5 أزمات داخلية في إسرائيل.. تضغط على نتنياهو لوقف الحرب أم ذريعة لتصعيدها؟

نتنياهو قد يلجأ إلى مواصلة الحرب على غزة كملاذ للهروب من أزماته الداخلية
برغم تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخارجية لغزة وسوريا وإيران، إلا أنه يواجه 5 أزمات داخلية، تتوقع صحف الاحتلال أن تسهم في لجم حربه على غزة، وتشغله لمواجهة حريق بيته الداخلي، أو هروبه للأمام واستئناف الحرب.
أبرز هذه الأزمات هي تجنيد المتدينين (الحريديم) في الجيش، والذين تزايدت الحاجة لهم بسبب خسائر جيش الاحتلال في غزة، وتهديد الأحزاب الدينية بإسقاط الحكومة نهاية هذا الشهر (مارس) لو تم تمرير الميزانية التي تتضمن تجنيدهم.
حيث فقد جيش الاحتلال قرابة 6 آلاف جندي، وفق اعترافات إيال زامير رئيس هيئة أركان جيش الاحتلال الجديد، بعدما كانوا يتحدثون عن 831 ضابط وجندي فقط، و78 ألف مصاب وفق وزارة الأمن الإسرائيلية 9 مارس/آذار 2025).
والثانية، هي سعيه لإقالة المستشارة القضائية لحكومته التي وقفت ضد الكثير من قرارته، وهذه أزمة ستجدد الصراع بينه وبين القضاء الاسرائيلي، والثالثة نتائج محاكمته بتهم الفساد أمام القضاء الإسرائيلي واحتمالات إدانته.
والثالثة، هي محاكمته بتهم الفساد أمام القضاء الإسرائيلي واحتمالات إدانته وسعيه لتعديل القوانين لمنع إدانته وهو في السلطة.
والرابعة، هي ما يسمى في إسرائيل "البقرات الثلاثة المقدسة"، أي المخابرات الخارجية والداخلية (الموساد والشباك) بجانب قادة الجيش، الذين يتهمون نتنياهو بذبحهم وإقالتهم، ضمن الصراع الداخلي وتحقيقات "طوفان الأقصى".
وهذا بخلاف أزمة، خامسة، متوقعة لو وافق على جولة مفاوضات ثانية مع غزة وأوقف الحرب وتهديد اليمين المتطرف بإسقاط الحكومة لو فعل هذا.

موازنة تجنيد المتدينين
بدأت هذه الأزمة، حين سعى الجيش إلى "التجنيد الإجباري للحريديم"، وقررت المحكمة العليا الإسرائيلية في 25 يونيو/حزيران 2024 إلزامهم بالتجنيد، ومنع المساعدات المالية عن المؤسسات الدينية التي لا يمتثل طلابها للخدمة العسكرية.
وتأجلت الأزمة بضعة أشهر، ثم عادت بقوة مع تهديد نواب متدينين يوم 7 مارس/آذار 2025، بعدم دعم مشروع قانون الميزانية الجديد في الكنيست، ما لم يتم إقرار قانون يستثني المتدينين اليهود الحريديم من الخدمة العسكرية.
ويتعين الانتهاء من التصويت على قانون الميزانية الجديد بحلول آخر يوم في مارس/آذار 2025، وإلا تنهار الحكومة، وفقا للقانون الإسرائيلي.
ويحاول المتدينون اليهود الضغط على نتنياهو باشتراط دعم الميزانية بتمرير قانون إعفاء الحريديم من التجنيد.
وقد وصفت هيئة البث العبرية (رسمية)، يوم 7 مارس 2025، الأزمة بأنها تهدد بالإطاحة بحكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
واتهم مقال رأي في صحيفة "هآرتس" 9 مارس/آذار 2025، نتنياهو بأنه وافق فقط وأعطى حماس "وقف إطلاق النار مجانا"، بهدف "ضمان بقائه السياسي"، وذلك لأن كل ما يهمه الآن هو تمرير الميزانية، كي لا يسقط ائتلافه بسببها.
وكان ثلاثة نواب من حزب "أغودات إسرائيل" أبلغوا نتنياهو، 6 مارس، أنهم سيعارضون الميزانية بسبب الفشل في تمرير قانون التجنيد الخاص بالمتدينين، وطالبوا بتنظيم وضع خاص لطلاب التوراة (الحريديم).
