فرض ترامب جمارك على واردات النحاس.. لماذا تضر الأفارقة وتفيد المغاربة؟

“قطاع النحاس اعتراض وطالب بتقليل تدخل الحكومة الأميركية بدلا من زيادته”
توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمرا بدراسة فرض رسوم جمركية جديدة على واردات النحاس؛ فتح جبهة جديدة بشأن تأثير سياساته على صناعة النحاس في القارة السمراء.
وأدى توقيع ترامب على المرسوم في فبراير/ شباط 2025 إلى تهديد مباشر بفرض رسوم جمركية على واردات النحاس الأجنبية.
وقالت مجلة "جون أفريك" الفرنسية: إن هذا القرار “أثار قلق الشركات التعدينية والخبراء الاقتصاديين الذين يرون أن أي قيود تجارية على النحاس قد تؤدي إلى زيادة تكاليف الإنتاج الأميركي نفسه؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد الخام”.
وأضافت “بشكل عام، فإن القرارات الاقتصادية الأميركية يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة على الأسواق الإفريقية، خصوصا في القطاعات التي تعتمد على التصدير إلى الولايات المتحدة”.
تهديد محتمل
وسلطت المجلة الضوء على أن "كل المؤشرات كانت إيجابية، كما كان الطلب في ازدياد، مدفوعا بازدهار الذكاء الاصطناعي".
ومع تزايد فرص الاستثمار القادمة من الولايات المتحدة، قالت جون أفريك: إن "مستقبل مناجم النحاس في إفريقيا كان يبدو مضمونا، إلى أن ألقى ترامب بقرار واحد، بظلال باردة على هذا القطاع بأكمله".
وكعادته، على حد وصفها، كان يكفي مرسوم واحد ليطلق ترامب تحقيقا لتقييم مدى اعتماد الشركات الأميركية.
وهذا المرسوم، إذا ثبت أنه "مفرط فيما يتعلق بالنحاس الأجنبي، قد يهدد القدرات الدفاعية وتطوير البنية التحتية والابتكار التكنولوجي في الولايات المتحدة"، وفقا لما ذكره البيت الأبيض في مذكرة معلومات مرفقة بالمرسوم الصادر في 25 فبراير 2025.
وفي هذا الإطار، أوضحت المجلة أن هذا التحقيق، بموجب المادة 232، قد يؤدي إلى فرض رسوم جمركية على واردات هذا المعدن الأساسي، الذي تتيح موصليته الكهربائية الممتازة تشغيل مختلف الأجهزة، بدءا من مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي وصولا إلى أنظمة دفع السفن والطائرات العسكرية.
وفي هذا السياق، أبرزت "جون أفريك" أن هذا القرار يأتي في فترة حافلة تشهد بروز مشاريع ضخمة في جميع مراكز الإنتاج الرئيسة.
ونقلت عن روب ماكوين، مالك شركة "McEwen Mining" التي تتخذ من تورونتو مقرا لها، قوله: "إذا كان هدف البلاد والرئيس، هو إنشاء مركز متقدم للذكاء الاصطناعي، فإن الطلب على النحاس سيشهد انفجارا هائلا".
جدير بالذكر أنه في الوقت الحالي، تعمل "McEwen Mining" على إعداد دراسة جدوى لأحد أكبر ثمانية رواسب نحاس غير مستغلة في العالم، في الأرجنتين.
وتأمل الشركة -بحسب المجلة- في بدء الحفر عام 2026، على أن تبدأ الإنتاج عام 2029، بهدف استخراج 400 مليون طن من النحاس سنويا، مما سيجعلها واحدة من أكبر 15 منجما في العالم.
ذو أثر عكسي
وقال ماكوين: "علاوة على ذلك، يعد النحاس عنصرا أساسيا في البناء، وإذا أردنا إنجاح التحول الطاقي فلا بد من تأمين إمداداته".
ويكمل: "اليوم، نواجه فجوة متزايدة بين العرض والطلب، تفاقمت بسبب نقص الاستثمار المستمر على مدى الخمسة عشر عاما الماضية، في وقت نشهد فيه انفجارا في الطلب".
وفي هذا الصدد، عكست المجلة الفرنسية أن البيت الأبيض لم يعارض هذا الرأي، فقد اعترفت الإدارة الأميركية نفسها بأن "الواردات الأميركية من النحاس ارتفعت من ما يقارب الصفر عام 1991 إلى حوالي 45 بالمئة من الاستهلاك عام 2024".
