"جني ثمار دعم إقليم الصحراء".. هذه أهداف ماكرون من زيارة المغرب
"زيارة ماكرون تمثل بداية لذوبان الجليد بين فرنسا والمغرب"
بعد ثلاث سنوات، تمكنت فرنسا من وضع حد للأزمة الدبلوماسية مع الرباط إثر اعترافها بالسيادة المغربية على إقليم الصحراء الغربية.
ولتحقيق هذه المصالحة وتجسيدها على أرض الواقع، بدأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، زيارة إلى المغرب، وتستمر 3 أيام، برفقة وفد كبير من الوزراء ورجال الأعمال.
وتضع زيارة الدولة التي يقوم بها ماكرون “حدا للقطيعة” بين فرنسا والمغرب، وتمثل بداية لذوبان الجليد بينهما.
رفيع المستوى
وقالت صحيفة “الباييس” الإسبانية إن "ماكرون، عاد مرة أخرى إلى المغرب بعد ست سنوات من تدشينه، مع الملك محمد السادس، أول خط إفريقي للسكك الحديدية فائقة السرعة".
ووصل ماكرون برفقة تسعة وزراء من حكومته، بما في ذلك وزراء الدفاع والداخلية، و50 من كبار رجال الأعمال الفرنسيين بعد ثلاثة أشهر من اعترافه في رسالة إلى محمد السادس بأن خطة الحكم الذاتي التي يدافع عنها المغرب هي "الحل الوحيد" لنزاع الصحراء.
وفور وصوله، استقبل العاهل المغربي بالقصر الملكي بالرباط ماكرون، وحضرا بعد ذلك حفل التوقيع على 22 اتفاقية تعاون تشمل عددا من القطاعات على رأسها الاقتصاد والتعليم والأمن والطاقة.
وتعد فرنسا القوة الاستعمارية السابقة، المستثمر الرئيس في الاقتصاد المغربي، وثاني أكبر شريك تجاري، بعد إسبانيا، بعد أن ضاعفت حجم التبادلات في العقد الماضي.
لكن، أدى قرار باريس بخفض عدد التأشيرات الممنوحة للمواطنين المغاربة إلى النصف عام 2021، ردا على رفض الرباط قبول عودة المهاجرين غير النظاميين المطرودين، إلى توتر العلاقات الدبلوماسية لمستويات قصوى.
وفي السنة التالية، أدت الزيارة الرسمية للرئيس الفرنسي إلى الجزائر، المنافس الإقليمي للمغرب، إلى تفاقم الخلاف.
علاوة على ذلك، أدت الشكوك حول وقوع هاتف ماكرون المحمول ضحية للتجسس المغربي، من خلال استعمال برنامج بيغاسوس الإسرائيلي الصنع، إلى تسميم العلاقات التي كانت توصف حتى ذلك الحين بأنها تاريخية.
وعندما أعلنت الحكومة الفرنسية عام 2023 عن إرسال مساعدات إنسانية لضحايا الزلزال الذي هز جبال الأطلس، أدارت السلطات المغربية ظهرها لهذا العرض، في حين قبلت بحضور فرق الإنقاذ الإسبانية.
ونوهت صحيفة “الباييس” إلى أن "المصالح الأمنية والاقتصادية المتبادلة أسهمت في تسريع عملية المصالحة حتى تتوج بالرحلة الرسمية التي يؤديها ماكرون".
تجديد الشراكة
ونظم الإليزيه، بحسب الصحافة المغربية، الزيارة "على أمل تجديد الشراكة الإستراتيجية في العقود المقبلة".
وذكرت أن فرنسا تقترح على شريكها المغاربي "مرافقة المغرب (...) بالخبرة التي اكتسبها خلال الألعاب الأولمبية الأخيرة في باريس" في مشاريع البنية التحتية الكبرى المتعلقة بكأس العالم لكرة القدم 2030، والتي ينظمها بالاشتراك مع إسبانيا والبرتغال.
ومن بين رجال الأعمال الذين يرافقون الرئيس الفرنسي، يبرز أحد أهم الإطارات في شركة تصنيع القطارات ألستوم، التي تطمح إلى قيادة مشاريع قطار على الخط السريع الجديد بين القنيطرة ومراكش الذي يبلغ طوله 450 كيلومترا، والذي يجب أن يدخل الخدمة عام 2030.