ولأن "أغودات إسرائيل" هو جزء من تحالف "يهدوت هتوراه" الحزبي، الذي لديه 7 مقاعد في الكنيست المؤلف من 120 مقعدا، فقد يؤدي تصويته ضد الميزانية لإسقاط الحكومة أو تهديد وجودها.
فلدى حكومة نتنياهو 63 مقعداً بالكنيست، ولو رفض هؤلاء الثلاثة القانون سيكون له أغلبية 60 فقط في البرلمان، بينما يلزم لتمرير قانون الميزانية الحصول على 61 صوتا على الأقل في الكنيست، ما سيعني سقوط الحكومة.
لذا أشارت هيئة البث العبرية لاحتمال أن يرضخ لمطالب المتطرف إيتمار بن غفير من أجل إعادته للحكومة منعا لانهيارها؛ لأن لديه ثلاثة مقاعد، واستمالة النواب المتدينين.
ويشكل "الحريديم" نحو 13 بالمئة من سكان إسرائيل البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، ويرفضون الخدمة العسكرية بدعوى تكريس حياتهم لدراسة التوراة.
وهم يصفون المجتمع الإسرائيلي بأنه "علماني" ويهدد هويتهم الدينية واستمرارية مجتمعهم لو انضموا لجيش إسرائيل.

إقالة المستشارة القضائية
"المستشارة القضائية" الحالية للحكومة، والتي يريد نتنياهو إقالتها هي "غالي باهاراف-ميارة"، وأهمية هذا المنصب أنه يعد حاسما في الحفاظ على التوازن بين السلطات في إسرائيل، ويلعب دورا رئيسا في ضمان التزام الحكومة بالقانون.
ولضمان استقلالها وحياديتها، وكي تكون قادرة على أداء مهامها دون تأثيرات سياسية، يرشحها للمنصب لجنة تعيينات خاصة، تضم خمسة أعضاء (وزيرين بينهما وزير العدل، ونائب رئيس المحكمة العليا، ونائب عام سابق، وعضو من نقابة المحامين وأستاذ من كلية القانون).
لكن، بسبب آرائها التي لم تعجب حكومة نتنياهو، وتدخلها في قضايا سياسية وقانونية ضد رغبة الحكومة بدأت إجراءات طردها من منصبها، رغم أنها عُينت في 2022، ومدتها القانونية مستمرة 6 سنوات حتى 2028.
ويرجع إصرار نتنياهو ولفين، على إقصاء المستشارة القضائية عن منصبها، بسبب موقفها الحازم بوجوب تشكيل لجنة تحقيق رسمية في "طوفان الأقصى" التي تُسميها "مذبحة".
أيضا إصرارها على تجنيد الحريديم، حيث أرسلت إلى وزير الدفاع، يسرائيل كاتس، تحذره من أن "بيانات تجنيد الحريديم لا تزال بعيدة عن نسب احتياجات التجنيد في الجيش كما تخالف بند المساواة بين تجنيد كل الإسرائيليين"، وهي قضية يخشى نتنياهو أن تعصف بتحالفه مع اليمين الديني وانهيار حكومته.
كما عارضت المستشارة القضائية تعديلات حكومة نتنياهو القانونية التي تستهدف تقليص دور القضاء لصالح السلطة التنفيذية والسيطرة على لجنة تعيين القضاة.
وفي وثيقة عزل المستشارة القضائية شن وزير القضاء الإسرائيلي، ياريف ليفين، وهو من حمائم حكومة نتنياهو المتطرفين، هجومًا حادا عليها، زاعما أنها "حولت منصب المستشارة القضائية إلى سلطة سياسية استبدادية، تتصرف بعنف وقمع".
وأضاف أنها "تعمل كذراع تنفيذية لمعارضي الحكومة، ولا تتورع عن استخدام أي وسيلة لإحباط إرادة الناخب".
وتقول صحيفة "هآرتس" إن نتنياهو ووزيرة العدل "لفين" ليس لهما القدرة على استبدال المستشارة القانونية وتنفيذ انقلابهما الطموح، وأن الهدف ربما تصويرها بأنها "تهدف إلى تخريب حكم اليمين، ودفعها إلى الزاوية والمس بثقة الجمهور بها".
وقد أعلنت الحكومة الإسرائيلية، 10 مارس/آذار 2025، إجراء تصويت في 23 آذار/مارس 2025، حول نزع ثقتها من المستشارة القضائية، كمرحلة أولى لإقالتها؛ لأن عقبات عديدة قد تعرقل هذه الخطوة وتحول إقالتها لمعركة قضائية وسياسية.
