أزمة قصواء الخلالي نموذجا.. ماذا وراء الصراع الدائر بين بارونات إعلام السيسي؟

داود علي | منذ ٣ أيام

12

طباعة

مشاركة

معركة جديدة تدور رحاها داخل شركة "المتحدة المصرية للخدمات الإعلامية" التابعة لجهاز المخابرات العامة، بطلتها الإعلامية "قصواء الخلالي" التي تقدِّم برنامج "في المساء مع قصواء"، على قناة "سي بي سي" التابعة للشركة. 

وأعلنت قصواء عبر تدوينات لها على صفحاتها الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك - إكس" أن الشركة أصدرت قرار "فصل وطرد" مفاجئ لكل فريق عمل البرنامج، من أول الصحفيين حتى الفنيين، وذلك في 26 فبراير/ شباط 2025.

وقالت: "حاولنا جميعا التواصل والاستعانة بمن يحاول وقف هذه المهزلة الإنسانية، والأخلاقية، والمهنية، دون جدوى حقيقية". 

وعقبت هناك من انزعج من مقالي، من قيادات الشركة الثلاث، الذين ذكرتهم في المقال السابق، فقرر (سحق الفريق) تماما، وطرده فجأة، وقطع عيش الجميع، دون عقل، أو وعي، أو فهم للعواقب، أو منطق.. عقابا لي". 

واتهمت قصواء كلا من طارق نور، رئيس مجلس إدارة شركة المتحدة، وعبد اللطيف، الرئيس التنفيذي لقطاع الأخبار بالشركة، أنهما وراء القرار، وأن معهما صلاحيات مطلقة، يأمران فيطاعان، ولا يستطيع مخلوق مراجعتهما.

ثم وجّهت تحذيرها، قائلة: "أخرجونا من هذه الحرب التي تخوضونها ضد أشباحكم وذكرياتكم، ولا تجعلوها معركتكم الخاسرة، كي لا يجعلها الله معركتكم الأخيرة".

فما قصة مقال "قصواء الخلالي" الذي فجّر الأزمة؟ وما شواهد أن أزمة "قصواء" مجرد قمة جبل جليد لأزمة أعمق داخل إعلام الأجهزة الأمنية؟ 

مقال قصواء 

وشنت قصواء الخلالي هجوما على قيادات شركة المتحدة للخدمات الإعلامية، خلال مقال لها على موقع "المشهد" المحلي، تحت عنوان "البلبلة التي صنعوها.. بين الحربية والقضاء والداخلية والأعلى للإعلام والخط الأحمر!". 

وقالت الخلالي في مقالها: "شركة المتحدة، التي ضمت منذ فترة قنوات مثل (القاهرة والناس) وغيرها، وأصبح يقودها منذ ذلك الحين، (الإعلاناتي) الكبير طارق نور، والذي جاء ليصنع للمتحدة مكاسب مالية كما أُعلن، ومعه الصحفي الكبير عبد اللطيف المناوي، الذي يقدم نفسه بأنه رجل الأمن القومي الإعلامي، والمسؤول عن المحتوى السياسي فيها". 

ثم تابعت: "ومعهم التلفزيوني الكبير سمير يوسف (الرئيس التنفيذي للشبكات التلفزيونية بالمتحدة)، الذي يوصف بأنه منتج ترفيهي يجيد صناعة المكسب، وإدارة قنوات الطبخ الناجحة، فأتى ثلاثتهم كقيادات تدير الشركة، ويأتمر بأمرهم رؤساء القنوات والإدارات".

ثم وجهت إليهم اتهاما مباشرا قائلة: "هم من يتحملون ما يثار من محاولات صناعة (بلبلة)، أو إن تصاعد الأمر (فتنة) ؟!" على حد وصفها. 

أما السبب الذي كتبت الخلالي بسببه المقال فيرجع إلى حلقة تلفزيونية تمت فيها استضافة رجل الأعمال حامد الشيتي، هاجم فيها "البدو" وحملهم مسؤولية إعاقة تنمية السياحة. 

