ضعف أم مناورة؟.. لماذا لم يرفض ملك الأردن خطة تهجير أهالي غزة أمام ترامب؟

تباينت ردود الأفعال حيال اللقاء بين ملك الأردن والرئيس الأميركي
الكثير من الجدل رافق اللقاء الذي جمع العاهل الأردني عبد الله الثاني، بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في البيت الأبيض، والحديث عن خطة الأخير لتهجير سكان قطاع عزة وإصراره على ضرورة إسكانهم في الأردن ومصر، ودول أخرى لم يحددها.
وما أثار الجدل تحديدا، هو الأجوبة الغامضة للعاهل الأردني، عندما تعهّد ترامب في حضوره بتهجير سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر، حتى زعم البعض أن تصريحات الملك جرى فبركتها، رغم حديث الأخير أمام الكاميرات بالصوت والصورة.
تصريحات غامضة
بدا الملك عبد الله أثناء اللقاء مع ترامب غير مرتاح وارتسمت على وجهه علامات دلت على الضيق أو أنه “بات في موقف محرج” كما رآها كثير من محللي لغة الجسد، وفق موقع "بي بي سي" البريطاني.
وفي أعقاب لقاء عقده مع العاهل الأردني في 11 فبراير/ شباط 2025، تحدث ترامب إلى الصحفيين في بيت الرئاسة عن تفاصيل الخطة.
وفي ردّه على سؤال من صحفي عن رفض الأردن السابق للخطة، قال ترامب: إنه ناقش مع الملك عبد الله هذا الاقتراح لفترة وجيزة، ثم التفت إلى العاهل الأردني وطلب منه أن يتحدث عن هذه القضية.
وحينها، قال الملك للصحفيين من دون أن يؤيد أو يعارض ترامب صراحة: إن "هناك خطة من مصر والدول العربية وتمت دعوتنا لمناقشة الأمر مع محمد بن سلمان (ولي العهد السعودي). النقطة (الأساسية) هي كيف نجعل ذلك (المقترح) يعمل بطريقة جيدة للجميع".
وكان من المتوقع أن يبلغ ملك الأردن ترامب بأن مثل هذه الخطوة (التهجير) قد تثير موجة من التطرف والفوضى في المنطقة وتعرض التطبيع مع إسرائيل للخطر وتهدد ببقاء الدولة ذاتها.
ثم أعلن الملك عن مبادرة قائلا: "أعتقد أن أحد الأمور التي يمكننا فعلها على الفور هو أخذ 2000 طفل من المصابين بالسرطان الذين هم في حالة سيئة للغاية، هذا ممكن".
وأشاد ترامب بالمبادرة، ووصفها بأنها "لفتة جميلة" وقال: إنه لم يكن يعلم بها قبل وصول العاهل الأردني إلى البيت الأبيض.
بعد دقائق من اجتماعهما في البيت الأبيض، نشر العاهل الأردني تغريدات عدة على حسابه الرسمي على منصة "إكس" بشأن ما دار بينه وبين ترامب.
وقال: "أعدت التأكيد على موقف الأردن الثابت ضد التهجير للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، وهذا هو الموقف العربي الموحد. يجب أن تكون أولوية الجميع إعادة إعمار غزة دون تهجير أهلها، والتعامل مع الوضع الإنساني الصعب في القطاع".
كما أبرز أنه أكد لترامب أن "مصلحة الأردن واستقراره، وحمايته هو والأردنيين بالنسبة لي فوق كل حسبان".
وأفاد أيضا بأنه أكد للرئيس الأميركي "أهمية العمل لخفض التصعيد في الضفة الغربية لمنع تدهور الأوضاع هناك، والتي سيكون لها آثار سلبية على المنطقة بأكملها".
من جهته، قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: إن "هناك خطة عربية مصرية لإعادة إعمار قطاع غزة دون تهجير أهله"، حسب مقابلة مع قناة المملكة الأردنية الرسمية في 11 فبراير.
