العقارات المنهوبة في عهد نظام الأسد.. هل تعيق عودة اللاجئين السوريين؟

"تعد عملية بيوع العقارات المنهوبة باطلة"
كثيرة هي العقبات التي تواجه العديد من المهجرين السوريين للعودة إلى مدنهم وبلداتهم عقب سقوط نظام بشار الأسد، وعلى رأسها تحوّل بيوتهم إلى أكوام من الدمار أو نهبها بطرق غير قانونية.
وفي الوقت الراهن، فإن كثيرا من هؤلاء باتوا يواجهون صعوبة كبيرة في إثبات ملكيتهم لمنازلهم في المحافظات السورية، نتيجة حصول عمليات نهب وسلب ومصادرة للممتلكات إبان حكم نظام الأسد البائد.
وواجه العديد من المواطنين إثر عودتهم إلى سوريا عقب سقوط الأسد مشاكل قانونية في استرجاع منازلهم نتيجة حدوث عمليات بيع غير قانونية لها من قبل سماسرة ونافذين مقربين من أجهزة المخابرات التابعة للنظام البائد.
وتمكنت فصائل المعارضة السورية من الإطاحة بنظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بعد عملية عسكرية، لتنهي بذلك 53 عاما من حكم عائلة الأسد.
غير قانونية
ولوحظت عمليات النهب للعقارات بشكل مكثف في المناطق الثائرة والتي جرى تهجير سكانها منها عقب اندلاع الثورة عام 2011.
فعقب الثورة بأقل من عام، عمد نظام الأسد إلى إصدار مراسيم وقوانين تبيح الاستحواذ على أملاك المعارضين تحت مبررات التوسعة العمرانية للمدن أو إعادة التنظيم.
وعمد خلال السنوات الماضية على إزالة أحياء كاملة في محافظة دمشق وريفها، بحجة تنظيمها، ما أدى إلى تنفيذ سياسة الاستيلاء على أملاك المواطنين "كعقاب جماعي انتقامي".
ووفقا لإحصائيات أممية، فإن أكثر من 13 مليون سوري غادروا بلداتهم ومدنهم قسرا منذ عام 2011، فيما بلغ العدد الإجمالي 7.2 ملايين نازح، و6.5 ملايين لاجئ وطالب لجوء في دول مختلفة.
وبعد توافد السوريين إلى مدنهم لمعاينة ممتلكاتهم، اشتكى كثيرون من تعرض بيوتهم لعمليات بيع غير قانونية وبأوراق مزورة من الأساس، حيث اتضح أن هذه الشبكة تديرها جهات نافذة في النظام السابق.
كما واجه البعض الآخر شمول منزله بمخططات التطوير العمراني التي قام بها النظام البائد وعمد إلى هدم أحياء بكاملها.
فقد اشتكى أهالي من تضررهم من تنفيذ المشروع التنظيمي في حي كفرسوسة بالعاصمة، مؤكدين أن النظام البائد حرمهم من الملكية بشكل نهائي بسبب مواقفهم المعارضة أو وجود معتقلين بتهم سياسية على خلفية الثورة.
وسهل نظام الأسد البائد على مؤسساته سلب أراضي السوريين وممتلكاتهم وأموالهم، حيث بدأ الأسد هذه السياسة بمرسوم تشريعي أصدره في 18 سبتمبر/ أيلول 2012، وحمل الرقم 66، وقضى بإحداث مناطق تنظيمية تسهم بمعالجة السكن العشوائي المُخالف في مناطق مهمة داخل العاصمة دمشق.
وقد جاء المرسوم بعد مرور سنة ونصف السنة على اندلاع الثورة في 15 مارس/ آذار 2011.
ثم جاء القانون رقم 23 لعام 2015 والذي ينص على “تنظيم عملية تهيئة الأرض للبناء، وفق المخطط التنظيمي العام".
