مع تراجع نفوذها بالمنطقة.. ما مدى تأثير عقوبات ترامب على إيران؟

مراقبون أكدوا أن إيران قد ترضخ للمطالب الأميركية بسبب العقوبات
مع إعادة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، فرض عقوبات صارمة على طهران، ضمن سياسة "الضغط الأقصى"، التي اتبعها في ولايته الأولى، برزت تساؤلات عن الجديد فيها، ومدى تأثيرها على إيران، خصوصا مع تعاظم أزماتها الداخلية وتراجع محورها بالمنطقة.
وفي 5 فبراير/شباط 2025، أعلن ترامب توقيعه مذكرة رئاسية لإعادة فرض سياسة العقوبات الصارمة ضد طهران، على غرار ما حدث خلال ولايته الأولى (2017 إلى 2021)؛ لاستئناف سياسة "الضغوط القصوى" بسبب محاولة الأخيرة تطوير أسلحة نووية.
وسعت سياسة "الضغط الأقصى" التي اتبعها ترامب في عام 2018 عقب انسحابه من الاتفاق النووي، إلى فرض عقوبات قوية لخنق اقتصاد إيران وإجبارها على التفاوض بخصوص اتفاق من شأنه عرقلة برامجها النووية والصاروخية.
"حشر بالزاوية"
ورأى الباحث العراقي المختص في شؤون الشرق الأوسط، مؤيد الدوري، أن "تأثير العقوبات المعنوي بدأ لحظة توقيع ترامب على المذكرة، إضافة إلى تداعياتها السريعة بانهيار العملة الإيرانية بشكل أكبر أمام الدولار الأميركي".
وأضاف الدوري لـ"الاستقلال" أنه "ليس أمام إيران فرصة المماطلة والمراهنة على عامل الوقت. إما أن تستجيب وترضخ إلى الضغوطات الأميركية، أو أنها ستشهد تداعيات كبيرة للعقوبات، التي ستظهر آثارها سريعا على واقعها الاقتصادي مما يهدد تماسك الجبهة الداخلية".
وأوضح أن "ترامب سيضغط باستمرار، وخيّر إيران بين الرضوخ لمطالبه أو تشديد العقوبات، وبالتالي لا توجد فرصة ثالثة أمام النظام، لذلك لن ينفعها أي تسويف أو مناورات عبثية".
وأشار إلى أن "العقوبات الأميركية المشددة ضد إيران وضعتها في الزاوية، وأن ترامب يريد حسم الملف الإيراني خلال ولايته الثانية، بالشكل الذي يقطع الطريق على من يخلفه في إدارة البيت الأبيض في أن يفاوض مرة أخرى أو يقدم تنازلات لطهران".
وتوقع الباحث أن "تستجيب طهران للضغوط الأميركية بسبب التذمر الشعبي الداخلي من التردي الاقتصادي، إضافة إلى قطع الإمدادات الخارجية عنها وتراجع نفوذها في المنطقة بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، وتدمير حزب الله اللبناني، وتحذير العراق من تهريب أمواله لإيران".
وأشار الدوري إلى أن "النظام الإيراني اليوم حريص على البقاء قائما وعدم الإطاحة به، وبالتالي سيكون مستعدا لتقديم تنازلات تحافظ على وجوده بشكل أساسي، حتى تطلب الأمر التخلي عن حلفائه في المنطقة".
من جهته، قال المحلل السياسي الإيراني، محمد صالح صدقيان، إن "الحكومة الإيرانية يبدو أنها قررت إيقاف الجهود الرامية لفتح المفاوضات مع إدارة ترامب، ومثل هذا التوجه لن يصب في صالح الأهداف الأميركية".
وأضاف صديقان في تدوينة على "إكس" في 10 فبراير، أن "الإصرار (الأميركي) على إسرائيل أولا لن يخدم الأمن والسلام في المنطقة. ومن صعب اعتقاد أن خيارات المقاطعة ستجعل إيران ترضخ للمطالب الأميركية".
وأشار إلى أن "ما تحدث به الرئيس الإيراني، مسعود بزشكيان في الذكرى 46 لانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية (عام 1979) فيما يخص المفاوضات مع أميركا يعكس الإحباط الذي لقيه من الإجراءات الأميركية الصادمة بشأن إيران".
وفي 10 فبراير، شكك بزشكيان، في صدق الولايات المتحدة الأميركية في السعي إلى إجراء مفاوضات مع طهران في ظل فرض عقوبات عليها، مؤكدا أن طهران “لن ترضخ للضغوط الأجنبية، ولا تسعى للحرب”.
وأوضح أن "ترامب يقول أريد إجراء المحادثات وحصول التوافق، وفي نفس الوقت يوقع على مذكرة مؤامرات لإخضاع الشعب الإيراني، ثم يقول إننا نريد المحادثات".
وأضاف الرئيس الإيراني: "ترامب يخطط للتآمر ضد الثورة، ويزعم أنّه يريد الحوار مع إيران"، مضيفا: "سنكون قادرين على حل كل مشكلاتنا والتصدي لأميركا ومخططاتها".

