ترامب والتطبيع.. لماذا تصر السعودية والإمارات على نزع سلاح مقاومة غزة؟

داود علي | منذ ١٣ ساعة

12

طباعة

مشاركة

تقود الإمارات والسعودية، دعوات تقف وراءها أميركا والكيان الإسرائيلي، لنزع سلاح حركة المقاومة الإسلامية “حماس” وفصائل المقاومة المتعاونة معها في قطاع غزة.

هذه الدعوات تزعم أنها تهدف إلى “تحقيق الاستقرار وإفساح المجال لحل سياسي” قد ينهي حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. 

وتثير هذه الدعوات تساؤلات بشأن جوهر النضال الفلسطيني بالأساس، فهل يمكن لمقاومة بلا سلاح أن تصمد أمام احتلال لا يزال يفرض سيطرته بالقوة وتتواصل جرائمه بلا أي رادع عربي أو دولي.

وعلى وقع الوضعية الراهنة تجد غزة نفسها مرة أخرى في قلب معادلة معقدة؛ حيث يطلب منها أن تتخلى عن سلاحها بينما تظل يد الاحتلال طليقة.

الإعمار مقابل السلاح 

عندما اجتمع بعض قادة الدول العربية في العاصمة السعودية الرياض، خلال القمة العربية المصغرة في 21 فبراير/ شباط 2025، جرى الحديث في الكواليس عن شروط للسعودية والإمارات بضرورة نزع سلاح حماس.

وكشفت صحيفة "يسرائيل هيوم" العبرية في 26 فبراير، نقلا عن مصادر مطلعة، أن السعودية والإمارات تربطان دعمهما المالي لإعادة إعمار غزة بنزع سلاح حماس بالكامل.

وأشارت الصحيفة إلى أن الرياض وأبو ظبي شددتا خلال الاجتماع على أنهما لن تشاركا ماليا أو عمليا في إعادة الإعمار، ما لم يتم نزع سلاح حماس، وضمان عدم مشاركتها في الحكم، وهو ما عارضته مصر وقطر.

وأكدت الصحيفة أن السعودية والإمارات لم تقبلا أي تنازل بشأن نزع سلاح حماس؛ حيث نقلت عن مسؤول لم تسمه قوله: "لا ينبغي أن تبقى بندقية واحدة أو رصاصة واحدة في أيدي حماس في غزة، وإلا فإن القطاع سوف يدمر مرارا وتكرارا، حتى بعد إعادة بنائه". 

وبحسب الصحيفة فإن هذا الخلاف بين الدول العربية، مرصود من قبل إسرائيل.

ووصفت شبكة الصحافة الفلسطينية، الموقف الإماراتي الداعي إلى تخلي المقاومة عن سلاحها، بأنها بذلك "حولت نفسها إلى الممثل الرسمي لإسرائيل في الجامعة العربية".

وعزت ذلك إلى ما تتخذه من مواقف متناغمة كليا مع إستراتيجية دولة الاحتلال فيما يخص المقاومة في قطاع غزة.

ونقلت الشبكة عن وكالة "رويترز" في 6 مارس/ آذار 2025، أن الإمارات أصرت على مخالفة النهج العربي بشأن مستقبل غزة والموقف من المقاومة باشتراطها نزع سلاح "حماس" وباقي فصائل المقاومة بالكامل.

وقالت الشبكة: إن "الإمارات تعد حماس تهديدا وجوديا، وتشترط نزع سلاح الحركة بالكامل". 

وأضافت أن هذا هو شرط أبو ظبي من أجل ضمان التمويل العربي لإعادة إعمار غزة، بينما تدعو دول عربية أخرى إلى نهج تدريجي.

وأكملت أن السعودية كذلك تعد استمرار وجود حماس المسلحة في غزة عقبة أمام أي حل، بسبب المعارضة القوية من قبل الولايات المتحدة ودولة الاحتلال الإسرائيلي. 

