سابقة تاريخية.. هل تنجح "فلسطين" في طرد العنصري ترامب من البيت الأبيض؟

إسماعيل يوسف | منذ ٧ أيام

12

طباعة

مشاركة

على الرغم من أن نوابا من الحزب الديمقراطي سعوا مرتين لعزل الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية الأولى، وفشلت محاولاتهم، فقد بدأوا محاولة ثالثة مبكرة عقب تولي ترامب فترة رئاسته الثانية (2025-2029).

وفي المرتين السابقتين، كانت طلبات العزل التي قدمها النواب في الكونغرس تتعلق بقضايا داخلية، لكن هذه المرة الثالثة الحالية، تكتسب أهميتها من أن طلب عزله متصل بقضية فلسطين.

فلسطين تطوقه

وهي المرة الأولى في الولايات المتحدة التي يحدث فيها ذلك، ويحاكم رئيس بسبب قضية خارجية جدلية هي فلسطين، وبما يخالف هيمنة التيار اليميني الإنجيلي الصهيوني، لصالح إسرائيل، على الكونغرس والإدارات الأميركية.

وينص الدستور الأميركي على أن الرئيس "قد يعزل من المنصب في حالة اتهامه بالخيانة أو الرشوة أو غيرها من الجرائم والجنح الخطيرة".

ولبدء عملية إجراءات عزل الرئيس ينبغي أن تنطلق من مجلس النواب، ولا تحتاج إلا لأغلبية بسيطة لتمريرها.

أما محاكمة الرئيس فيجب أن تجرى في مجلس الشيوخ.

ولكن في هذه الحالة، سيكون من الضروري الحصول على أصوات ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ من أجل تمرير قرار عزل الرئيس.

وعملية العزل مكتوبة في دستور الولايات المتحدة، وهي أقوى أداة مراقبة يملكها الكونغرس (السلطة التشريعية) على السلطة التنفيذية.

بينما كان ترامب يتبختر على المسرح السياسي، مستعرضا خططه للسيطرة على غزة وتملكها كاستعمار جديد، ومستغلا قوة بلاده النووية كدولة عظمى، فاجأه السيناتور الديمقراطي آل غرين، في 5 فبراير/شباط 2025، بإعلان أن فلسطين تطلب عزله.

وأكد أنه سيبدأ في إجراءات عزل ترامب من الرئاسة "بسبب تصريحاته حول التطهير العرقي في غزة".

وقال: "أقف هنا (الكونغرس) لأعلن أن حركة العزل قد بدأت وأدين ما قاله الرئيس، وسأستخدم مواد عزل الرئيس (الموجودة في الدستور) ضد ‎ترامب بسبب اقتراحاته السخيفة وأفعاله الخسيسة وتهديده أهل غزة بالتطهير العرقي".

وبرر النائب الأميركي طلب العزل بأن "التطهير العرقي ليس مزحة، خصوصا عندما يأتي من رئيس الولايات المتحدة أقوى شخص في العالم والذي لديه قدرة على تنفيذ ما يقوله؛ إذ إن التطهير العرقي كان عبر التاريخ جريمة ضد الإنسانية".

ووصف "الظلم في غزة" بأنه "يشكل تهديدا للعدالة في الولايات المتحدة"، مشددا على أن الدكتور مارتن لوثر كينغ (الإصلاحي الأميركي الراحل الشهير) كان محقا عندما قال: إن "الظلم في أي مكان يشكل تهديدا للعدالة في كل مكان".

والمفارقة أن العضو الديمقراطي من ولاية تكساس "آل غرين" الذي قدم ثالث طلب لعزل ترامب، كان أحد الذين أطلقوا عددا من محاولات العزل المتعددة خلال فترة ولاية ترامب الأولى، أبرزها محاولتان فشلتا في الحصول على دعم الأغلبية بمجلس الشيوخ.

وترامب هو الرئيس الأميركي الوحيد الذي تم النظر في عزله مرتين، وهذه هي الثالثة، فقد تم النظر في عزله لأول مرة من قبل مجلس النواب عام 2019 بسبب تعاملاته مع أوكرانيا فيما عد رِشا انتخابية، لكن مجلس الشيوخ برأه.

وتم عزله مرة أخرى في الأيام الأخيرة من ولايته الأولى بسبب دوره في هجوم 6 يناير/ كانون الثاني 2021 على مبنى الكابيتول، لكن مجلس الشيوخ صوت مرة أخرى على تبرئته، وبعد أن ترك ترامب منصبه بالفعل.

