"تحالف ما بعد الدولة".. كيف يندمج الذكاء الاصطناعي الأميركي مع المال الخليجي؟

منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الرياض منتصف مايو/ أيار 2025، تحولت من مجرد جولة سياسية إلى لحظة مفصلية في إعادة تشكيل النظام العالمي، حسب وصف موقع "أتلانتيكو" الفرنسي. 

حيث اجتمع ترامب وولي العهد السعودي محمد بن سلمان مع قادة شركات تكنولوجية كبرى مثل "OpenAI" و"Tesla" و"Nvidia"، لإطلاق تحالف تكنولوجي جديد يربط الولايات المتحدة بالخليج.

ويكشف الموقع أن القمة أسست لما يُعرف بـ "تحالف ما بعد الدولة"، حيث يندمج الذكاء الاصطناعي ورأس المال بعيدا عن الأطر الديمقراطية. 

ويضيف الموقع أنه أُعلن عن استثمارات تفوق 600 مليار دولار، تشمل صفقة دفاعية ضخمة وتسليم شرائح ذكاء اصطناعي إلى السعودية، في إشارة إلى تحولها إلى مركز رقمي عالمي.

"وفي هذا المشهد، يظهر ترامب كمروج لنموذج الحكم الخليجي القائم على السرعة والسلطة المركزة، بعيدا عن مفاهيم الشفافية وحقوق الإنسان"، حسب التقرير الفرنسي. 

كذلك يؤكد الموقع أن هذه اللحظة قد تمثل بداية "عصر الإدراك الجديد"؛ حيث تصبح البيانات والتكنولوجيا والسلاح أدوات الهيمنة. كما يبرز الخليج، خصوصا السعودية، كمركز لهذا النظام العالمي الموازي.

مشهد استثنائي

في 13 مايو/ أيار 2025، اختار ترامب الرياض لتكون وجهته الدولية الأولى بعد عودته إلى الرئاسة، في خطوة وصفها الموقع بأنها "رمزية"، مشيرا إلى أنها "تمثل تكرارا لما فعله في ولايته الأولى، عام 2017، لكنها تحمل هذه المرة أبعادا أعمق". 

وعلى حد قول الموقع الفرنسي: "كان المشهد استثنائيا، إذ رافقت طائرته طائرات حربية، كما كان استقباله ملكيا رسميا في حضور ولي العهد محمد بن سلمان شخصيا".

واستدرك التقرير: "لكن لم يكن الحدث الحقيقي في المظاهر، بل فيما جرى خلف الكواليس". 

وأردف: "ففي قاعة فاخرة، اجتمع قادة أكبر شركات التكنولوجيا والتمويل في العالم؛ مثل "OpenAI" و"Nvidia" و "Amazon" و"Tesla" و"Palantir" و"BlackRock"، ليس لحضور قمة دبلوماسية، بل لجلسة تنسيق لقوة جديدة تتجاوز الدولة، للتحكم بالوصول والتصميم والحوسبة".

وهذه القوة، والتي أسماها الموقع بقوة "ما بعد الدولة"، لا ترتكز على مؤسسات ديمقراطية أو حدود، بل على بنى تحتية تكنولوجية عالمية يديرها تحالف خاص وبروتوكولات غير رسمية، حسب ما أوضح التقرير. 

وفي إطار هذا المشهد، يبرز الموقع أن "ما حدث في الرياض لم يكن حدثا عاديا، بل لحظة مفصلية رسمت ملامح محور جديد للسلطة العالمية بين الحوسبة ورأس المال والحكم الخفي، إيذانا ببداية عصر جديد لا رجعة فيه".

ومن جهة أخرى، يلفت الموقع إلى أنه "في بعض الأحيان، لا بد من ترجمة الأرقام إلى لغة الجغرافيا السياسية لفهم دلالاتها الحقيقية". 

وتابع: "وبقول آخر، ما جرى في الرياض لم يكن مجرد ممارسة دبلوماسية تقليدية، بل نقطة تحول إستراتيجية". 

