وثائق صيدنايا المتطايرة.. كيف يجرى جمع الأدلة لإدانة بشار الأسد؟

منذ ٢٠ ساعة

12

طباعة

مشاركة

منذ هروب بشار الأسد من سوريا وتحرير سجون النظام، وفي مقدمتها “صيدنايا”، بثت وسائل إعلام دولية صورا لوثائق وملفات متناثرة في الشوارع خارج هذه المراكز المحررة.

وهو ما تراه صحيفة "الإسبانيول" الإسبانية “خسارة فادحة” ستسهم في إفلات مرتكبي هذه الجرائم من العقاب، وفي مقدمتهم الأسد.

“حفلة ترحيب”

وفي معرض حديثها عن الجرائم التي كانت تقع في السجن قالت الصحيفة: إن استقبال السجناء الجدد في صيدنايا كان له طقوس خاصة.

فبمجرد وصول أحدهم إلى مركز الاعتقال سيئ السمعة، يقام له "حفلة ترحيب" خاص، حيث ينقل المعتقلون معصوبي الأعين إلى الطابق السفلي، ويجبرون على خلع ملابسهم بشكل كامل والاستلقاء على الأرض. 

وفي حديثه مع الإسبانيول، قال قيس المراد، وهو سجين لأكثر من عامين في مركز صيدنايا للتعذيب، واصفا "حفل استقباله": "لقد انهال علينا عناصر الشرطة العسكرية بالضرب المبرح وباستخدام أدوات مختلفة بطريقة عشوائية ومتواصلة". 

وأضاف: "لم يكن بوسعنا إحداث أي ضجيج، مهما كان الأمر مؤلما، وقد استسلم العديد من الناس في هذه العملية". 

ويشرح المراد، الذي رافق وزير الخارجية الإسباني خوسيه مانويل ألباريس في زيارته للسجن في يناير/ كانون الثاني 2025، بالتفصيل "نقص الغذاء، وحظر التنقل، ونقص الخدمات الطبية، والعقوبات التعسفية من قبل السجانين، والتي أدت في كثير من الأحيان إلى وفاة السجناء".

وأورد قائلا: "لقد مات العديد من السجناء الذين كنت أتقاسم معهم نفس الزنزانة بسبب المرض".

وبحسب أحدث تقرير لمنظمة العفو الدولية، أُعدم نحو 13 ألف شخص خارج نطاق القضاء في صيدنايا بين عامي 2011 و2015، معظمهم من معارضي الحكومة. 

كما أُدير 27 مركز تعذيب آخر من قبل وكالات استخبارات النظام المختلفة، حيث تم توثيق أكثر من 20 طريقة مختلفة للتعذيب. 

وتشير التقديرات إلى أن أكثر من 100 ألف شخص قد اختفوا قسرا منذ سنة 2011، ويُفترض أن معظمهم قد تعرضوا للتعذيب والقتل.

جمع وتوثيق الأدلة

ويعمل المراد، بوصفه سجينا سابقا في صيدنايا، على جمع وتوثيق الأدلة على التعذيب في سجون الأسد التي تشكل، بحسب التحقيقات الدولية، جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، من أجل تقديم الدكتاتور إلى المحكمة الجنائية الدولية. 

وبعد إطلاق سراحه في سنة 2014 مقابل رشوة قدرها 65 ألف دولار، عاد المراد إلى صيدنايا لأول مرة في 15 يناير. 

ويتذكر السجين السابق قائلا: "لا أستطيع أن أصف بالكلمات ما شعرت به عندما رأيت المعتقلين يخرجون أحياء".

ويأسف الناشط على "تدمير وفقدان العديد من الأدلة والوثائق منذ سقوط النظام في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول". 

ويقول المراد: "للأسف، لم نكن حاضرين في اليوم الذي حرر فيه سجن صيدنايا، لكننا تواصلنا مع الأصدقاء للحصول على أي أدلة أو قوائم معلومات متوفرة". ورغم أنه لا يشير إلى مجموعات محددة، إلا أنه يعترف بأن "هناك أنشطة تهدف إلى تدمير الأدلة".

وفي يناير، تعرض الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، لانتقادات شديدة بسبب لقائه والدة الصحفي الأميركي المفقود، أوستن تايس، في حين لم يسجل حتى الآن أي لقاء مع أمهات السوريين المفقودين. 

لكن المراد يقول إنه التقى بالفعل بالحكومة الانتقالية الجديدة في عدة مناسبات: "لقد أكدوا لنا أن هذه القضية ستحظى بالاهتمام اللازم وسيتم إنشاء هيئة خاصة لمتابعة المفقودين وتحقيق العدالة وحماية مسرح الجريمة والأدلة".

