحداث تم إصدار مذكرة اعتقال بحق 7 أشخاص، من بينهم إمام أوغلو، في إطار تحقيق الإرهاب، تحديدا "التوافق الحضري". 

ومن ضمن الذين اعتقلوا، نائب الأمين العام لبلدية إسطنبول الكبرى ماهر بولاتم، ورئيس بلدية شيشلي رسول أكرم شاهان، ونائبة رئيس بلدية شيشلي إبرو أوزديمير. 

وكشفت وسائل إعلام، منها هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”، أن إمام أوغلو، رد خلال التحقيقات على سؤال حول التوافق الحضري"، قائلا: "إنهم بطبيعة الحال يستخدمون مصطلحات مثل تحالف إسطنبول، وتحالف تركيا خلال فترات الانتخابات".

وأضاف: "إن التعريف الذي وضعه حزب سياسي آخر (يقصد حزب ديم)، وموقف من يشاركونه الشعور نفسه، ملزم لهم".

وأكمل: "أعلم أن عبارة (التوافق الحضري) هي خطاب حزب المساواة وديمقراطية الشعوب (ديم)".

وقال إمام أوغلو: "لا ينبغي طرح مسألة التوافق الحضري علي، بل على مسؤولي حزب ديم، الذين يشاركون حاليا في دبلوماسية مكثفة مع الحكومة في الأجندة السياسية الحالية في تركيا".

وذهبت الأسئلة إلى أن بعض المشتبه بهم في تحقيق الإرهاب، المتعلق بالتوافق الحضري، هم أعضاء في بلدية إسطنبول الكبرى وبعض مجالس البلديات في المقاطعات، وأن هناك أشخاصا مرتبطين بـ "المنظمة الإرهابية المسلحة" بين أبناء هؤلاء الأشخاص.

لينتقد إمام أوغلو السلطات، بما في ذلك اللجنة العليا للانتخابات، أثناء إجابته على السؤال، موضحا أنه بعد تقديم أسماء المرشحين إلى لجان الانتخابات المحلية قبل الانتخابات، يجب إزالة من لا يحق لهم الترشح، بمن فيهم أعضاء المنظمات الإرهابية، من القوائم.

وأضاف: "إما أن اللجنة العليا للانتخابات لم تقم بواجبها، أو أن التحقيقات التي أجرتها لم تكن عادلة".

80 مليون دولار 

وكشفت صحيفة "تي آر هابر" التركية المحلية في 19 مارس 2025، أن التحقيق الذي بدأه مكتب المدعي العام في إسطنبول ضد إمام أوغلو، شمل تهمة "إنشاء منظمة إجرامية بهدف الربح"، وأنه يقوم بنقل موارد بلدية إسطنبول الكبرى إليها.

وحققت النيابة العامة في ادعاء أن إمام أوغلو أرسل 100 مليون دولار إلى زعيم حزب العمال الكردستاني في أوروبا، رمزي كارتال، تحت اسم "التوافق الحضري" قبل الانتخابات المحلية في 31 مارس 2024 .

ومما ورد أن إمام أوغلو تدخل لإقناع باشاك دميرتاش (زوجة زعيم حزب الشعوب الديمقراطي السابق صلاح الدين دميرتاش)، التي أعلنت أنها ستكون مرشحة حزب "ديم" في انتخابات إسطنبول، بالتراجع عن قرارها.

وأرسل حينها 20 مليون دولار بشكل غير مباشر إلى ممثل حزب العمال الكردستاني في أوروبا رمزي كارتال. وعندها انسحبت باشاك دميرتاش من ترشحها، بعد الدفع باستخدام العملات المشفرة. 

ومع ذلك لم يكن مبلغ 20 مليون دولار كافيا لإتمام المفاوضات بشأن الصفقة عموما. 

حيث أرسل رمزي كارتال رسالة إلى إمام أوغلو، مفادها أنه يجب تحويل 80 مليون دولار أخرى إلى المنظمة. 

وورد في سجل الاتهامات بحسب الصحيفة التركية، أن إمام أوغلو، كان غاضبا للغاية في البداية ووجه شتائم بذيئة إلى كارتال.

لكنه في النهاية قام بتحويل الأموال التي طلبها كارتال إلى التنظيم في أوروبا، وترى أن الأمر يعد "رشوة انتخابية".

تصريحات أردوغان 

وانتقد حزب العدالة والتنمية هذه الإستراتيجية بشدة خلال الحملة الانتخابية، ثم هاجم رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان "التوافق الحضري" في خطاباته خلال هذه الفترة.

على سبيل المثال، في خطاب ألقاه في 23 فبراير 2024، قال: "إن حقيقة أن حزب الشعب الجمهوري يسعى إلى التوصل إلى تسوية مع الانفصاليين، تشير إلى أنه لم يعد لديه أي شيء مشترك مع هذا البلد وهذا الشعب".

وفي خطاب آخر بتاريخ 13 مارس 2024، قال أردوغان: "لقد اختلقوا ما يُسمى بالتوافق الحضري، وليس من الواضح من يملك زمام الأمور".

من جانبه، قال مرشح حزب العدالة والتنمية لانتخابات البلدية في إسطنبول مراد كوروم، خلال حملته: "إنهم يحاولون تشكيل تحالفات قذرة خلف الطاولة وخلف الباب، ولا يستطيعون الحديث عن هذه التحالفات.. ثم يصفونها بالتوافق الحضري". 

فيما قال الكاتب التركي إبراهيم كاراغول، في تغريدة عبر “إكس” إن "ما يسمى بالتوافق الحضري، في واقع الأمر، هو مشروع يهدف إلى تغيير النظام في تركيا".