رغم أنها سبب أغلبها.. هكذا تستغل إيران الأزمات في كسب عواطف شعوب المنطقة

يوسف العلي | 7 months ago

12

طباعة

مشاركة

مع عملية "طوفان الأقصى" التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وما أعقبها من عدوان يشنه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، برزت تساؤلات عن دور إيران وأذرعها في التعاطي مع الأزمة، ومدى كسبها تعاطف شعوب المنطقة.

لكن "أزمة غزة" ليست الوحيدة التي تستغلها طهران وتحاول من خلالها كسب تعاطف الشعوب، فقد سبقها العديد من الأزمات في العراق وسوريا، والتي ارتكبت فيها إيران نفسها ومليشياتها، أبشع المجازر بحق الفلسطينيين والعراقيين والسوريين على حدّ سواء.

ترويج عقائدي

على وقع الهجمات التي تشنها مليشيات إيران في لبنان واليمن والعراق على إسرائيل، واكتفاء الدول العربية والإسلامية بالدور الإغاثي ومحاولات إيجاد هدنة لإيقاف العدوان، بدأت حسابات موالية لإيران في مواقع التواصل الاجتماعي الترويج إلى أن الأخيرة تستحق أن تتبعها الشعوب "حتى عقائديا".

وتناقلت حسابات على منصة “إكس” قريبة من حزب الله اللبناني والحشد الشعبي العراقي، مقالا في 4 أبريل/ نيسان 2024، زعمت أنه لكاتب أردني يدعى فائز الراشد، يتحدث فيه عن نظرته واعتقاده في التشيُع قبل وبعد “طوفان الأقصى”.

المقال للكاتب الأردني غير المعروف يتحدث عن كونه مواطنا من أهل السنة يعيش في العاصمة عمّان ويحمل الفكر السلفي "المتطرف" وكيف كان ينظر إلى التشيع بشكل عام وإيران وأذرعها والنظام السوري، وأنه كان يعدهم "كفرة"، ويفرح في حال حصل تفجير في مدن شيعية بالمنطقة.

وشن الراشد هجوما حادا على علماء وفقهاء أهل السنة، وربط مواقفهم مع الأنظمة التي تدير بلدانهم، كونهم لم يعلنوا الجهاد، لكنه أغفل الفتاوى التي صدرت من مؤسسات وشخصيات دينية بعيدة عن الأنظمة، حثت على الجهاد ونصرة أهل غزة بكل السبل.

وبعدها انتقل الكاتب في حديثه إلى كيل المديح للشيعة في المنطقة والمليشيات المرتبطة بهم ووصفهم بـ"المجاهدين الشجعان والشرفاء"، معلنا في ختام مقاله أنه بات على "عقيدتهم، وهو في الوقت ذاته بريء من عقائد النفاق والعهر والرذيلة".

وتعليقا على ذلك، أوضح الصحفي الأردني، رائد زهران، أن "الكاتب صاحب المقال ليس معروفا لدينا، ولو افترضناه حقيقيا فإن ما ذكر فيه لا يعبّر عن حالة عامة حتما، رغم وجود نقمة حقيقية من الشعب على موقف الأنظمة العربية حيال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة".

وأوضح زهران لـ"الاستقلال" أن "النقمة الموجودة في الشارع لا تعني أن الناس بدّلت دينها، لكنهم يؤيدون كل موقف حقيقي من شأنه نصرة أهل غزة في هذه الظروف، خصوصا أن دول البترول في الخليج العربي، لا تحرك ساكنا، بل إن غالبية وسائل إعلامها تشيطن المقاومة".

ولفت إلى أنه "بغض النظر عن مآرب إيران وأذرعها من وراء إعلان الوقوف إلى جانب غزة، لكن هذا لا يعني أن جرائمها يمكن نسيانها في سوريا والعراق، وخصوصا بحق الفلسطينيين، فضلا عن سكان البلد، إضافة إلى ما ارتكبه في اليمن ولبنان، وما آلت إليه أوضاعهما الأمنية والاقتصادية".

افتعال الأزمات

ما تحاول إيران وأذرعها تسويقه حاليا من أنها تقف إلى جانب الشعوب المظلومة يعيد إلى الأذهان ما فعلته في العراق من إدخال “تنظيم الدولة” إليه عام 2014، وقتل وتهجير سكان المدن السنية في البلاد، ثم الحديث عن أنها هي من أسهمت في تحرير البلد من هذا التنظيم.

فبحسب تصريحات أدلى بها وزير العدل العراقي السابق حسن الشمري، فإنه لم تكن مصادفة هروب نحو 600 سجين من بينهم قادة بارزون في تنظيم القاعدة، من سجني "التاجي" و"أبو غريب" في يونيو/حزيران 2013 بالعاصمة بغداد.

وأوضح الشمري- الذي كان وزيرا للعدل عام 2013، وينتمي إلى حزب الفضيلة الشيعي- خلال مقابلة تلفزيونية بثت في 2014، أن هجوم عناصر القاعدة على السجنين بعملية أطلق عليها التنظيم "هدم الأسوار"، كانت مدبرة ومتورطا فيها رؤوس كبار في الدولة العراقية.

وأردف: "رؤوس كبيرة في الدولة سهّلت هرب سجناء تنظيم القاعدة من سجني أبو غريب والتاجي في بغداد"، مقدرا أن ذلك يهدف "لتقوية النظام السوري من خلال تقوية التنظيم، وتخويف الولايات المتحدة من أي ضربة عسكرية ضد نظام بشار الأسد، وتأكيدا أن البديل له هو ذلك التنظيم".

