"العمال الكردستاني" يلقي السلاح طوعا ويوثق الحدث في السليمانية.. وناشطون: انتصار لأردوغان

منذ ٥ ساعات

12

طباعة

مشاركة

في واحدة من أبرز المتغيرات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وأوراسيا، بدأ عناصر من حزب العمال الكردستاني الذي تصنفه تركيا وحلفاؤها الغربيون "منظمة إرهابية"، تسليم أسلحتهم في مراسم قرب السليمانية بإقليم كردستان العراق.

وأحرق في 11 يوليو/تموز 2025، 30 مقاتلا من حزب العمال الكردستاني بينهم أربعة قادة، سلاحهم خلال مراسم في إقليم كردستان العراق، وذلك بعد شهرين من إعلان المقاتلين الأكراد إنهاء أربعة عقود من النزاع المسلّح ضد الدولة التركية.

وكان الحزب الذي أسسه عبدالله أوجلان في نهاية سبعينيات القرن المنصرم، أعلن في 12 مايو/أيار 2025، حلّ نفسه وإلقاء السلاح، منهيا بذلك نزاعا تسبب لفترة طويلة في توتر علاقات السلطات التركية مع الأقلية الكردية والدول المجاورة.

وجاءت الخطوة استجابة لدعوة أطلقها أوجلان في 27 فبراير/شباط من سجنه في جزيرة إيمرالي قبالة إسطنبول والمعتقل فيه منذ 1999، في أعقاب مفاوضات غير المباشرة بينه وبين الحكومة التركية برعاية الرئيس رجب طيب أردوغان، منذ أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وأعلنت "مجموعة السلام والمجتمع الديمقراطي" وهي أول فصيل من حزب العمال الكردستاني يلقي سلاحه، أنها أتلفت أسلحتها بإرادتها "الحرة" خلال المراسم التي أُقيمت في كهف "جاسنه" بمحافظة السليمانية، وذلك استجابة لنداء زعيم الحزب أوجلان.

وقالت قناة "رووداو" الكردية، في بيان: "تعبيرا عن نيتنا الحسنة، وعن عزمنا الصارم من الآن فصاعدا في خوض نضال الحرية والديمقراطية والاشتراكية عن طريق السياسة الديمقراطية والسبل القانونية، وتأسيسا على سنّ قوانين التكامل والاندماج الديمقراطي؛ فإننا نقوم، بإرادتنا الحرة، وبحضوركم جميعا، بإتلاف أسلحتنا".

وأشار مراقبون إلى أن مراسم نزع السلاح "تمثل نقطة تحول" في انتقال حزب العمال الكردستاني من التمرد المسلح إلى السياسة الديمقراطية، في إطار جهود أوسع لإنهاء أحد أطول الصراعات في المنطقة، الذي خلّف أكثر من 40 ألف قتيل منذ 1984.

من جانبه، عبر الرئيس التركي عن أمله في أن يؤدي بدء تسليم مسلحي حزب العمال الكردستاني أسلحتهم إلى أمن البلاد وسلام دائم في المنطقة.

وقال: "نسأل الله أن يوفقنا في تحقيق أهدافنا على هذا الطريق الذي نسلكه من أجل أمن بلدنا وسلام أمتنا وإرساء سلام دائم في منطقتنا".

من جهتها، رحّبت وزارة الخارجية العراقية ببدء حزب العمال الكردستاني تسليم السلاح، معتبرة أنه "تطور مهم يجسد بداية لمسار نزع سلاحه".

وتجدر الإشارة إلى أن حزب العمال الكردستاني تصنفه تركيا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي "تنظيما إرهابيا محظورا".

والحزب هو جماعة مسلحة نشأت جنوب تركيا أواخر سبعينيات القرن العشرين، وهي حركة انفصالية تسعى لإقامة ما تسميه "دولة كردستان الكبرى المستقلة"، تجمع بين الأفكار القومية الكردية ومبادئ الاشتراكية الأممية، ومنذ بدأ تمرده المسلح عام 1984 قُتل أكثر من 40 ألف شخص.

