"أوراسيا في خطر".. لماذا تخشى الصين من اهتزاز إيران بعد سقوط الأسد؟
"التحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها الصين تفرض ضرورة تعزيز الروابط مع إيران"
مع سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وتغير التوازنات الإقليمية التي كانت متواصلة لسنوات طويلة، تتردد تساؤلات عن مدى اتساع هذه التغيرات ونتائجها على مستقبل المنطقة.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة ستار التركية مقالا للكاتب "مصطفى توتار" ذكر فيه أن الشرق الأوسط يواجه حالة من التوتر الكبير، وثمة فضول عن كيف ستتحرك الصين في مواجهة حالة عدم اليقين الراهنة بالشرق الأوسط.
الصين وإيران
فمن المتوقع أن يكون للتغيرات في سوريا تأثير كبير على العلاقة بين الصين وإيران، بحسب الكاتب التركي.
فالصين ترى تعزيز التوافق السعودي الإيراني هدفا إستراتيجيا رئيسا لدعم مصالحها في منطقة الشرق الأوسط والخليج.
حيث يسهم هذا التوافق في تعزيز الاستقرار الإقليمي الذي تحتاجه الصين لتحقيق مشاريعها الاقتصادية والإستراتيجية.
ورغم أن العلاقات بين الصين وإيران شهدت تطورا ملحوظا في ولاية الرئيس الأميركي جو بايدن، إلا أن هناك بعض العوامل الأمنية التي قد تحدّ من هذا التعاون، مثل تأثيرات حرب أوكرانيا وتوسيع التعاون الأمني بين روسيا وإيران.
وعلى عكس فترة بايدن فإن نهج دونالد ترامب الذي يركز على تقليص دور إيران في الشرق الأوسط يُعَدّ تهديدا كبيرا للصين.
أي أن أي تدهور في استقرار إيران بعد سوريا قد يعرض خطط الصين طويلة الأمد في منطقة أوراسيا للخطر، مما يضع مزيدا من الضغط على الصين لتحديد إستراتيجياتها في هذه المنطقة الحيوية.
وتعد أيضا حماية مصالح الصين في العراق من أبرز التحديات التي تواجهها في المنطقة.
وبالرغم من أن الصين تسعى، بما يخص مستقبل العراق، لتعزيز التعاون مع الدول الإقليمية بما في ذلك تركيا، فإن تركيزها الأكبر ينصب على تقوية نفوذ الإمارات في العراق.
ومع تطور الأوضاع السياسية في المنطقة فإن محاولات إدارة ترامب لإعادة تشكيل الأمن في الشرق الأوسط قد تؤثر سلبا على العلاقات التي رعتها الصين بين إيران والعالم العربي في السنوات الأخيرة، ما يفتح المجال لمزيد من المخاوف الصينية بشأن استقرار العراق.
ويستعد ترامب لتنفيذ سياسات تهدف إلى التحكم في الصين في مجالات الطاقة، خاصة فيما يتعلق بالغاز الطبيعي المسال والطاقة المتجددة.
وهذه السياسات قد تُشكل ضغطا إضافيا على إيران، ما يثير تساؤلات حول قدرة الصين على تأمين احتياجاتها في مجال الطاقة من إيران.
ومن المحتمل أن تجد الصين نفسها مجبرة على التوجه نحو العراق كمصدر بديل للطاقة. فعلى الرغم من الاتفاق الذي وقعته الصين مع إيران في عام 2021، الذي يمتد لـ25 عاما ويستند إلى التعاون في مجال الطاقة، فإن تطبيق هذه الاتفاقية لا يزال غير مكتمل، مما يبقي استثمارات الصين في إيران قيد الترقب.
في هذا السياق، تعد الخطوات التي يمكن أن تسهل اندماج الاقتصاد الإيراني في الأسواق العالمية أمرا حيويا بالنسبة لإيران، خاصة في ظل العقوبات التي فرضتها إدارة ترامب.
