التقيا رغم الخلاف وافترقا دون نتيجة.. لماذا زار الرئيس الجزائري نظام السيسي؟
في زيارة هي الأولى من نوعها منذ نحو 14 عاما، وصل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى مصر في 24 يناير/ كانون الثاني 2022، لعقد مباحثات مع رأس النظام عبد الفتاح السيسي، بعد يومين من أنباء عن تأجيل القمة العربية المرتقبة.
وتحدثت تقارير إعلامية عربية عن أن زيارة تبون إلى مصر ستبحث عدة ملفات حساسة، في مقدمتها قضية الصحراء، وجماعة الإخوان المسلمين، إضافة إلى القمة العربية التي لم يحدد تاريخها، وسط مطالبات بتأجيلها مع أنباء عن عزوف بعض القادة عن حضورها.
ودارت تكهنات حول إعادة السيسي طرح مطلب مصر والإمارات من الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في أبريل/نيسان 2014، بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين "إرهابية"، وهو الطلب الذي رفض حينئذ.
وكان لافتا سفر السيسي المفاجئ للإمارات عقب انتهاء زيارة تبون التي استمرت يوما واحدا دون إبرام أية اتفاقات، ما أثار تساؤلات بشأن ما دار خلف الكواليس؟ وهل ثمة أزمة في مقاربات البلدين تجاه الملفات محل النقاش؟
رسالة أم صفعة؟
ورغم التصريحات الوردية الصادرة عن السيسي وتبون في المؤتمر الصحفي الذي أعقب القمة، جاء البيان الختامي المشترك الذي نشرته الرئاسة المصرية، دون الجزائرية، خاليا من أي اتفاق فعلي حول أي من الملفات.
وأكد مراقبون أن اللقاء فشل وأن تبون عاد خالي الوفاض، وبلغ الأمر بالصحفي الجزائري سعد بو عقبة، حد وصف ما جرى في مقال بموقع "قناة المدار" الجزائرية في 25 يناير بأن "تبون رجع إلى الجزائر برونجارس (حذاء) السيسي".
ما يعني أن السيسي رفض ما جاء تبون من أجله، خصوصا دعم موقف الجزائر من قضية الصحراء، والقمة العربية.
وزاد الأمر توترا أنه في نفس يوم وصول تبون إلى مصر، نقل موقع "هيسبريس" المغربي عن سفير القاهرة في الرباط، تأكيده دعم مصر موقف المغرب من قضية الصحراء، ما اعتبره صحفيون جزائريون "قلة ذوق"، ووصفه مغاربة بأنه "رسالة مقصودة لتبون".
ففي تصريحات أثارت كثيرا من التساؤلات حول توقيت نشرها ومضمونها، نقل موقع هيسبريس عن ياسر مصطفى كمال عثمان، سفير مصر الجديد بالرباط، في حوار، أن مصر لا تعترف بالجمهورية الصحراوية التي تعترف بها الجزائر، وتساند الموقف المغربي من القضية.
ونشرت التصريحات في 24 يناير بالتزامن مع هبوط طائرة تبون في القاهرة، ما أثار جدلا حول دلالات ذلك، خصوصا أن البيان الرسمي عن الزيارة لم يشر لبحث قضية الصحراء بين السيسي وتبون.
الصحفي الجزائري "لحياني عثمان" وصف ذلك بأنه "قلة ذوق" من القاهرة، مشيرا إلى أنها ربما فضلت أن ترسل رسالة إلى الجزائر من الباب الخلفي عبر السفير في الرباط.
وقال في تدوينة على فيسبوك إنه لم يكن من اللياقة واللباقة السياسية أن تفعل القاهرة ذلك، على الأقل على مستوى التوقيت السياسي المتزامن مع زيارة الرئيس الجزائري إلى مصر.
وشدد على أن ما جرى "قلة ذوق متعمدة، خاصة أن السفير المصري في الرباط لم يمض على اعتماده كسفير سوى أيام فقط، بمعنى أنه مشحون بالشكل المطلوب من القاهرة".
من جانبه اعتبر الصحفي الجزائري سعد بو عقبة، تصريحات سفير القاهرة بالرباط بالتزامن مع زيارة تبون "رسالة مصرية مدروسة بعناية".