وعبر الحزب منذ تأسيسه في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1978 من محطات عديدة، تأرجح فيها صراعه مع الدولة التركية بين المواجهة العسكرية ومساعٍ للتسوية وإحلال السلام، كما شهد مساره التاريخي تحولات جوهرية لامست نهجه الفكري وأحدثت تغييرا في مواقفه تجاه القضايا والأحداث التي عايشها.

وأعرب ناشطون على منصات التواصل الاجتماعي عن سعادتهم بإلقاء عناصر "العمال الكردستاني" أسلحتهم بعد حرب استمرت لأربعة عقود مع الدولة التركية وذهب ضحيتها آلاف الضحايا من الطرفين، مشيدين بإنهاء الحزب لتمرد وتدميره لسلاحه.

وتداولوا عبر تغريداتهم وتدويناتهم على منصتي "إكس" و"فيسبوك" ومشاركتهم في وسوم عدة أبرزها #حزب_العمال_الكردستاني، #أردوغان، #الكردستاني #تركيا، صورا ومقاطع فيديو لمشاهد من السليمانية لحظة تسليم عناصر وقيادات حزب العمال سلاحهم، وإتلافه بالحرق بوضعه في قدر تُضرم فيه النار أو بدفنه ضمن آلية تسليم السلاح.

وبرزت تعليقات الناشطين على الحدث من مختلف الدول العربية وتمنيات بأن تحذو مختلف الأحزاب وحركات التمرد المشابهة لحزب العمل الكردستاني النهج ذاته وتسلم سلاحها وتعمد للدخول لساحة السياسة، وتنهي عقود التمرد وتتجه إلى الساحة السياسية وتبدأ سلاما مستداما. 

حفاوة وإشادة

وحفاوة وإشادة بتخلي حزب الحزب الكردستاني عن سلاحه، قال المحلل السياسي أبو طالب المالكي: "فصل من الفصول الأخيرة للسلاح انتهى، لتبدأ رواية السلام التركية".

وأشار إلى أنّ "في السليمانية اصطف ثلاثون مسلحا ومسلحة من حزب العمال الكردستاني في مشهد رمزي يعبر عن تخلّيه عن سلاحه؛ والتحول نزولا عند رغبة زعيمه التاريخي أوجلان إلى العمل السياسي والمشاركة الديمقراطية في تركيا".

وأوضح فائق الشيخ علي أن "تسليم سلاح حزب العمال الكردستاني (الكردي-التركي) اليوم يعني هزيمة لـ47 سنة من النضال المسلح، وهزيمة لزعيمه أوجلان، وهزيمة لفكره وعقيدته، وهزيمة لإيران التي ظلت تدعمه!".

وعد الحدث نصرا كبيرا ومهما لتركيا، ونصرا للحزب الديمقراطي الكردستاني (الكردي-العراقي) ولزعيمه مسعود البرزاني.

وعلقت الصحفية آلا جول، على خبر إحراق حزب العمال الكردستاني لسلاحه، قائلة: "نهاية الكردستاني".

وعرضت صور للقطات عدة توثق لحظة إلقاء أعضاء الحزب أسلحتهم، مؤكدة أنها "أول خطوة عملية نحو تركيا خالية من الإرهاب".

رمزية الحدث

وعن دلالات إحراق حزب العمال السلاح بدلا من تسليمه للدولة والرسالة المستهدف إيصالها من وراء ذلك، استنكر عرفان ناجي، اختيار مقاتلي حزب البي كاكا حرق أسلحتهم بدل تسليمها للدولة التركية، كما طُلب منهم في إطار الضغوط السياسية والعسكرية الأخيرة.

وأكد ناجي أن "هذه ليست مجرد حركة ميدانية، بل فعل سياسي بامتياز، يُحمّل النار لغة ورسالة".

وأوضح أن حرق السلاح، في هذا السياق، ليس تدميرا لأداة، بل رفضا للهزيمة النفسية، قائلا: "أن تُسلِّم سلاحك لخصمك هو أن تعترف له بالسيادة، أن تمنحه نصرا دعائيا مجانيا، وأن تُنزَع منك الكرامة مرتين: مرة بالمغادرة، وأخرى بالتسليم، لكن حين يُحرَق السلاح، فالمعنى مختلف تماما".

