الجزائر تسعى لفك الخناق عن مالي بعد العقوبات والحصار.. ما سر الاهتمام المتزايد؟

قسم الترجمة | 3 years ago

12

طباعة

مشاركة

مرة أخرى، تلعب الجزائر دورا مهما في أزمة مالي، وهي تحاول كسب ثقة المجلس العسكري لدفعه نحو قبول فترة انتقالية مدتها 16 شهرا.

تكرر المشهد أربع مرات نهاية يناير/كانون الثاني 2022، وشرعت طائرة شحن من طراز إليوشين II-76 تابعة للقوات الجوية الجزائرية بإطلاق عشرات الطرود من المواد الغذائية والأدوية متجهة إلى باماكو، وفق ما قالت مجلة جون أفريك الفرنسية.

إجمالا، جرى تسليم 108 أطنان من الضروريات الأساسية و400 ألف جرعة من اللقاح المضاد لفيروس كورونا المنتج في الجزائر إلى السلطات المالية.

وأكد بيان صحفي للهلال الأحمر الجزائري أن "عمليات التضامن هذه تدل على البعد الإنساني الذي يميز علاقات الجزائر مع الدول الصديقة، وكذلك حرصها الدائم على توطيد أواصر الصداقة بين الشعبين المالي والجزائري".

ولفت الوضع في مالي أنظار المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "الإيكواس" وبشكل خاص الجزائر التي تعتبر هذا البلد عمقا إستراتيجيا لها في القارة، وإحدى الدول الحليفة والصديقة التي تقاسمها ذات التوجهات، وتجمعهما روابط تاريخية واجتماعية قوية.

وهو ما أكده بيان للرئاسة الجزائرية جاء فيه "تهدف الجزائر إلى إقامة حوار هادئ وواقعي مع المجموعة الاقتصادية بغية التوصل إلى خطة للخروج من الأزمة تأخذ في عين الاعتبار المتطلبات الدولية وتطلعات الشعب المالي المشروعة، وكذلك العوامل الداخلية".

وبين أن هذا جاء بصفتها (الجزائر) قائدة للوساطة الدولية ورئيسة لمجلس متابعة اتفاقية السلام والمصالحة في مالي.

ويأتي هذا باعتبار الجزائر أيضا بلد مجاور يتقاسم مع جمهورية مالي حدوداً برية وتاريخاً طويل الأمد يميزه حسن الجوار، وفق المجلة الفرنسية.

وحذرت الجزائر من العواقب السياسية والأمنية والاقتصادية التي قد تنتج عن انتقال طويل الأمد للسلطة في مالي.

قفزة نوعية 

خلف الكواليس، تعد الوكالة الجزائرية الجديدة للتعاون الدولي من أجل التضامن والتنمية هي المسؤولة. 

يترأسها بوجمعة الدلمي الذي يحتفظ في الوقت الحالي بمكانته كمبعوث خاص لمنطقة الساحل وإفريقيا لدى وزارة الخارجية. 

سيكون مهندس الخطة الجزائرية الجديدة لمالي والتي من المفترض أن تنقذ الوضع بعد تسارع الأحداث في الأسابيع الأخيرة والطلاق المفترض بشكل متزايد بين باريس وباماكو. 

نتج عن عودة الجزائر إلى ملف مالي في الأسابيع الأخيرة مبادرات وساطة بين المجلس العسكري الحاكم في باماكو والإيكواس. وقد رحب الاتحاد الإفريقي بهذه الجهود. 

وفي بيان صدر بختام الاجتماع الذي عقد بالجزائر في 14 يناير بشأن الوضع في ذلك البلد، رحب مجلس السلم والأمن الإفريقي "باقتراح الجزائر دعم جمهورية مالي والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا على المسار المفيد للتفاهم المتبادل".

ودعا سلطات المرحلة الانتقالية في مالي و"الإيكواس" للمشاركة "معا في هذه المبادرة لمعالجة نقاط الاختلاف العالقة بهدف تسهيل عودة البلد إلى الدستور النظامي في غضون فترة مناسبة وعملية لا تتجاوز 16 شهرا".

يعزز هذا البيان الصحفي الصادر عن مجلس الأمن والسلم المبادرة الجزائرية والتي تعتبر معقدة نظرا للمواقف غير القابلة للتوفيق بين الكتلتين.

إذ تريد الحكومة المالية إنشاء فترة انتقالية طويلة تصل إلى خمس سنوات، وتحتاج المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا إلى فترة انتقالية قصيرة. وقد قرر المجلس على الفور تطبيق عقوبات لعزل باماكو. 

