لم يبق منها سوى الصور.. صحيفة إسبانية: لهذا ستبكي إن تجولت بشوارع حلب
قبل الحرب، كانت مدينة حلب التاريخية في شمال سوريا عبارة عن تجمع مزدحم من الأزقة والبازارات المليئة بالسلع والباعة والمشترين والسياح من حول العالم.
واليوم، لا تتطابق أوصاف أسواقها في المنطقة التاريخية بالمدينة بتاتا مع شوارعها الحالية التي شوهتها الحرب بشكل كامل، ولم يعد لها أي ذكر سوى في كتب السفر المنسية.
وعن هذا، تقول صحيفة "إل إندبندينتي" الإسبانية، إن أول حركة لا إرادية تصدر عن أي شخص يتجول الآن في شوارع حلب، ستكون البكاء.
حلب الجديدة
وفي مواجهة الفراغ غير المريح، يعتقد المرء لسبب غريب أنه قد هبط في الوجهة الخطأ.
هذه هي حلب، المدينة الشهيدة التي تحاول أن تنهض من تحت رمادها، لكن دون أن يلوح الانتعاش السياحي في الأفق.
ونقلت الصحيفة عن أحمد أبو زيد وهو رجل من حلب أعاد فتح ورشة القماش الخاصة به في محيط خان الوزير أن "هذا الشارع كان يشهد في السابق حركة هائلة ونشاطا تجاريا من الصباح الباكر حتى وقت متأخر من بعد الظهر".
وتنهد قائلا: "بفتح أبواب المحلات مجددا، استعدت طعم الحياة".
وفي أحد مواقع السفر، هكذا وصفت حلب: "جاذبيتها تنبع بشكل أساسي من حقيقة أنها لا تزال المركز الرئيس للتجارة المحلية. إذا احتاجت ربة منزل من حلب إلى إصلاح ستارة، أو سائق سيارة أجرة إلى غطاء جديد لمقاعد السيارة، أو بحث تلاميذ المدارس عن حقيبة ظهر، سيتجه كلهم إلى السوق".
ويلاحظ النص الذي نشر قبل خمس سنوات من الحرب الدامية في سوريا، أنه "لم تسجل تغييرات تذكر هنا منذ مئات السنين".
أما الآن، بعد عقد من الصراع الذي بدأ عام 2011، لم تعد شوارع حلب مثلما كانت عليه، خاصة وأنها كانت لعدة قرون محطة ضرورية على طريق الحرير.
وأضافت الصحيفة أن التجوال في شوارع مدينة حلب القديمة، أحد مواقع التراث العالمي لمنظمة اليونسكو، رائع بكل بساطة. في المقابل، أصبح اليوم مشقة بأتم معنى الكلمة.
من ناحية أخرى، فإن المقارنة بين صور حلب قبل وبعد يدعو المسافر إلى التساؤل عن هشاشة ما يحيط بنا، خاصة العمارة التي بنيت بين القرنين الثالث عشر والتاسع عشر والتي كانت مأوى لعشرات الآلاف من السكان ومئات التجار. فكل ما بدا صلبا استسلم للعنف واللاعقلانية.
خلال رأس السنة الميلادية عام 2016، استعاد نظام بشار الأسد حلب، لكنه أخضعها منذ ذلك الوقت، تحت حصار مؤلم، وأصبحت المدينة عبارة عن مقبرة.
نتيجة لذلك، لقي أكثر من 30 ألف شخص حتفهم في ظل سنوات من القصف والمناوشات.
ونوهت الصحيفة بأن الديكتاتورية التي تحكم أنقاض المدينة بقبضة من حديد تتفاخر بعملية إعادة تأهيل بطيئة لمتاهة الأزقة في قلب حلب التاريخي.
لكن في الواقع، لا يوجد شيء للاحتفال به، حيث فقدت المدينة التجارية والصناعية في البلاد مئات الآلاف من السكان الذين اعتنقوا المنفى.
وفي هذا المعنى، يعترف ممثل الغرفة التجارية المحلية أحمد شيخ، بأن "70 بالمئة من المتاجر دمرت".
وأشارت الصحيفة إلى أن البناء الحجري، الذي تضرر بشدة من المعارك، لا يزال يتمتع بجمال معين. أما في الطابق الثاني لا يوجد أثر للسقوف الخشبية التي كانت تؤوي سكانها ذات يوم.
