"نفس أميركي".. بماذا تختلف حكومة سلام عن الحكومات اللبنانية السابقة؟

يوسف العلي | منذ ٨ أيام

12

طباعة

مشاركة

انتهت عقدة تشكيل الحكومة اللبنانية مع توقيع رئيس الجمهورية جوزيف عون في 8 فبراير/ شباط 2025، مرسوم تشكيل الكابينة الوزارية لرئيس الوزراء نواف سلام المكونة من 24 وزيرا، الأمر الذي أثار تساؤلات عن الجديد في هذه التشكيلة وما يمكن أن تغيّره في الواقع اللبناني.

وجاء تشكيل الحكومة بعد نحو أربعة أسابيع على تكليف سلام بتشكيلها، والتي كان من أبرز عقباتها الحقائب الوزارية الخمسة المخصصة للمكوّن الشيعي، والتي ضغطت الولايات المتحدة الأميركية إلى إبعاد حزب الله عن مشاركته فيها وتحديدا وزارة المالية.

ومنذ عام 2014 يهيمن الثنائي الشيعي (حركة أمل، وحزب الله) على وزارة المالية، ويرفضان التفريط بها، وذلك بعدما كانت تشغلها شخصيات من المكونين المسيحي والسني على مدار 20 عاما مضت، وتحديدا عقب نهاية الحرب الأهلية في لبنان عام 1990.

"غير حزبية"

ومع إبصارها النور، فإن حكومة سلام، تنتظرها سلسلة من التحديات الأساسية، أبرزها ملف إعادة إعمار المناطق التي دمرها القصف الإسرائيلي خلال الحرب الأخيرة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023 إلى نوفمبر/ تشرين الثاني 2024.

ومن التحديات أيضا، تطبيق بنود اتفاق وقف إطلاق النار الذي ينصّ على انسحاب إسرائيل من مناطق في جنوب لبنان، وتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي 1701 الذي يلزم السلطات اللبنانية بنزع سلاح المجموعات المسلحة وحصره بالقوى الشرعية دون سواها.

ولأن الحكومات اللبنانية جُلبت وفق دستور البلاد على المحاصصة الطائفية، فإن حكومة نواف لم تكن استثناء من ذلك، إذ جرى توزيعها بين المكونات، وباتت تمثل عددا من القوى والأحزاب عبر تسمية وزراء غير حزبيين من أصحاب الاختصاص.

وتشمل هذه القوى، الثنائي الشيعي المتمثل في حزب الله وحركة أمل، والقوات اللبنانية، والكتائب، والحزب التقدمي الاشتراكي، وحزب الطاشناق الأرمني، كما برزت قوة جديدة من خلال التحالف بين رئيسي الجمهورية والحكومة، وهو ما يعكس تحولات جديدة في التركيبة السياسية.

في المقابل، رفضت قوى سياسية المشاركة بالحكومة، منها التيار الوطني الحر برئاسة النائب جبران باسيل، كما امتنع تيار المردة برئاسة النائب السابق سليمان فرنجية عن المشاركة بعدما لم يعط وزارة خدمية، كذلك امتنعت كتلة الاعتدال الوطني التي تضم نوابا سُنة مستقلين عن الدخول فيها.

وكانت حصة الشيعة من الوزارات هي العقبة الأبرز في تشكل الحكومة، فقد ذهبت 5 حقائب للمكون، وهؤلاء عادة ما يعينهم حزب الله وحليفته حركة أمل، لكن الولايات المتحدة الأميركية عارضت تدخل الحزب الحليف لإيران في الحكومة الجديدة.

في النهاية سُمح لحركة أمل، التي يتزعمها رئيس مجلس النواب نبيه بري، باختيار 4 وزراء، إلى جانب الموافقة على وزير خامس، وتم الاتفاق بين بري وعون وسلام على تعيين فادي مكي ليشغل منصب وزير التنمية الإدارية.

ولم تخرج وزارة المالية من المكون الشيعي، إذ أسندت في الحكومة الجديدة إلى الوزير ياسين جابر الذي يشاع بأنه محسوب على حركة أمل، كونه كان نائبا عن كتلة "التنمية والتحرير" التابعة للأخيرة، منذ عام 1996 إلى 2000، ثم استمر نائبا حتى عام 2018.

لكن ياسين جابر رد في تصريح على قناة "إل بي سي آي" اللبنانية في 5 فبراير 2025، بالقول: "كنت عضوا في كتلة التنمية والتحرير يوم كنت نائبا لكنني لم أكن أنتمي يوما إلى أي حزب أو حركة سياسية، بل كنت مستقلا دون أي هوية حزبية".

لماذا المالية؟

وبخصوص ما تمثله وزارة المالية من أهمية للثنائي الشيعي اللبناني، فإن موقع "المونيتور" الأميركي يرى أنها تعود للدور الإستراتيجي الذي ستلعبه في صنع القرارات المالية وإعادة الإعمار بعد الحرب هو ما دفع إلى تكثيف النزاعات السياسية للسيطرة عليها.

وبحسب تقرير الموقع الأميركي في 2 فبراير 2025، فإن إصرار حزب الله وحركة أمل على الاحتفاظ بالوزارة في ظل تحول أوسع في ديناميكيات السلطة في لبنان بعد انتخاب عون وترشيح سلام، وهي خطوات يُنظر إليها على أنها تمثل تحديا لهيمنتهما.

وفي ظل الأزمة الاقتصادية التي يعيشها لبنان والحاجة إلى إعادة الإعمار، خصوصا في المناطق ذات الأغلبية الشيعية المتضررة من الصراع، فإن إشراف الوزارة على المساعدات والإنفاق الحكومي وإعادة هيكلة الديون يعد أمرا بالغ الأهمية.