وأكمل: "ففي غضون 24 ساعة فقط، أعلنت السعودية عن استثمارات متبادلة تتجاوز 600 مليار دولار مع الاقتصاد الأميركي، من ضمنها صفقة دفاعية تاريخية بقيمة 142 مليار دولار، وهي الأضخم على الإطلاق بين البلدين".

لكن ما هو أبعد من هذه الأرقام، بحسب الموقع الفرنسي، هو "التمدد الصامت لمحراب تكنولوجي جديد يلفت الانتباه؛ وهي شحنة غير مسبوقة من شرائح الذكاء الاصطناعي من الجيل الأحدث".

وبالرغم من أن هذه الشرائح كانت حتى الآن محصورة في المراكز الإستراتيجية الأميركية، يلفت الموقع إلى أنها "ستُسلم إلى الرياض، لتجهيز مركز حيوي تحت مظلة تحالف ثنائي". 

وبذلك، يقول "أتلانتيكو" إنه "من خلف هذه الأرقام الهائلة، تتشكل جغرافيا جديدة للنفوذ، لا تقوم على السيطرة على الأرض، بل على تدفقات البيانات وقوة المعالجة الحسابية".

وفي هذا السياق، ينوه الموقع أنه "ليس من قبيل المصادفة أن ترافق هذه الإعلانات تصريحات من إيلون ماسك حول نشر سيارات الأجرة الآلية من (تسلا) في المملكة، مع ترحيبه برفع القيود عن خدمة (ستارلينك)".

وأضاف: "وليس من قبيل المصادفة أيضا أن يجتمع سام ألتمان وجينسن هوانغ وأليكس كارب -كل منهم يمثل طبقة من طبقات القوة الخوارزمية الحديثة- في المكان والزمان نفسيهما، من دون بيان رسمي".

وفي هذا الصدد، يؤكد الموقع أن "كل المؤشرات تدل على أن الرياض لم تعد تكتفي بتمويل الابتكار، بل أصبحت مستضيفته وحاضنته، وربما قريبا مركزه الرئيس".

في خطابه يوم 13 مايو/ أيار 2025 في الرياض، تجاهل دونالد ترامب الحديث عن حقوق الإنسان أو الديمقراطية أو استقرار الشرق الأوسط على المدى الطويل، وفق ملاحظة التقرير.

وبدلا من ذلك، يذكر الموقع أنه "أثنى على محمد بن سلمان لفعاليته وحداثته وقدرته على التفكير العميق".

ومن ناحية أخرى، ينقل الموقع أن "ترامب أعرب عن إعجابه بنموذج الحكم الخليجي الذي يعتمد على تركيز السلطة وسرعة التنفيذ وغياب الرقابة والتفاهم الضمني بين رأس المال والرؤية السياسية".

ولم يكتف باستلهام هذا النموذج، بحسب ما يقوله الموقع، بل استند إليه ووسعه، إذ شكل اللقاء في الرياض نقطة اندماج بين "أمير مستنير" و"رئيس يُعاد إليه دور الملك"، حسب تعبير الموقع الفرنسي.

وعلى حد وصف "أتلانتيكو": "كان خطاب ترامب عرضا اقتصاديا–سياسيا متميزا، حيث أثنى على كبار قادة التكنولوجيا مثل جنسـن هوانغ، وامتدح شركات أميركية كـ (Apple) و(Nvidia) و(Amazon)".

ويرى أن "الرياض خصوصا تعد مركزا للعصر الذهبي التكنولوجي المدعوم بالذكاء الاصطناعي ومعالجات الرسوميات ومراكز البيانات، والخليج عموما المسرح المثالي لتقليل اللوائح وتسريع التنفيذ".

ومن جانبهم، يرى المحللون في الخطاب تحولا إستراتيجيا يطرح رؤية لعالم جديد تحل فيه رؤوس الأموال والابتكار محل الدبلوماسية. كما تقدَّم الرياض كنموذج لنظام عالمي جديد يستبدل النزاعات بالصفقات والتوترات بالتكنولوجيا. 

وهنا، يسلط الموقع الفرنسي الضوء على أن "تحالف الرياض-واشنطن ليس مجرد قمة دبلوماسية، بل توافق منهجي بين سيولة السعودية وطموحها مع القدرات والأسلحة الأميركية، متجاوزين القيم والتردد الأوروبي".

