إقليم الصحراء بالمغرب ضمن المناطق المرشحة لتهجير فلسطينيي غزة.. حقيقة أم ابتزاز؟

سلمان الراشدي | منذ ٩ أيام

12

طباعة

مشاركة

بعد  إعلان  الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن "أوهام" عزمه الاستيلاء على قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منها، دخلت وسائل إعلام إسرائيلية وغربية على الخط بالحديث عن أن المغرب أيضا وتحديدا إقليم الصحراء من بين المناطق المرشحة لـ"إعادة توطين سكان غزة".

ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني 2025، يروج ترامب لمخطط تهجير فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة، مثل مصر والأردن، وهو ما رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى ومنظمات إقليمية ودولية.

القاسم المشترك

وتحدثت تقارير إسرائيلية، 6 فبراير/ شباط 2025 عن أن الرئيس الأميركي يفكر في نقل سكان قطاع غزة إلى ثلاث مناطق جديدة في خطة بديلة لمصر والأردن.

وبحسب “القناة  12” العبرية، فإن البيت الأبيض يخطط لنقل سكان غزة إلى مناطق صوماليلاند، وبونتلاند والمغرب.

وأضافت أن “صوماليلاند وبونتلاند هما منطقتان داخل دولة الصومال ولا تحظيان باعتراف دولي بصفتهما دولتين مستقلتين، وللمغرب قضية تتعلق بالصحراء”.

واستطردت: “وعليه فإن القاسم المشترك بين ثلاثتها، هو الحاجة الملحّة للدعم من قبل الولايات المتحدة، بحيث ترغب صوماليلاند وبونتلاند في الاعتراف، فيما يسعى المغرب لحلّ قضية الصحراء”.

بالإضافة إلى ذلك، يوجد أغلبية سنية في هذه المناطق الثلاث، وفق تعبير القناة التي لم تذكر مصادر معلوماتها حول الخطة.

وبالموازاة مع تقرير القناة الإسرائيلية، اقترحت صحيفة “واشنطن تايمز” الأميركية على ترامب، نقل الفلسطينيين من غزة إلى إقليم الصحراء.

ورأت المجلة في افتتاحية لإدارتها التحريرية، أن ترحيل الغزاويين إلى الأردن ومصر "فكرة سيئة".

الصحيفة الأميركية اقترحت إعادة توطين هؤلاء الأشخاص في الصحراء، مشيرة إلى أن مساحتها تعادل حجم كولورادو وتتسع للفلسطينيين.

بدوره، قال القنصل العام لإسرائيل في منطقة جنوب غرب المحيط الهادئ بالولايات المتحدة، يسرائيل باشار، إن “المغرب مطروح كوجهة لنقل سكان غزة”. 

وفي تصريحات لقناة “سي بي إن” الأميركية في 6 فبراير، أضاف باشار "لا نتحدث فقط عن خياري مصر والأردن بحسب علمي، فهناك خيارات أخرى أولها المغرب ثم الصومال وبونتلاند".

وأكد أن القرار "ما زال قيد الصياغة، ولم نقف على تفاصيله بعد". 

غير أن صحيفة "هسبريس" المغربية نقلت في 8 فبراير عن مدير مكتب الاتصال الإسرائيلي بالرباط، قوله إن تصريح القنصل العام لإسرائيل في جنوب غرب المحيط الهادئ "غير دقيق تماما" و"تم التراجع عنه".

ولم يصدر أي تعليق لوزارة الخارجية المغربية على هذه التقارير الإعلامية الإسرائيلية والأميركية والتي لم يتم تأكيدها من قبل الجهات الرسمية في واشنطن وتل أبيب.

لكن موقع "زنقة 20" المغربي قال: "مصادرنا ذكرت أن الخارجية المغربية لا تعلق على تقارير إعلامية بل على تصريحات وبيانات رسمية صادرة عن الدول والحكومات والهيئات الرسمية، وبالتالي فإن ما يتم تداوله حاليا يبقى مجرد تقارير صحفية لا ترقى إلى قرارات رسمية تستوجب الرد والتوضيح".

