لقاءات باكو وقضية كوهين والعملة.. ما طبيعة التقارب بين الشرع وإسرائيل؟

"الصهاينة أعربوا عن قلقهم من تشكل جيش تكفيري على حدودهم الشمالية الشرقية"
تحدثت صحيفة إيرانية عمّا وصفته بـ"أبعاد خفية لعلاقات معقدة بين هيئة تحرير الشام (سابقا)، بقيادة (الرئيس السوري) أحمد الشرع، وكل من الولايات المتحدة وإسرائيل، برعاية إماراتية وتنسيق مع تركيا وأذربيجان".
وتزعم صحيفة "جام جم" الإيرانية وجود تحركات دبلوماسية وسياسية تجرى خلف الكواليس بهدف تطبيع محتمل بين الشرع وتل أبيب، في سياق إعادة تشكيل التحالفات الإقليمية على غرار "اتفاقيات إبراهام".
كما تناقش تداعيات هذه التحركات على مستقبل سوريا، وسط تحولات اقتصادية وجيوسياسية كبرى تعيد رسم ملامح "الشرق الأوسط الجديد".

مساران نحو التطبيع
وتقول الصحيفة الإيرانية: إن "الصهاينة أعربوا عن قلقهم من تشكل جيش تكفيري على حدودهم الشمالية الشرقية". وفق وصفها.
ومن هذا المنطلق، تسعى القوات العسكرية الصهيونية من خلال إقامة مناطق عازلة وتأجيج التوترات بين الأقلية الدرزية إلى إضعاف مواقع الجماعات التكفيرية في جنوب سوريا. بحسب زعمها.
وفي هذا السياق، "شنّت الطائرات الحربية التابعة للكيان الصهيوني، بعد خروج (رئيس النظام السابق) بشار الأسد من سوريا، عدة غارات جوية استهدفت مناطق مختلفة في البلاد، منها دمشق وطرطوس واللاذقية وحماة وحمص ودرعا والقنيطرة وحلب والحسكة".
وكان تدمير القواعد العسكرية والمجمعات البحثية والمطارات التابعة للجيش السوري السابق على رأس أولويات الأهداف العسكرية الإسرائيلية.
ورغم ذلك، توضح الصحيفة أن "دمشق بقيادة الشرع واصلت خطواتها نحو تطبيع العلاقات مع تل أبيب بشكل تدريجي، في مسعى لتثبيت سلطة هيئة تحرير الشام على سوريا".
وخلال لقاء مع الصحافة، أعلن الرئيس السوري أن "مفاوضات غير مباشرة تجري مع إسرائيل عبر وسطاء بهدف خفض التوتر ومنع الوصول إلى نقطة تفقد فيها الأطراف السيطرة على الأوضاع".
ووفق ما ذكرته الصحيفة، فإن "مشروع تطبيع العلاقات بين دمشق وتل أبيب يمضي في مسارين".
يتمثل الأول -والأكثر رسمية- في مفاوضات مع نظراء أتراك تُجرى في باكو تحت إشراف أذربيجان.
وفي هذا الصدد، تنقل الصحيفة عن مصادر دبلوماسية عبرية تأكيدها أن "هذه المفاوضات تشمل ممثلين رسميين عن إسرائيل".
أما فيما يخص المسار الثاني الأقل رسمية، تقول الصحيفة: إنه "بدأ بمبادرة من مسؤولين إماراتيين رفيعي المستوى، ويضم شخصيات أمنية سابقة من الكيان الصهيوني".
ومن المهم في رأيها الإشارة هنا إلى أن "كلا من أذربيجان والإمارات ترتبطان بعلاقات رسمية وواسعة مع تل أبيب".
ونقلا عن مصادر قريبة من موقع "المونيتور" الأميركي، فقد عُقد لقاء غير رسمي بين وفدين من "نظام الشرع" وإسرائيل، مباشرة بعد زيارة الأول إلى الإمارات في أبريل/ نيسان 2025.

