الخطة العربية وغموض سلاح غزة.. لماذا رحبت المقاومة ورفضت إسرائيل وأميركا؟

"القمة العربية مسكت العصا من الوسط"
بينما رحبت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” بالخطة المصرية لإعمار غزة، والتي تبنتها القمة العربية بالقاهرة في 4 مارس/آذار 2025، هاجم الكيان الإسرائيلي وأميركا الخطة بشدة واستعلاء.
الرفض الأميركي والإسرائيلي السريع للخطة، والذي تزامن مع غياب 8 من القادة العرب عن القمة، في إشارة لاستشعار بعضهم مبكرا، خاصة السعودية والإمارات، لهذا الرفض والنأي بأنفسهم عن ربط الخطة به، يطرح تساؤلات حول: ماذا بعد؟ وما مصير الخطة العربية بشأن غزة؟
زاد الغموض، تزامن الرفض، مع تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لكل أهل غزة، لا حماس فقط، بالموت لو لم يطلقوا سراح أسرى الاحتلال، وتزايد وطأة الحياة في غزة بعد قرار الاحتلال منع دخول أي طعام للسكان في شهر رمضان المبارك.
كما تزامن مع تكثيف الاستعدادات الإسرائيلية لتهجير سكان غزة بمعدل 2500 يوميا، بحجة تنفيذ خطة ترامب، كما ذكرت صحيفة "يسرائيل هيوم" في 6 مارس/أذار 2025.
وكانت الخطة المصرية المقدمة للقمة العربية، قُدمت كبديل لخطة ترامب لإقامة "ريفييرا الشرق الأوسط" في غزة.
لكن الخطة العربية بعد اعتمادها لم تحدد من يدفع تكاليف الإعمار، كما لم تتحدث مباشرة عن نزع سلاح حماس وإبعاد قادتها عن حكم غزة.
حماس والصهاينة
رحّبت حركة حماس بمخرجات القمة العربية، وقالت: "نرحب بخطة إعادة إعمار غزة". ووصفت القمة بأنها "تدشن مرحلة متقدمة من الاصطفاف العربي والإسلامي مع القضية الفلسطينية العادلة".
ورأت أن عقد القمة "يعكس موقفا عربيا موحدا ضد محاولات الاحتلال لتهجير شعبنا وطمس قضيته الوطنية"، وشددت على أن "النكبة الفلسطينية لن تتكرر في ظل موقف عربي حازم".
أيضا رأت حماس أن "دعوة القمة العدو لتنفيذ وقف إطلاق النار في غزة كما تم التوقيع عليه تمثل إسنادا سياسيا للشعب الفلسطيني، وضغطا على الاحتلال لمنعه من تغيير الاتفاق أو إفشاله".
ودعت العرب لـ"إجبار العدو المجرم على تنفيذ بنود الاتفاق، وإدخال المساعدات والإغاثة والإيواء، والمضي قدمًا في مفاوضات المرحلة الثانية"، و"اتخاذ مواقف حاسمة بالتصدي لانتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى".
لكن بيان حماس لم يتطرق لما ورد ضمنا في الخطة، وتطالب به أميركا وإسرائيل، بشأن إبعاد الحركة عن غزة، ونزع سلاح المقاومة.

فيما رحَّبت حماس بتبني القمة العربية خطة إعادة إعمار غزة، هاجمت إسرائيل البيان الختامي، متهمة الدول العربية بتجاهل "واقع ما بعد 7 أكتوبر"، في إشارة لخطط ترامب لتهجير الفلسطينيين، والتي وصفتها بـ "فرصة ترامب" لمستقبل غزة.
بيان الخارجية الإسرائيلية الذي هاجم مخرجات القمة العربية، ورأى أن بيانها الختامي: "يستند إلى مفاهيم قديمة، وغير ملائمة للوضع الراهن في غزة"، كان من الواضح أنه يُذكر الدول العربية بأن هناك واقعا جديدا يحاول الاحتلال وترامب فرضه.
هذا الواقع هو تدمير غزة وفرض خطة تهجير أهلها، التي زعمت إسرائيل أنها "تتيح لسكان غزة فرصة لاتخاذ قرار بحرية بشأن مستقبلهم".