وأشارت الصحيفة إلى أن رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا تعمل بشكل نشط على الحفاظ على الأدلة في المواقع التي ارتكبت فيها الانتهاكات، على غرار مراكز الاحتجاز والاستجواب والمقابر الجماعية، كأساس للعدالة والمساءلة. 

قضية المفقودين

ومن بين مطالبهم إنشاء هيئة متخصصة لمعالجة قضية المفقودين ومنع الانتهاكات المستقبلية. 

ويقول المراد الذي عاد إلى السجن خمس مرات: "من الضروري تنسيق الجهود بين منظمات حقوق الإنسان وجمعيات الضحايا والجهات الرسمية لتشجيع من استولى على هذه الوثائق على تسليمها".

وبالمثل، تشارك منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" نفس مطالب رابطة معتقلي ومفقودي سجن صيدنايا. 

وقد أوضح بسام الأحمد، أحد مؤسسي المنظمة إلى "الإسبانيول" أن "جمعيته نشرت ووقعت على إعلان موجه إلى السلطات الجديدة والحكومة الانتقالية. 

وأصدرت بيانا حول أهمية الحفاظ على الأدلة، وكيف يمكنها حماية المقابر الجماعية ومسارح الجريمة". 

وعلى الرغم من أن غالبية جرائم الحرب ارتكبها النظام ضد المعارضة والسكان المدنيين ذوي الأغلبية السنية، بحسب تقارير الأمم المتحدة، فإن منظمة" سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" تعمل على الحفاظ على أدلة الجرائم التي ارتكبتها جميع الفصائل. 

وأوضح الأحمد قائلا: "نحاول أن نكون شاملين لأننا نعتقد أن ما حدث في شمال شرق وشمال غرب سوريا هو جزء من السرد السوري".

ومنذ سقوط النظام، تمكنت “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” من الوصول إلى حلب وحماة وحمص وطرطوس واللاذقية ودمشق لأول مرة، وهي المناطق التي كان الوصول إليها محدودا.

وأضاف الأحمد أن الإدماج هو المفتاح لتحقيق السلام المستدام وتجنب استبعاد مجموعات مثل الأكراد والنساء والأقليات الأخرى في عمليات العدالة والحوار الوطني. 

"سوف يؤدي أي نوع من الإقصاء للأسف إلى تكرار أخطاء أو انتهاكات الأنظمة الأخرى".

ومنذ ديسمبر، بثت وسائل إعلام دولية صورا لوثائق وملفات متناثرة في الشوارع خارج هذه المراكز، وهو ما يمثل خسارة فادحة وإفلاتا من العقاب لمرتكبي هذه الجرائم. لكن على مدى سنوات، نجح العشرات من السوريين الشجعان في جمع أدلة على جرائم الأسد سرا. 

ونقلت الصحيفة أن العديد من الباحثين، وأغلبهم سوريون، أقدموا على مخاطرات هائلة من أجل جمع الوثائق وإخراجها من البلاد. 

وفي بعض الأحيان، كانوا متنكرين في هيئة رعاة أو تجار، وكانوا يستعملون الشاحنات وغيرها من وسائل النقل لضمان إرسالها خارج سوريا. 

وفي أحيان أخرى كان عليهم إخفاء الأدلة في أماكن سرية بسبب الخطر الذي يمثله امتلاك أدلة مثل هذه. وقد واجه الكثيرون من بينهم عمليات اختطاف وقتل البعض الآخر.

وتحديدا، هكذا كان مصير أولئك الذين تعاونوا مع إحدى أبرز منظمات التحقيق، وهي لجنة العدالة والمساءلة الدولية، الممولة من المملكة المتحدة وألمانيا والولايات المتحدة، والتي جمعت على مدى سنوات أدلة على الأرض لتقديم الأسد ورجاله إلى العدالة. 

وقد جمعت اللجنة 1.3 مليون وثيقة في ما وصفته بآلة الموت البيروقراطية. 

وبحسب المحامي الكندي، بيل وايلي، مؤسس منظمة اللجنة الدولية للعدالة والمسؤولية، تشير الأدلة كافة إلى أن بشار الأسد كان على علم بجميع الجرائم ويوجهها ويوافق عليها. 

وأوضح: "كانت المحاضر تُنقل إلى مكتب الأسد الشخصي، وكان أحد الموظفين ينتظر بينما يراجعها، وكان يكتب على الهوامش ما يجب فعله وما لا يجب فعله. وبهذا عرفنا أنه كان يعطي الأوامر".