تزامنا مع العمل على حلها.. ماذا وراء تشكيل مليشيا عراقية جديدة؟

يوسف العلي | منذ ٤ أيام

12

طباعة

مشاركة

في الوقت الذي تضغط فيه الولايات المتحدة الأميركية على السلطات العراقية لحلّ المليشيات المرتبطة بإيران، أعلنت حركة "النجباء" بزعامة أكرم الكعبي، عن إنشاء قوة قتالية جديدة.

وجاء تشكيل "قوة البرهان القتالية الخاصة" في ظل تأكيد الحكومة العراقية على البدء بإجراء محادثات جدية بشأن حل المليشيات، مما أثار جملة من التساؤلات عن أهداف هذه الخطوة التي تأتي بعد انتهاء الحرب على غزة.

الوظيفة المعلنة

وعن تفاصيل "البرهان"، قال بيان لـ"النجباء" تناقلته وسائل إعلام محلية، منها قناة "الرابعة" القريبة من الفصائل، في 14 فبراير/ شباط 2025، إنها "قوة وطنية"، تحمل على عاتقها مسؤولية الدفاع عن الأرض والشعب في مواجهة الاحتلال (لم يسمهم) داخل العراق وخارجه.

وبحسب البيان، فإن "الاحتلال تمادى في جرائمه واستباح دماء الأبرياء، واعتداءاته على أرضنا ومقدساتنا غير آبه بالقوانين الدولية ولا المواثيق الإنسانية، وإننا أمام هذا العدوان المستمر، نؤكد أن حق الدفاع عن النفس مشروع، وأن الشعب لن يقف مكتوف الأيدي أمام الجرائم".

وأعلنت "قوة البرهان" خلال البيان، أنها "تلتزم بالدفاع الكامل عن الشعب بكل الوسائل المشروعة والتصدي لأي عدوان يستهدف أرضنا وأهلنا، والتأكيد على وحدة الصف الوطني ودعوة كل القوى الحية للانخراط في مقاومة الاحتلال حتى زواله".

وحذرت المليشيا الجديدة، من وصفتهم بـ"الاحتلال وأعوانه" من الاستمرار في جرائمهم؛ لأن الرد سيكون حاسما وموجعا، وذلك دون الإفصاح عن اسم الجهة التي يخاطبها في هذا التحذير.

وذكرت "قوة البرهان"، أن "هذه الخطوة تأتي وفاء لدماء الشهداء وامتدادا لمسيرة المقاومة التي لم ولن تتوقف حتى تحقيق النصر، وأنها ستبقى ماضية في طريق الحرية مهما بلغت التضحيات".

وفي المقابل، نقلت وكالة الأنباء العراقية "واع" في 14 فبراير، عن مصدر مسؤول (لم تكشف هويته) نفيه “إصدار إحدى الفصائل العراقية بيانا تتوعد فيه القوات الأميركية”، زاعما أن "هناك أطرافا تقف وراء إصدار بيانات مفبركة لإثارة الفوضى والفتن".

ونقلت أيضا، وكالة "بغداد اليوم" في 15 فبراير، عن مصدر قالت إنه من "النجباء" (لم تسمه): إن "الحركة لم تصدر أي بيان يتضمن تشكيل قوة خاصة لاستهداف القوات الأميركية في العراق أو خارجه"، متهما أطرافا متعددة بمحاولة "خلط الأوراق من خلال نشر مثل هذه الأخبار".

لكن اللافت، أنه لم يصدر عن "حركة النجباء" وأمينها العام، أكرم الكعبي، أو قادتها المعروفين أي تصريح رسمي حتى 15 فبراير، ينفي أو يؤكد إنشاء "قوة البرهان" كونها هي الجهة المعنية في الأمر بشكل مباشر.

وتُعرف "حركة النجباء"، أنها إحدى المليشيات التي تُشكل ما يعرف بـ"المقاومة الإسلامية في العراق"، وتضم فصائل موالية لإيران، وتبنت العديد من الهجمات ضد الاحتلال الإسرائيلي، سواء بطائرات مسيرة أو صواريخ كانت تطلقها من الأراضي السورية والعراقية.