وأضاف في تقرير نشره في 6 فبراير، "رغم ذلك تورد مصادرنا، أن الدبلوماسية المغربية لا يمكن أن تبقى مكتوفة الأيدي، حيث تجري اتصالاتها عبر القنوات الدبلوماسية لاستجلاء حقيقة تلك التقارير".

خطأ إستراتيجي

من جهتها، استنكرت “مجموعة العمل الوطنية من أجل فلسطين”، تصريحات ترامب وخطته لتهجير الفلسطينيين من أرضهم، ودعت إلى تصعيد الاحتجاج الشعبي ضد المشروع الأميركي.

وأكدت الهيئة المدنية في بيان على أن "جريمة التطبيع، بين المغرب وإسرائيل، شجعت الصهاينة على تنفيذ مخططاتهم".

ودعت في ضوء "المؤامرة الجديدة المسؤولين في المغرب وكل البلدان التي طبعت، إلى إنهاء كل أشكال العلاقات وفرض عزلة شاملة على الكيان الصهيوني".

فيما قال المدون المغربي عماد أفيلال إن "أكبر خطأ إستراتيجي قامت به الدولة المغربية هو الاستقواء بأميركا للاعتراف بالصحراء المغربية وهي الآن تحصد النتائج". 

وأضاف أفيلال عبر فيسبوك في 7 فبراير، "ها هي الآن الأفعى أميركا تأخذ القضية كابتزاز ضد المغرب للقبول بشروط تعجيزية تمس أمنه الاجتماعي والقومي، بدأتها بمطالبة المغرب بالتطبيع مع إسرائيل مقابل اعتراف كلتا الدولتين بالصحراء المغربية".

وتابع: "الآن ظهر ابتزاز آخر وهو تهجير سكان غزة مقابل الاستمرار في ذلك الاعتراف، وغدا سيظهر ابتزاز آخر، ناهيك عن الامتيازات التي أخذتها واشنطن في الصحراء وفي مجال بيع الأسلحة لتصبح هي المورد الرئيس للمغرب".

وفي السياق، ندد نشطاء مغاربة في وقفة احتجاجية نُظمت أمام مقر البرلمان بالعاصمة الرباط، في 7 فبراير، بمخطط ترامب الرامي إلى تهجير الفلسطينيين من غزة.

وفي كلمة له خلال الوقفة، انتقد منسق "المبادرة المغربية للدعم والنصرة"، رشيد فلولي، الموقف الرسمي المغربي.

وقال فلولي: "مع كامل الأسف هناك صمت مطبق، لم نجد للموقف الرسمي من مشروع ترامب الصهيوني للتطهير العرقي أي صدى".

ورأى أن "الرد على مخطط ترامب والصهاينة هو الإعلان رسميا عن وقف التطبيع وإغلاق مكتب الاتصال".

وأضاف فلولي أنه "من الواجب على الدولة المغربية أن تخرج عن صمتها وتعلن عن وقف التطبيع".

وفي ديسمبر/ كانون الأول 2020، استأنف المغرب وإسرائيل علاقتهما الدبلوماسية بوساطة أميركية، مقابل اعتراف كل من الولايات المتحدة وإسرائيل بسيادة المملكة على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة "البوليساريو".

وأثار استئناف العلاقات مع إسرائيل رفضا في قطاعات شعبية وقوى سياسية في المملكة، وزار مسؤولون إسرائيليون الرباط، لكن الزيارات توقفت مع بدء العدوان على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

أما الحقوقي نوفل بعمري، فيرى أن خبر تهجير سكان غزة نحو المغرب "لا يعدو كونه إشاعة".

وشدد بعمري لصحيفة "القدس العربي" في 9 فبراير، أن "العملية مقصودة وذات هدف واضح يتجلى في الضغط على المغرب الرسمي".