بعدها ردّ عليه رجل الأعمال السيناوي "إبراهيم العرجاني" وهدد وتوعد وقال: "إن البدو والصعايدة (من ينتمون إلى صعيد مصر) خط أحمر" في استعراض للقوة. 

هنا اتهمت المذيعة في مقالها إدارة المتحدة بالتقصير عندما قالت: "هذا الحوار لا بد أن يتمّ مراجعته من إدارة المحتوى السياسي والتلفزيوني، وفي مثل هذه الظروف الاستثنائية، لا بد أن يطلع عليه الرئيسان التنفيذيان للملفين عبد اللطيف المناوي، وسمير يوسف، ومع ذلك أذيع!".

ثم اختتمت المقال بتلميح أن تلك القيادات تتسبب في الأزمات والمشاكل وإثارة القلاقل، عندما أوردت: "في النهاية، أعاننا الله جميعا كمصريين، وأعان مؤسساتنا الرسمية، وقيادتنا السياسية، على كل ما نواجهه من خارج مصر، ومن داخلها أيضا، في مشهد أصبح معكوسا، من فتن من نوع جديد، أصبحت تحاول إثارتها المؤسسات، ويتصدى لها الأفراد، وندفع نحن ثمنها".

ردود الفعل 

بعد هذا المقال وما ترتب عليه من الإطاحة بـ “قصواء الخلالي” وفريقها، بدأ أشخاص ولجان إلكترونية التفاعل، بالهجوم على إدارة المتحدة. 

فغرّد الناشط محمد علي عبر "إكس": "عملت إيه عشان يحصل معاها ده كله! النهاردة المتحدة للإعلام بقيادة طارق نور أصدروا قرار فصل تعسفي لكل طاقم العمل، ده قطع الأرزاق أشد من قطع الرقاب.. كل الدعم لقصواء في معركتها ضد مافيا الإعلام".

وكتب الباحث السياسي فادي عيد: "كل الدعم للإعلامية المصرية الوطنية المحترمة قصواء الخلالي، وجرس إنذار جديد للنظام وكل من يتصدر المشهد باسم الدولة وهم في الأساس عبء على الدولة". 

ودوّن حساب باسم "اللمبي": "شكله العرجاني خط أحمر.. بسبب مقال قصواء الخلالي عن صراع العرجاني وحامد الشيتي، فصلت شركة المتحدة للإعلام بأوامر من طارق نور وعبداللطيف المناوي وبشكل مفاجئ كل فريق عمل برنامج في المساء مع قصواء على شاشة (سي بي سي) عقابا لها على المقال الذي أزعجهم". 

ولم يقف الأمر عند التدوينات فقط، بل كتب عدد من الصحفيين والسياسيين المحسوبين على جبهات أخرى داخل نظام السيسي، مقالات للتضامن مع الخلالي، منهم الدكتور أشرف راضي الذي كتب لموقع "المشهد" أيضا، مقالة بعنوان: "المتلاعبون بالنار.. عن جهل أو عن سوء نية". 

وذكر فيه: "كتبت الخلالي هذا المقال الذي تضمن تفاصيل وكواليس الحوار الذي يشكل مادة تشغل الرأي العام في مصر في الأيام القليلة الماضية، والمرجّح أن تشغله لشهور قادمة في ظل أوضاع إقليمية وداخلية بالغة الحساسية".

وتابع: "لقد استشعرت مؤسسات كثيرة الخطر عن إعلان ميلاد (اتحاد القبائل العربية)، والذي تبرأ منه شيوخ القبائل في صعيد مصر في بيان رسمي ولم تنطلِ عليهم حيلة الدفع بأحد الوجوه الإعلامية الشهيرة الحريصة على ربط نفسها بالصعيد وبعائلته وهو ربط منافٍ للحقيقة والواقع (يقصد الإعلامي مصطفى بكري)".