فعلى مدار السنوات الأخيرة شهدت الصين زيادة في استثماراتها في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في السعودية والإمارات.
وفي حال تم توسيع هذه الاستثمارات لتشمل إيران في الفترة المقبلة، فقد يكون ذلك تحولا يتوازى مع التطورات المؤسسية في منظمة شنغهاي للتعاون ومجموعة البريكس.
ومع ذلك، فإن هناك نقطة مثيرة للجدل تتمثل في أن إيران لم تستفد بالشكل الكافي من مبادرة الحزام والطريق الصينية.
وهذه الانتقادات تفتح الباب لتوقعات جديدة بشأن تعزيز التعاون الاقتصادي بين الصين وإيران، ما يشير إلى أن العلاقة بين البلدين قد تشهد تطورا ملحوظا في المستقبل القريب.
انفتاح إيران نحو الشرق
وأضاف الكاتب التركي أن إستراتيجيات الصين لحل النزاعات تسهم في تعزيز مكانتها كقوة ناعمة عالمية، وقد ساعدت هذه الإستراتيجيات في تقارب وجهات النظر بين السعودية وإيران، مما يعكس زيادة الثقة في قدرة الصين على لعب دور فعال في حل النزاعات الدولية.
من جهة أخرى، يمكن القول إن التحديات التي تواجه إيران في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في أفغانستان وجنوب آسيا، قد توفر فرصة جديدة للصين لتطوير إستراتيجياتها الدبلوماسية.
لكن التغيير في سوريا قد يثير مخاوف بشأن أمن منطقة أوراسيا، خصوصا في حال تفشي الروابط بين الجماعات الإرهابية في سوريا وأفغانستان ووسط آسيا.
ولذلك فقد أكدت الصين على أهمية متابعة سياسات إيران المستقبلية في هذه المنطقة بعد التغيير المحتمل في سوريا.
وتعد العلاقة مع باكستان من العناصر المحورية في إستراتيجية إيران لفتح أبوابها نحو الشرق، فقد تشهد هذه العلاقة تحولات جيوسياسية في ضوء التطورات التي تشهدها فترة ترامب. وفي حال قررت الصين تعزيز التعاون بين إيران وباكستان، فقد يحدث تغيير مهم يؤثر على مستقبل منطقة أوراسيا.
فمع تصاعد الاتجاهات الاقتصادية الإقليمية في الهند، قد تجد الصين نفسها مضطرة لتعزيز تعاونها مع إيران وباكستان لمواجهة التحالفات الدفاعية بين الولايات المتحدة والهند.
ورغم هذه التحديات الجيوسياسية، من المتوقع أن تتبنى إيران نهجا جديدا في سياستها الخارجية. ومع ذلك، من غير المرجح أن يؤدي تحول إيران نحو شرق آسيا إلى نتائج إيجابية تماما، خاصة في ضوء مستقبل سوريا والعراق.
حيث تشير تصريحات المرشد الإيراني علي خامنئي إلى تحول أكثر براغماتية في السياسة الخارجية، مما يعني أن إيران ستتبع نهجا معتدلا في إستراتيجيتها تجاه الشرق.
وفي ظل هذا التحول يُتوقع أن تواصل إيران تعزيز علاقاتها الدبلوماسية مع الصين، خاصة بعد التغييرات المحتملة في سوريا.
التعاون مع أوروبا
وتشير الاتجاهات الاقتصادية الحالية في الصين إلى نمو كبير في مجالات تقنيات الطاقة الجديدة، مما يعكس نجاحها في نموذج التنمية الذي يركز على الابتكار والجودة.
وهذا النمو في الإنتاج والتصدير يفتح المجال لاستمرار التعاون مع أوروبا في المستقبل، ويعزز التوقعات بتوسيع الشراكات الاقتصادية بين الصين والدول الأوروبية.
بالإضافة إلى ذلك، تظل الأولوية في إقامة شراكات جديدة في أسواق ثالثة على جدول الأعمال، خاصة في منطقة أميركا اللاتينية.
