التحولات التي طرأت على علاقات تركيا الدولية.. ماذا وراءها؟
"روح العصر تجبرنا على البحث عن السلام والاستقرار"
بصورة لافتة، طرأت تحولات عديدة في السنوات القليلة الماضية على علاقات تركيا مع كثير من الدول حول العالم، في مقدمتها سوريا والعراق وعديد من الدول الإفريقية.
وفي هذا السياق، نشرت صحيفة “يني شفق” التركية مقالا للكاتب “ندرت إرسانيل” سلط فيه الضوء على التطورات في العلاقات الإقليمية والدولية لتركيا وتأثيراتها الجيوسياسية.
تطورات متلاحقة
وقال الكاتب التركي إن هناك تطورات كبيرة تحدث في المنطقة حول تركيا، حيث توجد عدة نقاط مهمة بشأن العلاقات الدولية والتطورات الجارية.
وأوضح أن أهم هذه التطورات تحدث على صعيد تطبيع تركيا للعلاقات مع العراق وسوريا.
وأضاف أن العلاقات التي تم تطويرها مع العراق لها أبعاد جيوسياسية وأبعاد تتعلّق بمكافحة الإرهاب.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن محاولات التطبيع مع النظام السوري لا تتعلق فقط بمشكلة الإرهاب أو اللاجئين؛ بل لها بُعد دولي كبير.
وأضاف: إنّ هناك تطورات متزامنة تحصل في الوقت الحالي؛ فهناك أزمات إسرائيل وأوكرانيا وإيران وفلسطين، وإنّ هذه التطورات تتزامن مع الانتخابات الرئاسية الأميركية.
وهذا يعني أن هناك تأثيرات سياسية واقتصادية وأمنية تحدث في المنطقة وتتأثر بالأحداث العالمية.
وهناك أيضا المفاوضات التي تجرى في القاهرة من أجل وقف إطلاق النار في الحرب الإسرائيلية على غزة، بالإضافة إلى زيارة عبد الفتاح السيسي إلى تركيا في الثالث من سبتمبر/ أيلول 2024.
ويجب ألا ننسى أن هناك تطورات مهمة في القوقاز؛ فبعد زيارات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى باكو وساحل بحر قزوين أعلنت أذربيجان عن تقديم طلب رسمي للعضوية الكاملة في مجموعة بريكس.
وهذا يعني أن هناك تحولات في التوازنات السياسية والاقتصادية في المنطقة، بحسب الكاتب التركي.
بعد ذلك، يمكن إضافة الأخبار المتزايدة عن حدوث ثورة مدعومة من الغرب في جورجيا إلى قائمة التطورات.
حتى إن إعلان فلسطين عن تقديم طلب للعضوية في بريكس يجب أن يُضاف إلى هذه القائمة أيضا.
محاطة بالأزمات
وشدد الكاتب على أن تركيا محاطة بالأزمات والتطورات من كل جانب وتحاول بكل جهدها التعامل مع هذه الأزمات.
ولفت إلى تصريحات بشار الأسد الذي ذكر فيها أن الشروط اللازمة لاستعادة العلاقات إلى طبيعتها تتضمن انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية وإنهاء الدعم المقدم للجماعات المسلحة.
ومع ذلك، يشير الكاتب إلى أن هذه الشروط ليست شروطا مسبقة لبدء المحادثات، فهذه التصريحات لا تضع قيدا على البدء في المحادثات في حال لم يتم سحب القوات التركية.
ويصف الأسد الوضع الحالي بأنه أزمة عالمية، ويشير إلى أن تأثيرات هذه الأزمة دفعتهم للعمل بشكل أسرع لإصلاح ما يمكن إصلاحه.
وأيضا يشير إلى أنهم قد ناقشوا المبادرات التي طرحتها أطراف متعددة فيما يتعلق بالعلاقات مع تركيا، مثل روسيا وإيران والعراق.
وعلق الكاتب بالقول: توجد تحولات وتطورات مهمة في العلاقات الدولية والأحداث الجارية في المنطقة، وهناك عوامل دولية تؤثر على الأحداث المحلية وتتطلب تعاونا دوليا للتعامل معها.
وأردف أن دمشق تحتل موقعا إستراتيجيا وتقع في نقطة تقاطع بين سوريا وتركيا والعراق وإيران وروسيا. بالإضافة إلى أن الولايات المتحدة تلعب دورا مهما في هذه النقطة التقاطعية.
