"خاصرة رخوة".. لماذا تركز دمشق على ضبط الحدود السورية اللبنانية أمنيا؟

مصعب المجبل | منذ ٥ أيام

12

طباعة

مشاركة

ما تزال الحدود السورية اللبنانية تشكل "بؤر توتر" مرتبطة بعمليات التهريب غير القانونية التي كان يشرف عليها نظام بشار الأسد قبل سقوطه.

ولتمتين هذه الخاصرة الرخوة أمنيا في هذه المرحلة، أطلقت إدارة أمن الحدود السورية حملة في 6 فبراير/ شباط 2025 للقضاء على المتورطين في تهريب الأسلحة والممنوعات عبر الحدود مع لبنان.

ضبط الحدود

ونقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" عن المكتب الإعلامي بمحافظة حمص الحدودية مع لبنان، أن الحملة الموسعة انطلقت في قرية حاويك الحدودية، بهدف "إغلاق منافذ تهريب الأسلحة والممنوعات".

ودارت اشتباكات كبيرة هناك بين إدارة أمن الحدود السورية ومجموعات من المهربين أدت إلى سقوط قتلى من الطرفين، قبل أن تبسط إدارة الأمن السيطرة على بعض النقاط.

ويتشارك لبنان وسوريا حدودا بطول 375 كيلومترا غير مرسمة في أجزاء كبيرة منها، خصوصا شمال شرق البلاد، وهذا ما جعل الحدود منطقة سهلة للاختراق من جانب المهربين أو الصيادين وحتى اللاجئين.

وهناك 5 معابر بين سوريا ولبنان موزعة على طول الحدود بين البلدين وهذه المعابر هي "المصنع، الدبوسية، جوسية، تلكلخ، العريضة".

بينما يمتلك حزب الله اللبناني معابر خاصة غير شرعية بين البلدين، وكان يستخدمها قبل سقوط نظام الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2025 لنقل الأسلحة والمقاتلين بين البلدين.

كذلك هناك 74 نقطة حدودية للجيش اللبناني على الحدود بين الأراضي المتداخلة بين سوريا ولبنان.

وخلال تلك الحملة، تمكنت إدارة أمن الحدود السورية من توقيف عدد من "المطلوبين المتورطين في عمليات تهريب غير قانونية" وضبط كميات من الأسلحة و"الممنوعات" في حوزتهم.

وهدفت الحملة الأمنية الجديدة إلى طرد بعض فلول نظام الأسد البائد والمهربين والمطلوبين من تجار المخدرات وشخصيات مقربة من حزب الله إلى داخل لبنان.

وبدا واضحا أن القوات السورية استخدمت دبابات ومدرعات وطائرات مسيرة، وأسلحة ثقيلة خلال العملية.

وتعد المناطق الحدودية المستهدفة من الجانب السوري مهمة خلال الفترة السابقة؛ حيث تحولت إلى مسارح عمليات للمهربين بين البلدين.

وكانت مجموعات كبيرة مدعومة من حزب الله ومن النظام السابق تدير عمليات التهريب.

"منع إعادة النفوذ"

وفي الوقت الراهن، بات هؤلاء يمثلون الخطر الأكبر على استقرار الدولة السورية، لا سيما من الناحية الأمنية أو الاقتصادية.

وقد كان أول اختبار أمني لجهاز الاستخبارات عقب سقوط نظام الأسد، هو تمكنه في 11 يناير/ كانون الثاني 2025 من إحباط محاولة خلية مؤلفة من أربعة أشخاص تنفيذ تفجير داخل مقام السيدة زينب جنوب دمشق.

ووقتها تمكنت الاستخبارات السورية الجديدة من إلقاء القبض على الخلية التي قالت: إنها تتبع لـ"تنظيم الدولة"، وضبطت بحوزتهم أسلحة وذخائر ووثائق لبنانية وعملة أجنبية.

وضمن هذه الجزئية، يرى الباحث الأمني السوري في مركز "حرمون للدراسات المعاصرة"، نوار شعبان، أن تلك البلدات السورية عند الحدود مع لبنان كانت مسرحا لعمليات حزب الله، ولهذا يعد تمشيطها بعد خروج الأخير أولوية أمنية للدولة السورية".

وأضاف شعبان لـ"الاستقلال" أن "هؤلاء المهربين يسعون في الفترة الراهنة للبحث عن صيغ جديدة لاستمرار أعمال التهريب كما كان في السابق قبل سقوط الأسد".

ورأى شعبان أن "اجتثاث أعمال هؤلاء المهربين من قبل وزارة الدفاع السورية ليس بالأمر السهل، لأن المنطقة فيها إرث كبير من المشاكل الأمنية، خاصة أن حزب الله كان يستثمر هذه الجغرافية بأدوات مباشرة وغير مباشرة خلال السنوات الماضية".

وذهب للقول: "لا يمكن ضبط الحدود المكشوفة بين البلدين إلا عبر التنسيق العالي بين وزارتي دفاع سوريا ولبنان، خاصة أن هناك فرصة لبيروت متاحة للتعاون في ملف لم يتوفر لها منذ سبعينيات القرن العشرين".

وألمح شعبان إلى أن "شبكة تهريب المخدرات بين البلدين ما تزال موجودة وهم يبحثون عن البديل بعد سقوط نظام الأسد الذي كان يدعمها ويسهل عمليات التهريب".

