بعد الإيغور.. لماذا بدأت مصر حملة قمعية ضد طلاب الأزهر من آسيا الوسطى؟

منذ يوم واحد

12

طباعة

مشاركة

تكشّف في الآونة الأخيرة فصل جديد من فصول الانتهاكات الأمنية التي يعيشها الطلاب الأجانب في مصر، وتحديدا أولئك الذين يدرسون في جامعة الأزهر. 

فخلال الأيام الماضية، نفذت السلطات المصرية حملة أمنية مفاجئة وواسعة، نالت عشرات الطلاب المنحدرين من دول آسيا الوسطى والقوقاز، بينهم شيشانيون، وأوزبك، وتركمان، وأذريون، وجنسيات أخرى جرى اعتقالهم في ظروف غامضة وصادمة.

وهو ما فتح باب التساؤلات عن أسباب الحملة، ومن المستفيد من تحويل الأزهر إلى فخ أمني؟ ولماذا يطارد طلاب العلم الأجانب في بلد يفترض أنه حاضنة للعلم الشرعي؟

سبب الحملة

وبحسب تقرير نشرته مؤسسة "جوار" الحقوقية في 13 مايو/أيار 2025، جرت الاعتقالات بطريقة تعسفية، تخللها اقتحام مساكن الطلاب ومصادرة جميع مقتنياتهم الإلكترونية.

كما جرى منعهم من التواصل مع عائلاتهم أو محاميهم، رغم أنهم يقيمون في مصر بصورة قانونية تماما، وفق ذات المصدر.

واللافت أن قائمة المستهدفين لا تقتصر على جنسيات بعينها، بل تمتد لتشمل مواطني رابطة الدول المستقلة، من أرمينيا مرورا بروسيا، وجورجيا، وأوكرانيا. 

لكن الأخطر، وفق ما وثقته "جوار"، يكمن في البعد السياسي لتلك الحملة، التي تبدو وكأنها تأتي في سياق تقارب إستراتيجي بين النظام المصري وكل من موسكو وبكين. 

فالعديد من هؤلاء الطلاب مدرجون على لوائح الإرهاب في روسيا والصين، لا لضلوعهم في أي أنشطة مشبوهة داخل مصر، بل فقط لمجرد مواقفهم المعارضة للأنظمة القمعية في بلدانهم.

وتشير المؤسسة إلى أن ما جرى ليس حالة استثنائية، بل استمرارا لنهج بات راسخا منذ صعود عبد الفتاح السيسي إلى الحكم عبر انقلاب عسكري.

إذ تحولت مصر إلى أرض ترحيل قسري لطلاب آسيا الوسطى، في انتهاك صارخ للقانون الدولي ومبدأ عدم الإعادة القسرية، ما يهدد بإعادتهم إلى مصير مجهول في أوطانهم الأصلية.

وخلصت إلى أن الأزهر، الذي كان يوما ما منارة للعلم وملاذا للطلاب من شتى أنحاء العالم، أصبح اليوم ساحة أمنية تطارد فيها الهويات، لا الأفكار. 

فبمجرد أن تكون شيشانيا أو أوزبكيا، حتى وإن كنت طالب علم لا علاقة لك بالسياسة، فأنت معرض للاعتقال، والإخفاء، وربما الترحيل القسري، إرضاء لحلفاء القاهرة.

ضربة قاسية

ويقدر عدد الطلاب الوافدين الدارسين في الأزهر الشريف، في مرحلتي التعليم الجامعي وما قبل الجامعي، بنحو 76 ألف طالب وطالبة، وفق بيانات وحدة الرعاية الطلابية بمركز تطوير تعليم الطلاب الوافدين والأجانب لعام 2025. 

ويشكل طلاب المرحلة الجامعية النسبة الأكبر، حيث يبلغ عددهم نحو 40 ألفا، ما يعكس الحجم الكبير للجاليات التعليمية الأجنبية داخل المؤسسة الدينية الأكبر في العالم الإسلامي.

وأعرب الداعية الإسلامي عمر هلال، أحد خريجي جامعة الأزهر الشريف، عن بالغ قلقه واستنكاره لما وصفه بـ"الحملة الأمنية المؤسفة" التي نالت عددا من الطلاب الأجانب الدارسين في هذه المؤسسة الدينية، لا سيما من أوزبكستان، والشيشان، وكازاخستان، ودول آسيا الوسطى.

