كيف كان رد فعل إيران على دعوة أوجلان "بي كا كا" لإلقاء السلاح؟

حظي بيان أوجلان من داخل محبسه باهتمام واسع في إيران
بين القلق والترحيب الحذر، تباينت ردود الفعل في الأوساط السياسية والإعلامية الإيرانية من تداعيات الإعلان في تركيا عن حل حزب العمال الكردستاني "بي كا كا".
ويعكس الخطاب الرسمي الإيراني موقفا متزنا يضع الأمن الإقليمي في الحسبان، كما كشفت الصحافة المحافظة عن ارتياح واضح، وترى أن تفكك التنظيم المسلح يصب في مصلحة استقرار المنطقة.
ولكن حذرت الصحف الإصلاحية من أن الخطوة قد تعزز النفوذ التركي وتقلص هامش المناورة الإيراني، وفق ما نشر مركز الدراسات الإيرانية “إيرام”.
وسلط المركز في مقال للكاتب التركي "رحيم فرزام"، الضوء على المواقف المتباينة للصحافة الإيرانية تجاه دعوة زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان في 27 فبراير/شباط 2025 لحل الحزب من موقعه في سجن إمرالي.
وجاءت هذه الدعوة بعد 4 أشهر من عرض تركيا السلام على أوجلان المسجون في زنزانة انفرادية في سجن بجزيرة إمرالي في بحر مرمرة؛ حيث يقضي عقوبته منذ اعتقاله عام 1999.
وحكم على أوجلان سابقا بالإعدام بتهمة "الخيانة العظمى"، ثم خُفف الحكم إلى السجن "مدى الحياة"، بعد إلغاء العقوبة الأولى بموجب قوانين التوأمة مع الاتحاد الأوروبي.
وأردف الكاتب: حظي بيان أوجلان، والذي دعا فيه التنظيمَ إلى إلقاء السلاح وحل نفسه باهتمام واسع في إيران، خصوصا في وسائل الإعلام.
وقد أثارت هذه الدعوة التي تحمل إمكانية إنهاء أكثر من أربعين عاما من الصراع المسلح لبي كا كا ضد الدولة التركية، ردودَ فعل متباينة في إيران.
الموقف الرسمي الإيراني
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي: "إن جمهورية إيران الإسلامية ترحّب بأي عملية من شأنها إنهاء الإرهاب وتعزيز الأمن في تركيا الجارة، ونأمل أن يكون لهذه الخطوة تأثيرات إيجابية على المستوى الإقليمي أيضا".
كما تبنّت وكالة الأنباء الرسمية الإيرانية "إرنا" موقفا متماشيا مع السياسة الرسمية للدولة.
فقد نقلت الخبر تحت عنوان: "أكراد تركيا يودّعون السلاح"، مستخدمة أسلوبا إخباريا محايدا دون إبداء وجهة نظر محددة.
وسلّطت "إرنا" الضوء على تصريحات أوجلان، التي أكد فيها أن "لا طريق سوى الديمقراطية والحوار الديمقراطي".

كما استعرضت ردود الفعل الدولية بالإشارة إلى ترحيب الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة والأمم المتحدة بهذه الدعوة، في حين أعلن إقليم كردستان العراق دعمه لها.
وأشارت الوكالة، نقلا عن وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية، إلى أن بعض الفصائل داخل حزب العمال الكردستاني قد ترفض الاستجابة للدعوة، لكن من المتوقع أن يلتزم القادة الرئيسون بها.
وكانت إحدى القضايا الرئيسة التي تناولتها الصحافة الإيرانية هي مدى امتثال أفراد حزب العمال الكردستاني في جبل قنديل شمال العراق لدعوة أوجلان، وما إذا كان هذا المسار سيحقق نجاحا أم لا.
وأشار الكاتب التركي إلى أن ردود الفعل الإيرانية المختلفة تجاه دعوة أوجلان لحل “بي كا كا” تعكس انقساما بين المواقف الرسمية التي ترحب بالخطوة بحذر، والمواقف الإعلامية التي تتراوح بين عدّها انتصارا لتركيا ومؤامرة سياسية.
ويبقى نجاح هذه المبادرة مرهونا بتطورات الوضع الداخلي للحزب وردود الفعل الإقليمية والدولية.
الصحف المحافظة
وأوضح الكاتب التركي أن الصحافة الإيرانية تناولت بشكل عام دعوة أوجلان بصفتها تطورا مهما؛ حيث انعكست الاختلافات في المواقف من خلال اللغة المستخدمة والعناوين التي اختارتها وطريقة تناول الأخبار.
فقد ركزت الصحف المحافظة مثل "كيهان" و"تسنيم" على وصف حزب العمال الكردستاني بأنه منظمة إرهابية، وأبرزت عدم الاستقرار والعنف الذي تسبب فيه التنظيم في تركيا والمنطقة.
ويكتسب هذا التركيز أهمية خاصة عند الأخذ في الحسبان أن صحيفة "كيهان" تخضع لإدارة حسين شريعتمداري، ممثل المرشد الأعلى علي خامنئي.
ونشرت صحيفة “كيهان” تقريرا تحت عنوان: "زلزال بقوة 9 درجات في صفوف إرهابيي حزب العمال الكردستاني بأمر تاريخي من أوجلان".
وأكّدت الصحيفة أن هذه الدعوة أكثر حسما وتأثيرا من دعوات سابقة، مشيرة إلى أن الحزب كان مصدر تهديد دائم للمنطقة بما في ذلك إيران، وذلك عبر جناحه الإيراني "حزب الحياة الحرة الكردستاني".
من جانبها، نشرت وكالة "تسنيم" المقربة من الحرس الثوري تحليلا بعنوان: "أبعاد مختلفة للاتفاق بين تركيا وأوجلان بشأن بي كا كا".
وأشارت إلى أن الدعوة جاءت في إطار اتفاق بين الدولة التركية وأوجلان، وأن موقف القيادة العليا للحزب منها لا يزال غير واضح.
كما نقلت الوكالة تصريحات لمسؤولين أتراك وتحليلات لصحفيين وخبراء أمنيين، مؤكدة أن الحزب يبقى محل ريبة لدى تركيا.
وأردف الكاتب: من جهة أخرى، وصفت صحيفة "جام جم"، التابعة لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون الوطنية الإيرانية "صدا وسيما"، الدعوةَ بأنها "استسلام"، ونشرت الخبر تحت عنوان: "الراية البيضاء لأوجلان من سجن إمرالي".
بل وأشارت إلى أن أوجلان يعمل بتنسيق مع تركيا للضغط على "قوات سوريا الديمقراطية" "قسد" في شمال شرق هذا البلد، الذي صرح زعيمها مظلوم عبدي بالقول: إن تلك الدعوة “لا تشمل قواتنا” على الرغم من تبعيته لبي كا كا.

