مخاوف من حرب جديدة في تيغراي بإثيوبيا.. مَن أطرافها؟ وما علاقة آبي أحمد؟

"وجود جبهة تحرير شعب تيغراي كحزب قانوني في خطر حقيقي"
تشهد منطقة تيغراي في إثيوبيا توترات متصاعدة تهدد الاستقرار الهش الذي أعقب الحرب الدامية الأخيرة، التي أودت بحياة نحو 600 ألف شخص.
ويعاني سكان هذه المنطقة في الوقت الراهن من مخاوف متزايدة بسبب الصراعات داخل جبهة تحرير شعب تيغراي نفسها، بحسب صحيفة "دويتشه فيله" الألمانية.
وإلى جانب ذلك، تلفت الصحيفة إلى أن الأزمة تفاقمت مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية ونفاد الوقود، ما زاد من معاناة السكان.
ومطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 2022 أعلن الاتحاد الإفريقي اتفاق الجيش الفيدرالي والجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على "وقف دائم" للأعمال العدائية، في الصراع الذي استمر سنتين وانطلق من تيغراي.
ونص الاتفاق المبرم في جنوب إفريقيا، على نزع سلاح الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، واستئناف إيصال المساعدات إلى المنطقة التي تعاني أزمة إنسانية حادة منذ اندلاع الحرب.
موجة حرب جديدة
تبدأ الصحيفة الألمانية تقريرها بتأكيد على أن حالة عدم اليقين في شمال إثيوبيا زادت بشكل ملحوظ في الأسابيع الأخيرة.
وتوضح أنه نتيجة لذلك، اندفع العديد من الناس إلى البنوك لسحب الأموال وشراء وتخزين المواد الغذائية الأساسية وسلع ضرورية أخرى.
وفي هذا الصدد، يقول ميريسا جيدي، أحد سكان العاصمة الإقليمية ميكيلي: "هناك خوف كبير في تيغراي حاليا".
وأضاف جيدي أن "سكان تيغراي ما زالوا يعانون من صدمات نفسية شديدة جراء الحرب الأخيرة".
جدير بالذكر أن هذه الحرب لم يمض عليها سوى أكثر من عامين بقليل، وقد قُدر عدد القتلى فيها بنحو 600 ألف شخص.
ولهذا السبب، تزداد حالة الذعر لدى المواطنين الآن، بحسب ما نقلته الصحيفة عن جيدي.
وفي هذا الإطار، تسلط الضوء على أن المخاوف تعود إلى التوترات والصراعات داخل "جبهة تحرير شعب تيغراي" "TPLF"، وهي حزب كان له نفوذ واسع في جميع أنحاء إثيوبيا سابقا.
وبشرط عدم الكشف عن هويتها، قالت إحدى المقيمات في ميكيلي لـ "دويتشه فيله": "بعد التطورات الأخيرة، يسود بيننا بالفعل ذعر كبير؛ فالنزاعات السياسية لا تساعدنا، بل تعرضنا جميعا للخطر".
وبالحديث عن هذه الأخطار، تلفت الصحيفة إلى أن أسعار المواد الغذائية -على سبيل المثال- شهدت ارتفاعا هائلا في الأسواق.
بالإضافة إلى ذلك، نفد الوقود تماما في العديد من محطات الوقود، كما يُباع البنزين بأسعار باهظة في السوق السوداء.
ومن ناحية أخرى، تضيف الصحيفة أن أسعار نقل السلع الاستهلاكية ووسائل النقل العامة ارتفعت بشكل كبير.
وإلى جانب كل هذه المخاطر، يخشى سكان تيغراي من اندلاع حرب جديدة.

صراع داخلي
ومن ناحية أخرى، تشير "دويتشه فيله" إلى أن الخلافات الداخلية ليست جديدة على جبهة تحرير شعب تيغراي.
ولكن الجديد الآن، وفقا للمراقبين، هو التطرف الذي يواجه به فصيلان متنافسان بعضهما البعض حاليا.