خطة جنونية

وتأتي محاولة العزل الثالثة بعدما رفض أعضاء جمهوريون وديمقراطيون في الكونغرس تصريحات ترامب حول تهجير سكان قطاع غزة وعدم عودتهم، والسيطرة عليه من قبل الولايات المتحدة.

ووصف بعضهم خطة ترامب الجنونية بأنها "تطهير عرقي واضح للفلسطينيين" ما يعني أنهم سيصوتون لصالح عزله.

فقد قال السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن، لشبكة "سي إن بي سي"، إن إعلان ترامب "يعني ارتكاب التطهير العرقي بحق الفلسطينيين".

وأكد عضو مجلس النواب جيك أوشينكلوس، لموقع "سي إن إن"، أن "هذا الاقتراح متهور وغير معقول، وقد يفسد المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار"، ووصف السيناتور كريس كونز، مقترح ترامب بأنه “جنون”.

وقال أوشينكلوس: "قبل عقدين قدم الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش وعودا بشأن بلدين خارجيين (العراق وأفغانستان)، وأدى ذلك إلى 20 عاما من الحروب، كلفتنا تريليوني دولار وآلافا من أرواح الجنود، وحاليا ترامب يقترح المفاهيم غير المسؤولة نفسها".

أيضا عارض مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين أعضاء جمهوريون مثل السيناتور راند بول الذي قال: "لا ينبغي لنا أن نفكر في احتلال آخر من شأنه أن يدمر ثرواتنا ويسفك دماء جنودنا".

وعبر السيناتور الجمهوري جوش هاولي، المعروف بانحيازه الشديد لإسرائيل، عن معارضته للفكرة، وقال خلال تصريحات للصحفيين في مبنى الكابيتول: "لا أعتقد أن إنفاق الكثير من أموال الولايات المتحدة في غزة هو الاستخدام الأمثل لمواردنا".

أيضا أعلنت مجموعة تدعى "العرب الأميركيون من أجل ترامب"، دعمت ترامب، خلال الانتخابات الرئاسية، تغيير اسمها عقب إعلانه عن خطته للاستيلاء على غزة وتهجير الفلسطينيين من القطاع.

وقالت في بيان صحفي إنها "ترفض بشكل قاطع فكرة نقل الفلسطينيين من فلسطين التاريخية لأي سبب كان".

ولم يقتصر الأمر على تقديم طلب للكونغرس لعزله، بل وتقدم أميركيون بعريضة تطالب بعزل ترامب، حصلت على أكثر من 200 ألف توقيع بعد أيام قليلة من ولايته الثانية التي بدأت في 20 يناير، وفقا لموقع "فري سيبتش" في 6 فبراير 2025.

وهي عريضة أطلقتها "منظمة حرية التعبير للناس" غير الربحية في اليوم الذي عاد فيه ترامب إلى البيت الأبيض، وتدعو الحملة الكونغرس إلى إطلاق تحقيق عزل في انتهاك ترامب لبنود حظر تلقي الرئيس مكافآت من الحكومات الأجنبية.

وأيضا بسبب سلوكه الذي وصفته المنظمة بـ"غير القانوني" و"فاسد" أثناء حملته الانتخابية وعفوه عن الذين شاركوا في هجوم اقتحام الكابيتول.

إمكانية العزل

جاء الدستور الأميركي واضحا في مسألة عزل الرئيس حيث نصت الفقرة الرابعة بالمادة الثانية على الحالات التي يعزل فيها رئيس الجمهورية وهي توجيه اتهام من السلطة التشريعية "الكونغرس" للرئيس بالخيانة أو الرشوة أو أية جرائم أو جنح خطيرة في حالة تمت إدانته.

ونصت المادة الثانية من الدستور كذلك على تنظيم مسألة الحكم بعد عزل الرئيس، وأنه في حال عزل الرئيس من منصبه أو وفاته أو تقديمه استقالته أو أن لديه عجزا يمنعه من القيام بواجبات منصبه، يتولى نائب الرئيس منصب الرئيس.

وهناك خياران قانونيان لعزل الرئيس هما، التعديل الـ25 أو الإقالة، أي العزل عبر الكونغرس، وهناك سيناريو ثالث، بديل هو دعوة مسؤولي الإدارة الأميركية وقادة الجيش لعدم اتباع الأوامر الرئاسية.

وفي حالة اللجوء لسيناريو عزل ترامب عن طريق المحاكمة البرلمانية، يمكن لمجلس النواب التحرك لتقديم طلب العزل بمواد العزل والتصويت عليها وإرسالها إلى مجلس الشيوخ.

ووفقا للدستور، يمكن عزل أي رئيس، حال اتهامه بتهم خطيرة، بطلب يقدمه عدد من نواب مجلس النواب، ولا تحتاج إلا لأغلبية بسيطة لتمريره (الديمقراطيون يسيطرون على 216 مقعدا مقابل 219 للجمهوريين من أصل 435).

