سقوط محتمل.. تداعيات تصدع حكومة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان

"بزشكيان كشف عن رفض المرشد الإيراني للمفاوضات مع الجانب الأميركي"
لم تمض سوى ستة أشهر فقط على تشكيل حكومة السياسي الإصلاحي مسعود بزشكيان في إيران، حتى بدأت الاستقالات والإقالات تتوالى، جراء الأزمات الاقتصادية نتيجة العقوبات الأميركية، والتي يرفض المرشد الأعلى للبلاد علي خامنئي، التفاوض معها تحت الضغط.
وبعد تولي الرئيس الأميركي دونالد ترامب في يناير/ كانون الثاني 2025، أعاد تطبيق سياسة "الضغط الأقصى" على طهران، والتي كان قد استخدمها سابقا في ولايته الأولى (2017 إلى 2021)، بعدما أعلن انسحابه بشكل منفرد من الاتفاق النووي الإيراني عام 2018.

ارتدادات الضغط
وفي وقت تمارس فيه الولايات المتحدة ضغوطها الشديدة ضد إيران على أمل أن تجلس للتفاوض بخصوص برنامجها النووي مع الغرب، كشف الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان التزامه بتوجيهات المرشد الأعلى بعدم الدخول في أي مفاوضات مع واشنطن تحت الضغط.
وخلال كلمة أمام البرلمان في 2 مارس/ آذار 2025، قال بزشكيان: "نحن في حالة حرب شاملة مع العدو ويجب أن نستعد لذلك بدلا من إلقاء اللوم بعضنا على بعض.. العدو يضيق الحصار والعقوبات علينا ولدينا برامج للخروج من هذا الوضع".
وأضاف: "كنت أعتقد أن الحوار مع الولايات المتحدة قد يكون الخيار الافضل، لكننا سنلتزم بتوجيهات المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، برفض أي حوار مع واشنطن تحت الضغط".
وعلى وقع تدهور الاقتصاد الوطني المتمثل في تراجع قيمة العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم، أقال البرلمان الإيراني في الجلسة ذاتها التي حضرها بزشكيان، وزير الاقتصاد والمالية عبد الناصر همتي، وذلك بعد مرور نحو 6 أشهر فقط على توليه المنصب.
وفي سابقة هي الثانية من نوعها منذ تأسيس الجمهورية عام 1979، خسر همتي في التصويت على حجب الثقة عنه، ليسجل ثاني أسرع استجواب في تاريخ البلاد بعد وزير الداخلية الأسبق علي كردان الذي أقاله البرلمان عام 2008 بسبب فضيحة تزويره شهادة الدكتوراه بعد 3 أشهر فقط من تولّي منصبه.
ورغم محاولة بزشكيان لثني النواب عن عزل وزيره، بقوله إن البلاد تواجه حربا اقتصادية هي الأسوأ والأصعب منذ الحرب العراقية الإيرانية (1988-1980)، وإن المشكلات الاقتصادية الراهنة غير مرتبطة بشخص واحد، صوّت 182 برلمانيا على إقالته من أصل 273 حضروا الجلسة.
وبعد هذه الإقالة، أعلن نائب الرئيس الإيراني للشؤون الإستراتيجية، محمد جواد ظريف، في اليوم نفسه استقالته من منصبه، مؤكدا أن العديد من الأسباب دفعته إلى اتخاذ القرار، أبرزها "خيبة أمله من التشكيلة الحكومية المقترحة أخيرا والمؤلفة من 19 وزيرا".
وأضاف ظريف عبر منصة “إكس”: "أشعر بالخجل لأنني لم أتمكن من تنفيذ رأي خبراء اللجان (المسؤولة عن اختيار المرشحين) بشكل لائق، وتحقيق إدماج النساء والشباب والمجموعات العرقية، كما سبق أن وعدت".
لكنه عاد وذكر سببا آخر، بالقول إن "رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إيجئي، نصحه بأن يعود إلى التدريس في الجامعة لتجنّب المزيد من الضغوط على إدارة الرئيس (بزشكيان)".
وأضاف أنه استجاب للنصيحة على الفور، لأنه كان يريد دائما أن يكون "مساعدا وليس عبئا على أحد"، راجيا أن تنهي استقالته حجج إعاقة العمل لتلبية مطالب الشعب ونجاح الحكومة.