تأثير مدمّر
وفي السياق ذاته، قال الخبير في علاقات إيران الدولية، دالغا خاتين أوغلو، إن التأثير الاقتصادي لسياسة "الضغط الأقصى"، التي وقّع عليها ترامب، سيكون كبيرا، كونه أعلن أن هدفه هو تخفيض صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر.
وأضاف الخبير خلال مقال نشره موقع "إيران إنترناشيونال" المعارض في 7 فبراير، أن هدف ترامب، بالقضاء على صادرات النفط الإيرانية يعد أمرا مقلقا بشكل خاص لطهران؛ إذ إنه سيؤدي إلى القضاء على ما يقرب من نصف إيرادات الحكومة التي تمر بأزمة اقتصادية مستمرة منذ سبع سنوات.
وفي خطوة منسقة، أعلنت وزارتا الخزانة والخارجية الأميركيتان، في 7 فبراير، فرض عقوبات تستهدف الشبكات المتورطة في شحن النفط الإيراني إلى الصين، وتشمل الإجراءات عدة دول، بما فيها الصين والهند والإمارات، وتستهدف عدة سفن مرتبطة بصادرات النفط الإيرانية.
وأكد الكاتب أن "تأثير هذا التوجيه على صادرات النفط الإيرانية، سيكون كبيرا إذا تم تنفيذه بالكامل، لكنّ هناك شكوكا حول ما إذا كان سيتم تقليصها إلى الصفر أو إلى المستويات التي كانت عليها في عام 2020، وهو العام الأخير من ولاية ترامب السابقة".
ففي عام 2017، قبل فرض العقوبات الأميركية، كانت إيران تصدّر 2.5 مليون برميل يوميًا، ولكن بحلول عام 2020، انخفض هذا الرقم إلى نحو 350 ألف برميل يوميًا، وفقا للكاتب.
وأشار إلى أنه مع تولي جو بايدن رئاسة الولايات المتحدة في عام 2021، ارتفعت صادرات النفط الإيرانية، وبلغت ذروتها في صيف 2024 بنحو 1.9 مليون برميل يوميا.
وبعدما فرضت إدارة بايدن عقوبات على عشرات السفن المتورطة في تهريب النفط الإيراني، انخفضت الصادرات بمقدار 500 ألف برميل في الربع الأخير من العام نفسه، ومع ذلك، ارتفعت الصادرات، مرة أخرى، إلى 1.6 مليون برميل، في يناير 2025، بحسب خاتين أوغلو.

سعي للتفاوض
وعن الجديد في العقوبات الأميركية الجديدة على إيران، قال الخبير الأميركي في الشؤون النفطية والإيرانية غريغوري برو، إنه بات من الواضح الآن أن ترامب يريد التحدث مع طهران، حسبما نقلت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 7 فبراير.
وأوضح أن "المذكرة الرئاسية تحدد موقفا أشد صرامة بكثير مما قاله"، فهي تعرض جميع الحيثيات التي تجعل إدارة ترامب تعتقد أنه يجب فرض عقوبات أشد على إيران، بدءا من إشعالها الثورة الإيرانية عام 1979، ومرورا بدورها في زعزعة استقرار الشرق الأوسط وبرنامجها النووي.
ورأى غريغوري برو أنه "ما لم تتبع المذكرة عقوبات جديدة ومبتكرة للحد من صادرات النفط إلى الصين فلن يكون لهذا الأمر وزن كبير".
لكن المجلة الأميركية تقول في تقريرها إن المذكرة لم تحدد أي خطوات ملموسة أو عقوبات أو تدابير أخرى من شأنها أن تحوّل الضغط الأقصى من مجرد شعار إلى سياسة.
وأفادت بأن الإشكالية تكمن بشكل خاص في صادرات إيران من النفط التي تصل إلى نحو 1.7 مليون برميل يوميا يذهب أكثر من 90 بالمئة منها إلى الصين، وهي بمثابة شريان حياة للجمهورية الإيرانية.
ومضت "فورين بوليسي" إلى القول إنه لا يوجد حتى الآن أي دليل يثبت أن إيران قد قررت الإسراع في تصنيع القنبلة النووية، لكن كثيرا من الشخصيات "الأكثر تشددا" في حكومتها طالبت أخيرا بإعادة تقييم العقيدة النووية للبلاد.

وأثناء توقيعه على مذكرة استئناف العقوبات، وصف ترامب القرار بأنه صارم جدا تجاه إيران، لكنه أعرب عن أمله في عدم الحاجة إلى استخدامه كثيرا، في إشارة منه إلى أن استجابة طهران إلى الضغوطات التي يمارسها للتخلي عن طموحاتها في إنتاج القنبلة النووية، قد تغير الأمر.
وقال ترامب: "أوقع على هذا القرار وأنا غير سعيد بذلك، لكن ليس لدي خيارات كثيرة، لأن علينا أن نكون أقوياء وحازمين"، مبديا استعداده للتفاوض مع القيادة الإيرانية، بالقول: "سنرى ما إذا كان بإمكاننا ترتيب صفقة مع إيران، بحيث يتمكن الجميع من العيش بسلام".
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2024، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إيران بدأت في زيادة إنتاج اليورانيوم، وهو ما يمكن استخدامه بكميات أكبر في تصنيع الأسلحة النووية.
وأشار ترامب إلى أن إيران أصبحت "قريبة جدا" من امتلاك سلاح نووي، مؤكدا: "بالنسبة لي، الأمر بسيط جدا، نحن لا نريد أن نكون صارمين معها، ولا مع أي جهة أخرى، لكن ببساطة لا يمكنهم امتلاك أسلحة نووية".
المصادر
- فورين بوليسي: ترامب يعود لممارسة أقصى الضغوط على إيران
- ترامب يستأنف سياسة الضغط على إيران.. ويوقع مذكرة رئاسية
- "الضغط الأقصى" من جديد.. هل يستطيع ترامب "تصفير" صادرات النفط الإيراني؟
- الرئيس الإيراني يشكك في استعداد واشنطن للتفاوض مع بلاده في ظل العقوبات
- الريال الإيراني عند أدنى مستوى مع تصاعد التوتر مع أميركا