لكن ترامب، قال للصحفيين عقب استقباله العاهل الأردني، إنه "ستكون هناك أماكن من الأرض في الأردن ومصر يمكن أن يعيش فيها الفلسطينيون".

"كواليس مثيرة"
وبخصوص تفاصيل ما جرى نقاشه وموقف العاهل الأردني من تهجير سكان غزة، قال الإعلامي الأردني حسام غرايبة: إن "الأردن حاول جهده ألا يكون هناك حضور للصحفيين خلال اللقاء، لكن الجانب الأميركي أصر على ذلك".
وأضاف غرايبة في حديث عبر إذاعة "حسنى" الأردنية، في 12 فبراير، أن المسؤولين الأردنيين كانوا رافضين فكرة وجود صحفيين بسبب ترامب؛ حيث لا يتوقع أحد ما سيفعله الرئيس الأميركي خلال اللقاء.
وتابع: كانت هناك خشية في الأردن من توجيه إهانة أو إساءة من ترامب إلى الملك، على غرار مواقف سابقة حصلت خلال لقائه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
وكشف غرايبة أن "الملك وولي العهد كانا غاضبين خلال اللقاء"، مضيفا أن "الأمر أشبه بشخص يدخل إلى حلبة ثيران بداخلها ثور هائج وبالتالي لا تعرف ماذا تفعل تجاهه، فلا يمكن أن تستثيره، والحكمة تقتضي ألا تواجهه".
وعن عدم رفض الملك علانية لمشروع ترامب لتهجير أهالي قطاع غزة إلى الأردن ومصر، قال غرايبة: إن "الصدام مع أميركا في هذا الوقت دمار، لكن في الوقت نفسه سأرفض تنفيذ ما يطلبونه مني. هذا يتطلب العمل بدبلوماسية هادئة ويحتاج إلى إسناد عربي وأوروبي".
وأردف: "كان جزء من الذكاء الذي فعله الملك، هو قوله لترامب: إن هناك اجتماعا عربيا سيبحث هذه المسائل".
وأشار إلى أن "الملك تحمل قرف هذه الزيارة"، قائلا: إنه كان رائدا أمام العرب حيث لم يجرؤ أي زعيم عربي على المبادرة إلى لقاء ترامب. بحسب وصفه.

وبشأن إعلان الملك استضافة ألفي طفل فلسطيني مصابين من قطاع غزة، قال غرايبة: إن ذلك لا يدخل في “التهجير”.
وأضاف أنه "يجب أن تقدم شيئا لتاجر العقارات الذي يريد أن يسلب أرضك، وبالتالي فإن الملك قدم مبادرة لاستضافة 2000 طفل فلسطيني".
في المقابل، قال الناشط الفلسطيني، أدهم أبو سليمة، عبر منصة "إكس" في 11 فبراير، إن "ملك الأردن ظهر ضعيفا مهزوزا أمام ترامب، حركات عيونه المتسارعة كانت تُظهر حالة من الارتباك والضعف، وبذهابه لأميركا أضعف عمومَ الموقفِ العربي".
ورأى أبو سليمة في تدوينته أن "ملك الأردن أعلن صراحةً موافقته على خطة ترامب للتطهير العرقي، حين صمت على كلامه باقتطاع قطعة أرض من الأردن لصالح أهل غزة".
وتارةً أخرى، حين كشف (ملك الأردن) عن جانب من الخطة بقوله إن ترامب مسرور من قراره استقبال ألفي طفل غزي مريض مع عائلاتهم. وثالثا عندما قال: إنه "ينتظر بقية الدول لمناقشة الخطة دون أي إعلان صريح لرفضها.
وتابع: "مؤسف ومخزٍ جدا هذا المشهد، مخزٍ أن تُظهِر للناس أنك شريك في التطهير العرقي بهزالة موقفك، وبقبولك ابتزاز المرضى من أطفال القطاع.. مخزٍ جداً ألا تقول لا لتهجير غزة وأهلها".
وختم أبو سليمة تدوينته بالقول: "حذرنا من مغبة الذهاب لأميركا قبل بلورة موقف عربي موحد، لكن ملك الأردن استبق الجميع ليقدم قرابين الطاعة بين يدي ترامب".