ولو تم التصويت في الحكومة يوم 23 مارس لصالح إقالتها، سيتعين على الحكومة التوجه إلى "لجنة المصادقة على التعيينات" في المناصب الرفيعة، التي صادقت على تعيينها بهاراف ميارا.
لكن هناك عقبات، إذ ينقص هذه اللجنة حاليا عضوان، بعدما انتهت مدة عضويتهما في أعقاب الانتخابات العامة الأخيرة، وينبغي تعيين عضوين آخرين، ولن تتمكن الحكومة من التوجه إلى اللجنة، إلا بعد تعيين المنصبين الشاغرين.
ولو قررت اللجنة عدم التوصية بإقالة بهاراف ميارا، فلن تكون الحكومة ملزمة بتنفيذ قرارها، لكن خطوة كهذه تنطوي على إشكالية، عندما تنتقل القضية إلى المحكمة العليا، في أعقاب تقديم التماسات ضد قرار الحكومة.
ما يعني تحول القضية إلى صراع قضائي وسياسي، في ظل معارضة واسعة للإقالة، وعدم قبول مبررات الحكومة، والصدام السابق بين القضاء ونتنياهو.
أيضا المستشارة القضائية للحكومة هي رئيسة النيابة العامة، ولن تتمكن في تمثيل الحكومة أمام المحكمة العليا لدى نظر التماسات ضد إقالتها، وسينتقل القرار بشأن تمثيل الحكومة إلى المدعي العام، الذي تتوقع صحف إسرائيل أن يعارض إقالتها.

"ذبح البقرات المقدسة"
في إسرائيل، يصفون الجيش، وأجهزة المخابرات الداخلية والخارجية (الشاباك والموساد) بأنها عماد الدولة أو "بقرات إسرائيل المقدسة" لحمايتها هذا الكيان من الانهيار.
وضمن هجومهم على نتنياهو، وسياساته، يتهم الإسرائيليون، خاصة أحزاب المعارضة، رئيس وزراء الاحتلال بذبح هذه "البقرات الثلاثة المقدسة" في إشارة لإقالته رؤساء هذه الاجهزة ضمن الصراع الداخلي حول من يتحمل الاخفاق في صد هجوم "طوفان الأقصى".
فقد أقال نتنياهو وزير حربه السابق يوآف غالانت، وعين المتطرف القريب منه إسرائيل كاتس، ودفع رئيس الأركان "هليفي" للاستقالة وعين بدلا منه إيال زامير، الذي يعول عليه لتحقيق بقية أهدافه في غزة وتحويل عام 2025 لعام حرب أيضا.
لكن تقارير صحفية إسرائيلية، لخصها موقع "عرب 48" في تحليل نشره يوم 7 مارس/آذار 2025، رجح أن يكون 2025، وعكس وما يريد نتنياهو، عام "حرب" إسرائيلية داخلية أيضا.
ليس بمعنى حرب أهلية مسلحة، وإنما باتساع الشرخ والانقسامات في المجتمع الإسرائيلي، أكثر مما كانت هذه الانقسامات في عام 2023، في أعقاب خطة "الإصلاح القضائي" التي وضعتها حكومة نتنياهو من أجل إضعاف جهاز القضاء.
ويعول نتنياهو، على رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الجديد، إيال زامير، ليحقق له أهداف الحرب على غزة، المتمثلة بالقضاء على حركة حماس وإعادة الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في قطاع غزة، من دون تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى.
خاصة أن "زامير" أكد أن "حماس لم تُهزم بعد، وهذه المهمة لم تستكمل حتى الآن"، أي أن الحرب ستُستأنف رغم أن 15 شهرا منها لم تحقق أحلام نتنياهو، الذي يهرب للأمام للتغطية على نتائج تحقيقات الجيش التي وجهت له أصابع الاتهام.
أيضا يعمل نتنياهو على ذبح الشاباك، ورئيسه، رونين بار، وإرغامه على الاستقالة أو إقالته، بعد نشر تحقيق الشاباك حول إخفاق 7 أكتوبر، وكشف أنه كان من أنصار الهدوء مع حماس ووقف الاغتيالات في غزة ولبنان لتلافي جولة قتال جديدة.
والبقرة الثالثة التي ذبحها نتنياهو جزئيا هي الموساد، من خلال إقالة رئيسه دافيد برنياع، من رئاسة الوفد الإسرائيلي في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وتعيين ديرمر مكانه، في إشارة واضحة لعدم ثقته في رئيس الموساد.