مساومة وابتزاز

وقال الكاتب يونس مسكين: “يبدو أن احتفاظ المغرب بعلاقاته الرسمية مع إسرائيل قائمة، رغم الإبادة التي شنّتها على الفلسطينيين، وضدا على الموقف الشعبي الذي عبّرت عنه المسيرات والوقفات طيلة شهور العدوان؛ (كل هذا) لن يحميه من شهوة الابتزاز والافتراس التي تستبد بدولة الاحتلال”.

وأضاف مسكين متسائلا في مقال نشره عبر موقع "صوت المغرب" في 6 فبراير: "لماذا المغرب وصوماليلاند وبونتلاند؟ حاولت أن أجد قاسما مشتركا بين المغرب والمنطقتين الصوماليتين، فلم أجد سوى عنصر الانفصال". 

وأوضح أن "كل من صوماليلاند وبونتلاند تسعيان إلى الانفصال عن الصومال، والإعلان من داخل إسرائيل عن فكرة نقل فلسطينيين إليهما لن يعني سوى المساومة والابتزاز، أي قبول الخطوة في مقابل تمكينهما من الانفصال".

واستطرد: "أما لماذا المغرب في هذه الخانة؟ فالجواب يبدو بسيطا، المقابل هو العكس تماما، بما أن هناك مشروعا للانفصال مزروع في خاصرة المغرب، فإن المقابل الذي يُفهم من هذه المساومة هو الاعتراف بالوحدة الترابية ومنع حدوث الانفصال في الصحراء.

واستدرك: “لكن هذه المساومات الإسرائيلية الرخيصة لا يمكن أن تُقرأ خارج سياق التصريحات الصادمة والمستفزة التي أدلي بها ترامب، هناك عملية جسّ نبض المغرب والدول العربية الأخرى، عبر تقنية إطلاق بالونات الاختبار ثم دراسة ردود الفعل الرسمية والشعبية، المحلية والإقليمية والدولية".

وتابع مسكين قائلا: “خلاصتنا الأساسية، كمغاربة، من هذه المعمعة، أن العلاقات مع إسرائيل لن تكون يوما سمنا على عسل مهما قدّمنا من تنازلات.. والحضور الأميركي في هذه العلاقات سيف ذو حدّين، قد يخدمنا أحيانا وقد يهدّد بذبحنا في أخرى”.

بدوره، قال الكاتب رشيد بن كيران: "إذا كانت فكرة التهجير القسري لسكان غزة تبدو شبه مستحيلة، نظرا لرفض الغزيين أنفسهم لها، إلى جانب رفض الدول المقترحة لاستقبالهم، بل وحتى رفض معظم القوى المؤثرة في المشهد العالمي، فإن من يروّج لهذه الفكرة يدرك تماما استحالة تنفيذها". 

ورأى ابن كيران في مقال نشره عبر موقع "هوية بريس" المغربي أن "الأرجح أن الأمر ليس سوى تكتيك تفاوضي قائم على الابتزاز، يهدف إلى تحقيق مطلب آخر، يبدو للوهلة الأولى أقل تطرفا من التهجير القسري الجماعي، لكنه في الواقع مطلب خطير وممكن التوقيع وفق رؤية من يقف وراء الفكرة".

وأوضح أن "هذا المطلب يتمثل في إرغام الدول العربية على تحمل تكاليف الحرب، أو بمعنى أكثر دقة، إلزامها بتغطية الخسائر الهائلة التي تكبدتها إسرائيل، سواء من حيث نفقات الحرب، أو تدهور اقتصادها، أو حتى إعادة إعمار ما دمرته في قطاع غزة". 

واستطرد: "لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يشمل أيضا تصفية المقاومة المسلحة في القطاع عبر إبعاد عناصر حماس ورجال المقاومة خارج غزة، أي تهجيرهم منها".

وختم ابن كيران بالقول: "يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن للحكام العرب أن يدركوا طبيعة هذا الابتزاز، ويتعاملوا معه وفق رؤية إستراتيجية تحمي المصالح الحقيقية للوطن العربي ومصالح الشعب الفلسطيني، بدلا من الرضوخ لسياسات فرض الأمر الواقع؟".