فمن جهة، قيادة الحزب بقيادة ديبريتسيون جبريميكائيل، ومن جهة أخرى، الإدارة الانتقالية الإقليمية "TIRA" برئاسة غيتاشيو رضا.
وعلى الرغم من أن غيتاشيو رضا لا يزال يعد نفسه رسميا جزءا من جبهة تحرير شعب تيغراي، فقد سقط من قيادة الحزب.
وبحسب ما تقوله الصحيفة، فإن "كلا من الطرفين يعد الآخر غير شرعي وعدوا".
وحاليا، حتى وجود جبهة تحرير شعب تيغراي كحزب قانوني في خطر حقيقي، حيث لم تعترف لجنة الانتخابات الإثيوبية بالمؤتمر الذي عقده فصيل ديبريتسيون في أغسطس/ آب 2024.
وبحسب الصحيفة، تصر لجنة الانتخابات على أن تعقد جبهة تحرير شعب تيغراي مؤتمرها الحزبي الرسمي مرة أخرى في فبراير/ شباط 2025.
وإذا لم تفعل ذلك، وفقا للجنة الانتخابات، فلن تعد جبهة تحرير شعب تيغراي حزبا قانونيا بعد الآن. وقد يؤدي ذلك إلى تصعيد إضافي للصراع.

موقف آبي أحمد
من جهته، يبدو أن رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، غير سعيد بالفوضى داخل جبهة تحرير شعب تيغراي.
فبعد انتهاء حرب تيغراي في عام 2022، رفض تعيين ديبريتسيون رئيسا للإدارة الانتقالية في تيغراي، وفق الصحيفة.
وفي النهاية، وقع الاختيار على غيتاشيو، الذي كان حينها نائب رئيس جبهة تحرير شعب تيغراي.
وتذكر الصحيفة كذلك أنه خلال مفاوضات السلام في بريتوريا بجنوب إفريقيا، بوساطة الاتحاد الإفريقي، قاد غيتاشيو وفد جبهة تحرير شعب تيغراي.
وبعد ذلك، في عام 2024، تشير الصحيفة الألمانية إلى أن صراعا ظهر بشكل علني.
حيث طردت جبهة تحرير شعب تيغراي، في سبتمبر/ أيلول 2024، غيتاشيو و15 عضوا آخر من الحزب، وأعلنت أنهم لم يعودوا مخولين بتولي مناصب عامة باسم الحزب.
وردا على ذلك، اتهمهم غيتاشيو بالتخطيط لـ "انقلاب" ضد الحكومة الانتقالية الإقليمية في تيغراي.
وفي هذا الصدد، توضح الصحيفة أن جيريت كورتز، باحث وعالم في مجال الصراعات لدى مؤسسة العلوم والسياسة "SWP" في برلين، زار منطقة تيغراي في خريف 2024، وهو مهتم بدراسة هذا الصراع على السلطة.
وفي حديثه مع "دويتشه فيله"، قال كورتز: إن "هذا الصراع الداخلي في تيغراي قد يصب سياسيا في مصلحة رئيس الوزراء آبي أحمد".
وأضاف: "هناك اتهامات بأن الحكومة في أديس أبابا تسعى بشكل أساسي إلى إبقاء تيغراي ضعيفة سياسيا؛ حيث تتبع أديس أبابا المبدأ التالي: طالما أنهم يتنازعون فيما بينهم، فلن يتمكنوا من التمرد ضد الحكومة المركزية".
وفي هذا السياق، تبرز الصحيفة أن "هناك أصواتا تعد رئيس الوزراء آبي أحمد المسؤول الرئيس عن الوضع الحالي"، مشيرة إلى عدم تنفيذ اتفاق بريتوريا بشكل كافٍ.