وأكد لبرنامج "في العمق" على قناة "المغاربية" الجزائرية في 26 يناير إن "الدبلوماسية المغربية معروفة بالاحترافية والتنظيم المهني، ولا مجال للصدفة لديها".
وأوضح أن "التصريح الصحفي الذي أدلى به السفير المصري في المغرب عشية زيارة الرئيس تبون للقاهرة،"رسالة واضحة من المصريين والمغاربة بأن موضوع الصحراء غير مطروح خلال لقاء تبون مع السيسي".
وذكر بو عقبة أن "الكلمة التي تم إلقاؤها في ختام اللقاء بين السيسي وتبون توحي بعدم وجود اتفاق بين الطرفين في العديد من القضايا، وأن النظام الحاكم في الجزائر تلقى صفعة في مصر بعد عدم التطرق لقضية الصحراء".
وتساءل الصحفي والناشط الجزائري فضيل بو مالة أيضا عبر فيسبوك: "هل تصريح سفير السيسي لدى الرباط، الخاص بوحدة المغرب الترابية كان عبثا وفي غير توقيته أم هو توكيد موقف ومصلحة؟".
ومنذ 1975، هناك نزاع بين المغرب و جبهة "البوليساريو" حول إقليم الصحراء، بدأ بعد إنهاء الاحتلال الإسباني وجوده في المنطقة.
وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء، وتقترح حكما ذاتيا موسعا تحت سيادتها، فيما تطالب "البوليساريو" باستفتاء لتقرير مصير الإقليم، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تؤوي لاجئين من الإقليم.
خلاف الإخوان
عقب انقلاب السيسي في يوليو/ تموز 2013، سعى مع الإمارات لإقناع الدول العربية كلها بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين "إرهابية"، وتضمين ذلك في بيان جماعي، لكن دولا عديدة رفضت، خصوصا الجزائر، والمغرب، والأردن، وموريتانيا، وتونس.
وفي 27 أبريل/ نيسان 2014، ذكرت صحيفة "الشروق أونلاين" الجزائرية أن الجزائر رفضت التجاوب مع طلب من السعودية والإمارات بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين بقائمة المنظمات "الإرهابية".
ونقلت عن "مصدر جزائري" مطلع أن الجزائر أبلغتهما أنها لا تستطيع العمل خارج منطق القضاء لتجريم الجماعات الإسلامية ومنها الإخوان المسلمون.
وأكد أن الجزائر رفضت أيضا إجراء تحقيقات حول استثمارات رجال أعمال محسوبين على تيار الإخوان في الجزائر، رغم ممارسة مبعوثي السعودية والإمارات ضغوطا وإغراءات لتمويل مشاريع جزائرية بالمقابل.
وأوضحت الصحيفة أن وزير الخارجية رمطان لعمامرة، نقل خلال زيارته منتصف أبريل/نيسان 2014 للسعودية، رد الجزائر "بطريقة هادئة تتضمن نصائح مستخلصة من التجربة الجزائرية المريرة حول التعامل مع الحركات الإسلامية".
من جانبه، كشف الصحفي "لحياني عثمان" أن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة أبلغ رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي في يوليو/ تموز 2014 أن السيسي عندما زار الجزائر في يونيو/ حزيران 2014، نقل إليه رسالة من محمد بن زايد لدعم "تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي".
لكن بوتفليقة أخبره باستحالة ذلك، وقال: "إخواننا غير إخوانكم"، بحسب ما جاء عبر حسابه على فيسبوك، باعتبار أن الجزائر بها وجود قوي للإخوان، وينتمي حزبان كبيران للجماعة.
وأكدت صحيفة "البلاد" الجزائرية في 28 أبريل/ نيسان 2014 أن رفض الجزائر إدراج الإخوان المسلمين "كجماعة إرهابية"، يطرح نظرة السلطات الجزائرية لممثلي الإخوان باعتبارهم "ناشطين سياسيين مسالمين حتى من موقعهم في المعارضة".
وقالت الصحيفة، نقلا عن مصادر رسمية، إن قيادات الإخوان، مثلما كشفت الوقائع، كانوا أول من تصدى لهمجية الإرهاب بشكل جعل السلطة تستعين بهم ضمن مسارات عديدة لمعالجة الأزمة الأمنية التي تفجرت خلال العشرية الحمراء.