وأوضح التقرير أن نظام تقاسم السلطة الطائفي في لبنان يتطلب موافقة الرئيس الماروني ورئيس الوزراء السني والوزير المختص على المراسيم الحكومية، وغالبًا ما يكون توقيع وزير المالية ضروريا في الأمور المالية، ما يمنح المنصب فعليا سلطة النقض على القرارات المتعلقة بالميزانية والموارد.

ونقل الموقع عن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة اللبنانية الأميركية، عماد سلامة، قوله إن "حزب الله وحركة أمل يجادلان بأن الحفاظ على سيطرة الشيعة على وزارة المالية أمر ضروري لتحقيق التوازن الطائفي والحكم القائم على الميثاق في لبنان".

وأضاف أنه "بالنسبة لحزب الله وحركة أمل، فإن السيطرة على هذه الوزارة لا تتعلق فقط بالرقابة المالية، بل تتعلق أيضا بالحفاظ على نفوذهما السياسي وضمان توجيه أموال إعادة الإعمار بطريقة تعزز قاعدة دعمهما".

ورأى سلامة، أنه "بدون سيطرتهم على الوزارة، فإنهم يخشون أن تؤدي القرارات المالية إلى تهميشهم، ما يضعف قبضتهم على المشهد السياسي في لبنان ويقوض قدرتهم على تأمين الموارد لدوائرهم الانتخابية".

ولا يخصص الدستور اللبناني ولا اتفاق الطائف صراحة الوزارات على أساس الهوية الطائفية، إلا أن رئيس البرلمان وزعيم حركة أمل نبيه بري قال: إن وزارة المالية يجب أن تكون مخصصة لممثل شيعي، مستشهدا بتفاهم ضمني تم التوصل إليه خلال مداولات الطائف.

ففي أكتوبر/تشرين الأول 1992، بعد أن سمّت أكثرية المجلس النيابي الذي انتُخب للتو بعد اتفاق الطائف نبيه بري رئيسا له، ورفيق الحريري لترؤس أولى حكوماته، كان للأخير مطلبان، الأول أن تكون وزارة المالية من نصيبه، بينما كان الشيعة يريدونها، والثاني تشكيل حكومة بصلاحية استثنائية تقلل من سلطة البرلمان عليها.

ولكن جرى رفض إعطاء صلاحية استثنائية للحكومة، فيما مُنح الحريري وزارة المالية، وكانت الحجة وقتها أنه القادر على التعامل مع المجتمع الدولي والمؤسسات المالية الدولية لإنقاذ البلاد من أزمتها المالية في ذلك الوقت، والتي شهدت تدهورا لليرة.

نفس أميركي

وعن طبيعة اختلاف الحكومة الحالية عن الحكومات السابقة، قال الناشط السياسي اللبناني، إلياس حاج: إن "مميزات الحكومة الجديدة، هي غياب الثلث المعطّل فيها لقوى الممانعة (حزب الله وحلفائه)، ولا احتكار للتمثيل الشيعي من قبل الثنائي".

وأوضح حاج عبر سلسلة تغريدات على منصة "إكس" في 8 فبراير، أن "نفس الغالبية العظمى من الوزراء سيادي إصلاحي"، مشيرا إلى أن "أربعة من أصل خمسة وزراء شيعة، يحملون الجنسية الأميركية وهم ياسين جابر، حيدر ناصر، ركان ناصر الدين، فادي مكي".

وخرجت الحكومة من رحم مفاوضات مكثفة قام بها القاضي المخضرم سلام على وقع تغييرات في موازين القوى السياسية في لبنان الذي يئن على مدى الأعوام الماضية من انهيار اقتصادي غير مسبوق وحرب بين حزب الله وإسرائيل توقفت بهدنة في 27 نوفمبر 2024.

وعقب إعلان تشكيل حكومته، قال سلام: إن "الإصلاح هو الطريق الوحيد إلى الإنقاذ الحقيقي"، عبر تأمين الأمن والاستقرار في لبنان عبر استكمال تنفيذ القرار 1701 واتفاق وقف إطلاق النار ومتابعة انسحاب إسرائيل حتى آخر شبر من الأراضي اللبنانية، وذلك بالتلازم مع إعادة الإعمار".

وتعهّد سلام بأن يكون رئيسا لحكومة "الإصلاح والإنقاذ"، والعمل على إعادة بناء "الثقة" بين المواطنين والدولة، وبين لبنان ومحيطه العربي، وبين لبنان والمجتمع الدولي.

وأتى تشكيل الحكومة غداة إعلان مسؤولة أميركية بارزة من لبنان، أن واشنطن تعارض مشاركة حزب الله في الحكومة اللبنانية بعد "هزيمته" عسكريا من جانب إسرائيل حليفة الولايات المتحدة.

وقالت نائبة المبعوث الأميركي إلى الشرق الأوسط، مورغان أورتاغوس: “وضعنا في الولايات المتحدة خطوطا حمراء واضحة، تمنعهم (حزب الله) من ترهيب الشعب اللبناني، بما في ذلك عبر مشاركتهم في الحكومة المقبلة”.

وأضافت "لقد بدأت نهاية عهد حزب الله في الترهيب في لبنان وحول العالم.. لقد انتهى"، وترى أن إسرائيل "هزمت" الحزب.

ومني حزب الله المدعوم من طهران بنكسات عدة في مواجهته الأخيرة مع إسرائيل، وسقوط حليفه بشار الأسد في سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول 2024.

وتَعُد دول عديدة حزب الله، أو جناحه العسكري، منظمة إرهابية، ومن بين هذه الدول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا ودول أخرى، كما حظرت ألمانيا نشاط الحزب على أراضيها عام 2020 وصنفته على لائحة المنظمات الإرهابية.