فترة ترامب الثانية.. هل تشهد تغيرا على صعيد العلاقات التركية-الأميركية؟
"من الصعب تصور مستقبل واعد للعلاقات الأميركية-التركية"
وضعت نتيجة الانتخابات الأميركية لعام 2024، أنقرة في معضلة بين “السيئ والأسوأ”، نظرا للطبيعة المتوترة للعلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا على مدى العقد الماضي.
فقد انتقل هذا الوضع من إدارة دونالد ترامب الأولى، إلى خلفه جو بايدن، وكانت نقاط الخلاف عديدة، وفق ما يسرد معهد القدس للإستراتيجية والأمن (إسرائيلي).
وأوضح المعهد أن أهم المخاوف الأميركية تمثلت فيما تدعيه واشنطن من تآكل الديمقراطية التركية، واستحواذ تركيا على نظام الدفاع الجوي الروسي الصنع "إس-400"؛ والاعتراف الأميركي بما يُعرف بـ "إبادة الأرمن".
هذا فضلا عن رفض واشنطن تسليم قائد الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، فتح الله غولن، الذي تُوفي أخيرا.
وكذلك دعم الولايات المتحدة للتنظيمات الكردية المسلحة في شمال سوريا؛ ومعارضة أنقرة الأولية لانضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، قبل أن توافق على ذلك.
أضف إلى ذلك الحديث عن اعتزام تركيا الانضمام إلى مجموعة بريكس المناوئة للغرب بقيادة الصين وروسيا؛ وأخيرا موقف أنقرة غير المسبوق المؤيد لحركة المقاومة الإسلامية حماس.
قضايا خلافية
وعلى هذا، يرى هاي إيتان كوهين ياناروكاك الخبير في الشؤون التركية في “مركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية”، أنه "مع وجود العديد من القضايا الخلافية الكبرى، من الصعب تصور مستقبل واعد للعلاقات الأميركية-التركية".
وقال ياناروكاك، في مقال نشره معهد القدس للإستراتيجية والأمن إن "مستقبل العلاقات الأميركية- التركية يظل ضبابيا إلى حد كبير، بسبب التباينات الكبيرة والأولويات المتناقضة".
وفي 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2024، قدّم الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، تهانيه لترامب على فوزه بولاية ثانية، مشيرا إلى العلاقة الشخصية التي تجمعهما بوصفه "صديقه"، ومعربا عن أمله في تعزيز العلاقات الثنائية بين أنقرة وواشنطن.
وأظهر الرئيس التركي تقديرا كبيرا لأهمية قنوات الحوار الشخصي مع ترامب، في تناقض واضح مع تعامل بايدن البارد معه.
ومع ذلك، ورغم رغبة أردوغان في توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين، تبقى التحديات الكبيرة قائمة، بحسب "ياناروكاك".
ذلك أن سعي تركيا للانضمام إلى مجموعة بريكس، التي تهدف إلى تحدي الهيمنة الأميركية في التجارة الدولية من خلال تقليل الاعتماد على الدولار، إضافة إلى موقف أنقرة غير المسبوق الداعم لحماس ضد إسرائيل، من المرجح أن يشكلا عقبات كبيرة.
ويبدو أن أردوغان مدرك لهذه التعقيدات، حيث أقر الرئيس التركي بأن تحسين العلاقات لا يعتمد فقط على الرؤساء، بل أيضا على تأثير حكوماتهم عليهم، بحسب "ياناروكاك".
ومع بدء تشكل الترشيحات للمناصب الرئيسة في الحكومة الأميركية، تبدو التوقعات أكثر قتامة بالنسبة لأردوغان.
فـ"تولسي غابارد"، التي تعد من أشد منتقدي تركيا بقيادة أردوغان، أصبحت المديرة الجديدة للاستخبارات الوطنية الأميركية.
وفي تصريح أدلت به قبل توليها المنصب، اتهمت "غابارد" تركيا بدعم “الجهاديين” (في سوريا)، ووصفت أردوغان علنا بأنه "واحد من أخطر الديكتاتوريين في العالم"، مشددة على أنها لا تعده حليفا.
ويشاركها وزير الخارجية الأميركي الجديد، ماركو روبيو، هذا الموقف. فقد انتقد أردوغان مرارا في الماضي بسبب سياساته تجاه الأكراد في شمال سوريا، بالإضافة إلى سجل تركيا في حرية التعبير وحقوق الإنسان.