ثم أصدر النظام البائد القانون رقم 10 لعام 2018، والذي أطلق يد نظام الأسد في سلب أملاك المواطنين، كونه جاء مكملا "للمرسوم 66"، لكنه شمل كامل الأراضي السورية.
واتضح بعد سنوات أن لدى النظام مخططا يسلب فيه أملاك الأهالي عبر إجبارهم في فبراير/شباط 2021، على بيع تلك العقارات وفق الأسعار الرائجة قبل 9 سنوات، وليس كما تبلغ قيمتها عام 2021.
وقد لعبت تلك القوانين مجتمعة كمداخل رئيسة لسلب المدنيين ممتلكاتهم من خلال عقود مزورة دون علم أو موافقة مالكيها الأصليين، بسبب هروبهم من البلد جراء بطش الآلة العسكرية آنذاك.
"بيوع متعددة"
وضمن هذا السياق، شرح المحامي أنس نبهان لـ"الاستقلال" الواقع الذي صدم به الأهالي عقب عودتهم إلى حلب بعد تحريرها من قوات الأسد البائد.
وقال نبهان: "رصد كثير من أهالي أحياء حلب الشرقية عمليات بيوع متعددة للمنزل الواحد لأكثر من شخص منذ عام 2017 أي بعد تهجير السكان من تلك الأحياء".
وأضاف أن "بعض الأهالي في حلب لم يتمكنوا إلى اليوم من استرجاع منازلهم لأن صاحب عقد البيع الأخير أثبت ملكيته للعقار في المحكمة ودفعه ثمنه".
ولفت نبهان إلى أن "كل تلك البيوع غير القانونية كانت تتم لأهالي مهجرين عبر عمليات تزوير ودفع الرشا وهو نموذج جرى توثيقه في أغلب المحافظات".
ونوه إلى أن "عملية استعادة ملكية العقارات المنهوبة في هذا التوقيت تتطلب وقتا، نظرا لوجود سلسلة بيع من شخص لشخص قبل التثبت من المالك الأساسي بموجب السجل العقاري في المحافظة التي شهدت بيوعا باطلة".
وأردف: "الإشكالية كبيرة حاليا لكون أصحاب الشراء الأخير يرفضون إخلاء المنزل لصاحبه الأصلي ويطلبون منه تعويضهم بدفع مبلغ بما يعادله بالدولار".
وألمح نبهان إلى أن "المهمة حاليا تقع على عاتق المحاكم الجديدة حتى تسن الإجراءات القانونية اللازمة لضمان عودة الحقوق لأصحابها وتعويض المتضررين وحل هذه المعضلة العقارية".
وختم بالقول: "يجب إلغاء كل القوانين والمراسيم التي أصدرها نظام الأسد المخلوع والتي أباحت له الاستيلاء على أملاك السوريين".
ومع ذلك، استطاع بعض السوريين العائدين إلى مدنهم من استعادة منازلهم التي استولى عليها عناصر وضباط في قوات الأسد البائد، حيث فر هؤلاء منها يوم سقوط النظام.
كما استعاد بعض الأهالي أراضي ومباني استولى عليها النظام البائد وحولها إلى مؤسسات تتبع له، وتقدم هؤلاء بسندات تثبت ملكيتها لهم، حيث تجنب الأهالي طوال سنوات المطالبة بها خشية الاعتقال أو التصفية.
وقد تمكن أحد سكان مدينة دمشق من استعادة بيته في شارع بغداد بدمشق، بعدما استولى عليه ضابط في صفوف قوات الأسد منذ عام 1999.
ونشر المواطن في 12 ديسمبر 2024 تسجيلا مصورا أظهر فيه وثائق ملكيته للمنزل، وأكد أنه لم يتلق أي مقابل مادي كإيجار طوال 25 عاما.

"خطة ممنهجة"
مصادرة أملاك المهجرين قسرا عبر مراسيم رئاسية وضعها النظام البائد منذ عام 2011، حرمت حتى أصحابها من تعيين أي وكيل قانوني للتصرف بأملاكهم داخل مناطق نفوذ الأسد آنذاك.