لقاءات وتحركات
وفي هذا الإطار، تسلط الصحيفة الضوء على أن “الإعلان المفاجئ عن رفع العقوبات عن دمشق من قبل الإدارة الأميركية، واللقاء الذي جمع (الرئيس الأميركي) دونالد ترامب بالشرع، بحضور ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، سرع وتيرة مسار تطبيع العلاقات”.
ووفقا لمصادر عبرية، التقى أخيرا رئيس إدارة العمليات في الجيش الإسرائيلي عوديد باسيوق، بممثلين عن دمشق في العاصمة الأذربيجانية باكو، بمشاركة مسؤولين أتراك أيضا.
ومن ناحية أخرى، تنقل الصحيفة عن "القناة 12" الإسرائيلية أن "مسؤولي دمشق أبدوا استعداد الشرع لمواجهة محور المقاومة ورغبة هيئة تحرير الشام في الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام".
وفي اللقاء المثير للجدل -بحسب وصف الصحيفة الإيرانية- بين ترامب والشرع، طلب الرئيس الأميركي من "حاكم دمشق" الانضمام رسميا إلى اتفاقيات "إبراهيم".
علاوة على ذلك، أفادت القناة الإسرائيلية بأن "محادثات باكو قد تسهم في تسوية القضايا المتعلقة بالحدود بين سوريا والكيان الصهيوني".
وفي هذا الصدد، تقول الصحيفة: إن "الشرع يبدو أنه يسعى إلى كسب شرعية داخلية في أوساط الشعب السوري المنهك من الحرب، من خلال تقديم تطبيع العلاقات مع إسرائيل كأول إنجاز دبلوماسي له".
وإلى جانب ذلك، ادعت إسرائيل، في 18 مايو، أنها جلبت الأرشيف الرسمي السوري الخاص بجاسوسها إيلي كوهين، بالتعاون مع جهاز مخابرات لم تسمه.
ويعد كوهين، أشهر جاسوس إسرائيلي في سوريا، واعتقلته السلطات السورية في يناير/ كانون الثاني 1965، وأعدمته في 18 مايو من العام ذاته.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في بيان، إن "جهاز الموساد (المخابرات الخارجية الإسرائيلي)، وبالتعاون مع جهاز مخابرات شريك (لم يسمه)، نجح في جلب الأرشيف الرسمي السوري الخاص بإيلي كوهين".
و"يضم الأرشيف نحو 2500 وثيقة وصورة ومقتنى، بينها مفاتيح شقته في دمشق، جوازات سفر مزورة، رسائل لعائلته، صور له مع كبار المسؤولين السوريين"، وفق البيان.
كما تضم "وثائق مهام سرية تلقاها من الموساد لجمع معلومات عن مواقع عسكرية سورية، بينها قواعد في القنيطرة" جنوبي سوريا.
وقالت وكالة رويترز البريطانية: إن أرشيف وأغراض العميل الإسرائيلي إيلي كوهين عادت لإسرائيل كبادرة حسن نية من القيادة السورية وبموافقة من أحمد الشرع شخصيا.
وبيّنت أن “القيادة السورية الجديدة وافقت كذلك في محادثاتها مع إسرائيل على إعادة جثمان كوهين وجثث جنود إسرائيليين قتلوا في الثمانينيات”.
وفي سياق آخر، تبرز "جام جم" الإيرانية أن "ترامب، في أول لقاء له مع الشرع، أبدى إعجابا كبيرا بالرئيس السوري".
فبعد لقائه به في الرياض، وصف ترامب حاكم سوريا الجديدة بأنه "رجل شاب وجذاب، وصلب ومقاتل"، مؤكدا أنه يتمتع بـ "ماضٍ قوي جدا".
ووصف ترامب لقاءه بالشرع بأنه "رائع"، مشيرا إلى أنه "يمتلك إمكانات كبيرة وأن أمامه فرصة تاريخية لأداء دور كبير في سوريا".

ملف الاقتصاد
وفي إطار هذا المشهد، تلفت الصحيفة الإيرانية إلى أن "نظام الشرع يعاني من أزمات مالية حادة"؛ إذ تواجه البلاد نقصا في العملات الأجنبية، وغيابا لمصادر تمويل مستقرة، وشحا في السيولة النقدية.
ومن جانب آخر، تشير الصحيفة إلى أن "تسريح عدد من الموظفين بسبب العجز عن دفع رواتبهم، أدى إلى اندلاع انتفاضات دامية خلال الأشهر الأخيرة في كل من اللاذقية وطرطوس".
وفي ظل هذا الوضع، تعتقد أن "دمشق تأمل في أن يسهم تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني في توفير أرضية لإنعاش الاقتصاد السوري".
كما تلفت إلى أن "آمال التعاون مع المؤسسات المالية الأميركية مثل صندوق النقد والبنك الدوليين ترتبط بإرضاء إدارة ترامب".
ويطمح الرئيس الأميركي إلى إنشاء تكتل أمني اقتصادي جديد يمتد من المحيط الهندي إلى سواحل البحر المتوسط الشرقية، بهدف تحقيق تقارب عربي إسرائيلي.
وعلى الرغم من وجود خلافات تكتيكية بين ترامب ونتنياهو بشأن ملف قطاع غزة، فإن الرئيس الأميركي لا يدخر جهدا في تعزيز التعاون الإستراتيجي مع تل أبيب بما يخدم المصالح الأميركية. وفق الصحيفة.
ومن زاوية أخرى، كشف مصدران ماليان سوريان لوكالة "رويترز" البريطانية أن "مسؤولين من دمشق يجرون مفاوضات رفيعة المستوى مع شركة أومولات الإماراتية لطباعة العملة السورية".
وبحسب الصحيفة، زار رئيس البنك المركزي ووزير المالية في حكومة الشرع هذه الشركة خلال زيارة لهما إلى الإمارات في وقت سابق من مايو/ أيار 2025.
وفي ألمانيا، أعلنت كل من المطبعة الفيدرالية وشركة "Giesecke+Devrient" الخاصة عن "رغبتها في التعاون مع البنك المركزي السوري لطباعة العملة".
وتقول الصحيفة: إنه "بحسب مزاعم مسؤولي الشرع، فإن المواطنين العاديين وبعض المضاربين يعملون على تخزين الليرة السورية".
وفي المقابل، يرى البعض أن "الحكومة هي من تتعمد تقليص المعروض من العملة، في خطوة تهدف جزئيا إلى التحكم بسعر الصرف".
ومن مؤشرات تعميق العلاقات بين سوريا والإمارات، تشير الصحيفة إلى توقيع مذكرة تفاهم أولية، في 15 مايو، بقيمة 800 مليون دولار، بين دمشق وشركة "دي بي وورلد" الإماراتية لتطوير ميناء طرطوس.
وبهذا الشأن، ذكرت وسائل الإعلام السورية أن "تنفيذ المشروع سيعزز من مكانة الميناء كمركز محوري للتجارة الإقليمية والدولية".
بالإضافة إلى ذلك، توضح الصحيفة أن "هيئة تحرير الشام اتفقت مع الجانب الإماراتي على التعاون في إنشاء مناطق اقتصادية خاصة، وبناء محطات ومراكز لوجستية في مناطق متفرقة من سوريا".