واستطرد متهما طارق نور والإدارة الجديدة للمتحدة: "الكواليس تشير إلى أن هناك من يتلاعب بنار الفتنة عن جهل على ما يبدو، لكن أن يصل الجهل إلى حد عدم الانتباه أو الالتفات إلى التنبيه فلنا أن نتوقف ونتساءل عمن أعد وأخرج سيناريو هذا الحوار وعن توقيت نشره، وعن إدارة الجدل بخصوصه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وعبر منصات إعلامية". 

وتابع: "الكواليس تضعنا جميعا أمام مسؤولية الحفاظ على وحدة هذا المجتمع وتماسكه والتنبيه إلى المساعي الخبيثة، لإظهار الكيانات القبلية كما لو كانت دولة موازية في مصر أو إظهارها كما لو كانت هي صاحبة النفوذ الحقيقي، المالي والاقتصادي والسياسي". 

شلة الطاهري 

ومعلقا على المشهد، يقول الصحفي المصري عامر حسن لـ “الاستقلال”: إن “الأزمة لم تبدأ من مقال قصواء الخلالي، بل منذ الإطاحة برئيس الشركة السابق أحمد الطاهري المقرب من ضابط المخابرات أحمد شعبان أحد أذرع رئيس جهاز المخابرات العامة السابق”.

وأضاف: "فطريقة الإطاحة به والهجوم الذي حدث على المتحدة واتهامات الفساد المالي والإداري أظهرت أن هناك معركة كبيرة قائمة بالفعل بين أقطاب الأجهزة الأمنية والإعلامية".

وتابع: "دعونا نسأل لماذا كتبت قصواء مقالها بهذه الطريقة العنيفة؟ وهاجمت طارق نور وعبد اللطيف المناوي تحديدا، ومن ورائهم إبراهيم العرجاني، وحمَّلتهم المسؤولية كاملة لما يحدث في البلد من فتن وأزمات واضطرابات اقتصادية واجتماعية!". 

وتابع: "قصواء رأت أن حلقة تلفزيونية واحدة كادت أن تهدم البلد، وتركت سنوات من الفساد والإفساد ارتكبتها المتحدة وإعلام المخابرات، وتسبَّبت تلك المنهجية في انهيار اقتصادي وشقاق مجتمعي وانحلال أخلاقي". 

واستطرد: “في الحقيقة كانت قصواء مدفوعة؛ لأنها ببساطة من الوجوه التي غدت قديمة وهي من الشلة المقربة لأحمد الطاهري وإدارة المتحدة السابقة إن تجاوزنا فكرة المفصولة”.

ومضى يقول: "هذه الشلة ترى أن مشروع المتحدة سرق منها غصبا، ولا ترتضي أن تلعب دور المتفرج، وبالتالي تعمل على إظهار فشل الإدارة الحالية، وربما كان مقال قصواء بتفاصيله وتركيزه على مصطلحات الإهمال واللامبالاة والتآمر، بداية فصل جديد من الصراع ستكون أكثر شراسة".

وسبق أن ذكر الكاتب الصحفي سليم عزوز، في مقالة عبر صحيفة "القدس العربي"، في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، أن هناك صراعا داخل الدائرة المهيمنة على الإعلام المصري من بارونات الإعلام".

وأوضح أن "الطاهري بدأها بمنشور عن صديقه العقيد أحمد شعبان، وقد وصفه بالصديق ورفيق رحلة عظيمة من النجاحات والتحديات والصعاب!".

وأضاف أن “الصراع الداخلي يمكن أن تلمسه كذلك في منشور لإعلامي المرحلة خالد أبو بكر، وهو يصف مقدمي برامج التوك شو، بأنهم من أبطال 30 يونيو (بداية الانقلاب العسكري عام 2013)، ومع ذلك يقع عليهم الضرر، فأحدهم سجن، وبعضهم أوقفت برامجهم! إنهم يتحدون السلطة ويتمردون عليها، ويذبحون القطة للبديل القادم.. فمن يحمي هؤلاء؟”