كما كشفت دراسة حديثة أجرتها جمعية “تطوير النحاس” أن الطلب على النحاس سيتضاعف خلال السنوات العشر المقبلة، وأوصت بوضع "إستراتيجية شاملة" تشمل زيادة التعدين المحلي وتعزيز إعادة التدوير وتنمية التجارة الدولية.
وفي هذا الصدد، نقلت المجلة أن رسالة وجهها لوبي النحاس إلى الرئيس ترامب، في 30 يناير/ كانون الثاني 2025، جاء فيها: "زيادة عمليات التعدين والتكرير وتحسين إعادة التدوير والاحتفاظ بنفايات النحاس داخل حدودنا والاستمرار في الاعتماد على شركائنا التجاريين الموثوقين، مثل تشيلي وبيرو وكندا والمكسيك، كلها أمور ضرورية، لكن لا يكفي أي منها بمفرده".
وكما اعتاد، وفقا للمجلة، يبدو أن ترامب لم ينظر إلا من خلال شعار "أميركا أولا"، دون أن يدرك أن قراره قد يكون ذا تأثير عكسي تماما، خاصة أن ترخيص المناجم الجديدة وتشغيلها يستغرق وقتا طويلا.
وهذا ما دفع قطاع النحاس إلى الاعتراض والمطالبة بتقليل تدخل الحكومة الأميركية بدلا من زيادته.
وبهذا الشأن، قال ماكوين: "دعم التعدين بهذه الطريقة لن يساعدنا.. ما نحتاجه حقا هو تخفيض الضرائب وتخفيف القوانين وتبسيط إجراءات الترخيص".
وتابع: "إن ضخ الأموال ووضع حد أدنى لسعر النحاس يؤديان فقط إلى سوء تخصيص رأس المال.. ونتيجة لذلك، نرى دخول منتجين هامشيين إلى السوق، رغم أنهم غير قادرين على الاستمرار اقتصاديا".
توسيع القائمة
وفي هذا الإطار، شددت "جون أفريك" على أن التهديد بفرض رسوم جمركية يشكل صدمة لصناعة التعدين، والتي كانت تعتقد أنها تسير نحو أخبار جيدة قادمة من إدارة ترامب.
لا سيما مع إمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن المعادن الأوكرانية، إضافة إلى اقتراح الرئيس الكونغولي، فيليكس تشيسكيدي، إبرام اتفاق مع الولايات المتحدة.
جدير بالذكر هنا أن جمهورية الكونغو الديمقراطية أنتجت حوالي 3.3 ملايين طن متري من النحاس عام 2023، ما يمثل نحو 11 بالمئة من الإنتاج العالمي.
ومن ناحية أخرى، لفتت المجلة الفرنسية النظر إلى تعيين ترامب للجيولوجي، نِد مامولا، رئيسا لـ"هيئة المسح الجيولوجي الأميركية".
ويُعرف مامولا بـ"انتقاده الشديد لاعتماد الولايات المتحدة على الصين وروسيا ودول أخرى معادية في تأمين العديد من المعادن الحيوية".
وفي هذا السياق، أشارت المجلة إلى اقتراح مامولا بتوسيع قائمة المعادن الإستراتيجية التي وضعتها "هيئة المسح الجيولوجي" لتشمل النحاس واليورانيوم والبوتاس.
جدير بالذكر الإشارة إلى أن المغرب يُعد الدولة الإفريقية الوحيدة التي أبرمت اتفاقية تجارة حرة مع الولايات المتحدة، مما قد يمنحه ميزة خاصة بموجب هذا القانون، الذي يحد من الامتيازات الضريبية الممنوحة للمنتجين الأجانب.
بالإضافة إلى ذلك، قد تستفيد دول أخرى غنية بمناجم النحاس، مثل جمهورية الكونغو الديمقراطية وزامبيا، خاصة أن الولايات المتحدة تساعدهما في ربط تلك المناجم بساحل أنغولا الأطلسي عبر ممر لوبيتو.
وختمت المجلة تقريرها بالقول إن "هذه الاستفادة تعتمد على كيفية تفسير أحكام قانون خفض التضخم بشكل أكثر شمولا".