وأشار ناجي إلى أن المعنى هنا هو رسالة من الحزب مفادها "لن ترفعوا سلاحنا كغنيمة، ولن تكتبوا تاريخنا كاستسلام.. نحن من أنهى هذه المرحلة، بيدنا وبقرارنا"، لافتا إلى أن هذا الفعل يُخاطب الخصم السياسي برسالة مفادها: "قد ننسحب، لكننا لن ننكسر". 

وبين أن الفعل يخاطب الأنصار والمؤيدين برسالة أخرى مضمونها: "كرامتنا محفوظة، حتى ونحن نغادر"، مؤكدا أن ما فعله مسلحو حزب العمال الكردستاني هو تحويل لحظة الانسحاب إلى لحظة مقاومة رمزية، وتجريد "للعدو" من نشوة الانتصار الكامل. 

وأوضح كمال ديب أن “رمزية تسليم السلاح في السليمانية أنها على الحدود الإيرانية وأن السليمانية تقع في الجنوب الشرقي لمدينة أربيل العاصمة الإقليمية لكردستان العراق، وأن امتداد الشعب الكردي يذهب شرقا من شمال العراق إلى داخل إيران، وشمالا إلى داخل تركيا، وغربا إلى شمال سوريا”.

وأشار إلى أن "أهمية الأمر أن المقاومة الكردية المسلحة ضد الجيش التركي في محافظات شرق الأناضول ربما انتهت بعد أكثر من أربعين عاما من النضال".

وتوقع ديب، أن "يتيح ذلك للجيش التركي أن يدخل بسهولة مناطق شرق الأناضول لأول مرة منذ أواسط الثمانينيات فَيَصِل حتى حدود إيران وشمال العراق بدون اعتراض، وأن ترتاح تركيا في شرقها وتركز على شمال سوريا في حلب ومنبج فيقوى ساعدها ونفوذها على من يحكم في دمشق ويُضعف نفوذ السعودية والخليج".

كما توقع أن يعطي تسليم حزب العمال الكردستاني لسلاحه مقابل وعد بالمشاركة في سلطة تركيا، وكأنه نموذج للمقاومات في لبنان وفلسطين والعراق بأن تحذو هذه المقاومات حذو حزب العمال الكردستاني وتسلّم أسلحتها. 

ورجح ديب اشتداد الضغط على أكراد سوريا ليفعلوا نفس الأمر، فتسلّم قسد (قوات سورية الديمقراطية) التي تدعمها الولايات المتحدة، أسلحتها".

وعد رمضان خلف، ما فعله حزب العمال الكردستاني إنجازا جديدا لأردوغان وحكومته، مباركا للشعب التركي حقن الدماء، وموجها التحية لقائد حزب العمال، ولأي إنسان يوقف القتل.

جرائم الكردستاني

وتذكيرا بجرائم الحزب، أكد أمير عبدالمنعم، أن الحركة الانفصالية الكردية كانت أداة في يد القوى الدولية لخدمة إستراتيجيات خارجية ضد تركيا، ولم تكن يوما لصالح الأقلية الكردية التي تشكل 20 بالمئة من إجمالي الشعب التركي الذي يصل تعداده 85 مليونا. 

وقال: إن الخطوة مهمة، تقوي الجبهة الداخلية التركية، وتشكل ضربة كبيرة لمخططات التفتيت التي تتعرض لها المنطقة. 

وأضاف عبدالمنعم: "في انتظار أن يحذو أكراد سوريا حذو أكراد تركيا ويعلنون التوقف عن الدور التخريبي الذي مازالوا يلعبونه ضد وحدة الدولة السورية"، عارضا صورة لأعضاء حزب العمال الكردستاني وهم ينزلون من الجبال في السليمانية لتسليم أسلحتهم.

