ياسر الرميان.. هل بدأ العد التنازلي لأقوى رجال المال في السعودية؟

داود علي | منذ ٨ أيام

12

طباعة

مشاركة

نكسات متعددة تعترض طريق محافظ صندوق الاستثمارات العامة السعودي، ياسر الرميان، الممول الرئيس لمشاريع ولي العهد محمد بن سلمان.

آخرها كانت الصفقة مع شركة البث "دازن غروب" المملوكة للملياردير ليونارد بلافاتنيك “Dazn” ومقرها العاصمة البريطانية لندن. 

كذلك البيع المحتمل لنادي "نيوكاسل يو إف سي" الإنجليزي، إضافة إلى مشاكل متصاعدة خاصة بمشروع “نيوم”.

ومع تتابع إخفاقات الرميان، يدور صراع نفوذ في دوائر السلطة بالرياض، وسط حديث عن إمكانية استبدال شخص آخر به من الدائرة القريبة من ابن سلمان.

إدارة مأزومة

في 15 يناير/ كانون الثاني 2025، جرى الكشف عن إجراء شركة "سرج" ذراع الاستثمار الرياضي، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، محادثاتٍ متقدمة لاستثمار ما لا يقل عن مليار دولار في "دازن غروب" التي تمتلك حقوقَ بثِ بعض أبرز دوريات كرة القدم الأوروبية.

وأشارت مصادر لوكالة "بلومبيرغ" الأميركية إلى أن الصفقة قد يُعلَن عنها قريبا، إلا أن الشروط النهائية للصفقة لم تُحسم وقد تشهد بعض التغييرات.

وهناك العديد من النقاط لم يبت أمرها بعد بخصوص الصفقة، مثل حصة رأس مال صندوق الاستثمارات العامة التي يفترض أن تتراوح بين 5 بالمئة و10 بالمئة اعتمادا على الأرباح المستقبلية.

لكن المفاوضات شهدت توترا كبيرا، خاصة من الجانب السعودي، بينما تشير عدة مصادر قريبة من الصفقة أن الاتفاق لم يحصل بعد على موافقة أولية من محافظ صندوق الاستثمارات العامة ياسر الرميان.

وتعليقا على ذلك التعثر، أوردت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية في 28 يناير 2025، أن الرميان يدير رسميا ما يقرب من ألف مليار دولار من أصول صندوق الاستثمارات العامة.

فهو أيضا رئيس مجلس إدارة شركة "أرامكو" النفطية العملاقة. 

وكان يتوقع أن يستثمر صندوق الاستثمارات العامة تحت إدارته في الأسواق الخارجية والداخلية لضمان مستقبل متنوع للاقتصاد السعودي، كما هو موضح في رؤية محمد بن سلمان 2030، ما يجعل الرميان من الناحية النظرية محورا أساسيا للإستراتيجية المالية للمملكة.

ولذلك شكلت أزمة “دازن” ثغرة شديدة في نفوذ الرميان، التي جاءت بعد أن فاوض منذ عدة أشهر لاستحواذ صندوق الاستثمارات العامة على منافسته "بي إن الرياضية" القطرية. 

فمع انتهاء كأس العالم لكرة القدم 2022، بدأت الدوحة السعي إلى التخلص من استثماراتها الرياضية المكلفة. 

وبتوجيه قوي من مستشاره الآخر تركي آل الشيخ، اختار محمد بن سلمان الاستثمار في "دازن" بعكس رغبات ياسر الرميان، ما شكل مع عدم وجود إمكانية لإبرام صفقتين، صفعة للأخير الذي يزاحمه الآن منافسه الصاعد سريعا آل الشيخ.

وكشفت المجلة الفرنسية أن آل الشيخ الذي يترأس الهيئة العامة للترفيه، كان دوره قد تراجع خلال الأشهر القليلة الماضية بعد خضوعه لعلاج طبي، قبل أن يعود الآن إلى صدارة المشهد، حيث يدير بعضا من أكثر الاستثمارات المرموقة في المملكة.

وما يعزز فرضية ترجيح تركي آل الشيخ لقيادة صندوق الاستثمارات السعودي، بحسب “إنتيليجنس أونلاين” أنه لطالما لعبت أسرته دورا بارزا في الجانب الديني من السلطة السعودية.

بينما زاد تركي آل الشيخ في الآونة الأخيرة من أنشطته في إدارة الفعاليات وعقود الترفيه الأخرى، من الحفلات الموسيقية الصاخبة لموسم الرياض ومباريات الملاكمة في الرياض إلى عقود الترويج لدوري كرة القدم المحلي.

وبذلك يزاحم آل الشيخ بوضوح نفوذ وزير الرياضة عبد العزيز بن تركي الفيصل الذي لا يستطيع أن يفعل الكثير حيال ذلك، ولا حتى ياسر الرميان الذي يتعين عليه الامتثال لمطالب آل الشيخ حتى لو تعارضت مع إستراتيجيته الخاصة.