وأكد أن "جهاز المخابرات العراقي أرسل كتابا سريا للغاية معنونا إلى مكتب القائد العام التابع للمالكي ووزارات الداخلية والدفاع والعدل يشير إلى وجود نية للإرهاب باستهداف سجني التاجي وأبو غريب بسيارات مفخخة وتحرير النزلاء التابعين للإرهاب فيهما".

وأشار الوزير السابق إلى أن "الغريب في الأمر أنه لم يجر أحد أي فعل على سبيل الاحتياط، بل حدث العكس تماما، إذ انسحبت وحدات أمنية بالكامل كانت مكلفة بحماية السجون، وبعد أسبوع واحد حدث الهجوم بالطريقة ذاتها التي حذرت منها المخابرات".

وعن هذه الحادثة، يقول السياسي العراقي والنائب السابق بالبرلمان، مشعان الجبوري، إن "قاسم سليماني (قائد فيلق القدس الإيراني السابق) كان يعيّن كل الوظائف في الدولة العراقية، وهو من أصدر قرارا بإخراج المساجين وتهريبهم".

وأضاف الجبوري خلال مقطع فيديو نشر على منصة "يوتيوب" في 19 أبريل/ نيسان 2021 أن "قاسم سليماني هو مسؤول عن تدمير المدن العراقية، وهو من أصدر قرارا بذبح المغيبين (السنة) وكانت المليشيات تقتلهم بعد يومين أو ثلاثة أيام، وذلك عقب تعذيبهم وحرمانهم من الطعام".

ويتهم سياسيون سنة المليشيات الموالية لإيران باختطاف وتغييب نحو 12 ألف شخص من المكوّن، في أعوام 2014 و2015 و2016، وذلك خلال المعارك التي خاضها العراق ضد تنظيم الدولة في محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالى، ومناطق شمال محافظة بابل.

"مكر فارسي"

وبخصوص سياسة الإيرانيين في التعاطي مع الأزمات بالمنطقة، أوضح الباحث في الشأن العراقي، لطيف المهداوي أن "إيران تسوّق نفسها في الأزمات، وهذا مكر فارسي اعتدناه في وقت الحروب، لكن البعض من بسطاء الشعوب تنطلي عليه مثل هذه السياسات".

وأوضح المهداوي لـ"الاستقلال" أن "إيران منذ الحرب الإيرانية العراقية (1980-1988) كانت سببا في الهجوم الكيماوي الذي استهدف مدينة حلبجة الكردية في إقليم كردستان العراق، والذي ينكره النظام العراقي السابق بقيادة الراحل صدام حسين".

ولفت إلى أن "إيران استغلت وقوع هذا الهجوم ضد الأكراد وفتحت حدودها أمام الشعب الكردي في العراق، واستقبلتهم في مستشفياتها وآوتهم في أراضيها، رغم أنها كانت سببا فيما حصل، وسوّقت نفسها على أنها هي من أنقذتهم من بطش النظام العراقي".

وشدد الباحث على أن "إيران بارعة في تحويل الأزمات التي تفتعل أغلبها إلى حالة من الكسب، فاليوم السياسيون الأكراد بحلبجة والسليمانية في إقليم كردستان العراق، وخصوصا الاتحاد الوطني الكردستاني، يوالي إيران رغم أنهم من السُنة، على الحزب الديمقراطي الذي يقود أربيل ودهوك في الإقليم". 

والهجوم الكيماوي الذي قتل فيه أكثر من 3 آلاف شخص، وقع بمدينة حلبجة في 16 مارس/آذار 1988 خلال الأيام الأخيرة من الحرب الإيرانية العراقية، فقد جاء في إطار محاولة للجيش العراقي صد عملية ظفر 7 الإيرانية، التي سيطر فيها جيش طهران على المدينة.

ومن أبرز الاتهامات التي وجهت لإيران أيضا، دعم تنظيم القاعدة في العراق عقب الاحتلال الأميركي للبلاد عام 2003، والتفجيرات التي كانت تستهدف المدن، لا سيما تفجير المرقدين العسكريين في سامراء عام 2006، الذي تسبب في حرب طائفية قتل فيها العراقيون بسبب الهوية.

وفي 3 مارس 2023، كشف نائب الرئيس العراقي الأسبق، طارق الهاشمي، تفاصيل رحلته لإيران والشخصيات التي التقى بها هناك، واعترافات قاسم سليماني له بتمويل طهران ودعمها لتنظيم القاعدة، والهدف هو إرباك بالمشهد العراقي، حتى ينسحب الأميركيون.

وفي 22 فبراير/شباط 2006، نسب إلى تنظيم القاعدة تفجير مرقدي علي الهادي والحسن العسكري في سامراء (حفيدي الخليفة علي بن أبي طالب)، ما تسبب بإشعال فتنة طائفية في العراق أحرقت وهُدمت فيها مئات المساجد، وقتل نحو 100 ألف شخص.

وفي عام 2013، كشف قائد القوات الأميركية السابق في العراق، الجنرال جورج كيسي، أن فيلق القدس الإيراني بقيادة سليماني وقتها، هو من كان وراء تفجير المرقدين العسكريين في سامراء.

وفي 7 أغسطس/آب 2017، وجه القيادي البارز في التيار الصدري العراقي والبرلماني السابق، عواد العوادي، اتهامات لإيران بالوقوف وراء جملة من "العمليات الإرهابية" في العراق من بينها تفجير المراقد في سامراء عام 2006.

وقال العوادي حينها خلال مقابلة مع قناة محلية، إن "هناك تقارير تقول إن الذي حدث في سامراء عام 2006 نفذته مجاميع إرهابية جاءت من إيران، إضافة إلى أن الأخيرة متهمة بإدخال إرهابيين إلى العراق".