لكن المعضلة، التي جعلت كل طلبات العزل السابقة للعديد من الرؤساء تفشل، هي في التصويت الثاني في مجلس الشيوخ، إذ إن الطلب يقدم في مجلس النواب لكن المحاكمة تتم في مجلس الشيوخ.

ويشترط الدستور لقبول عزل مجلس الشيوخ للرئيس أن يصوت ثلثا أعضاء مجلس الشيوخ من أجل تمرير قرار عزل الرئيس.

وهو أمر صعب حاليا، إذ يسيطر الجمهوريون على أغلبية المجلس (53 مقعدا من 100 مقعد)، كما أن مسألة العزل لم تحدث في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية.

وفي حالة المحاكمة أمام الكونغرس، تقدم قائمة التهم ويصوت عليها في مجلس النواب بأغلبية بسيطة 50 بالمئة+1، لكن حين يحاكمه مجلس الشيوخ، سيحتاج إلى ثلثي الأصوات (67 صوتا لإدانته من 100 عضو).

وحاليا لدى الديمقراطيين 47 سيناتور فقط في مجلس الشيوخ، وهو عدد غير كاف، لذلك يحتاجون إلى تصويت 17 نائبا جمهوريا من حزب ترامب، وهو أمر صعب ما قد يقلل من فرص عزله.

محاولات سابقة

وسبق أن حدثت هذه الإجراءات مع بيل كلينتون في قضية مونيكا لوينسكي الشهيرة عام 1998، فقد وجه له مجلس النواب ذو الأغلبية الجمهورية حينها الاتهامات، لكن المحكمة (مجلس الشيوخ) برأته بأغلبيتها الديمقراطية، وهذا نفسه ما حدث مع أندرو جاكسون عام 1868.

وفي حال تم عزل الرئيس ونائب الرئيس معا، أو خلا منصب الرئيس ونائب الرئيس لأسباب الوفاة أو العزل أو الاستقالة أو العجز عن القيام بمهام المنصب، يختار الكونغرس مسؤولا يتولى منصب الرئيس.

ويستمر هذا المسؤول في منصبه حتى تزول أسباب عدم قدرة الرئيس ونائبه عن القيام بمهام عملهما، أو أن يتم انتخاب رئيس جديد.

ويرى محللون أن البدء في الإجراءات حاليا سيشوه صورة ترامب ويلقي ظلالا من الشك على قراراته، ويظهره كرئيس مطعون في شرعية قراراته، كما أن طلبات العزل تؤكد وجود انقسامات سياسية عميقة داخليا وأن ملايين الأميركيين لا يريدونه. أما عن مطالبة الجيش بعدم إطاعة أوامر الرئيس، كنوع من العزل، فلها سوابق.

ففي فترة رئاسته الأولى، اتجهت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لقادة الجيش للتأكيد على عدم تنفيذ أوامر ترامب إذا قرر شن حرب خارجية.

وقالت بيلوسي في بيان صحفي حينئذ: "تحدثت هذا الصباح مع رئيس هيئة الأركان المشتركة مارك ميلي لمناقشة الاحتياطات المتاحة لمنع رئيس غير مستقر من بدء أعمال عدائية عسكرية أو الوصول إلى الحقيبة النووية والأمر بضربة نووية".

وهذه ليست المرة الأولى التي يطلب من قادة الجيش عدم إطاعة أوامر الرئيس التي يحددها الدستور.

ففي ظل أزمة ووترغيت في أوائل سبعينيات القرن الماضي، وقبل توجه الكونغرس لمحاكمة الرئيس نيكسون (استقال قبل بدئها)، وجّه وزير الدفاع آنذاك جيم شلينزجر تعليماته لقادة الجيوش بعدم تنفيذ أي أوامر رئاسية تتعلق باستخدام أسلحة نووية قبل الرجوع إليه وإلى وزير الخارجية هنري كيسنجر.

ولكن عدم اتباع أوامر الرئيس يعد عملا غير قانوني، إلا أن بعض خبراء القانون الدستوري يعتقدون أنه يمكن رفض الأوامر الرئاسية لو كانت غير دستورية، وهذا يخضع للحسابات والظروف السياسية المحيطة.

وعلى مدار تاريخ الولايات المتحدة لم يتم عزل أي رئيس، إلا أن ثلاثة رؤساء واجهوا هذا الخطر، فاستقال أحدهم، وهو ريتشارد نيكسون، بينما نجا اثنان هما أندرو جونسون وبيل كلينتون.