وكان معهد "تاشتام هاوس" الأميركي، 24 يناير 2025، قد أشار إلى أن "معضلة نتنياهو في المرحلة الثانية للتفاوض مع حماس أو استئناف الحرب هي البقاء السياسي أو تحدي رغبة الرئيس ترامب في وقف القتال لتحقيق مصالح أميركية.
أكد أن "ترامب برز كمدافع قوي عن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، ولكن الالتزام به قد يؤدي إلى تفكك ائتلاف رئيس الوزراء نتنياهو وإجراء الانتخابات التي يخشاها".

محاكمة مستقبله السياسي
ووفق مراقبين، فإن حكم نتنياهو سينهار في حالتين: الأولي انهيار ائتلافه الحاكم أو إدانته في محاكمته الجارية حاليا بالفساد ويبدو أن الثانية تقترب.
فبعد 5 سنوات من تقديم لائحة الاتهام ضده، بدأت في ديسمبر/كانون أول 2024 جلسات محاكمته وطرح ادعاءاته وأدلته للدفاع عن نفسه من الاتهامات ضده، كمتهم مركزي في ملفات الفساد أرقام: 1000 و2000 و4000.
ويواجه نتنياهو ثلاث قضايا فساد منفصلة تم رفعها في عام 2019، والتي تتضمن اتهامات بالاحتيال والرشوة وانتهاك الثقة.
ففي الملف 1000، يُتهم نتنياهو بالحصول على منافع شخصية وهدايا ثمينة من رجال أعمال وأثرياء مقابل سعيه لمساعدتهم، وبينهم المنتج السينمائي، أرنون ميلتشين، الذي سعى نتنياهو لاستصدار تأشيرة دخول له إلى الولايات المتحدة لمدة عشر سنوات.
وهذا الرجل قدم لنتنياهو سيجار وشمبانيا بقيمة عشرات الآلاف من الدولارات مقابل المساعدة في تحقيق مصالح شخصية وتجارية، وفق الاتهامات.
وفي الملف 2000، وجهت له اتهامات بأنه خلال محادثات بينه وبين ناشر صحيفة "يديعوت أحرونوت"، أرنون موزيس، اقترح وقف توزيع صحيفة "يسرائيل هيوم" مجانا، مقابل تغطية داعمة له في "يديعوت".
وفي الملف 4000، تم اتهامه بأنه أبرم صفقة مع رجل الأعمال، شاؤل ألوفيتش، ناشر موقع "واللا" الإلكتروني، تقضي بتغطية إعلامية داعمة لنتنياهو مقابل دفع مسألة دمج شركة "بيزك" للاتصالات وشركة "ييس" اللتين بملكية ألوفيتش.
وحاول نتنياهو نفي التهم ضده حول محادثته مع ناشري "يديعوت أحرونوت" وموقع "واللا"، وقال إن علاقات رابين مع الصحافة كانت متينة، وأن بن غوريون كان يُملي العناوين على إذاعة "صوت إسرائيل".
وادعى نتنياهو أنه "لا توجد علاقات متبادلة (بين السياسيين والصحفيين) في نظام ديمقراطي، أنت تُملي عليهم، مثلما كان بن غوريون يُملي العناوين على صوت إسرائيل".
ورغم الوتيرة البطيئة جدا التي تدار فيها محاكمة رئيس الحكومة الجنائية، فإنها تهدد مستقبله السياسي والشخصي، وفق صحف إسرائيل.
وبسبب هذه الأزمات المتعددة، وتهربه من المرحلة الثانية لاتفاق مع غزة، وسعيه للتغطية على الخلافات الداخلية بالحرب، طالب 72.5 بالمئة من الإسرائيليين، نتنياهو بالاستقالة بحسب استطلاع للرأي أجراه "معهد الديمقراطية الإسرائيلي"، نشرته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" 9 مارس 2025.
المصادر
- To ensure his political survival, Netanyahu gave Hamas a ceasefire free of charge
- Israel's Benjamin Netanyahu takes stand in ongoing corruption trial
- 72.5%of Israelis believe Netanyahu should take responsibility for Oct. 7 and resign
- Netanyahu on trial: Prosecution trying to criminalize contact between politicians and journalists
- إسرائيل أمام أعمق أزماتها: نتنياهو يذبح "بقراتها المقدسة"
- Netanyahu’s phase two dilemma: Political survival vs defying President Trump
- Is Netanyahu Quietly Planning to Undermine Israel's Universal Army Draft?