كما طالب بالإفراج عن بعض السجناء، مثل عثمان كافالا، الذي وُجهت إليه تهم بالتآمر على الحكومة لتنظيمه احتجاجات “غيزي بارك” عام 2013.
أما المرشح لمنصب وزير الدفاع، بيت هيغسيث، المعروف بموقفه الداعم بقوة لإسرائيل، فقد عبّر بوضوح عن رؤيته للعالم من خلال تصريحه: "الصهيونية والأميركية هما اليوم الخطوط الأمامية لحضارة الغرب والحرية".
ويعتبر "ياناروكاك" أن هذا التصريح يبعث برسالة واضحة حول سياسات أنقرة المناهضة لإسرائيل.
بدورها، تتابع أنقرة هذه التطورات عن كثب، فخلال مؤتمر صحفي، أكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم، عمر تشليك، أن الحكومة التركية تعمل على وضع خريطة طريق لتعزيز العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة.
كما أعرب تشليك عن أمله في ألا تؤثر التصريحات السابقة للمسؤولين الأميركيين القادمين سلبا على العلاقات الثنائية.
آفاق المستقبل
وقال "ياناروكاك": "في العلاقات الدولية، تؤثر القيم الشخصية والمعتقدات وآراء صناع القرار على صياغة السياسات والعلاقات بين الدول".
وعلى هذا يرى أنه "ما لم تجرِ تركيا تغييرات في سياستها الخارجية، خاصة فيما يتعلق بمجموعة بريكس وإسرائيل، ستظل تصريحات تشليك مجرد آمال غير قابلة للتحقيق".
والمفارقة -بحسب الباحث- أن تركيا، رغم كونها عضوا في حلف الناتو، فهي تتجه بشكل متزايد نحو المحور الروسي-الصيني، بما في ذلك مشاركتها في قمم منظمة شنغهاي للتعاون، وهو ما يلقى استياءً واضحا في واشنطن.
ورأى أن تأييد أنقرة لحماس والسماح لها باستخدام أراضيها في أنشطتها "سيشكل عقبة كبيرة أمام العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وتركيا".
وأضاف: "على الرغم من التوقعات التركية، يبدو أن إدارة ترامب الجديدة لن تسحب قواتها من شمال سوريا، مما يزيد من تعقيد العلاقة بين الطرفين".
واستطرد: "تصريحات دونالد ترامب الأخيرة حول رغبته في إنهاء جميع الحروب تشير إلى أن أوكرانيا قد تكون الساحة الوحيدة التي يمكن لتركيا التوافق فيها مع المصالح الأميركية".
وأوضح أن "السياسة الغامضة لتركيا في النزاع الأوكراني تضعها في موقع وسيط محتمل قادر على التوسط من أجل هدنة في أوكرانيا، مما يمنح أنقرة فرصة نادرة لإرضاء واشنطن".
ويعتقد الباحث أن "مستقبل العلاقات الأميركية-التركية لا يزال في غاية الغموض، ففي حين أبدى أردوغان استعداده لتعزيز العلاقات، فإن السياسة الخارجية لتركيا -خصوصا علاقتها بمجموعة بريكس، ومواقفها المؤيدة لحماس، واستمرار ترددها تجاه حلف الناتو- تمثل تحديات كبيرة".
وإذا اتبعت نفس النهج في ولايتها الأولى، يرجح أن تحافظ إدارة ترامب على علاقة تجارية مع أنقرة، لكنها من غير المتوقع أن تقدم تنازلات في القضايا الحاسمة مثل شمال سوريا أو إسرائيل، خصوصا في ظل المواقف الأيديولوجية للحكومة الأميركية الجديدة.
وأضاف: "لكي تتمكن تركيا من الإبحار في هذا المشهد المضطرب، يجب عليها إعادة ضبط سياساتها بعناية، موازنة بين استقلالها الإستراتيجي وضرورة تعزيز الحوار البناء مع واشنطن".
"ودون تعديلات جادة في سياستها، تخاطر أنقرة بمزيد من العزلة، مما يضيق خياراتها الدبلوماسية ويزيد من تعقيد التوترات في علاقة ثنائية متوترة بالفعل"، وفق الباحث.
"في الوقت نفسه، تقدم تركيا دورها المحتمل كوسيط في أوكرانيا فرصة نادرة لتحسين مكانتها لدى الولايات المتحدة، بشرط أن تتمكن من الاستفادة من موقعها الفريد في الصراع".