رغم الإبادة الإسرائيلية في غزة طيلة 15 شهرا.. لماذا غاب الحراك الحقيقي عن مصر؟

داود علي | منذ ٨ أيام

12

طباعة

مشاركة

في تمثيلية مفضوحة، احتشد عدد من مؤيدي النظام المصري قبالة معبر رفح الحدودي مع قطاع غزة المحاصر، للتعبير عن رفضهم تهجير أهله، لكن الفعالية تضمنت الإشادة برأس السلطة عبد الفتاح السيسي أكثر من التطرق للغرض المفترض منها.

وجاء هذا الاحتشاد يوم الجمعة 31 يناير/ كانون الثاني 2025، للتعبير عن رفض خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الخاصة بتهجير أهل غزة إلى مصر والأردن وعدد من الدول العربية والإسلامية الأخرى.

المسيرات المنظمة من قبل النظام والجهات الأمنية في مصر، شهدت ظهور شخصيات عامة، منهم نواب برلمانيون معروفون بولائهم المطلق للسلطة، مثل نائب حزب مستقبل وطن إيهاب العمدة والنائبين؛ طارق الخولي ومحمود بدر. 

وهذا إضافة إلى قطاع عريض من الفنانين على رأسهم نقيب المهن التمثيلية، أشرف زكي، وأيضا الممثلان أحمد عبد العزيز وأحمد العوضي، والسيناريست مدحت العدل.

على المقاس 

ووفقا لتقارير ومقاطع فيديو، احتشدت أعداد كبيرة أخرى من المتظاهرين عند المعبر من محافظات مختلفة، تحديدا من المناطق الريفية. وكان لافتا أن الشعارات المرفوعة شملت الاصطفاف خلف السيسي، وقراراته وسياساته. 

حتى إن بعض المعلقين السياسيين ذكروا أن الإشادة برأس النظام، كانت أكثر بكثير من إعلان رفض التهجير أو دعم الشعب الفلسطيني، أو مهاجمة ترامب وإسرائيل.

أما المشاهد التي أحدثت جدلا حقيقيا، فكانت في مقاطع الفيديو التي أظهرت تزاحم بعض المتظاهرين، للحصول على كراتين من السلع والمنتجات الغذائية والعصائر والمشروبات، يجرى توزيعها من الشاحنات.

في الوقت نفسه، وعلى الجانب الآخر، رفضت وزارة الداخلية المصرية طلبات تقدمت بها بعض الأحزاب المدنية، مثل الحركة المدنية الديمقراطية للتظاهر أمام السفارة الأميركية في القاهرة احتجاجا على تصريحات الرئيس الأميركي.

وتلك الحالة برمتها فتحت بابا للتساؤل عن جدوى ذلك الحراك المصطنع، ودفعت الكثيرين لاستدعاء مشاهد الحراك الشعبي المصري الحقيقي، والحركة الطلابية، خلال حقب مختلفة، تحديدا فترات التسعينيات وما بعدها. 

ووصف الصحفي المصري عبد العظيم حماد، ذلك الحشد بأنه "مظاهرات بالطلب والمقاس". وشبهها في تدوينة عبر "فيسبوك" بالحشود خلال عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك.

وقال: "الجماهير الآتية في أتوبيسات من كل حدب وصوب تحتشد في استاد القاهرة وفي يد كل مواطن السندوتشات والعصير.

فيما قال الناشط خالد فريد سلام: "محاولة إقناع ترامب والإدارة الأميركية بأن هناك مظاهرات شعبية عفوية خرجت لرفض التطبيع عن طريق حشد الناس (بالأمر) وبمقابل مادي وبشكل منظم أمنيا الى رفح، عبثية جدا ولا تخدع صانع القرار الأميركي ولا هي مقنعة حتى للذين يشاركون فيها!".

وتابع: "محاولة صنع (حالة شعبية) زائفة وكأن النظام المصري يعبأ برأي الشارع هي فعلا مضحكة وسريالية جدا.. خاصة أن الأمم المتحدة عقدت من يومين اثنين جلسة لمناقشة وضع حرية التعبير والحريات العامة في مصر تلقى النظام فيها انتقادات واسعة".

فيما علق البرلماني السابق طلعت خليل، على الوضع قائلا: إن "التحركات الموجهة من السلطة لا تشكل وسيلة ضغط"، وتابع: "اتركوا الشعب الحقيقي يعبر عن غضبه، فهو من يشكل وسيلة الضغط".

أين الحراك الحقيقي؟ 

وفي حديثه لـ "الاستقلال" قال الباحث المصري محمد ماهر: "إن النظام الحالي ظن أنه يحصن نفسه ويحمي الدولة حسبما يدعي السيسي عندما يدمر العمل السياسي من جذوره ويجفف منابع العمل الطلابي، ويحول الأحزاب إلى كرتونية، والبرلمان إلى مؤسسة هامشية". 

وتابع: “لنا في التاريخ القريب عبرة، فالمسؤولون الأمنيون ورجال المخابرات والسجن الحربي في عهد الرئيس (الأسبق) جمال عبد الناصر، كان يبررون ممارساتهم الوحشية، بالإشارة إلى التهديدات الداخلية والخارجية التي تريد وقف مسيرة مصر نحو الإمام”.

وأيضا: "تعطيل مصر في مواجهة الإمبريالية والتوسعية الاستعمارية على يد إسرائيل ومن ورائها أميركا كما كان يردد عبد الناصر في خطاباته".

وأكمل: "لكن في الحقيقة قمع واستبداد نظام عبدالناصر للمعارضين، لم يحصن مصر والنظام، فعندما وجهت إسرائيل ضربة قاصمة للجيش المصري في نكسة 1967 كانت السجون مليئة بالمعتقلين السياسيين ورجال الفكر وغيرهم".