وأكدوا أن "إخوان الجزائر دفعوا الثمن باهظا في تصديهم للإرهاب، إذ سقط منهم حوالي 500 قتيل، وعلى رأسهم الشيخ محمد بوسليماني، الذي رفض الإفتاء للإرهابيين بجواز أعمالهم".
كما تعرض الشيخ الراحل محفوظ نحناح، إلى محاولات اغتيال عدة، وتهديدات من الجماعات المسلحة.
ورجح أكاديمي مصري أن يكون السيسي أعاد طرح الأمر على الرئيس تبون خلال زيارته القاهرة، ونقل نفس الرسائل المصرية والإماراتية السابقة التي قيلت للرئيس بوتفليقة.
وأوضح لـ"الاستقلال" أن السيسي ربما سافر الإمارات بعد زيارة تبون مباشرة ليبلغ ولي العهد محمد بن زايد برد تبون على طلباتهم.
وفي ملف مكافحة الإرهاب، أورد السيسي خلال زيارة تبون قوله إنه يجب مكافحة كل الجماعات دون "استثناء أو تفرقة"، وهي رسالة ربما تكون موجهة إلى الجزائر التي ترفض تصنيف الإخوان كتنظيم إرهابي.
القمة العربية
ورغم حديث المسؤولين الرسميين في مصر والجزائر عن توافق وتطابق وجهتي نظر تبون والسيسي في القضايا التي تمت مناقشتها كان من الواضح أن هناك خلافات في عدة ملفات نوقشت استعيض عنها بكلام عام فضفاض في البيان الختامي.
مراقبون أشاروا لاتساع الخلافات بين القاهرة والجزائر في عدة ملفات، مثل التطبيع مع إسرائيل والأزمة مع المغرب، والقمة العربية المقبلة، وحتى استضافة الفصائل الفلسطينية، وهو ملف تنفرد به مصر، والزيارة حاولت تضييق الخلافات.
وقالوا إن تبون كان يبحث عن وساطة السيسي لإقناع الدول العربية بحضور القمة التي كانت مقررة في 22 مارس/آذار 2022، وزيارة السيسي المفاجئة للإمارات في اليوم التالي ربما لإقناع دول الخليج المتحفظة، بحضور قمة الجزائر.
وفي السياق، دعت أطراف جزائرية بلادهم لإلغاء القمة العربية "حفاظا على ماء وجهها"، لأن "مصر لن تتخذ موقفا داعما للجزائر" فيها، لكن تبدو الجزائر مصرة على عقدها لديها لطرح قضية الصحراء فيها.
ودار النقاش الأبرز خلال قمة السيسي مع تبون حول تدخل مصر لضمان عقد القمة العربية في موعدها بالجزائر وإقناع المغرب والدول العربية غير الراغبة بذلك، التي يطالب بعضها بنقل القمة لمصر كطرف محايد.
الجزائر رسميا لم تعلن تأجيل أو إلغاء القمة، ومن أعلن هذا هو السفير حسام زكي، الأمين العام المساعد للجامعة العربية في 20 يناير 2022، بحجة تفشي وباء كورونا، ومراقبون ألمحوا إلى أن "أسبابا سياسية" قد تكون وراء تصريح التأجيل.
والخارجية الجزائرية ردت في 22 يناير بالقول: "لم نحدد موعد القمة العربية حتى يتم تأجيلها"، مشيرة لأن تحديد موعدها سيتم خلال قمة وزراء الخارجية في 9 مارس/آذار 2022.
وخلال لقائهما قال السيسي وتبون: إنهما "توافقا"، لكن المحلل الجزائري بو عقبة نبه لأن "التوافق يختلف عن الاتفاق، والاتفاق لم يحصل ولن يحصل".
وفي البيان الختامي قال السيسي إنه "يتمنى للجزائر النجاح في رئاسة القمة"، ما معناه أن الأمور لم تحسم بعد بشأن القمة.
وكان ملفتا أنه لم تتم الإشارة لا من بعيد ولامن قريب للخلاف الجزائري المغربي حول موضوع الصحراء في قمة السيسي تبون، وربما تعمد الطرفان هذا لعدم تفجير القمة المقبلة.