وقال هلال في تصريح لـ "الاستقلال": "ما يحدث حاليا من ملاحقات واعتقالات بحق طلاب علم جاءوا إلى الأزهر الشريف لينهلوا من علوم الدين، لا يمس فقط كرامة هؤلاء الشباب، بل يوجه ضربة مؤلمة لصورة (هذه المؤسسة الدينية) ومصر في أعين العالم الإسلامي".

وأضاف: "يخطئ من يظن أن هؤلاء الطلاب يأتون ويغادرون فحسب، فكل طالب أزهري أجنبي هو سفير للمؤسسة وناقل لرسالتها، يعود إلى بلاده ليبث قيم الوسطية والرحمة والشريعة السمحة، التي تعلمها هنا في مصر، وهنا تكمن خطورة ما يجرى".

وأشار هلال إلى أن "بعض الدول مثل إندونيسيا والشيشان وكازاخستان لها حضور تاريخي وثقافي خاص داخل أروقة الأزهر، نظرا لكثافة عدد طلابها، وحرص شعوبها على التعليم الديني المعتدل في مصر". 

كما حذر من محاولات توريط الأزهر في هذه الانتهاكات، قائلا: "من الواضح أن النظام المصري يحاول استخدام المؤسسة الدينية غطاء لتحركات أمنية لا علاقة لها بالبعد الأمني وإنما نتيجة صفقات سياسية".

واستدرك: "يجب أن نؤكد أن الأزهر وشيخه الجليل (أحمد الطيب) لا يقبلون بهذه الأفعال، رغم حرصهم في الوقت ذاته على عدم الدخول في صدام مباشر مع الأجهزة الأمنية، التزاما بالقانون والدستور".

وتابع الداعية عمر هلال: "لا يجوز، بأي حال، قانونا أو شرعا أو عرفا، اعتقال طلاب أو ترحيلهم إرضاء لدول مثل روسيا أو الصين، المعروفة بانتهاكاتها الجسيمة ضد المسلمين، لا سيما في الشيشان وتركستان الشرقية".

ورأى أن "ما يجري بمثابة تكرار لمأساة الإيغور الذين جرى ترحيلهم من الأزهر إلى الصين في واقعة مخزية لم تنسها الضمائر الحية حتى اليوم".

ولفت إلى أن مصر كانت وستظل منارة للعلم الشرعي من خلال الأزهر، و"لا ينبغي أن تتحول إلى منصة للترضيات السياسية أو منصة لتبادل الصفقات على حساب طلاب مسلمين لا يحملون إلا أحلامهم تجاه مستقبلهم". 

واقعة 2017 

وفي حادثة مشابهة تماما لما يحدث حاليا، وقعت في 5 يوليو/ تموز 2017 واحدة من الحوادث الصادمة في سجل العلاقات الأمنية بين مصر والصين.

إذ تحول الأزهر حينها إلى مسرح لحملة أمنية استهدفت عشرات الطلاب الإيغور، في سيناريو يرى حقوقيون اليوم أنه يتكرر بحذافيره.

فبعد أقل من شهر على لقاء جمع وزير الداخلية المصري آنذاك، مجدي عبدالغفار، ونائب وزير الأمن العام الصيني تشن زيمين، تفجرت أزمة مفاجئة، تمثلت في اعتقال السلطات المصرية عشرات الطلاب الصينيين المسلمين من أقلية الإيغور الدارسين في الأزهر. 

حينها كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية عن بدء حملة اعتقالات موسعة بحق طلاب الإيغور في القاهرة، تمهيدا لترحيلهم إلى الصين، وهو ما أكدته لاحقا صحف دولية كبرى.

وقتها قالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في "هيومن رايتس ووتش"، إن على السلطات المصرية أن تضع حدا لحملة الاعتقالات الجماعية التي تستهدف الإيغور.

وأكدت أن من حق الإيغور المقيمين في مصر أن يعيشوا بأمان دون تهديد بالاحتجاز التعسفي أو الترحيل القسري إلى بلد يحتمل أن يواجهوا فيه الاضطهاد أو التعذيب.

وانتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي وقتها مقاطع مصورة للحظات اقتحام منازل الطلاب واعتقالهم، إضافة إلى صور لهم وهم مقيدون داخل عربات الترحيلات وأقسام الشرطة. 

وفي 6 يوليو 2017، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، بأن السلطات المصرية رحلت فعليًا ما لا يقل عن 12 طالبا إلى الصين، مع تجهيز قائمة بـ22 آخرين لترحيلهم في اليوم ذاته.

في حين أكد صحفيون ميدانيون أن عدد المعتقلين تجاوز 100 طالب، جرى توقيفهم من منازلهم ومقاهيهم، بل حتى من محالهم التجارية في حي مدينة نصر، أبرزها مطعم "إسطنبول" وبقالة تحمل الاسم ذاته، والتي أغلقت عقب المداهمات.

وروى أحد التجار الذي أصيب بكسر في ساقه أثناء الاقتحام للصحيفة الأميركية، أن زملاءه نقلوا إلى أقسام شرطة مدينة نصر، قبل ترحيلهم إلى مجمع التحرير تمهيدا لترحيلهم النهائي، فيما اضطر طلاب آخرون إلى الفرار نحو محافظات بعيدة هربًا من الاعتقال والمصير الغامض.

حينها، أصدرت مؤسسة الأزهر بيانا في 8 يوليو، وصف بأنه "دون مستوى الحدث"، بحسب ما أكد عدد حقوقيون وناشطون تابعوا الأزمة عن كثب.

وأكد البيان أنه "لم يتم القبض على أي من طلاب تركستان من داخل الحرم الجامعي أو معاهد الأزهر أو مدينة البعوث الإسلامية أو أي جهة تابعة له".

وفي بيان صدر في 9 يوليو 2017 قدرت منظمة الشهاب لحقوق الإنسان، ومقرها القاهرة، أن عدد الطلاب الإيغور (التركستانيين) المقيدين بجامعة الأزهر يتجاوز 300 طالب. 

وكشفت أن قوات الأمن المصرية احتجزت نحو 100 طالب منهم، وسط مخاوف جدية من ترحيلهم إلى الصين، حيث يخشى تعرضهم لانتهاكات جسيمة.

وينتمي هؤلاء الطلاب إلى أقلية الإيغور المسلمة ذات الأصول التركية، التي تنحدر من إقليم تركستان الشرقية – المعروف رسميا في الصين باسم "شينجيانغ".

وهي منطقة تخضع لسيطرة بكين منذ عام 1949، وتشهد منذ سنوات طويلة حملة قمع ممنهجة، بحسب منظمات حقوقية دولية، تنال الهوية الدينية والثقافية للإيغور المسلمين، في ظل مطالبات متكررة من أبناء الإقليم بالاستقلال.

مصير الطلاب 

وفي تحقيق استقصائي نشره موقع "درج" اللبناني في 23 يناير/ كانون الثاني 2020، كُشف النقاب عن تفاصيل صادمة بشأن ما تعرض له طلاب الإيغور الذين اعتقلوا في مصر عام 2017، وجرى ترحيل عدد منهم قسرا إلى الصين، في انتهاك واضح للمواثيق الدولية.

وبحسب ما وثقه التحقيق، فإن السلطات الصينية أرسلت محققين إلى القاهرة عقب حملة اعتقالات موسعة نالت العشرات من الطلاب الإيغور الذين كانوا يدرسون في جامعة الأزهر. 

ووفقا لشهادة أحد المفرج عنهم، ويدعى مروان، فإن المحققين الصينيين استجوبوا ما بين 10 إلى 15 شخصا داخل مقار احتجازهم في مصر، وركزت أسئلتهم على مواقفهم من الحزب الشيوعي الصيني، وانتماءاتهم الدينية، وما إذا كانوا على صلة بالحزب الإسلامي التركستاني.

وأشار مروان في شهادته إلى أن مصدرا موثوقا أبلغه بأن بعض الطلاب خضعوا للتعذيب خلال جلسات التحقيق، من دون أي رقابة من السلطات المصرية أو منظمات حقوق الإنسان.

