خيبة أمل.. "لوموند" تعترف بفشل الرهان الفرنسي على حفتر في ليبيا
قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية إن الأزمة في تشاد "تبين حدود الدعم الخفي الذي قدمته باريس في فترة ما للواء الانقلابي خليفة حفتر في ليبيا".
وتساءلت "عما إذا كانت خيبة الأمل التشادية ستغير نظرة باريس إلى المسرح الليبي؟ وهل تساهم خيبة الأمل تلك، على وجه الخصوص، في إعادة تقييم الصفات المنسوبة إلى حفتر، الحارس الذي كان من المفترض أن يحرس الحدود الجنوبية لليبيا من حيث انطلق هجوم المتمردين الفتاك ضد الرئيس التشادي المقتول إدريس ديبي؟".
وأوضحت لوموند أنه "لا يخفى على أحد أن فرنسا قد استثمرت بكثافة في حفتر الذي نصب نفسه (رئيسا للجيش الوطني الليبي)، دون أن نخدع أنفسنا، عن طريق الولاء، والمثابرة، وأحيانا عبر التواطؤ الأيديولوجي والذي ترك خلفه لاحقا الكثير من الريبة".
واعتبرت في ذات السياق أن "حفتر كان رهانا إستراتيجيا لفرنسا لم يكتب تاريخه بعد".
غرور مطلق
وقالت الصحيفة" إن "مدى المساعدة - الأمنية في البداية، والمساعدة الدبلوماسية السياسية آنذاك - المقدمة منذ 2016 إلى تلك الشخصية التابعة للنظام السابق في برقة (الشرق)، الوريثة المستحقة لمدرسة الرؤساء الإقليميين، لم تتوقف أبدا عن إثارة مكائد الشركاء الأوروبيين في باريس، وكان الهدف منها خلق توترات داخل النظام الفرنسي نفسه".
وأشارت إلى أن "الهدف كان هو السماح لهذا (الرجل القوي) المزعوم، المنغمس في محاربة الإرهاب، بإقامة الاستقرار في ليبيا في خضم فوضى ما بعد الربيع العربي، في أقصى الجنوب الليبي، لأجل فرض طوق صحي بشكل أفضل حول عملية برخان في منطقة الساحل".
وأطلقت فرنسا عملية "برخان" العسكرية في مالي منذ 2014 بهدف القضاء على الجماعات المسلحة في منطقة الساحل الإفريقي والحد من نفوذها، كما بعثت الأمم المتحدة 15 ألف جندي لتحقيق الاستقرار في مالي، إلا أنه لم يتم القضاء على التهديد الأمني فيها.
وقال رئيس بعثة الأمم المتحدة في ليبيا آنذاك، غسان سلامة، لـ"لوموند" في أبريل/نيسان 2019 إن: "رؤية فرنسا إقليمية أكثر منها ليبية".
وتسائلت لوموند حول "أي مدى أدت الاضطرابات التشادية الأخيرة إلى عكس توقعات باريس"، لتجيب أن "تلك الاضطرابات أظهرت أن حسابات المارشال الليبي كانت عبارة عن غرور مطلق في هذه الحالة".
ولم يقتصر الأمر على عدم قيام "حرس الحدود" بأي حال من الأحوال بإيقاف لعمليات الهجرة غير النظامية القادمة من ليبيا، بل إن المجموعة المتمردة التي وجهت الضربة القاتلة لديبي، وهي جبهة الوفاق من أجل التغيير في التشاد (FACT)، تكونت عن طريق تحالف عسكري متنوع انبنى حول حفتر في شرق وجنوب ليبيا.
وقد كان حفتر دائما "الكريم" في تجنيده "مرتزقة" تشاديين وسودانيين (من إقليم دارفور)، ناهيك عن مقاتلي "فاغنر" الروس الذين وضعتهم موسكو في خدمته، تقول الصحيفة الفرنسية.
وأفادت بأن "خروج جبهة الوفاق من أجل التغيير في تشاد من صفوف هذا التحالف لا يعني أن حفتر رعى أو حتى وافق على الهجوم على ديبي، وأظهر الأخير صداقة ظاهرية مع حفتر باسم الحرب المشتركة على الإرهاب، وهو تواطؤ إستراتيجي شجعته بقوة فرنسا الحريصة على تعزيز عملية برخان".
رهان إستراتيجي
ولم يكن لدى حفتر أي سبب موضوعي لمهاجمة ديبي من خلال "المرتزقة".
لكنه أثبت أنه غير قادر على منع أتباعه التشاديين من مهاجمة "صديقه" ديبي، الذي كان يتحدث كثيرا عن حقيقة سيطرة حفتر على جنوب ليبيا.
وقال مسؤول سابق في الأمم المتحدة: إن "وجود حفتر في فزان ليس شاملا، إنه فقط في نقاط محددة".
لكن فرنسا واصلت في السنوات الأخيرة تصنيف موقف حفتر في المعادلة السياسية بأنه "لا مفر منه" بحجة أنه يسيطر على "80 بالمائة من الأراضي الليبية".
وتساءلت لوموند: "ألم تبالغ باريس في تقدير قدرة حفتر على الاحتفاظ بالمناطق التي استولى عليها وعلى حلفائه الظرفيين؟ وما الذي تبقى من رهان فرنسا الإستراتيجي على حفتر من الأساس؟".
وتابعت: "إذا أخذنا الخطر الإرهابي كمعيار، فالحقيقة أن حفتر كان فعالا - على حد تعبير مسؤول أمني فرنسي سابق - ضد تنظيم الدولة في مدينة بنغازي عامي 2016-2017، وذلك على حساب قصف عشوائي على أحياء سكنية كاملة".
ولفتت لوموند إلى أن "فرنسا قد زودته في ذلك الوقت بخبرة تقنية لا تقدر بثمن - في المسائل الاستخباراتية - استفاد منها لتغذية طموحاته من أجل غزو ليبيا بشكل أكثر شمولا".
وذكرت أن "الهجوم الذي شنه حفتر في ربيع 2019 ضد حكومة طرابلس (آنذاك بقيادة رئيس حكومة الوفاق الوطني فائز السراج)، المدعومة رسميا من الأمم المتحدة، لم يكن له سوى النتيجة الملموسة الوحيدة - إلى جانب كارثة إنسانية - وهي الوجود غير المسبوق للأجانب ومزيد تعكير للوضع".
واعتبرت أن "وصول مقاتلين روسيين تابعين لفاغنر (إلى جانب حفتر) وجنود أتراك مدعومين من قبل القوات السورية الداعمة (بجانب حكومة طرابلس) إلى ليبيا، هو نتاج مباشر لمحاولة حفتر غزو العاصمة - التي كانت عصية عليه في النهاية - وهو ما عارضته فرنسا في ذلك الحين فقط واعتبرته تساهلا مزعجا".
فيما قال مسؤول في نجامينا إن "التواصل بين فاغنر وجبهة الوفاق من أجل التغيير في التشاد، ممكن".
من جانبه، أفاد عنصر مصنف أنه مثير للقلق بأن "جبهة الوفاق من أجل التغيير في التشاد، كان لها صاروخ أرض-جو (سقطت طائرة هليكوبتر تشادية ضحية لذلك)، ويتطلب السيطرة عليه تدريبا من النوع الذي يمكن أن توفره فاغنر".