ولم ينس البيان الإسرائيلي تذكير الدول العربية بأنها "استخدمت الفلسطينيين لمدة 77 عاما كدروع بشرية ضد إسرائيل، وأبقتهم في وضعية لاجئين دائمين".
وهي رسالة إسرائيلية تقول ضمنا للأنظمة العربية: لم تتحركوا لنصرة الفلسطينيين طوال 77 عاما، فلماذا الآن؟
أيضا أكد البيت الأبيض “تمسك” ترامب بمقترح "إعادة بناء غزة خالية من حركة حماس"، ووصف الخطة العربية بأنها "لا تعالج حقيقة أن القطاع غير صالح للسكن في الوقت الحالي".
وأشار المتحدث باسم مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، “بريان هيوز” لحجج واهية لرفض الخطة العربية، زاعما أنه لا يمكن للسكان العيش في غزة بحالتها الراهنة، بكرامة وسط الأنقاض والذخائر غير المنفجرة.
وذلك رغم أن من دمر غزة القنابل الأميركية، والخطة العربية تضع حلولا وجيهة لبناء منازل حديثة للسكان وتحدد مناطق للعيش فيها مؤقتا داخل كرافانات جاهزة.
لكن البيت الأبيض شدد على أن الولايات المتحدة "تتطلع إلى مزيد من المحادثات" بشأن هذه القضية، ما يبدو أنه عدم غلق للباب نهائيا.
بديل عربي
"يبدو أن الخطة العربية تتضمن شقين: الأول مُعلن، وهو ما قدمته مصر، ويتضمن دراسة لمشاكل غزة المدمرة وكيفية بنائها، والثاني، غير معلن لأنه يفترض إبعاد حماس وسلاحها"، بحسب "مصدر دبلوماسي مصري".
المصدر، أوضح لـ"الاستقلال" أن هناك شبه إجماع بين مصر ودول الخليج، ماعدا قطر، على ربط خطة الإعمار بتهميش دور المقاومة وإبعادها عن السيطرة على غزة.
وأشار إلى أن هذا هدف تتفق عليه الأنظمة مع إسرائيل وأميركا بسبب توجه حماس الإسلامي الذي يزعج هذا التحالف العربي الإسرائيلي والأميركي.
ولفت إلى أن الخطة جيدة لكنها أشبه بدراسة أكاديمية أو مقترح من "مطور عقاري" لبناء غزة الجديدة كما يظهر من طريقة صياغتها وحديثها عن "منهجية ونطاق وأهداف".

والخطة، التي حصلت "الاستقلال" على نسخة منها، بعنوان "التعافي المبكر وإعادة إعمار وتنمية غزة"، مكونة من 112 صفحة، وتكلفتها ستبلغ 53 مليار دولار.
وتتضمن صورا ملونة تم إنشاؤها بواسطة الذكاء الاصطناعي لمشاريع الإسكان والحدائق والمراكز المجتمعية، مع خطط لبناء ميناء تجاري ومركز تكنولوجي وفنادق شاطئية ومطار.
وتنص على اختيار لجنة فلسطينية مستقلة من المهنيين والتكنوقراط لإدارة قطاع غزة، والإشراف على عمليات الإغاثة لفترة مؤقتة، والبدء في عملية إعادة إعمار، تستغرق خمس سنوات.
وتبدأ الخطة المصرية المقترحة بفترة تعافي، تليها مرحلة أولى، تمتد لعامين، وتشمل بناء 200 ألف وحدة سكنية بتكلفة 20 مليار دولار، بعدها مرحلة ثانية، مدتها عامان ونصف العام.
وتشمل بناء 200 ألف وحدة سكنية أخرى بالإضافة إلى مطار، على أن تشمل الخطة إنشاء ميناء تجاري ومركز تكنولوجيّ وفنادقَ على الشاطئ.
سلاح المقاومة
تضمن بيان القمة العربية الختامي فقرتين تشيران ضمنا لرفض بقاء المقاومة وسلاحها في غزة الجديدة.
حيث تم النص على أن "ملف الأمن في غزة يجب أن يدار من المؤسسات الفلسطينية الشرعية"، في إشارة إلى تسليم غزة للسلطة الفلسطينية.