"اجتزاء وتحريف"
ودافع البعض عن تصريحات الملك خلال وجوده إلى جانب ترامب، إلى الحد الذي رأى في تصريحاته التي بثت بالصوت والصورة أنها كانت مفبركة ومحرّفة، وهو ما تحدث به رئيس حزب "الجيل الديمقراطي" المصري ناجى الشهابي في 12 فبراير.
وقال الشهابي خلال بيان نشرته صحيفة "اليوم السابع" المصرية، إنه “جرى تحريف تصريحات الملك عبد الله الثاني، وإخراجها من سياقها الطبيعي واجتزاؤها، لتفتيت الموقف العربي الموحد والثابت الرافض لمخطط ترامب باغتصاب أرض قطاع غزة وضمها للدولة الأميركية”.
وشدد على أن “مخطط تحريف تصريحات الملك عبد الله وتجزئتها بدأ من البيت الأبيض بمخالفته لما جرى الاتفاق عليه مع الأردن من أن يكون الاجتماع مغلقا، ولكن جرت دعوة الصحفيين بشكل مفاجئ للدخول، والهدف إحراج العاهل الأردني”.
وبحسب الشهابي، فإن "الملك عبد الله لم يتراجع عن موقف الأردن المعلن برفض التهجير، وأنه استخدم فقط الدبلوماسية بحكمة شديدة الإفلات من مصيدة ترامب فقال: لننتظر الخطة المصرية العربية المشتركة، وأن هناك اجتماعا مع ولي العهد السعودي والدول العربية ستعرض".
ورأى السياسي المصري أن موقف العاهل الأردني "ليس هروبا، بل كان تأكيدا واضحا لترامب بأنه لن يستطيع إبرام صفقة مع كل دولة عربية على حدة، وأن الموقف العربي واحد تجاه هذا المخطط الذي يطرحه الأخير".
ورأى الشهابي أن حديث العاهل الأردني عن نية بلاده استقبال ألفي طفل من غزة للعلاج، وقوله: “لن أفعل إلا ما هو في صالح بلدي الأردن”- "مناورة ذكية حتى لا يصطدم بترامب وأفكاره العبثية.
وصرّحت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت، بأن ملك الأردن أعرب خلال لقائه مع ترامب، عن "تفضيله الشديد" بقاء الفلسطينيين في أرضهم، فيما أشاد الأخير بالعاهل الأردني، بوصفه "أحد القادة العظماء الحقيقيين في العالم".
وذكرت ليفيت، خلال مؤتمر صحفي في 12 فبراير، أن ملك الأردن أعرب خلال لقائه الرئيس الأميركي عن "تفضيله الشديد" لبقاء الفلسطينيين في أرضهم "مع تخصيص أراضٍ إضافية لاستخدامها في مشاريع تنموية جديدة مما يخلق وظائف بمستويات غير مسبوقة".
واستدركت المتحدثة الأميركية، قائلة: "مع ذلك، يشعر الرئيس بأن هناك حلولا أكثر شمولية، بما في ذلك إمكانية نقل الفلسطينيين إلى مواقع أخرى أكثر أمنا"، مشيرة إلى أن "شركاءنا العرب يعملون على إعداد خطة سلام لتقديمها إلى ترامب".
المصادر
- خلال لقاء ملك الأردن.. ترامب يكشف تفاصيل خطة غزة
- هل أحرج ترامب ملك الأردن؟ ماذا دار بين الزعيمين في لقائهما حول مصير سكان قطاع غزة؟
- ملك الأردن: أكدت لترامب رفض المملكة تهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية
- إعلامي أردني يتحدث عن كواليس لقاء الملك مع ترامب.. "كان غاضبا" (شاهد)
- ملك الأردن يكشف موقفه من نقل سكان غزة ويقول "ترامب رجل سلام"
- حزب الجيل: تحريف تصريحات ملك الأردن هدفها تفتيت الموقف العربى الموحد