وتابع: "استبداد عبد الناصر علم الجماهير أن يطأطئوا رؤوسهم وألا يرفعوها أبدا طالما عاشوا في جمهورية الخوف".

وقارن ماهر بين نهج عبد الناصر إبان الهزيمة، وما يفعله السيسي، الذي يعتقل ما يقرب من 60 ألف معتقل سياسي في سجون جمهورية الخوف العسكرية.

وبين أنه عندما احتاج الحراك الحقيقي لإيصال رسالة للعالم أن الشعب يرفض الضغط والتهجير، ظهر الأمر وكأنه مسرحية هزلية لا تخيل على أحد، فضلا عن القوى العظمى التي تعلم أدق التفاصيل لما يحدث في مصر.

وبالمقارنة بين تلك المشاهد، ونظيرتها الحقيقية في مصر، فإنه في عام 2008، برزت لافتات في شوارع القاهرة من أجل غزة، رفعها متظاهرون في الميادين والجامع الأزهر، كتوجه شعبي للاحتجاج على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في غزة. 

بلغ هذا التضامن أقصى قوته بعد ثورة 25 يناير/ كانون الثاني 2011، حين خرج الآلاف في مظاهرات تدعم غزة، خلال وقت العدوان عليها في 2012.

وفي 9 سبتمبر/ أيلول 2011، تعرض المقر القديم للسفارة الإسرائيلية في القاهرة للاقتحام من قبل آلاف المتظاهرين القادمين من ميدان التحرير.

وجرى اقتحام المقر ونثر الوثائق الموجودة داخله، وسط هتافات داخل المبنى "غزة غزة رمز العزة"، وكان العلم المصري بدلا من الإسرائيلي يرتفع في شرفة المقر ليرفرف فوق النيل.

ومثلت واقعة اقتحام السفارة بداية لسياسة مصرية جديدة تجاه إسرائيل، وعقب العدوان الإسرائيلي على نهاية العام 2012، أعلن الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، تضامنه مع غزة علنا.

وقال: "لن نترك غزة وحدها"، ثم أرسل رئيس الوزراء المصري هشام قنديل إلى القطاع دعما للفلسطينيين، وكانت تلك الحادثة سببا رئيسا لوقف العدوان.

وجدير بالذكر أن أول رئيس مدني منتخب عقب ثورة 25 يناير، لم يسجل له في أي من خطبه ذكر لفظ "إسرائيل". 

تباينات السيسي 

لكن الأمر المثير للتساؤل والاستغراب في الحراك الذي يصنعه السيسي، أنه تكرر عدة مرات منذ بداية العدوان على غزة، ومع ذلك فقد جرى اعتقال عدد من المتظاهر ين المناصرين لغزة الذين خرجوا عن الحدود المرسومة. 

ففي يومي 20 و27 أكتوبر 2023، جرى القبض على عدد من المواطنين بسبب مشاركتهم في مظاهرات دعما لفلسطين.

وكان بعضهم يشارك في المظاهرات التي دعا إليها السيسي بنفسه، بينما جرى القبض على البعض الآخر عشوائيا ومن أماكن مختلفة بسبب رفع علم فلسطين أو ترديد هتافات في أماكن بعيدة عن أماكن التجمع التي حددها الأمن. 

وطرح الكاتب المصري وائل قنديل، سؤالا في مقال له بصحيفة العربي الجديد قال فيه: “لماذا يواصل النظام (المنحاز جدا لصمود غزة) سجن محبي فلسطين الحقيقيين”.

وتابع في 30 يناير 2025: "ليس فقط 173 معتقلا من 20 محافظة مصرية الذين جدد حبسهم 45 يوما أخرى على ذمة التحقيقات التي تجري معهم على خلفية خروجهم في تظاهرات داعمة للقضية الفلسطينية، وإنما مئات من الداعمين للمقاومة يقبعون في السجون منذ سنوات بعيدة".

العجيب أنه بينما تسري الاعتقالات ودعوات النزول، يجد المواطن نفسه حائرا، حتى إن السيسي كرر عدة مرات إمكانية إخراج المظاهرات.

وقال خلال مؤتمر صحفي مع المستشار الألماني أولاف شولتس في القاهرة، أكتوبر 2024، إنه "إذا استدعى الأمر أن أطلب من الشعب المصري الخروج للتعبير(..) فستروا ملايين المصريين الداعمين للموقف المصري" الخاص برفض تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

وقبلها بأشهر قليلة، وتحديدا في الثاني من أبريل/نيسان 2024، شهد مقر نقابة الصحفيين تظاهرة داعمة لغزة، اعتقلت السلطات 18 شخصا خلالها، وفق ما أعلنت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية.

ورأى أستاذ العلوم السياسية المصري، عصام عبد الشافي، أن "النظام المصري يضيق ذرعا بأي تظاهرة من أي نوع، ولذلك يسعى لملاحقة الذين تظاهروا دعما لغزة".

وأضاف لموقع الحرة الأميركي، بأن "النظام المصري يغض الطرف عن التظاهرات التي تخرج دعما لفلسطين بإذنه، أو بتنسيق منه أو من الأحزاب الموالية له، بينما يلاحق تظاهرات أخرى تخرج لذات الغرض، لأن منظميها لهم مواقف مستقلة".

وأشار إلى أن السيسي يتعامل مع القضية الفلسطينية كأداة ضغط، فأحيانا يوجه مناصريه بالتظاهر دعما لفلسطين، لتحقيق بعض أجندته، وأحيانا يوجه الآلة الإعلامية التابعة له بالتصعيد، لذات الغرض.