وفور سقوط نظام الأسد، جرى العثور على مستودعات ومنازل لصناعة المخدرات كانت تتبع مباشرة لماهر الأسد شقيق الرئيس المخلوع، منتشرة في ريف دمشق والساحل السوري.

وقد وجهت "إدارة العمليات العسكرية السورية" قوة منها مهمتها تدمير مواقع إنتاج المخدرات وإعدادها للتصدير، حيث أظهرت تسجيلات مصورة التخلص من كميات كبيرة من المواد المخدرة.

فرض السيطرة

وقبيل سقوط نظام الأسد، كانت دول الجوار السوري تحذر بصورة متكررة من توسع صناعة مخدر الكبتاغون في سوريا وآثارها على أراضيها.

وتاريخيا، اعتمد حزب الله على طرق التهريب هذه لنقل الأسلحة والمخدرات وغيرها من الإمدادات الحيوية لعملياته.

ومع استمرار انخراط حزب الله في صراع طويل الأمد مع إسرائيل، ضعفت قدرته على العمل بحرية على طول الحدود بشكل كبير. 

ورغم هذه النكسات، تشير الاشتباكات الأخيرة على طرفي الحدود بين سوريا ولبنان إلى أن حزب الله يحاول إعادة تأكيد وجوده في المناطق الحدودية التي كان يسيطر عليها ذات يوم.

ولهذا جاءت هذه العملية العسكرية الأخيرة في أعقاب سلسلة من الحملات الأمنية التي أطلقتها الإدارة السورية الجديدة لفرض سيطرة الدولة على حدود البلاد. 

ووصف المسؤولون السوريون هذه العمليات بأنها جزء من إستراتيجية أوسع نطاقا "لاستعادة سيادة القانون" وتفكيك المؤسسات الإجرامية التي ازدهرت في المنطقة على مدى العقد الأخير.

وتنبهت الإدارة السورية الجديدة منذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر 2024، لتأثير الحدود مع لبنان على المشهد الجديد في البلاد.

ولهذا بدءا من 3 يناير 2025 فرضت الإدارة السورية الجديدة قيودا على عبور اللبنانيين للحدود المشتركة بين البلدين إلى سوريا.

وتعهد رئيس المرحلة الانتقالية في سوريا أحمد الشرع في 22 ديسمبر 2024، بأن بلاده لن تمارس بعد الآن نفوذا "سلبيا" في لبنان وستحترم سيادة هذا البلد المجاور.

"ضبط أمني"

إن النقطة الحساسة في هذه المرحلة هي تشكيل حدود لبنان بوابة خلفية لفلول نظام الأسد البائد ونقاط تنقل لهم.

ولا سيما أن الإدارة السورية الجديدة ما تزال تطارد فلول النظام السابق في الساحل السوري؛ حيث لم يسلم كثير منهم سلاحه.

بل لجأ بعضهم إلى تشكيل مليشيا بهدف مواجهة الدولة السورية الجديدة بحسب فيديو نشره "مقداد فتيحة" وهو عنصر سابق في "الحرس الجمهوري"؛ حيث أعلن في 6 فبراير 2025 عن تأسيس "لواء درع الساحل" لمهاجمة قوات الأمن العام.

واعترف "فتيحة" وعبر لوائه الجديد، عن مسؤوليتهم عن استهداف عناصر وأفراد إدارة العمليات العسكرية والأمن العام، داخل مناطق الساحل السوري وخارج تلك المناطق والتي تسببت في وقوع قتلى.

وبالنظر إلى الخريطة الميدانية، فإن الشريط الحدودي السوري اللبناني، تعد نقطة تحرك مرنة لتلك الفلول في حال جرى مطاردتها خاصة من جهة طرطوس الساحلية المحاذية للبنان.

وضمن هذا السياق، أكد الصحفي محمود كلاس أن "الإدارة السورية الجديدة تعد الحدود اللبنانية خاصرة رخوة خاصة في هذا التوقيت من ناحية رصد أي تحركات لحزب الله أو بقايا فلول النظام السابق".

ونوه كلاس لـ"الاستقلال" بأنه "في الفترة الأخيرة أعلنت مجموعات تتبع لفلول نظام الأسد في الساحل السوري عن عزمها استهداف حواجز الأمن العام التابع لإدارة دمشق".

وأردف: "بحكم العلاقة بين حزب الله وفلول النظام السابق فإن الحدود السورية اللبنانية تشكل نقاط إمداد غير مرئية؛ لهذا تحاول إدارة دمشق تعزيز قبضتها الأمنية عند الحدود".

ولفت كلاس إلى أن "الجيش السوري يصر على تعزيز حضوره على الحدود نتيجة ضعف سلطة الجيش اللبناني على طرف الحدود بسبب حالة التغول التي يفرضها حزب الله".

وأوضح أن "إدارة دمشق تريد منع عمليات التهريب للمخدرات من سوريا عبر بقايا فلول الأسد، فضلا عن تهريب المواد الغذائية والأدوية التي يكون سعرها مضاعفا في لبنان".

والدواء السوري الذي يدخل إلى لبنان يُباع في بعض المستوصفات و"الدكاكين" وبعض الصيدليات غير القانونية هناك وهي تجارة تدرّ ملايين الدولارات.