وكان ظريف، أعلن استقالته منتصف أغسطس/ آب 2024 من منصبه الجديد كنائب لبزشكيان الذي تولى السلطة في يوليو/ تموز من العام نفسه، لكنه عدل عن قراره لاحقا.

"نهاية الوفاق"
تزايد المشكلات في الواقع المعيشي، والسياسة الخارجية، أدّى إلى تصاعُد الضغوط على إدارة بزشكيان، وصولا إلى إقصاء البرلمان وزير الاقتصاد، والذي قرئ كمؤشّر إلى انتهاء فترة "الوفاق الوطني"، بين تياري الإصلاحيين والمحافظين.
وبعد إقالة البرلمان لهمتي، قال مساعد رئيس الجمهورية، علي ربيعي، إن فكرة الوفاق الوطني للتعاطي بين الحكومة والبرلمان قد انتهت، ونصح الرئيس بتوطيد الوفاق مع المجتمع وتعميقه، قائلا: "بزشكيان سيواجه مستقبلا أياما أصعب"، حسبما نقل موقع " فرارو" الإصلاحي في 4 مارس.
من جهته، رأى الصحفي أحمد زيد أبادي، في صحيفة "هم ميهن" الإصلاحية، أن "استجواب عبد الناصر همتي أظهر أن النواب لا يتحلّون بإدراك صحيح لجذور المشكلات الاقتصادية للبلاد، ويوصلون بهذا النوع من الممارسات فكرة الوفاق الوطني إلى نقطة النهاية".
أمّا صحيفة "جوان" القريبة من "الحرس الثوري"، فقد انتقدت تصريحات محمد علي أبطحي، أحد السياسيين الإصلاحيين الموالين لحكومة بزشكيان، والتي دعا فيها باقي أعضاء الحكومة إلى أن يتعلّموا الدرس "وألّا يرضخوا للوفاق من طرف واحد".
وكتبت: "الوفاق والصداقة هما نظرية أخلاقية بامتياز، ونظرية متينة قابلة للتحقق على أرض الواقع، شريطة ألا يصدر المحيطون برئيس الجمهورية الأوامر بالفرقة في أي حقبة زمنية وأي حادث، وألا يقولوا للحكومة أن تقلب طاولة الوفاق".
وأضافت الصحيفة: "أن نقول لا ترضخوا للوفاق من طرف واحد، هو كلام يمكن للطرف الآخر أن يتفوّه به في هذه الفترة الزمنية بالذات، وأن يطالب الحكومة بأن تكون على وفاق مع البرلمان إن قرّر عزل وزير ما!".
من ناحيته، كتب محمد علي أبطحي -وهو ناشط سياسي إصلاحي ورئيس مكتب الرئيس الأسبق محمد خاتمي- على منصة "إكس" في 3 مارس، قائلا: "لا بد أن يعتبر المجلس الوزاري من استجواب همتي عقب 6 أشهر فقط من تولّيه منصبه، عليه ألا يقبل بالوفاق من جانب واحد، وأن يتعامل مع البرلمان بناء على الأسس القانونية فحسب".
وانتقد أبطحي توجه الحكومة لفتح المجال أمام عناصر التيار المنافس تحت شعار "مسايرة البرلمان"، مضيفا "عليكم أن تعلموا أن بزشكيان هو الفائز في الرئاسيات السابقة.. لا تسمحوا للأطراف الأخرى أن تتدخل في شؤون الحكومة حتی تكون النتيجة مشابهة لما كان يراد لها في حال فوز المرشح المقابل".
وبذلك، يرى الكاتب مهرداد خدير، في مقال نشره بموقع "عصر إيران" الناطق بالفارسية، في 3 مارس أنه "بناء على ديدن البرلمان المحافظ وموقفه من الرئيس بزشكيان وحكومته فإن المستغرب هو منح هذا البرلمان ثقته لجميع الوزراء المقترحين وليس سحب الثقة من همتي".
وتوقع خدير استمرار وتيرة المواجهة السياسية بينهما خلال الفترة المقبلة على أن تطيح بعدد آخر من وزراء حكومة بزشكيان، مضيفا أن تسمية البديل للوزير المعزول ستحدد إذا كان الأخير سيتراجع أمام ضغوط البرلمان أم يتخذ قرارا بعدم التغيير في فريقه الاقتصادي.

"سقوط محتمل"
وبخصوص ظهور الخلافات بين المرشد خامنئي والرئيس بزشكيان إلى العلن بشأن التفاوض مع الولايات المتحدة، رأى الكاتب والمحلل السياسي، مراد ويسي، أن "كشف الخلافات في وقت يتزايد فيه الاستياء الشعبي في إيران، يظهر الفجوة داخل القيادة بشكل أوضح".