ورفض قيس قاسم إبداء البعض تعاطفهم مع حزب العمال أو الترويج لخطوته على أنها نقطة تحسب لصالحه، مذكرا بأنه حزب غير عراقي، ويعمل انطلاقا من الأراضي العراقية، و"العمل" المعني بالتأكيد ليس بيع الآيس كريم، إنما عمل مسلح، ربما يكون ذا أهداف "نضالية"، إلا أنه ضد القانون والدستور العراقي.

وتهكم قائلا: "إذا جنابك رايح الى السليمانية في زيارة سياحية، واتجهت الى مصيف دوكان الجميل، ففي منتصف الطريق، سيكون هناك تفرّع على اليمين، يؤدي إلى ما يسمى مواقع حزب العمّال الكردستاني".

وأضاف قاسم، أن الحزب لا يعترف بالأصل، لا بالعراق كدولة، ولا بإقليم كردستان كإقليم فيدرالي ضمن العراق، ولا بحكومة الإقليم، ولا بالدستور العراقي، مذكرا بأنه حزب محظور، بالنسبة للقوانين العراقية.

وأشار إلى أن جهاز الأمن الوطني العراقي، سبق وتقدم بطلب إلى القضاء بحل أحزاب صورية هي واجهة لحزب العمال الكردستاني، وقد جرى حظرها وحلّها بالفعل، كما أن أعضاء هذا الحزب، لا تنطبق عليهم صفة (المواطن العراقي) بالأصل.

وعد إحراق بضع بنادق "فعلا دعائيا" لكنه فعل مخالف أيضا، كون إلقاء السلاح، يجب أن يكون لصالح السلطة الشرعية التي تحكم الأرض، وهي في هذه الحالة سلطات حكومة إقليم كردستان العراق، أو السلطات الفيدرالية.

ورأى قاسم سيف، أن الحزب "استحق هذه النهاية التي اختزل فيها نضاله الزائف في حاويات النفايات".

وأشار إلى أن بعد سنوات من الدماء والوعود الكاذبة، انتهى الأمر بتسليم السلاح في مشهد استعراضي سخيف يفضح حقيقة أن كفاحهم لم يكن سوى وهم أضعف القضية الكردية وأساء إليها أمام العالم. 

وأكد سيف أنها نهاية مستحقة لتنظيم لم يتردد في إسكات كل صوت مخالف، وقمع أبناء شعبه بأساليب قمعية شوّهت صورة القضية التي ادعى تمثيلها.

وعرض عبد الستار القيصاري، مشهد خروج أفراد حزب العمال من الجبال، قائلا: "هؤلاء الإرهابيون المسلحون هم حزب العمال الكردستاني في إقليم كردستان العراق يقومون بتسليم سلاحهم بحجة الإذعان لقرار أوجلان في حين منذ البارحة وهم يدخلون إلى سوريا".

وأوضح أن أفراد الحزب الكردستاني يدخلون سوريا من المعابر التي بينها وبين إقليم كردستان العراق بهدف الانضمام إلى قسد، محذرا من أن "الجزيرة السورية أصبحت مركز حزب العمال الكردستاني الإرهابي".

مشهد مماثل

وإعرابا عن الأمل في أن تشهد الدول العربية مشهدا مماثل لاستسلام الحركات المتمردة، تمنى الصحفي سمير العركي، أن تفتح المصالحة التاريخية مع العمال الكردستاني الباب أمام مصالحات مماثلة في عالمنا العربي. 

وحث على “التخلي عن الإيديولوجيات الجامحة الزاعقة التي تفسد العقل وتحول بينه وبين قراءة الواقع قراءة سليمة وصحيحة”، داعيا لإحسان قراءة المشهد الإقليمي جيدا فالتنظيمات العابرة للحدود فات زمانها وانتهت صلاحيتها، خاصة تلك التي اختُبرت في مجال الحكم وفشلت.

كما طالب العركي حكومات المنطقة بأن تدرك أن الإصلاحات الداخلية وفتح المجال العام أدوات مهمة لتخفيف الاحتقان الداخلي.

وقال: إن "هذا المشهد الذي رأيناه اليوم في السليمانية لم يكن يخطر في ذهن أحد قبل عدة أشهر، لكنه أصبح اليوم واقعا عندما توفرت الإرادة. فالمهم أن يتم أخذ الخطوة الأولى".