وبحسب التحقيق، فقد ظل الطلاب قيد الاحتجاز لنحو أربعة أشهر، قبل أن يتم ترحيل 25 شخصا منهم قسرا إلى الصين، جميعهم الآن في قبضة السلطات الصينية، ولا يعرف مصيرهم بدقة. 

وبدوره، أكد “وكيل جمعية علماء مسلمي تركستان الشرقية” للموقع أن اثنين من المرحلين لقوا حتفهم في السجون الصينية، فيما يعاني الباقون أوضاعا وصفت بأنها "بالغة القسوة".

وحمل التحقيق السلطات المصرية مسؤولية خرقها الصريح للمادة الثالثة من اتفاقية مناهضة التعذيب لعام 1984، والتي تنص على أنه "لا يجوز لأي دولة طرف أن تطرد أو تعيد أو تسلم أي شخص إلى دولة أخرى، إذا توافرت أسباب حقيقية تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب".

ولم يصدر عن الحكومة المصرية أي تعليق رسمي على ما ورد في تقرير درج، فيما طالبت منظمات حقوقية دولية بفتح تحقيق مستقل في الانتهاكات التي سبقت عملية الترحيل، والتي أثارت قلقاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والدبلوماسية الدولية.

اتفاقية أمنية 

وتعاظم التعاون الأمني بين القاهرة وبكين خلال السنوات الأخيرة، كان آخرها توقيع الطرفين في 31 أكتوبر 2024، بروتوكولا مشتركا لتعزيز التنسيق في مجالات مكافحة الجريمة، شمل لأول مرة اتفاقا على تبادل وتسليم المطلوبين بين البلدين، بحسب صحيفة الأهرام الرسمية.

وجاء التوقيع على البروتوكول خلال زيارة رسمية أجراها وزير الداخلية المصري، اللواء محمود توفيق، إلى العاصمة الصينية بكين، على رأس وفد أمني رفيع المستوى، حيث عقد جلسة مباحثات موسعة مع مستشار الدولة ووزير الأمن العام الصيني، وانغ شيا هونغ.

ووفق بيان رسمي صدر عن وزارة الداخلية المصرية، استعرض الوزيران خلال اللقاء أوجه التعاون الأمني بين البلدين، وناقشا سبل تطوير الشراكة في مواجهة الإرهاب والجريمة المنظمة، إضافة إلى التحديات الأمنية الناشئة في ظل الوضع الدولي المتقلب.

وخلال اللقاء، شدد الوزير الصيني على الدور المحوري الذي تلعبه مصر في استقرار منطقة الشرق الأوسط، وأشاد بما وصفه بـ"النجاحات الأمنية" التي حققتها القاهرة في مكافحة الإرهاب والجرائم المنظمة. 

كما عبّر عن تطلع بلاده إلى تعزيز تبادل الخبرات الأمنية، وتفعيل قنوات التنسيق المباشر لمواجهة التحديات العابرة للحدود، ومنها الهجرة غير الشرعية، وغسيل الأموال، والأنشطة الإلكترونية غير المشروعة.

من جانبه، أكد وزير الداخلية المصري حرص بلاده على توسيع آفاق التعاون مع الصين، واصفا العلاقات بين القاهرة وبكين بأنها "إستراتيجية راسخة".

وأشار إلى أن زيارته تأتي في إطار التشاور الأمني المستمر بين الجانبين، وحرص وزارة الداخلية على تبادل الخبرات وتكثيف برامج التدريب المشترك.

وإلى جانب التعاون المعلوماتي ومكافحة الجريمة المنظمة، شملت المشاورات  ترتيبات خاصة بتسليم المطلوبين في القضايا الجنائية، وذلك في إطار اتفاق أوسع لتحديث التعاون القضائي بين البلدين، وهو ما عُدّ تطورا نوعيا في العلاقات الأمنية الثنائية.

وخلال الزيارة، أجرى الوزير المصري جولة تفقدية شملت عددا من المنشآت الأمنية الصينية، منها جامعة الشرطة، والمركز الصيني للتدريب على عمليات حفظ السلام، ومركز التعامل مع القضايا الأمنية.

ويُنظر إلى البروتوكول الأخير كحلقة جديدة في سلسلة تقارب أمني متصاعد بين مصر والصين، يرجح أن يتوسع خلال الفترة المقبلة وسط انتهاكات مشتركة لحقوق الإنسان.