طوال 77 عاما.. لماذا بقيت أزمة كشمير عالقة بلا حل بين الهند وباكستان؟
"إذا كانت وحدة الدولة الداخلية ضعيفة وهشة، فإن أعداءها يستغلون هذه الثغرات"
ينتشر أكثر من 500 ألف جندي هندي في جامو وكشمير، الجزء الخاضع لسيطرة الهند من إقليم كشمير المتنازع عليه مع باكستان، ويواصلون قتل عشرات الآلاف من المدنيين والجنود منذ عام 1989.
ويطالب سكان جامو وكشمير، بالاستقلال عن الهند والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسامهما الإقليم ذا الغالبية المسلمة.
وخلال أكتوبر/ تشرين الأول 2024، قتل خمسة هنود، بينهم ثلاثة جنود، في كمين على قافلة للجيش. وألقت نيودلهي باللوم كالمعتاد على باكستان في تسليح المقاومة الكشميرية.
ويقول الجيش الهندي إنه قتل أكثر من 720 شخصا بالمقاومة الكشميرية منذ ألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي اليميني المتطرف ناريندرا مودي الحكم الذاتي لمنطقة جامو وكشمير في عام 2019.
وفي هذا السياق، نشر معهد التفكير الإستراتيجي التركي مقالا للكاتب "ألبار تان" سلط فيه الضوء على أزمة كشمير وتأثير عدم الاستقرار الداخلي في باكستان، والدروس من التجربة التركية وأهمية الوحدة الإسلامية.
نقطة تحول
وفي مستهل مقاله، قال الكاتب، إنه في 27 أكتوبر 1947 شهد النزاع بين الهند وباكستان حول منطقة كشمير نقطة تحول مهمة.
حيث أرسلت الهند قوات إلى المنطقة بناءً على طلب مهراجا كشمير، هاري سينغ، مما أدى إلى انضمام كشمير إلى الهند وأشعل أزمة طويلة الأمد بين الهند وباكستان لم تُحل حتى اليوم.
ومنذ ذلك الحين استمرت قضية كشمير كمشكلة غير قابلة للحل بين البلدين.
وتتبع الهند والمجتمع الدولي سياسة تتجاهل القانون الدولي في هذا الصدد، لكن هناك جانبا آخر يتعلق بباكستان وشعبها. وفي هذا المقال سيتم تسليط الضوء على هذا الجانب.
وعندما تكون الدولة قوية داخليا من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، فإنها تكون قادرة على حل مشاكلها بسهولة أكبر.
أما إذا كانت وحدة الدولة الداخلية ضعيفة وهشة، فإن أعداءها يستغلون هذه الثغرات.
وأشار الكاتب التركي إلى أن السبب الرئيس وراء عدم حل قضية كشمير على مدار 77 عاما هو عدم استقرار باكستان الداخلي، وهو ما يعيق الحلول سواء في القضايا الداخلية أو الخارجية.
“فعلينا التفكير بعمق في هذه المسألة وإيجاد حل لها أولا. وإذا لم نتمكن من حل هذه المشكلة، فلن نتمكن من حل قضايا مثل كشمير حتى لو مرت قرون”.
ولفت إلى الدراما السياسية المستمرة في باكستان التي لم تتغير أبدا مثل الانقلابات العسكرية، وتدخل المحكمة العليا في السياسة، والمنفى، والاغتيالات السياسية الغامضة، والاستمرار في عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
وذكر أن باكستان هي الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك أسلحة نووية، لذا فهي منطقة يراقبها العالم بعناية.
فوضى سياسية
وشدد على أن تاريخ باكستان السياسي مليء بأحداث درامية حزينة؛ حيث لم يكمل أي رئيس وزراء باكستاني فترة ولايته الكاملة التي تبلغ خمس سنوات.
فمنذ استقلال باكستان في 1947 شغل منصب الرئاسة 15 رئيسا، بينما شغل منصب رئاسة الوزراء 23 رئيسا. وحكم الجيش البلاد في فترات متقطعة من 1958 إلى 2008.
وبعد يوم من استقلال باكستان في 15 أغسطس 1947 تم تعيين لياقت علي خان كأول رئيس وزراء للبلاد، ولكنه اغتيل في 16 أكتوبر 1951 قبل إتمام فترة ولايته.