وأعرب أحد المدونين عن سعادته بقرار العمال الكردستاني، قائلا: "القناعة أن التمرد المسلح لا يبني دولة ولا يوفر الحياة الكريمة ولا يعيد الحقوق للشعوب، وأن السلمية والحوار هو السبيل الوحيد لنيل كل الحقوق، وهو السبيل الوحيد لبناء دولة".

كما أعرب عن أمله أن "تأخذ المليشيات المتمردة في مالي دروسا من حزب العمال الكردستاني".

ورأت صفاء خليل، أن رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان وزعيم مليشيا الدعم السريع محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي المتصارعان، "يحتاجان إلى مشهد رمزي وقرار تاريخي جريء مشابه لما فعله حزب العمال الكردستاني".

وقالت: "بدل الجيش والدعم السريع يدفنون الشعب الأحسن هم كمان يدفنون السلاح.. بدل العنتريات".

سيناريو "أوزال"

وتحت عنوان "هل ينجو أردوغان من مصير تورغوت أوزال"؟ وصف الصحفي أحمد درويش، إعلان العمال الكردستاني حلّ نفسه وإقدامه على خطوة تسليم سلاحه، بأنها خطوة "تاريخية" سينتج عنها إنهاء صراع دموي مسلح استمر لأكثر من 40 عاما.

وأشار إلى أن المؤشرات والتسريبات الصادرة من الدوائر القريبة من أردوغان تتحدث عن أنه سيتخذ قرارا يُشبه القرار الذي سعى إليه الرئيس الراحل تورغوت أوزال وما حاول فعله في التسعينيات؛ حيث بدأ حوارا مع الأكراد لدمجهم في مؤسسات الدولة وإقامة تحالف يقوّي الدولة ومن ثم يستنهض الأمة بأكملها.

ولفت درويش إلى أن أوزال بعد أيام قليلة من بدء هذا الحوار توفي بشكل مفاجئ وفي ظروف غامضة، مذكرا بأن من ضمن ما كتبه عدد من المؤرخين الأتراك -ومنهم المؤرخ الكبير قدير مصر أوغلو- أنه قيل إن أوزال دفع ثمنا لمحاولته دمج الأكراد ضمن "الهوية التركية" الجديدة للبلاد.

وقال: "لذلك يذهب الكثير من المحللين والمراقبين للمشهد إلى أنه ربما نرى إحياء جديدا لنفس المشروع غدا، ولكنه هذه المرة سيكون على يد أردوغان.

وأكد أنه بحسب المؤشرات فإن أردوغان سيحاول عبر خطاب وضع اللبنات الأولى لبناء مشروع يقوم على تصحيح مسار "أمة" لا مجرد "دولة".

وأضاف درويش، أن هذا المشروع يقوم على دمج الأتراك والأكراد ضمن هوية "أناضولية" جديدة تنطلق من مبادئ الأمة المسلمة لكي تتجاوز حدود "القومية" الضيقة التي تعوّد وتربى عليها كل منهما.

وبذلك يتم إعادة تشكيل الدولة التركية بكل مكوناتها وأعراقها وأجناسها على أساس مشترك تجمعه معايير "الدين والثقافة والحضارة والإنسانية". 

وأكد درويش، أن التحدي الأكبر في هذا المشروع وهذا التحول هو أنه سيثير ردود فعل غاضبة ورافضة له وبشدة، وخاصة من قبل القوى "العلمانية" التي مازال لها شيء من النفوذ داخل الدولة والتي ستحاول حتما جمع الجماهير حولها لتوسيع رقعة الرافضين لهذه الخطوة ولهذا المشروع. 

وتساءل محمد سعد الأزهري، هل يتكرر نفس سيناريو الرئيس التركي الأسبق؟، موضحا أن أوزال كان رئيسا في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، وكان راجلا محافظا، ويرى أن الحل مع الكرد ليس بالقوة فقط ولا بالمنع، بل بالحوار والانفتاح، خصوصا أن الدين جامعهم مع الأتراك.