كما ذكرت الصحيفة أن المواجهات العسكرية بين الجيش التركي وعناصر الحزب في شمال العراق تُظهر انتهاكا واضحا لدعوة أوجلان إلى وقف القتال.
الصحف الإصلاحية
وبدورها، تعاملت الصحف القريبة من التيار الإصلاحي مع الحدث بحذر وتشكيك، مشيرة إلى فشل محاولات مماثلة في الماضي، وعدم وضوح نتائج هذه الخطوة.
وقد انعكس هذا التوجس في العناوين التي تبنتها صحيفتا "اعتماد" و"شرق". وفضّلت الصحف الإصلاحية والمستقلة استخدام مصطلحات أكثر حيادية مثل "المجموعة المسلحة الكردية" أو “حزب العمال الكردستاني” دون وصمه بـ"الإرهاب".
فقد تناولت صحيفة "اعتماد" القضية تحت عنوان: "سلام بارد بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني"، وترى أن هذه الدعوة "خطوة تاريخية".
لكنها أشارت إلى فشل محاولات مماثلة في 1993 و2011 و2015، مشددة على أن نجاح المبادرة لا يزال غير مؤكد.
أما إحدى أبرز التقييمات اللافتة حول هذه الدعوة، فقد جاءت من صحيفة "شرق" الإصلاحية الرائدة، التي نشرت تحليلا مطولا تحت عنوان: "تنازل أوجلان ليس خبرا سارا لإيران".
ففي هذا التحليل الذي كتبه الخبير الكردي الإيراني "قدرت أحمديان" جرى الادعاء بأن دعوة أوجلان قد تكون لها تداعيات سلبية على إيران.
وتحدث عن عدة عوامل أوصلتنا إلى إعلان أوجلان أهمها التطورات في سوريا، وإعادة انتخاب دونالد ترامب، وتوسّع نفوذ تركيا من القوقاز إلى آسيا الوسطى ومن الشرق الأوسط إلى شمال إفريقيا، بالإضافة إلى حاجة أوروبا للإبقاء على أنقرة بجانبها لمواجهة الضغوط الروسية والأميركية.
وبالتالي، فإن الدعوة ستؤدي إلى تعزيز النفوذ الإقليمي التركي وتقليص مساحة المناورة الإيرانية، وفقا للكاتب.
أما صحيفة "هممیهن"، الإصلاحية المعروفة بموقفها المعتدل، فقد استخدمت عنوان: "تفكيك حزب العمال الكردستاني".

وقد أشارت إلى آراء المحللين الذين يرون أن القيادة العليا لبي كا كا قد تدعم دعوة أوجلان، لكن من المحتمل أيضا أن يواجه مقاومة من بعض الأطراف داخل التنظيم.
كما سلطت الصحيفة الضوء على ردود الفعل الدولية تجاه دعوة أوجلان، مشيرة إلى أن وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك وصفتها بـ"الفرصة التاريخية"، فيما أعربت وزارة الخارجية البريطانية عن دعمها للعملية.
بدورها، تطرقت صحيفة “شهروند” إلى تأثير الدعوة على مستقبل الحركة السياسية الكردية، تحت عنوان: “هل يتلاشى حلم الأكراد بإقامة دولة؟”
ووفقا للمقال، تظهر الدعوة أن حزب العمال الكردستاني، الذي يمتلك تاريخا فيما أسمته “النضال المسلح”، يواجه حاليا "أزمة وجودية".
ومع ذلك، قد ترفض القيادة العليا للحزب هذه الدعوة، أو تدفع الفصائل الأكثر تطرفا داخله نحو جولة جديدة من الكفاح المسلح.
وترى الصحيفة أن ما وصفته بـ"الموقف التمييزي" للحكومة التركية تجاه نحو 20 مليون كردي (يشكلون 23 بالمئة من السكان) قد يوفر أرضية للمطالب الانفصالية، وفق زعمها.
وأكدت أن تفكيك حزب العمال سيعتمد على موقف الحكومة التركية تجاه حقوق الأكراد وموقف قيادة الحزب بالإضافة إلى التطورات الإقليمية.
ومن المرجح أن تتغير نبرة التصريحات والتقييمات الإيرانية بشأن هذه القضية في الأيام القادمة؛ وذلك بناءً على مسار العلاقات الثنائية بين إيران وتركيا، خاصة أن طهران لطالما ربطت موقفها من بي كا كا بحالة العلاقات بين البلدين، وفق الكاتب.