والفقرة الثانية تقول بوضوح: إن "السلاح المسموح في غزة هو السلاح الشرعي"، وهي إشارة أيضا لاستبعاد سلاح المقاومة وأن يكون ما يحكم غزة هو سلاح السلطة الفلسطينية "الشرعي".
وقبل القمة بيوم، ادعت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 3 مارس/آذار 2025 أن رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد طلب من خليل الحية "كبير مفاوضي حماس" تسليم كتائب القسام سلاحها "الصواريخ والقذائف" ليتم تخزينها في مستودعات,
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين مصريين ومصادر مطلعة، أن هذه الأسلحة سيتم تخزينها في مستودعات تحت إشراف مصري وأوروبي إلى حين إنشاء دولة فلسطينية.
لكن رئيس حركة حماس في قطاع غزة، خليل الحية، رفض هذا الاقتراح بشكل قاطع خلال اجتماعه مع رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد، خلال لقاء جمع بينهما هذا الشهر (مارس).

وسبق أن قال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم، في بيان، إن اشتراط الاحتلال الإسرائيلي إبعاد حماس عن قطاع غزة هو "حرب نفسية سخيفة"، وعد خروج المقاومة أو نزع سلاحها من غزة "أمرا مرفوضا".
من جانبه، رأى وزير الخارجية التونسي السابق "رفيق عبد السلام" أن القمة العربية "أمسكت العصا من الوسط في موضوع سلاح المقاومة، متوارية خلف المطالبة بنشر قوات دولية".
"وهذا ترجمته العملية أن تتولى هذه القوات مهمة جمع السلاح نيابة عن الدول العربية، دون التورط في احتكاك مباشر مع الفلسطينيين"، وفق تقديره.
نقاط غامضة
ووفق رويترز، لا تعالج خطة القاهرة قضايا حاسمة، مثل من سيدفع فاتورة إعادة إعمار غزة، كما لم تحدد أي تفاصيل دقيقة حول كيفية حكم القطاع، ولا كيف سيتم إبعاد جماعة مسلحة قوية مثل حماس.
ونقلت وكالة "بلومبيرغ" في 4 مارس/آذار 2025 عن مصادر أن السعودية "تدعم إزالة القيادة السياسية والعسكرية المتشددة لحماس من غزة"، لكنها ترى إمكانية التعامل مع ما وصفته بعناصر "معتدلة" من الحركة.
وأكدت أن الإمارات تتبنى موقفًا أكثر تشددًا، حيث تطالب بإعادة هيكلة شاملة للسلطة الفلسطينية في الضفة الغربية قبل الالتزام بأي تمويل لإعادة الإعمار.
وقد أوضح مصدران لموقع "مدى مصر"، في 4 مارس 2025، أن مصر لم تتمكن من تأمين تعهدات واضحة من بعض دول الخليج بتمويل عمليات إعادة إعمار القطاع، بعد شروط مختلفة طرحتها هذه الدول.
وأشار لهذا ضمنا الإعلامي حافظ المرازي وهو يحاول رصد: “ما الذي تقرر في قمة الرياض وسيُعلن في القاهرة؟” مؤكدا أن الخلاصة التي أبلغ ولي العهد السعودي مصر بها هي: "الذي يدفع راح يحكم والذي يقاوم يبعد".
قال: إن ما يرضى به القيصر الأميركي بدل خطته الريفيرية التي تتطلب تهجير الشعب الفلسطيني من غزة، دون عودة، هو تعمير بلا أنفاق أو سلاح ومقاومين يعيدون الهدم وتقويض ما تم بناؤه.
المصادر
- Exclusive: Egypt's alternative to Trump's 'Gaza Riviera' aims to sideline Hamas
- Arab summit to focus on Egypt's alternative to Trump's 'Gaza Riviera'
- Why Arab Leaders Are Struggling to Agree on Hamas’s Future Role in Gaza
- Israel proposes Gaza plan that gives it tighter military control than before war
- قمة القاهرة تدعو إلى مؤتمر لإعادة إعمار غزة «في أقرب وقت»
- "حماس" ترحب بمخرجات القمة العربية الطارئة في مصر