انكماش نيوم

وقالت المجلة: "إن الوقت الحالي ليس الوقت الأفضل بالنسبة لياسر الرميانـ والأحداث الأخيرة أظهرت تآكل نفوذه في هيكل السلطة السعودي"، وفق تحليل رجل أعمال محلي عمل مع الرجلين.

فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، واجهت المشاريع الضخمة التي مولها صندوق الاستثمارات العامة في المملكة تأخرات تراكمت في مشروع "مدينة نيوم" الجديدة.

وانكمش مشروع "ذا لاين" المستقبلي قيد الإنشاء في تبوك بنسبة 98 بالمئة من حجمه الأصلي، من 170 كلم إلى 2.4 كلم. 

وفي بداية عام 2025 جرت عملية تنظيف شاملة لمديري هذه الشركات بهدف الحفاظ على سمعتها، لكن هذه المشاكل قد تشتعل مرة أخرى في أي وقت. 

بينما يفقد أبرز المستثمرين الأجانب في الوقت نفسه صبرهم إزاء وعود صندوق الاستثمارات العامة بالاستثمار المشترك. 

ورغم أن صندوق "بلاك روك" الأميركي صرح لـ "إنتليجنس أونلاين" عن عدم وجود خلاف بينه وبين صندوق الاستثمارات العامة.

إلا أن انزعاج الرئيس التنفيذي لـ "بلاك روك" لاري فينك من محاوريه السعوديين في مؤتمر "دافوس في الصحراء"، الذي عقد في الرياض بين 29 و30 أكتوبر، لم يعد سرا.

ومن المشاكل الكبيرة التي تواجه الرميان أن صندوق الاستثمارات السعودي قد يبيع قريبا حصته البالغة 80 بالمئة في نادي كرة القدم “نيوكاسل يونايتد”.

وبدأ المستشارون الماليون المقربون من الأخوين المساهمين في النادي ديفيد وسايمون روبن في البحث عن مستثمرين ليحلوا محل صندوق الاستثمارات العامة.

لكن الاستثمار في "نيوكاسل"، الذي بدأ في عام 2021، له أهمية رمزية كبيرة بالنسبة لياسر الرميان الذي بذل جهده في الصفقة التي بلغت قيمتها 467 مليون يورو، من صندوق الاستثمارات العامة. 

ولذا، ستكون إعادة بيع النادي بهذه الصورة المستعجلة بعد شرائه بثمن باهظ قبل ثلاث سنوات بمثابة انتكاسة قوية للرميان.

مخاوف وخلافات 

لكن هذه الأزمات الأخيرة لم تكن مستجدة في ظل أزمات أعمق تحيط بالصندوق ومحافظه ياسر الرميان.

ففي 3 يناير 2023، نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، تقريرها المعنون بـ"ولي العهد السعودي يتشابك مع صندوق الثروة السيادي بشأن كيفية استثمار ثروات النفط".

وذكرت أن الأمير أثار حفيظة كبار المسؤولين الماليين في بعض الأحيان، وعلى رأسهم الرميان، لأنه يدفع بمشاريع صغيرة في صندوق الاستثمارات العامة، بما في ذلك صفقات مع جاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب. 

وأشارت الصحيفة الأميركية أن ابن سلمان ضغط بالفعل على إدارة صندوق الثروة السيادي، في الوقت الذي تسببت فيه جائحة كورونا في إصابة الأسواق العالمية بالضعف في أوائل عام 2020، وذلك بعد أن استشعر فرصة رابحة في عملية شراء الأسهم الدولية.

حينها حاول الرميان، إرجاء الخطوة بصفتها محفوفة بالمخاطر، لكنه سرعان ما وجد نفسه محكوما من قبل سلطة أعلى، وهي الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، الذي مرر إرادة ولي العهد، رغم المخاوف المتصاعدة.

ونقلت "وول ستريت جورنال" في مقابلة مع الرميان، أنه في ظل عدم وجود أصول سائلة كافية لإشباع رغبة ابن سلمان في التحرك بسرعة؛ فقد طلب الصندوق من البنك المركزي السعودي منحه عشرات المليارات من الدولارات، على الرغم من مخاوف المسؤولين الحكوميين من أن ذلك قد يقوض ربط العملة المحلية بالدولار، وفقا لما ذكره أشخاص مطلعون على المسألة.

وقالت: إن "الرميان اختار بنفسه العديد من الأسهم التي اشتراها، وتتبع عمليات الشراء بسرعة من خلال لجنة مخصصة تجاوزت قنوات صنع القرار العادية".

ذلك الوضع تحديدا صعد من صراع السلطة على مستقبل سابع أكبر صندوق للثروة السيادية في العالم.

حيث يدير قرابة 600 مليار دولار، حسب ما أكدته "وول ستريت جورنال" عن موظفين حاليين وسابقين ومستشارين وأشخاص آخرين خبراء بالصندوق.

وأشارت الصحيفة الأميركية أن "النتيجة الحتمية لهذا الصراع المكتوم ستؤثر بشكل كبير على مستقبل الاقتصاد السعودي".