العين على أميركا
وفي هذا السياق، سلط الكاتب الضوء على تصريحات للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بشأن قرار الانسحاب من أفغانستان.
إذ قال: “كان يوم انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان هو اليوم الأكثر عارا في تاريخ أميركا. إن هذا التطور أشعل الصراعات في جميع أنحاء العالم”.
وأضاف أن “عار الانسحاب من أفغانستان دمر الثقة في الولايات المتحدة. لهذا السبب دخلت روسيا إلى أوكرانيا، ولهذا السبب حدث هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2024 في إسرائيل، وعدم احترامنا من قبل دول العالم هو لهذا السبب أيضا”.
ومضى يقول: “كان يجب علينا الانسحاب بكرامة وقوة، لم يكن يجب ترك قاعدة باغرام الجوية أبدا، إنها واحدة من أكبر القواعد الجوية في العالم، وتقع على بعد ساعة من المكان الذي تصنع فيه الصين الأسلحة النووية. تركناها، واستولت عليها الصين. هل يمكن تخيل ذلك؟”
وأشار الكاتب التركي إلى أن تحليل ترامب بالطبع هو بمستوى ترامب؛ خشن وضعيف في نماذج السبب والنتيجة، لكن مثال أفغانستان صحيح، كان الخطأ هو "الانسحاب".
ومع ذلك فإن الولايات المتحدة لم تنسحب، بل طُردت! ويضيف الكاتب: والآن يجب أن تُطرد من هنا.
لهذا السبب قمنا بترتيب سلسلة من الأحداث في البداية حتى يتم فهم التدفق، فإن نجاح تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق سيخلق جيوسياسية جديدة.
سياسة جديدة
ففي 14 يوليو/ تموز 2024، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان: "إن روح العصر تجبرنا على البحث عن السلام والاستقرار".
ويعلق الكاتب بالقول: فبالطبع السلام ضروري لكنّه لا يكفي أن يكون فقط لتركيا، يجب أن تجد المنطقة السلام أيضا.
وأضاف: يمكننا أن نرى مثالاً مشابهاً في إفريقيا؛ حيث يُقال الكثير عن الوجود المتزايد لتركيا هناك، لكن يجب أيضا تحديد كيف يفهم الغرب/الولايات المتحدة هذا الأمر.
فإذا سألت لماذا يعد هذا الأمر مهما، يكمن الجواب بأنه لا يتعلق فقط بالانزعاج الذي يشعرون به من تركيا.
حيث إن السجلّ المخزي لأوروبا في هذه القارة وانسحابها في النهاية ووجود روسيا والصين بشكلٍ خاص فيها وقيامهما بإنشاء مجموعات جديدة مع دول المنطقة هو أمرٌ مثيرٌ للقلق.
وتقول هذه التحليلات إن أنقرة ارتفعت إلى مستوى "الوساطة" بين دول المنطقة بفضل قوتها الناعمة، وعلاقاتها الاقتصادية المتطورة، وتحالفاتها الأمنية.
لكن بعض الخبراء يقولون أيضا إنه يجب على الولايات المتحدة أن تتقبل هذا بشكل طبيعي، وإن تركيا كعضو في حلف الناتو يمكن أن تتنافس مع الولايات المتحدة في الدبلوماسية والاقتصاد.
ونفس الوضع ينطبق على بعض الدول الأوروبية، مثل إيطاليا وإسبانيا؛ وذلك لأنهم أكثر ذكاء من فرنسا، فإنهم يريدون استيعاب دور تركيا في "إفريقيا الجديدة" وإنشاء مجموعاتهم الخاصة، لكن دول إفريقيا لا تبدو في هذا المزاج تجاه أوروبا.
في النهاية، يمكننا أن نفهم أن تركيا تواجه مشاكل في منطقة القوقاز (أرمينيا) وفي الجنوب (سوريا).
وإذا تم تحقيق عملية التطبيع بشكل كامل وبسرعة نسبية - على الرغم من أنها لن تكون سلسة تمام ولكن الحد الأدنى المشترك يكفي - فسيتشكل لدى تركيا "بابٌ" يستند إلى خط أفقي ويستقر على خط رأسي.
وإذا نجحت تركيا في فتح هذا الباب فسيتعزز دور تركيا في العلاقات الإقليمية والدولية وتأثيراتها الجيوسياسية، وستفهم الولايات المتحدة والغرب هذا الدور.