يوضح دبلوماسي مطلع على الأمر أن "الخوف الوحيد اليوم هو تعريض اتفاقات الجزائر للخطر من خلال الاقتراب الشديد من المجلس العسكري في باماكو الذي لا يميل صراحة إلى تطبيقها".  

وأردف: "يكمن الخطر بالنسبة لنا في وضع أنفسنا على خلاف مع الأطراف الموقعة التي يمكن أن تخسر بشكل كبير مع هذه القوة". 

يهدف هذا النهج أولا وقبل كل شيء إلى إنقاذ مالي التي هي في وضع قريب من الانهيار، وتهدئة فرنسا، وهي ممثل يفعل أشياء على الأرض.   

وبين أن "الفكرة هي العودة إلى الوضع السابق لنتفق جميعا معا، المجلس العسكري، والاتحاد الإفريقي، والمجموعة الاقتصادية وفرنسا والشركاء الدوليين، على حل قابل للتطبيق في إطار الرؤية التي ترأست اتفاقات الجزائر في عام 2015".

"حماية الحدود"

بداية يناير، شعر الرئيس المالي عاصيمي غويتا بتزايد الضغط داخل البلاد وخارجها، فأرسل وزير خارجيته عبد الله ديوب إلى الجزائر في محاولة للحصول على الدعم لخطته الانتقالية الطويلة.

وصرح ديوب عندما انتهى من المقابلة التي أجراها مع الرئيس عبد المجيد تبون في الجزائر "طلب منا الرئيس غويتا أن نأتي ونشارك شقيقه الأكبر رسائل وتوصيات هذه الاجتماعات الوطنية التي تهدف إلى تعزيز الديمقراطية في مالي وكذلك السلام والاستقرار".

كانت استجابة الجزائر فورية، وهي دعم المجلس العسكري والدعوة إلى رفع العقوبات وضبط النفس شريطة تنظيم فترة انتقالية لا تتجاوز 16 شهرا، وفق جون أفريك الفرنسية. 

يلخص الدبلوماسي الجزائري الوضع بالقول "أمامنا عدة تحديات: أولا، قبول فكرة الانتقال من قبل الأطراف المختلفة في مالي، ثم فك الخناق عن باماكو التي تخاطر بالانغلاق بسبب العقوبات والحصار الإرهابي، وتقديم الدعم للجيش المالي".

وتابعت: "تمكنت مالي من الحد من انعدام الأمن لا سيما في الشمال، وهي تفعل ذلك بالاشتراك مع المجموعات الموقعة على اتفاقيات الجزائر". 

وأضاف أن "الأمر يتعلق حقا بحماية الحدود وسيتعين على الجميع قبول التضحيات بما في ذلك فرنسا".

وللجزائر أهداف ومصالح من استقرار مالي السياسي والاقتصادي، أبرزها حماية حدودها الشاسعة التي تبلغ 1359 كيلو مترا، بالإضافة إلى لعب دور محوري في المنطقة، وحماية أوروبا من الهجرة غير الشرعية، وفق خبراء بالشأن الجزائري. 

كما أن تأمين الحدود مترامية الأطراف والوضع الاقتصادي والسياسي بمالي ضمن أولويات الجزائر، تقول المجلة الفرنسية.

واستقبل العقيد غويتا في 28 يناير رئيس لجنة مراقبة اتفاق السلام والمصالحة الوطنية المنبثقة عن عملية الجزائر، دلمي بودي جمعة، الذي حمل رسالة من الرئيس تبون.  

وأوضح المبعوث الجزائري، أنه يؤدي "زيارة ودية إلى مالي تهدف قبل كل شيء إلى إيجاد مخرج من الأزمة". 

وأضاف "شعرنا بأن الوقت قد حان، بعد العقوبات القاسية للغاية التي فُرضت على مالي، لضمان لعب دور الميسر الذي يسمح للإخوة الأفارقة بالالتقاء حول طاولة الحوار بهدوء حول أفضل طريقة للنظر في المشاكل وحلها".

ورحب الاتحاد الإفريقي باستعداد الجزائر لمرافقة مالي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا ضمن مسار التفاهم المتبادل الذي يهدف إلى حماية المصالح العليا للشعب المالي وتجنب تصاعد التوتر وتفاقم الأزمة.

وهذا في الوقت الذي فشل فيه مجلس الأمن الدولي بإصدار بيان يدعم إجراءات "إيكواس" ضد مالي، بسبب معارضة روسيا والصين.