وتشكلت "النجباء" بتوجيه إيراني عام 2013، بعد عامين من اندلاع الثورة السورية، وقاتلت إلى جانب نظام بشار الأسد، ضد فصائل الثورة، إضافة إلى أنها قريبة من روسيا، ويؤكد البعض أنها تتلقى دعما من موسكو أيضا.

وخلافا لغيرها من المليشيات العراقية الموالية لإيران، فإن "النجباء" تكاد تكون الوحيدة التي لا تمتلك ذراعا سياسيا مشاركا في البرلمان أو الحكومة بالعراق، ورفضت في أكثر من مناسبة على لسان زعيمها الدخول في المعترك السياسي العراقي، دون توضيح الأسباب.

"جس نبض"

وعن الهدف من تشكيل هذا الكيان المسلح وتوقيت إعلانه وربطه بمليشيا "النجباء" في وقت تتحدث فيه بغداد عن مفاوضات حلّ الفصائل، رأى الباحث العراقي، علي العامري أنها "محاولة لابتزاز ولي ذراع حكومة محمد شياع السوداني".

وقال المساري لـ"الاستقلال": إن "هذه المليشيات لا تريد أن تخرج من أي مفاوضات تنتهي بتسليم سلاحها، من دون تحقيق مكاسب مالية وسياسية؛ لأنها لا تمتلك شيئا غير المتاجرة باسم المقاومة، رغم عدم وجود احتلال في العراق أساسا، وهي تشكلت للقتال إلى جانب بشار الأسد".

ورأى أن “إعلان النجباء بشكل صريح إنشاء تشكيل عسكري يمثل تحديا جديدا للحكومة العراقية، مع أن هذه المليشيا لن تستطيع تنفيذ أي عمل عسكري باسمها الصريح هذا، لأنها ستستهدف مباشرة من الجانب الأميركي، لذلك فإن الخطوة ليست حقيقية بقدر ما هي محاولة للابتزاز”.

وأوضح أن “كل المليشيات العراقية الحليفة لإيران والمعروفة على الساحة، كانت لا تشن هجمات ضد القوات الأميركية باسمها الصريح”.

وإنما ظهرت تشكيلات بأسماء وهمية تمثلها بشكل غير معلن، هي من كانت تتبنى ضرب سفارة واشنطن ببغداد أو قواعد عسكرية عراقية توجد فيها القوات الأميركية.

أما نفي المسؤول العراقي، فقد رأى المساري أنه يؤكد أن بيان النجباء حقيقي وهدفه الابتزاز؛ لأن أمينها العام لم يصدر ما ينفي الأمر.

ولفت الباحث إلى أن الهدف من ذلك هو “جس نبض الحكومة العراقية، فإذا أعطتها ما تريد فإنها ستنفي، وإذا لم تحصل على شيء، فربما تُصعّد بخطوة أخرى”.

من جهته، رأى الخبير الأمني العراقي سيف رعد، أن تشكيل قوة “البرهان”، خرق دستوري وسيادي للدولة وتحدٍّ صارخ للحكومة وتعقيد للوضع السياسي والأمني وله تداعيات كبيرة على المستوى الداخلي والخارجي.

ونقل موقع "جريدة" العراقي، في 16 فبراير، عن رعد قوله: "يجب معرفة الأسباب التي دعت حركة النجباء إلى تشكيل قوة عسكرية جديدة، في وقت تتعرض فيه حكومة السوداني إلى ضغط سياسي دولي كبير، وفق المتغيرات الإقليمية وتغير موازين القوى الدولية".

وبحسب رعد، فإنه "من الجانب العسكري، فإن تشكيل أي قوة خاصة يعني أن هناك تحديات أمنية تواجهها الحركة، وقد يكون ردا على التهديدات المتكررة أو للدفاع عن مواقع معينة أو لتحسين القدرات الدفاعية والهجومية أو استعدادا لسيناريوهات مستقبلية محتملة".

وعلى الصعيد السياسي والإعلامي الخارجي، فإنها "رسالة واضحة للولايات المتحدة الأميركية وقوات التحالف الدولي في العراق بأنها إشارة للتصعيد العملياتي والاستعداد القتالي"، وفقا للخبير الأمني.