وهذه اللحظة -بحسب الموقع- "لا تعني عودة أميركا، بل تحولها إلى نمط عمل ما بعد أيديولوجي قائم على الصفقة والتكتيك والواقع، دون أفق للقيم المشتركة".

غياب أوروبي وصمت صيني

ومن ناحية أخرى، يشير الموقع الفرنسي إلى أن "قمة الرياض لم تكن كاشفة لما يجرى على أرض الواقع فقط، بل إنها أبرزت كذلك من يغيب عن تشكيل مستقبل العالم".

وتابع: "فمن جهة، كانت أوروبا غائبة تماما، إذ لم يحضر أي قائد سياسي أوروبي أو أي من عمالقة التكنولوجيا الرقمية في القارة، أو حتى الشركات الكبرى في الطاقة والطيران". 

ومن وجهة نظر الموقع: "لم يكن هذا الغياب اختيارا، بل يعكس تراجعا بنيويا". 

وأردف: "فبينما تظل أوروبا تركز على التنظيم وقوانين الذكاء الاصطناعي والقيم الديمقراطية، فإن واقع القوة تغير ليُقاس بوحدات القدرة الحوسبية، وبالدمج بين الذكاء الاصطناعي والدفاع، وبصفقات ضخمة بين المهندسين وقادة الدول". 

ولذلك، يمكن القول: إن "أوروبا لم تغب فقط عن القمة، بل عن الدخول إلى عصر السيادة الإدراكية الحقيقية، مما يجعلها تعتمد على تقنيات لا تنتجها ولا تنشرها".

"وبذلك، تقع أوروبا تحت ما يهدد سيادتها ويحولها إلى متلق لتقنيات أخرى تحكم أدواتها الإدراكية"، وفق ما ورد عن الموقع الفرنسي.

ومن جهة أخرى، ينوه الموقع إلى أن "الصين لم تكن حاضرة بشكل مباشر في الرياض، لكن تأثيرها كان واضحا". 

إذ يمثل نموذج "DeepSeek R2"، الذي لم يُنشر للعموم بعد، تقدما كبيرا في تقنيات الذكاء الاصطناعي بما يتجاوز النماذج الحالية. 

وفي رأي الموقع: "فإن الصمت الصيني هو إستراتيجية متعمدة، حيث تعمل الصين بهدوء من خلال أنظمة اختبار وجامعات ومستودعات برمجية".

"وفي المقابل، يسعى ترامب ومحمد بن سلمان لمواجهة هذا التحول نحو قطب آسيوي سيادي وقادر على تطوير ذكاء عام اصطناعي في بيئة مغلقة"، حسب ما ذكره التقرير.

وفي خضم هذا المشهد، تبرز "أتلانتيكو" أن ما كان يُنظر إليه طويلا على أنه هامش -منطقة تحتاج إلى تمويل أو استقرار أو تأثير- يتحول تدريجيا إلى مركز البنية التحتية الإدراكية العالمية". 

وأردف: "إذ لم تعد منطقة وادي السيليكون هي من تغذي العالم، بل أصبحت الرياض هي الأكثر نشاطا في الوقت الحالي". 

وبالإشارة إلى أن "السعودية باتت تستضيف وتنظم وتهيكل"، يؤكد الموقع على أنها "تتحول إلى واحدة من الأراضي النادرة في العالم التي تدمج في مكان واحد القدرة الحوسبية ورأس المال والإرادة السياسية والقدرة على التوسع".

وفي هذا السياق، يسلط الموقع الضوء على أن "مشروع (نيوم) -مشروع المدينة المستقبلية الذي أعلن عنه ابن سلمان في إطار رؤية السعودية 2030- لم يعد يمثل يوتوبيا مستقبلية بخيال تقني ضبابي". 

وهذا التحول -على حد قول الموقع- ليس تقنيا فقط، بل يحمل دلالة جيو-رمزية. 

واختتم بالقول: "ففي حين تنشغل أوروبا بالتنظيم، وتحتفظ الصين بتقنياتها في قوالب مغلقة، فإن محور الرياض–تكساس يُنتج السلطة".