حيث يُعد نشر تقنيات الطاقة الحديثة في هذه المنطقة خطوة مهمة في سياق التغير المناخي العالمي، كما أنه يعزز التعاون في مجال الحوكمة العالمية.
وهذا التقارب في المواقف بين الصين وأوروبا قد يفتح آفاقا جديدة للتعاون في المستقبل.
وبعد افتتاح ميناء تشانساي من المتوقع أن يشهد التبادل التجاري بين الصين وأميركا اللاتينية زيادة ملحوظة، مما يعزز من أهمية الأسواق الثالثة بالنسبة للشركات الأوروبية.
بالإضافة إلى أن الصين تسعى لتطوير "طريق الحرير القطبي" باستخدام تقنيات الطاقة الخضراء، وهو ما يجعل هذه الأسواق أكثر أهمية لأوروبا خاصة في سعيها لتعويض أي خسائر اقتصادية محتملة على المدى القصير.
وفي سياق دبلوماسي مختلف تثير رسائل من شخصيات في إدارة ترامب حول منح أوروبا مزيدا من الاستقلالية في المجال الأمني تساؤلاتٍ حول تبني سياسات دبلوماسية أكثر مرونة.
وقد تكون هناك إمكانية لتطوير نهج معتدل تجاه إيران في مقابل تقليص الدعم المقدم لروسيا في حرب أوكرانيا.
من جهة أخرى، يعكس مقال وزير الخارجية الإيراني السابق، محمد جواد ظريف، في مجلة "فورين أفيرز" دعوته إلى المنافسة والتعاون في مجالات متعددة في "العالم ما بعد القطبية".
وهذه الرسالة تدل على استعداد إيران لتوسيع التعاون مع الدول الأوروبية في الفترة المقبلة.
وإذا دعمت أوروبا تخفيف العقوبات الاقتصادية على إيران مقابل وقف دعمها لـ"محور المقاومة"، فقد نشهد انطلاقة لحركة دبلوماسية نشطة تهدف إلى إعادة إدماج إيران في النظام الدولي.
ويشير هذا إلى احتمال وجود تقاطعات بين المصالح الأوروبية والصينية في تعاملاتها مع إيران. وفي الأشهر القادمة سيكون من الممكن ملاحظة تطورات ملموسة في هذا الصدد.
وهناك عوامل أخرى قد تؤثر على السياسة الأوروبية تجاه إيران مثل القلق من تحول إيران إلى قوة نووية. فبينما تميل بعض الدول الأوروبية إلى دعم الاتفاق النووي مع إيران وتتبنى مواقف مشابهة للصين، إلا أنها يمكن أن تبدي تحفظا تجاه دعم سياسة ترامب، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المعقدة.
ولفت الكاتب النظر إلى أن العلاقات الصينية- الإيرانية يمكن أن تتعمق بشكل أكبر في المستقبل القريب.
فالتحديات الاقتصادية والأمنية التي تواجهها الصين تفرض ضرورة تعزيز الروابط مع إيران، مما قد يعزز من التعاون بين البلدين على مختلف الأصعدة.
في الوقت ذاته، إذا أعاد الرئيس الأميركي ترامب تفعيل سياساته التي تهدف إلى الضغط على إيران، فمن الممكن أن يزيد دعم الصين لإيران لمواجهة هذه السياسات.
من ناحية أخرى، قد تتخذ الدول الأوروبية مواقف مختلفة عن سياسة ترامب. ومن المتوقع أن تفضل هذه الدول دمج إيران في النظام الدولي من خلال التعاون بدلا من تبني سياسات الضغط والعزل.
وبذلك فإن هذه الديناميكيات تشير إلى أن الصين وإيران قد يواصلان تعزيز علاقاتهما، في حين أن الدول الأوروبية قد تكون أكثر انفتاحا على إقامة علاقات بناء على التعاون مع إيران.