وأضاف ويسي في مقال نشره موقع "إيران إنترناشوينال" المعارض، في 3 مارس، أن "بزشكيان واجه في يوم واحد فقدان اثنين من مساعديه البارزين.. إقالة همتي واستقالة ظريف".
وأشار إلى أن حديث بزشكيان عن رفض المرشد الإيراني للتفاوض مع الولايات المتحدة أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، وبذلك يرمي ضمنيا بالمسؤولية عن الوضع الحالي على عاتق خامنئي.
ومن خلال هذا الموقف، يرى الكاتب أن "بزشكيان يتحدث بشكل غير مباشر ويقول إنه إذا كان خامنئي يرفض التفاوض، فعليه أن يتحمل تبعات ذلك اقتصاديا".
ويعد هذا الاختلاف في الرأي في أعلى مستويات النظام علامة على "تعميق الفجوة داخل القيادة، وهو أحد المؤشرات على السقوط المحتمل للأنظمة الاستبدادية"، وفقا للكاتب.
وأشار إلى أنه "في الأنظمة الديكتاتورية، يعتمد بقاء النظام إلى حد كبير على التماسك الداخلي، لكن الآن نرى خلافا علنيا بين المرشد والرئيس بشأن واحدة من أهم قضايا البلاد".
ولفت الكاتب إلى أن "كشف همتي (الوزير المقال) عن تهريب 30 مليار دولار سنويا، وهو ما يعادل إجمالي الإيرادات النفطية لإيران، عبر موانئ غير شرعية"، كان يشير فيها إلى دور المؤسسات العسكرية في هذا التهريب؛ لأن هذه الموانئ تحت سيطرة الحرس الثوري.
وأكد أن "هذه الكمية الكبيرة من التهريب لا يمكن أن تتم فقط من قبل المهربين المحليين، بل هي بحاجة إلى شبكة منظمة على مستوى القيادة مدعومة من المؤسسات الأمنية والعسكرية".
وبحسب ويسي، فإن "التطورات الأخيرة تشير بشكل عام إلى أن الضغوط الداخلية والخارجية على نظام طهران قد تزايدت، كما أن الفجوة داخل القيادة أصبحت أعمق".
وتابع: "من جهة، يصر خامنئي على استمرار السياسات العدائية تجاه الولايات المتحدة والحفاظ على الوضعية العقابية، إذ إن شرعية النظام الأيديولوجية تعتمد على العداء مع أميركا".
ومن جهة أخرى، يضيف الكاتب، تدرك حكومة بزشكيان، التي تتحمل مسؤولية إدارة البلاد، جيدا أنه من دون التفاوض ورفع العقوبات، سيكون من المستحيل إدارة الاقتصاد.
وخلص ويسي إلى أن "هذه التناقضات تكشف الأزمة الداخلية في القيادة، ما يجعل النظام الإيراني في وضع هش".
وفي 7 فبراير، قال خامنئي، إن التجربة أثبتت أن إجراء محادثات مع الولايات المتحدة خطوة "ليست ذكية أو حكيمة أو مشرفة"، موضحا أن التفاوض معها "لن يؤثر على حل المشكلات في إيران".
وأضاف: "قدمنا تنازلات سخية في الاتفاق النووي لكن الأميركيين لم يلتزموا به وألغاه ترامب"، ويرى أن "الأميركيين يعملون على تغيير خريطة العالم على الورق فقط، وهذا لا يمت للواقع بصلة".
المصادر
- ظريف يستقيل من حكومة بزشكيان رسميًا ويكشف تفاصيل قراره
- هل عزل همتي بداية المواجهة بين الحكومة والبرلمان في إيران؟
- وعود بزشكيان لا تثمر: حكومة «الوفاق الوطني» تترنّح
- هل تؤدي "الخلافات العلنية" بين خامنئي وبزشكيان إلى "السقوط المحتمل" للنظام الإيراني؟
- بزشكيان يؤكد التزامه بتوجيهات خامنئي بعدم التفاوض مع واشنطن تحت الضغط
- خامئني: التفاوض مع أميركا خطوة غير حكيمة ولا تحل مشاكل إيران
- بعد فشل "المصالحة الوطنية" مع المتشددين.. هل يفكر الرئيس الإيراني في مصالحة الشعب؟