وذكر بأن أوزال بدأ يفتح خطوطا مع الكُرد، وسعى لصياغة مشروع جديد لتكوين "أمة أناضولية جامعة"، بدل أن تظل الهوية محصورة في القومية التركية فقط.

وأعرب عن أسفه أنه لم يكمل الطريق وأن الدولة العميقة “العسكري والقوميين” رأوا أن ما يفعله تهديد مباشر لأسس الدولة الكمالية، وفي 1993 مات فجأة وسط شكوك أنه تم "التخلّص" منه لأنه اقترب من الخط الأحمر.

وأشار الأزهري، إلى أن أردوغان اليوم يلمس الخط ذاته، لكن بتجربة وخبرة ودولة تغيّرت كتيرا، متسائلا: "هل الدولة العميقة تغيرت فعلا؟ أو غيرت أدواتها فقط".

وقال: إن أردوغان خاض معارك ضخمة من أجل تحقيق ذلك مع "الجيش، القضاء، الإعلام، مراكز النفوذ المالي المرتبطة بالكماليين" ومن بعد انقلاب 2016، استطاع أن يعيد ترتيب مؤسسات الدولة والأمن والاستخبارات على مزاجه، محذرا من أن مازالت هناك "بقايا" من الدولة العميقة.

وأضاف الأزهري، أن هناك أيضا خطوط حمراء لا يحب أحد الاقتراب منها، مثل "وحدة الدولة المركزية، وعدم الاعتراف بالكرد ككيان سياسي مستقل أو متميز"، متوقعا أن أردوغان لو قرر أن يخطو خطوة أكبر من المسموح به داخل النظام، أن يواجه نفس المصير الذي واجهه أوزال، ولكن بشكل مختلف.

وخلص إلى أن ما يحدث حاليا ليس تفاوض مع حزب وإنما إعادة تعريف للدولة التركية نفسها، وليس فقط ترك الكرد لسلاحهم، وإنما هل تركيا فعلا مستعدة لترك القومية المغلقة، وتبني "عقدا اجتماعيا جديدا" (هوية مضافة لا يحبها البعض) قبل ما تتفكك الهويات من الداخل؟

وأشار مازن زين إلى أن خطاب أردوغان متوقع فيه وأد فتنة القرنين، وهي ثاني محاولة للأتراك بجعل الأكراد عصب الأمة التركية، والتي دفع الراحل أوزال حياته قبل إعلانها بالسُّم، حيث حاول حل المسألة الكردية بالمفاوضات، تم اغتياله في أذربيجان بالسُم.

وأكد أن لوبيات العسكر وأطراف خارجية كانت تريد أن يبقى هذا الملف شائك ولا يُتعامل معه إلا بالقوة العسكرية، لافتا إلى أن آخر ما قاله أوزال لابنه قبل اغتياله ‏"حين أعود لتركيا سأعلن عن قرار تاريخي لحل المسألة الكردية".

وأوضح زين أن أردوغان ومجموعته جعلوا القوة العسكرية وسيلة للوصول إلى اتفاق سلام شامل ينهي الملف، ولم تستطع القوى الغربية وإسرائيل إعاقة تحقيق الرؤية التركية.

وقال: إن "‏اللعب على الثقيل والنار الهادئة، أسلوب القيادة التركية، تضع رؤية واضحة وتتحرك وفق تحقيقها بنفس طويل، تحقق جزء صغير في كل مرة وحين تكتمل الصورة الكبيرة سيفاجئ العدو الصهيوني وحلفاؤه أن كل الأبواب أصبحت مغلقة والصراع حسم".

وأضاف زين أن "أسلوب تركيا حيّرهم، تضع الهدف في صورة كبيرة ثم تقسم الصورة إلى أجزاء صغيرة، وتبدأ بجمع الأجزاء تدريجيا حتى تجتمع الصورة ويتحقق الهدف، دون أن يفهم الأعداء متى حدث ذلك".

وأكد أن "إنهاء المشاريع الانفصالية والتخريبية في المنطقة لا يمر عبر استعطاف أميركا والغرب، بل يمر عبر استخدام القوة الخشنة بالتوازي مع الدبلوماسية وقوة القيادة السياسية".