أكاذيب الدمى

ولم يقف تداول الشروط الإماراتية السعودية بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية من أجل المساهمة في إعمار غزة على وسائل إعلام عبرية أو غربية، بل كانت هناك دعوات مباشرة من إعلاميين عرب محسوبين على النظام السعودي، منهم الإعلامي المصري عماد الدين أديب، المعروف بتبعيته للرياض، لا سيما أن شقيقه الأصغر الإعلامي عمرو أديب، حاصل على الجنسية السعودية، ومن أبرز مذيعي قناة "إم بي سي" السعودية. 

وفي 26 فبراير شن عماد الدين أديب خلال لقاء على قناة "سكاي نيوز عربية" الإماراتية، هجوما شرسا على حماس. 

ومما قاله: "القمة المصغرة بين دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن كانت ودية تشاورية وليست رسمية وغير ملزمة بإصدار بيان ختامي".

وتابع: "قيل في هذا اللقاء إننا لسنا جمعية خيرية، نحن لسنا في وضع يسمح لنا بأن يتخذ أحدهم في غزة أو جنوب لبنان قرارا منفردا لبدء عمليات عسكرية تؤثر على المنطقة دون استئذان".

وأكمل: "لكننا نتحمل مسؤولية إنقاذ ما يمكن إنقاذه، وعندما يحدث الضرر الكبير والدمار، نقوم بعملية الإعمار وإعادة التأهيل، هذا حدث عدة مرات في غزة وأربع مرات في لبنان، لن نقوم بإعادة إعمار شيء نعلم أنه سيتعرض للتدمير مرة أخرى".

وأردف: "إعادة الإعمار دون تهجير مرتبطة أساسا بأن يكون لنا كلمة سياسية في مستقبل غزة، أما بالنسبة لحركة حماس، فإن عليها أن تراعي مصلحة الوطن الفلسطيني، لأنها أدركت أنه لا يمكن قبولها دوليا أو عربيا بسلاحها".

ولفت إلى أن السماح بوجود حماس أصبح عبئا على القضية الفلسطينية قبل فترة، كان ضيفنا محمد نزال، وهو قيادي مهم في حماس، وقد نفى أي إمكانية لخروج حماس من المشهد، وهناك تمسك بالسلاح وبغزة.

وتابع أديب: "إذا أصرت حماس على سلاحها، فلن يكون هناك إعمار في غزة، وإذا أصر حزب الله على سلاحه، فلن يكون هناك إعمار وإعادة النازحين في لبنان، حماس ستواجه جمهورها الذي يبلغ 2 مليون نسمة يبحثون عن الطعام والماء والصرف الصحي".

وأوضح: "أن 92 بالمئة من الإسكان في القطاع مدمر"، مشددا على "أن المطلوب إعادة إعمار ما بين الإسكان والزراعة والصناعة والمرافق الصحية والبنية التحتية، وهذا يتطلب من 45 إلى 65 مليار دولار". 

ثم قال بلهجة استعلائية: "إذا كانت حماس تستطيع تأمين هذا الرقم، فلتتفضل وتتولَّ قيادة غزة". 

اللافت أنه في الوقت الذي تطالب فيه أبو ظبي بنزع سلاح حماس والفصائل في غزة، وتعدهم تهديدا وجوديا، تنشط في التطبيع العسكري مع الكيان الصهيوني.

ففي 28 يناير/ كانون الثاني 2025، أعلنت شركة "ثيرد آي سيستمز" الإسرائيلية للتكنولوجيا العسكرية، عن استثمار شركة "إيدج" الإماراتية فيها بقيمة 10 ملايين دولار أميركي. 

وتقوم الشركة الإسرائيلية، بتطوير تكنولوجيا يمكنها اكتشاف الطائرات المسيرة، وهي أحد موردي الجيش الإسرائيلي وبعض أعضاء حلف شمال الأطلسي “ناتو”.

وبموجب الصفقة، ستستحوذ مجموعة "إيدج" ومقرها أبوظبي، على 30 بالمئة من أسهم "ثيرد آي سيستمز"، وفق ما أفاد به بيان الشركة الإسرائيلية، المدرجة في سوق الأسهم بتل أبيب.