وعلق عامل البناء البالغ من العمر 69 عاما، خلال ترميمه الجدران، قائلا: "إن المالك تاجر يبلغ من العمر 95 عاما ويعيش في حي آخر بالمدينة وكان يعمل لصناعة السجاد. كنت هنا قبل الحرب وكان فندقا جيدا".
وتحت مراقبة مسؤول من وزارة الإعلام، أضاف العامل: "اخترق المعارضون السوريون الجدران لشن هجماتهم من هذا الفندق"، وفق وصفه.
طابع جنائزي
وأوردت الصحيفة أن هذا الفندق ليس بعيدا عن أحد جواهر المكان، الجامع الأموي الكبير، الذي بني في القرن الثامن، وهو أحد المعالم الأكثر تضررا من الزلزال الدموي الذي دمر سوريا.
في هذا الصدد، يقول المهندس المعماري ساهر العلبي: "كل حجر في هذا المكان له هويته". وأخذ هذا الرجل على عاتقه مهمة إعادة تجميع شتات التحفة المعمارية مرة أخرى.
وأضاف: "عندما بدأنا، أمضينا ستة أشهر في تنظيف الأنقاض والخردة". ويقدر المهندس نسبة الدمار بأكثر من 30 بالمئة.
وتجدر الإشارة إلى أن المسجد دمر وأعيد بناؤه عدة مرات. ومع ذلك، فإن المئذنة أصلية ويعود تاريخها إلى القرن الحادي عشر.
ويواصل المهندس: "مهمتنا هي تحديد حجارة المئذنة، والنظر إلى الرسوم المنحوتة، وإعادة ترتيبها لاحقا".
وأضافت الصحيفة أن كل ركن يستعيد القليل من الحياة يقابل بتهليل النظام للاحتفال بإعادة ولادة المدينة.
في هذا المعنى، قالت وكالة أنباء النظام السوري الرسمية (سانا) خلال يوليو/تموز 2021: "الأسواق في مدينة حلب القديمة تنبض من جديد بالحياة بعد إعادة إعمارها وتأهيلها".
لكن حتى صور البازارات القديمة، بأكياس البهارات أو علب الفواكه اللذيذة، تظهر بشكل صارخ أوجه القصور، حيث إن كل الصور تفتقر إلى الإنسانية.
ونقلت الصحيفة أن لونلي بلانيت، وهو أكبر مرجع ودليل للسفر حول العالم، أزال من موقع الويب الخاص به جميع الإشارات إلى الأماكن والمطاعم وأماكن الجذب السياحي في حلب، كما لو أن المدينة قد عانت من عملية تطهير لا هوادة فيها.
وفي واقع الأمر، لم يعد كل ما وصفه الموقع موجودا إلا في الخيال.
ودون الموقع: "تحولت الثورة ضد نظام الأسد التي بدأت عام 2011 إلى حرب أهلية. لقد دفع السوريون الثمن الأكبر، مات أكثر من 475 ألفا واضطر الملايين إلى العيش في المنفى".
كما تعرض الغربيون، بمن فيهم الصحفيون والعاملون في المجال الإنساني، للهجوم، إلى عمليات الخطف والإعدام، بحسب الموقع.
من ناحية أخرى، يضاف إلى المأساة الإنسانية، التي أفرغت مدنا بأكملها ودمرت إلى الأبد الخريطة متعددة الأعراق للبلاد، الزلزال الذي أحدثه الصراع في تراث فريد من نوعه.
كما أن كلتا الكارثتين، ملحوظة في حلب، واحدة من أكثر المناطق تضررا في سوريا.
في الأثناء، يتباهى علي لحدو في أحد أركان السوق قائلا: "حلب واحدة من الأماكن في العالم التي سكنت منذ أكثر من ستة آلاف عام".
لكن، تصبح الحقيقة بشعة عندما يصعب العثور على الأرواح وعندما يخيم الشعور بالوحدة في الأحياء خاصة الشرقية الأكثر اهتزازا بالرصاص.
وأوضحت الصحيفة أن المدينة القديمة، على بعد عشر دقائق سيرا على الأقدام من الأحياء الجديدة، تسيطر عليها اليوم صورة جنائزية شبحية.
ومن المفارقات أن هذه الأزقة الضيقة كانت قبل عقد من الزمان نافذة مغرية للسياح الأكثر جرأة.