ثم حلّ نظيم الدين محله ولكنه أُقيل من منصبه في 17 أبريل 1953. خلفه محمد علي بوغرا ولكنه أُقِيل في 12 أغسطس 1955
وأصبح نور الأمين رئيس وزراء لمدة 13 يوما فقط في ديسمبر 1971، وذو الفقار علي بوتو أصبح رئيس الوزراء في 1973 لكنه أُعدم بعد الانقلاب العسكري في 1979.
بينما أقيل نواز شريف في 1999 بعد انقلاب عسكري بقيادة الجنرال برويز مشرف. وفي 2022 تم التصويت على سحب الثقة من رئيس الوزراء عمران خان، ما أدى إلى حل البرلمان.
وكل هذه الأمثلة تشير إلى المشاكل الكبيرة التي تواجهها السياسة في باكستان. فإن الاستنزاف المستمر وتشويه سمعة وإذلال السياسة والقادة السياسيين في بلد ما يفيد خصوم وأعداء تلك الدولة ويسهل تدخل مراكز الوصاية.
طاقة مستهلكة
وأردف الكاتب التركي: يتم استهلاك طاقة البلاد في صراع داخلي شرس. وفي مثل هذا البلد لا يمكن أن تكون هناك تنمية ونجاح سياسي واجتماعي واقتصادي.
ولا يمكن لدولة أن تزدهر وتحقق النجاح طالما أن طاقتها تُستهلك في الصراعات الداخلية، ولذلك يجب أن تكون السياسة مستقرة لتتمكن البلاد من مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
حيث يظهر تاريخ باكستان الممتد لـ 77 عاما أن الوضع السياسي فيها غير مشجع على الإطلاق للقادة المحتملين، الذين يواجهون مخاطر مثل القتل والإعدام والنفي والاعتقال والإطاحة.
وعندما يتم تهميش القادة المنتخبين، فإن من يدير البلاد فعليا هم إما أفراد ومؤسسات غير خاضعة للمساءلة أمام الشعب، أو دول منافسة وأعداء. ولمنع ذلك يجب تطوير آليات مساءلة أكثر فائدة للدولة دون الإضرار بها.
وأشار الكاتب إلى أن تركيا قد مرّت بتجارب مشابهة، وكانت معظمها تدخلات خارجية موجهة. ولقد خاضت تركيا هذه المعركة ونجحت، وأصبحت دولة مؤثرة تُسمع كلمتها في كل مكان، وتمكنت من إحباط المؤامرات الدولية التي كانت ضدها.
وعلق بالقول: نأمل أن تحقق باكستان الشيء ذاته، وهذا ليس بالأمر الصعب. فنحن نتمنى من أعماق قلوبنا أن تُظهِرَ شقيقتنا الحبيبة باكستان نفس العزيمة وأن يعود الاستقرار إلى البلاد. ونأمل ألا تتكرر المشاكل والمآسي التي شهدتها في الماضي.
وفي هذه الحالة نعتقد أن باكستان بدعمٍ أصدقائها الحقيقيين مثل تركيا ستكون قادرة على حل جميع مشاكلها الداخلية والخارجية بسهولة، وستصبح واحدة من أكثر اللاعبين أهمية في المنطقة والعالم.
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا: فيما يتعلق بحل مشكلة كشمير والمشاكل الأخرى المماثلة التي تواجه الدول الإسلامية، فإن الأولوية هي أن تتحد هذه الدول تحت هوية مشتركة وتعاون قوي.
فمن خلال النظر إلى الوضع الحالي، نجد أن الكيان الصهيوني الإبادي وحلفاءه من الدول الصليبية يهاجمون بلا هوادة فلسطين ولبنان وسوريا وإيران، ومن المرجح أن تكون الأردن ومصر والعراق والسعودية وتركيا الأهداف التالية.
وفي الوقت الذي تكون الدول الإسلامية متفرقة تصبح فريسة سهلة. لكن لو توحدت الدول الإسلامية وتحركت بشكل مشترك، من الذي كان سيجرؤ على مهاجمتها؟