ووصف بيان الشركة الإسرائيلية، استثمار "إيدج" بالتعاون الإستراتيجي مع مجموعة إماراتية مرموقة متخصصة في التكنولوجيا والدفاع.

وبموجب الاتفاقية، سيتم إنشاء مشروع مشترك باستثمار إضافي قدره 12 مليون دولار، يركز على تطوير وتسويق أنظمة للتحليل الحاسوبي للمعطيات البصرية.

وقال المدير التنفيذي لـ"ثيرد آي سيستم" ليئور سيجال، وهو ضابط سابق في جيش الاحتلال الإسرائيلي: "إن الشراكة مع إيدج تعد لحظة محورية بالنسبة لنا".

حماس بالمرصاد

وفي مواجهة هذه الدعوات، جاء رد حركة حماس حاسما وقاطعا، مؤكدة أن “سلاح المقاومة خط أحمر لا يقبل المساومة”.

وقالت على لسان القيادي في الحركة سامي أبو زهري، في بيان أصدره يوم 3 مارس 2025، إن “نزع السلاح في ظل استمرار الاحتلال هو ضرب من المستحيل”. 

ورأت الحركة أن هذه المطالبات تتماهى مع الأجندة الإسرائيلية التي تسعى لإنهاء أي شكل من أشكال المقاومة، وأنها تتجاهل حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه أمام الاعتداءات المستمرة. 

وأكدت حماس أن سلاحها ليس ورقة تفاوضية، بل هو الضامن الوحيد لردع العدوان، وأنها لن تلقي سلاحها إلا عندما ينتهي الاحتلال بالكامل، ويستعاد الحق الفلسطيني المسلوب.

وهو ما أكد عليه أيضا القيادي بحماس "باسم نعيم"، الذي قال: "مستعدون اليوم، إن لم يكن بالأمس، للتراجع عن الحكم لتسليمه إلى هيئة أو حكومة أو لجنة مستعدة لإدارة القطاع". 

واستدرك في تصريحات أدلى بها لشبكة "إن بي سي نيوز" الأميركية، يوم 28 فبراير: "لكن لن نتنازل عن السلاح بدون إقامة دولة فلسطينية مستقلة". 

وأكمل: "مستعدون لأن نصبح حزبا سياسيا وأن ندمج مقاتلينا في جيش وطني إذا تم إنشاء دولة فلسطينية".

وعن سبب الإصرار الإماراتي السعودي على نزع سلاح حماس، يقول المحلل السياسي الفلسطيني ناصر الدوير، إنه من غير الممكن فصل هذا الإصرار عن المشهد السياسي الأوسع في المنطقة".

وأضاف لـ"الاستقلال": "تسعى هذه الأنظمة إلى إرضاء الإدارة الأميركية، بقيادة دونالد ترامب، الذي تبنى سياسة داعمة لإسرائيل بشكل غير مسبوق، بداية من (صفقة القرن) وصولا إلى (التهجير)".

وأكمل: "كما يأتي هذا الإصرار كامتداد لمسار التطبيع العربي مع إسرائيل، حيث ترى هذه الدول أن وجود حماس المسلحة يشكل عقبة أمام اندماج إسرائيل الكامل في المنطقة، ويعطل مشاريعها في بناء تحالفات جديدة قائمة على المصالح الاقتصادية والسياسية، للحفاظ على عروشها". 

واستدرك الدوير: لكن المفارقة أن هذه الأنظمة، التي تطالب بنزع سلاح المقاومة تحت شعار تحقيق الأمن والاستقرار، لم تستطع منع حرب الإبادة، ولا إيقاف العدوان، ولا حتى توفير ممرات آمنة للمساعدات الإنسانية لإنقاذ الشعب الفلسطيني من الدمار والموت على مدار أكثر من 15 شهرا.

"بل على العكس، اقتصر دورها على البيانات الدبلوماسية والتحركات الشكلية، دون أي تأثير حقيقي على الأرض؛ مما جعل موقفها يبدو أقرب إلى الضغط على الضحية بدلا من كبح جماح المعتدي"، يشدد المحلل الفلسطيني.