حتى إن حكومة الأسد البائدة عملت على مصادرة ممتلكات المواطنين وبيعها بالمزاد العلني دون الحصول على موافقتهم، أو إخطارهم، أو تعويضهم بشكل كامل وكاف.
ولهذا فقد أصدرت "هيئة القانونيين السوريين" المعارضة عام 2021 مذكرة قانونية تسلط الضوء على استيلاء النظام على أملاك وعقارات المواطنين وأموالهم المنقولة، عبر قرارات أمنية صادرة عن حزب "البعث"، في ظل غياب القانون وسلطة القضاء.
وأوضحت المذكرة حينها أن هذه العمليات تأتي ضمن "خطة ممنهجة" بدأها النظام السابق خلال الثورة بقوانين مكافحة "الإرهاب"، وتوجت بالقانون رقم 10 لعام 2018، الذي استهدف أملاك السوريين المسجلة في السجلات العقارية.
وأمام ذلك، فقد وثقت لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا، التابعة للأمم المتحدة، في 6 فبراير 2025 عمليات نهب واسعة النطاق بحق ممتلكات النازحين واللاجئين السوريين، بلغت حدود تفكيك وتدمير منازل بكاملها في شكل منهجي في جميع أنحاء المناطق، قبيل الإطاحة بنظام الأسد.
وأصدرت اللجنة تقريرا جديدا حمل عنوان "النهب والسلب: الاستيلاء غير المشروع وتدمير ممتلكات اللاجئين والنازحين داخليا في سوريا".
وأوضح أن المناطق الأكثر تضررا بالنهب هي تلك التي استعادت قوات النظام المخلوع السيطرة عليها خلال الفترة ما بين 2016-2020.
واعتمد التقرير على تحليل صور الأقمار الصناعية ومقاطع الفيديو والصور الفوتوغرافية الموثوقة بالإضافة إلى الروايات المباشرة.
وبحسب التقرير، فإنه في المناطق المتضررة من النزوح الكبير، لم تكتف قوات النظام المخلوع بسرقة الأدوات المنزلية والأثاث والأشياء الثمينة من منازل النازحين واللاجئين.
بل فككت أيضا الأسقف والأبواب والنوافذ والقضبان الحديدية والأسلاك الكهربائية وأدوات السباكة، ما جعل الأحياء بأكملها غير صالحة للسكن، مستشهدا بمثال الجراد الذي يجرد الأراضي الزراعية والغابات من كل الخضرة الصالحة للأكل، فلا تترك سوى الأرض العارية والفروع.
وأضاف التقرير أن تحقيقات لجنة التحقيق الدولية تظهر أن عمليات النهب المنهجي كانت تتم بتنسيق من أفراد من جيش النظام السابق، مثل الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد، وقوات الأمن والمليشيات التابعة لها، الذين أبرموا اتفاقيات تجارية مع مقاولين من القطاع الخاص أو تجار مهتمين بالحصول على المواد المنهوبة، بما في ذلك المواد الخام.
ولعل مشكلة السكن والمنازل المنهوبة والمدمرة هي ما تعيق حركة العودة للاجئين السوريين في الخارج.
فقد أعلن ممثل مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا غونزالو فارغاس يوسا، أن 270 ألف لاجئ سوري عادوا إلى بلادهم بعد سقوط نظام الأسد.
وأوضح يوسا خلال تصريح صحفي في 8 فبراير 2025 أن من أكبر العقبات التي تواجه العودة، مخاوف تتعلق بالسكن وحقوق الملكية، والأمن، والوصول إلى الخدمات الأساسية، والصعوبات الاقتصادية.
وأشار إلى أن أكثر من ربع اللاجئين السوريين يخططون للعودة خلال الـ12 شهرا المقبلة لإعادة بناء حياتهم.