فقد أخفقت الحكومة الفيدرالية الإثيوبية في ضمان انسحاب المليشيات الأمهرة والقوات الإريترية من تيغراي، مما يمنع العودة الكاملة لما يقرب من مليون نازح، خاصة إلى غرب تيغراي.
وهذا السجل السيئ يصب الآن في مصلحة منتقدي غيتاشيو وإدارته الانتقالية، وفق ما توضحه الصحيفة.
لكن الصراعات الداخلية على السلطة داخل جبهة تحرير شعب تيغراي "TPLF" لا تتعلق فقط بالسلطة السياسية أو المواقف الأيديولوجية، بل تتعلق أيضا بالمال.
وهنا، يوضح الباحث جيريت كورتز أن أعضاء "الحرس القديم يسيطرون على حصص كبيرة في شركات أُسست خلال فترة حكم جبهة تحرير شعب تيغراي".

صراع واسع النطاق
وفي نهاية سردها للمشهد، تتساءل "دويتشه فيله": “هل هناك احتمال أن يتطور هذا الصراع إلى مواجهة مسلحة؟”
ويجيب جيريت كورتز، من مؤسسة العلوم والسياسة "SWP"، قائلا إنه "لا يستبعد هذا السيناريو".
لافتا إلى أنه "قد حدثت بالفعل بعض المواجهات العسكرية المحدودة، وهناك الآن خطر إضافي يتمثل في تسييس الجيش في منطقة تيغراي".
وبالإشارة إلى أن "الجيش في تيغراي كان يتصرف حتى وقت قريب في الغالب بحيادية"، توضح الصحيفة أن هذا الموقف بدأ يتغير.
فقد أعلن بعض القادة العسكريين عن مواقفهم علنا ووقفوا إلى جانب زعيم جبهة تحرير شعب تيغراي، ديبريتسيون.
ولهذا السبب، هناك الآن مخاوف من أن يحاول هذا الفصيل استخدام القوة للاستيلاء على الإدارة الانتقالية، وفقا لما لخصه كورتز عن الوضع الحالي.
من ناحية أخرى، في مقابلة له مع "دويتشه فيله"، تحدث عالم السياسة والمؤرخ والصحفي جونا تيل عن خطر امتداد الصراع إلى ما وراء حدود إقليم تيغراي.
حيث قال: "لا يمكن استبعاد حدوث تصعيد جديد، وربما بمشاركة أطراف خارجية مثل إريتريا أو السودان".
وهنا، تسلط الصحيفة الضوء على أن "المنطقة بأكملها تبقى في حالة من عدم الاستقرار السياسي الشديد، حيث إن إثيوبيا لديها علاقات متوترة مع معظم جيرانها والدول المحيطة بها".
موضحة أنها تعيش هذا التوتر مع مصر والسودان بسبب سد النهضة الإثيوبي الكبير، ومع الصومال بسبب صفقة الموانئ مع أرض الصومال، ومع إريتريا نتيجة صراعات مختلفة استمرت لعقود.
وبهذا الشأن، أضاف تيل: "داخليا، يواجه آبي أحمد ضغوطا شديدة؛ فالأيام الذهبية التي كان فيها محل إشادة دولية قد ولت".
في المقابل، وعلى الرغم من كل المشكلات التي يعاني منها إقليم تيغراي حاليا، فإن جيريت كورتز يقول: إنه "في الوقت الحالي، لا يبدو أن هناك خطرا وشيكا لنشوب حرب".
وأضاف الخبير: "انطباعي هو أننا قد نتحدث أكثر عن انقلاب تدريجي، حيث تحاول الفصائل المختلفة لجبهة تحرير شعب تيغراي السيطرة على الإدارات المحلية، مثل مناصب رؤساء البلديات وإدارات محلية أخرى".
ويختتم الخبير حديثه بالقول: إنه "في هذه الحالة، قد تظهر إدارتان متوازيتان في بعض المناطق، مما يعني أن الإدارة المحلية لن تكون بعد الآن تحت سيطرة الحكومة الانتقالية في ميكيلي".