أما على المستوى الداخلي، فقد تكون الخطوة "ردا على بعض فصائل المقاومة التي وافقت على الانخراط بالأجهزة الأمنية والعسكرية ومؤسسات الدولة، وهذا يدل على أن المفاوضات والمباحثات السياسية بين الحكومة وقيادة حركة النجباء، قد فشلت".

وأشار رعد إلى أنه "من الناحية العقائدية، فإن تشكيل قوة قتالية خاصة، تعني الاستجابة للتحديات التي يعاني منها النظام الإيراني وخسارة مواقعه المتقدمة في لبنان وسوريا. وإستراتيجيا قد يكون ذلك لتعزيز نفوذ إيران في العراق عبر تقوية قدرات الفصائل الموالية لها لحماية مصالحها".

"كسر المحظور"

وقال وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين: إن "مسألة حل الفصائل المسلحة، شأن داخلي عراقي، وإن النقاش والحوارات مستمرة في هذا الصدد، وبعضها علنية تطرح في وسائل الإعلام".

وأوضح حسين خلال مقابلة تلفزيونية في 14 فبراير، أن "مجرد طرح هذه المسألة (حلّ الفصائل) يُعد تقدما في الواقع العراقي، لأن هذا الموضوع لم يكن يطرح سابقا، لكن الآن الجميع يناقشون ذلك، ومن ضمنهم قادة الفصائل أنفسهم، والغاية هو حفظ الأمن والاستقرار بالعراق".

وفي 16 يناير/كانون الثاني 2025، قال حسين أيضا: إن بغداد تحاول إقناع فصائل مسلحة عراقية قوية، خاضت قتالا ضد القوات الأميركية وأطلقت صواريخ وطائرات مسيّرة على إسرائيل، بالتخلي عن سلاحها أو الانضمام إلى قوات الأمن الرسمية.

وأضاف أن الحكومة تجري محادثات للسيطرة على هذه الجماعات مع الاستمرار في الحفاظ على التوازن بين علاقاتها بكل من واشنطن وطهران، مؤكدا أنه "منذ عامين أو ثلاثة أعوام كان من المستحيل مناقشة هذا الموضوع في مجتمعنا".

لكن بعدها بيومين، أعلن رئيس المكتب السياسي لـ"حركة النجباء"، علي الأسدي، أن ما سماه "سلاح المقاومة"، شرعي وقانوني، مبينا أنه لم "يطلب منا أحد نزع سلاحنا".

وقال الأسدي، خلال مقابلة تلفزيونية في 18 يناير: إن حركته "لم تتلق أي دعوات من الحكومة لنزع سلاحها أو دمجها أو حلها، وما يشاع بشأن هذا الموضوع غير صحيح"، مبينا أن “تصريحات وزير الخارجية "غير واقعية"، وأنه ”لولا وجود المقاومة لما كانوا في مناصبهم".

وفي سياق الجدل الذي احتدم بعد إعلان المرجع الشيعي الأعلى، علي السيستاني، ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، وذلك خلال استقباله ممثل الأمم المتحدة لدى العراق، محمد الحسان، في 14 نوفمبر 2024، يقول الأسدي إن "المرجعية لم تقصد فصائل المقاومة".

وبيّن الأسدي في الوقت نفسه أن "الفصائل على استعداد لترك السلاح لو طلب منها السيد السيستاني ذلك بصراحة وبشكل مباشر".

ودعت الولايات المتحدة، الحكومة العراقية لتفكيك المليشيات المسلحة بنفسها أو أن الأمر "سيتم بالقوة"، حسبما كشف إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي، خلال مقابلة تلفزيونية في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2024. 

الشيء نفسه أكده رئيس البرلمان محمود المشهداني، خلال مقابلة تلفزيونية في 30 ديسمبر، بالقول: إن "الرئيس الأميركي المنتخب (والذي تنصب رسميا) دونالد ترامب، أكد لرئيس الوزراء العراقي ضرورة حصر السلاح بيد الدولة"، مشيرا إلى أن "الحكومة تعمل على ذلك".