ويملك المغرب برنامجا قيد التنفيذ لتحديث سككه الحديدية من خلال الاستحواذ على 168 قطارا، 18 منها فائق السرعة، بميزانية تزيد على 14 ألف مليون يورو.
ويرافق ماكرون أيضا رؤساء ومديرون تنفيذيون آخرون لشركات في مجال الصناعة والخدمات الفرنسية الكبرى التي لها حضور في الاقتصاد المغربي، مثل إيرباص أو توتال إنرجيز أو فيوليا أو السويس.
وبحسب مصدر من الرئاسة الفرنسية، فمن المرتقب أن تعيد باريس ”تأكيد التزامها بقضية أساسية، أي قضية إقليم الصحراء الغربية، تتعلق بالأمن القومي المغربي".
عموما، تتمثل الخطوة الأولى غير السياسية التي تقدمت بها الدبلوماسية الفرنسية في مساهمة الشركات الفرنسية في التنمية الاقتصادية لإقليم الصحراء، "لصالح السكان المحليين وبما يتوافق مع القانون الدولي".
وقد جرى بالفعل التخطيط لإبرام عقود، لأول مرة باستثمارات مباشرة وحضور مرتقب للموظفين، مثل ما يسمى بـ"الطريق السريع الكهربائي" لربط أراضي المستعمرة الإسبانية السابقة بالشبكة المغربية.
وقالت “الباييس” إن “الصحافة الفرنسية تشير إلى اتصالات من أجل بيع أسلحة فرنسية في نهاية المطاف إلى الجيش المغربي، وتنظيم (التنقل القانوني) للعمال والسيطرة على ضغط الهجرة، وتدابير مكافحة الجفاف في الزراعة، أو تعزيز تدريس اللغة الفرنسية التي تم إبعاد استخدامها بين الأجيال الشابة”.
تنافس ثنائي
وأشارت الصحيفة الإسبانية إلى أن "النظام الملكي يثير التنافس بين فرنسا وإسبانيا بعد حصوله على دعم البلدين لأطروحاته حول الصحراء الغربية وإثارة غضب الجزائر".
وفي هذا السياق، قال أبو بكر الجامعي، وهو صحفي ومحلل مغربي يعيش في المنفى منذ 2007، للصحيفة إن "المغرب انتهج الخطى نفسها من قبل وهو يستخدم فرنسا مرة أخرى ضد إسبانيا، حيث يعتقد المغرب أنه روض الدبلوماسية الإسبانية والفرنسية، رغم أن الأمر ليس كذلك".
وأضاف الجامعي: "رغم أن فرنسا استغرقت وقتا أطول لتوضيح موقفها بشأن سيادة المغرب على الصحراء، ربما بسبب علاقاتها الأكثر تعقيدا مع الجزائر، إلا أن تغيير موقف إسبانيا ربما أثر على موقف فرنسا النهائي".
وتابع: "حاليا، سيكون من المهم ملاحظة كيف تترجم هذه المواقف المتوافقة إلى إجراءات ملموسة، خاصة فيما يتعلق بالاستثمارات في منطقة الصحراء".
على المستوى التجاري، تنافست فرنسا وإسبانيا بشكل علني في الأشهر الأخيرة على المناقصات التي تنطوي على أرباح هائلة.
وفي أغسطس/ آب 2024، بعد أيام قليلة من رسالة ماكرون بشأن دعم سيادة المغرب على إقليم الصحراء، حصلت شركة "إيجيس" الفرنسية، على عقد لمساعدة مشغل السكك الحديدية المغربي، المكتب الوطني للسكك الحديدية، في أشغال تمديد الخط فائق السرعة بين مدينتي القنيطرة ومراكش مقابل 130 مليون أورو.
وقالت الصحيفة إن "شركة إينيكو الإسبانية كانت هي الطرف الخاسر في ذلك الوقت، ورغم أن الشركة كانت لها حصتها من الصفقات المغربية، إلا أن العقد الأكثر أهمية هو عقد توريد القطارات لخط القنيطرة-مراكش فائق السرعة، الذي يتنافس عليه الجارين الأوروبيين إلى جانب شركات كورية وأخرى الصين".