وظلت الجزائر طيلة الـ45 سنة الماضية ترفض إدراج قضية الصحراء في قمم الجامعة العربية، لذا تصر على عقدها في الجزائر هذه المرة بعد اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في 2020 بسيادة المغرب على الصحراء، مقابل التطبيع مع إسرائيل.
الفصائل الفلسطينية
القاهرة لديها حساسية من تدخل أي طرف عربي على مسارها فيما يخص القضية الفلسطينية، حيث تعتبرها ملف أمن قومي خاص بها، كما يقدم السيسي نفسه للغرب باعتباره رجلهم في المنطقة للجم المقاومة.
لذلك بدا أن هناك فتورا مصريا من تدخل الجزائر باستضافة الفصائل الفلسطينية، مثلما حدث سابقا حين استضافتهم قطر.
وفي 15 يناير 2022 وصلت ستة وفود تمثل فصائل فلسطينية إلى الجزائر، لبحث ملف المصالحة تضم فتح، حماس، الجهاد الإسلامي، الجبهة الشعبية، الجبهة الديمقراطية، و"الجبهة الشعبية - القيادة العامة"، بحسب وكالة فرانس برس.
وأتت هذه الخطوة بعد اتفاق تبون، مع رئيس السلطة محمود عباس في 6 ديسمبر/كانون الأول 2021 على استضافة مؤتمر جامع للفصائل.
وأشار الصحفي الجزائري لحياني عثمان إلى رفض السيسي الحديث عن مبادرة الجزائر، لعقد لقاء للفصائل الفلسطينية.
وأوضح أن البيان المشترك الذي صدر بعد الزيارة، تضمن "ثناء" جزائريا على جهود مصر لتحقيق المصالحة الفلسطينية، مقابل "ترحيب" مصر بجهد جزائري في نفس الإطار، في صورة غير متناسبة.
ويفهم من ذلك سياسيا أن القاهرة منزعجة أو غير مسرورة من مبادرة احتضان الجزائر لكونها تعتبر الملف مصريا خالصا.
سوريا وليبيا
رغم توافق نظامي البلدين على إعادة نظام بشار الأسد للجامعة العربية ووقف تعليق نشاط سوريا منذ 2013 بسبب مجازر النظام ضد شعبه، هناك خلافات عربية حول مشاركة سوريا بالقمة المقبلة.
الجزائر، التي أطلقت على القمة القادمة "قمة فلسطين"، تؤكد ضرورة مشاركة سوريا فيها، ويبدو أنها تلقت جرعة دعم من السيسي الذي يشجع التطبيع مع نظام بشار الأسد.
فمصر لم تعارض، عودة سوريا إلى الجامعة العربية، والتقى وزير خارجيتها سامح شكري نظيره السوري فيصل المقداد على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة سبتمبر/ أيلول 2021.
ومعظم الدول التي وقفت خلف تجميد العضوية السورية، وأبرزها مصر والإمارات، تراجعت عن هذا الموقف، وأعادت فتح قنوات الحوار مع دمشق، وأعادت الإمارات فتح سفارتها، وأرسلت وزير خارجيتها إلى دمشق حاملا دعوة للأسد بزيارة أبو ظبي.
بالمقابل هناك خلافات في الرؤية المصرية الجزائرية بشأن الملف الليبي، رغم اتفاقهما على إجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية بالتزامن.
ففي الوقت الذي دعم فيه السيسي الانقلابي خليفة حفتر خلال غزوه العاصمة طرابلس، قال تبون في يونيو/ حزيران 2021، إن بلاده كانت مستعدة "للتدخل بصفة أو بأخرى" في ليبيا لوقف تقدم قوات حفتر نحو طرابلس.
وبينما أكد الرئيس الجزائري في يناير 2020، عقب استقباله رئيس حكومة الوفاق الوطني سابقا فايز السراج، أن "طرابلس خط أحمر، نرجو ألا يتجاوزه أحد".
أكد السيسي مع تقدم قوات طرابلس نحو معاقل حفتر قائلا في يونيو 2020 أن "خط سرت-الجفرة خط أحمر بالنسبة لمصر".
وخلال لقائهما، قال السيسي إنه اتفق مع الرئيس الجزائري على أهمية تنظيم الانتخابات الليبية الرئاسية والنيابية بالتزامن، وهو أمر يخيم عليه الغموض حاليا مع تأجيل الانتخابات لأجل غير مسمي إثر خلافات ليبية.