احتجاج نقابي ضد تكبيل أخنوش الحق بالإضراب.. هل تتسع رقعة العصيان؟

النقابات العمالية مستعدة لـ"مواصلة النضال بكل الأشكال الاحتجاجية السلمية"
في خطوة تصعيدية، خاضت 5 نقابات عمالية بالمغرب، أول إضراب وطني شامل في عهد حكومة عزيز أخنوش، احتجاجا على سياسات وصفتها بـ"اللا شعبية"، وعلى تمريرها لقانون الإضراب الذي عدته "تكبيلا" لهذا الحق.
ونفذت نقابات الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والاتحاد الوطني للشغل بالمغرب والمنظمة الديمقراطية للشغل وفيدرالية النقابات الديمقراطية، إضرابا عاما لمدة 24 ساعة في 5 فبراير/شباط 2025، فيما خاضت نقابة الاتحاد المغربي للشغل، إضرابا وطنيا عاما يومي 5 و6 فبراير 2025.
وارتبط الإضراب العام تاريخيا بأحداث كبرى بالمغرب، إذ كان يُنظر إليه من قبل السلطات على أنه شكل من أشكال العصيان المدني، مما أدى إلى مواجهات قوية بين الدولة والمحتجين بلغت حد ارتكاب اعتداءات دامية.
ولعل من أبرز هذه المحطات أحداث يونيو/حزيران 1981 أو ما يسمى بانتفاضة الدار البيضاء، التي جاءت في سياق أزمة اقتصادية خانقة وارتفاع في أسعار المواد الأساسية واختبار قوة بين السلطة السياسية والمعارضة اليسارية آنذاك.
وتلاه إضراب عام ثان في 14 ديسمبر/كانون الأول 1990، شهد أيضا أحداثا دامية في مدينة فاس، احتجاجا على سياسات التقويم الهيكلي التي فرضها صندوق النقد الدولي، وأدت إلى تدهور الأوضاع المعيشية في البلاد.
وفي 29 أكتوبر/تشرين الأول 2014، شهد المغرب إضرابا عاما، هو الأول من نوعه منذ عقدين، احتجاجا على سياسات الحكومة المتعلقة بإصلاح أنظمة التقاعد ورفع الدعم عن المحروقات، بالإضافة إلى مطالب أخرى تتعلق بتحسين الأجور وظروف العمل.
قانون تكبيلي
النقابات التي دعت لأول إضراب عام في عهد حكومة أخنوش، عدّت تمرير "مشروع القانون التنظيمي بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب"، هجوما على مكتسبات العمال وتكبيلا لحقهم الدستوري في الاحتجاج.
عضو المكتب التنفيذي للكونفدرالية الديمقراطية للشغل يونس فيراشين، وصف القانون بأنه "تكبيلي"، مشيرا إلى أن الحكومة رفضت أن تكون له ديباجة، بالرغم من أهميتها في مراحل التقاضي، بالنظر لدورها التوجيهي في حالة اختلاف التأويل.
وأشار فيراشين، في تصريح لموقع "الجزيرة"، إلى عدد من مواد القانون التي تعدها النقابات مكبلة للحق في الإضراب، من بينها ما يتعلق بالجهة الداعية إليه.
إذ حُصر هذا الحق في نقابات ذات تمثيلية كبيرة في صفوف الموظفين والأجراء، وجعل الدعوة إليه شبه مستحيلة في شركات القطاع الخاص التي ليس فيها تمثيلية نقابية.
وأكد فيراشين، رفض النقابات إعطاء الصلاحيات للسلطات ورئيس الحكومة لتعليق ووقف الإضراب، بل أكثر من هذا بفتح المجال لإحلال عمال مكان العمال المضربين، وهو أمر يتنافى مع مدونة الشغل، وفق تعبيره.
ونبه فيراشين إلى أن هذا الإضراب العام ستليه خطوات أخرى على المستوى النضالي والمؤسساتي، مردفا أنه "إذا استلزم الأمر سنلجأ إلى المحكمة الدستورية وإلى منظمة العمل الدولية".
وفي 5 فبراير 2025، صادق مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان)، بالأغلبية على مشروع القانون التنظيمي 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفية ممارسة حق الإضراب، في إطار القراءة الثانية، وذلك تزامنا مع الإضراب الوطني العام الذي خاضته النقابات من أجل المطالبة بإسقاطه.
مصادقة النواب على مشروع قانون الإضراب، وسط غياب كبير للبرلمانيين (حضور 104 فقط من أصل 395)، أثارت جدلا واسعا، إذ جرى التصويت على هذا القانون المهم بأغلبية 84 صوتا مقابل 20 معارضا.
وينتظر أن تتم إحالة مشروع القانون التنظيمي للإضراب وجوبا على المحكمة الدستورية للبت فيه، والتأكد من عدم مخالفته للدستور، قبل نشره في الجريدة الرسمية، أو إعادته للبرلمان في حال عدم مطابقته للوثيقة الدستورية.
دعم سياسي وحقوقي
الإضراب الذي دعت إليه خمس نقابات مركزية وشاركت فيه نقابات أخرى من مختلف قطاعات الوظيفة العمومية والقطاع الخاص، فاقت نسبة نجاحه على المستوى الوطني 80 بالمئة، حسب بيانات صادرة عن النقابات العمالية.
وطالبت المركزيات النقابية، حكومة عزيز أخنوش بالتراجع عن كل القرارات والقوانين التي قالت إنها "تستهدف المكتسبات الاجتماعية والحقوق والحريات وإيقاف مسطرة إقرار القانون التنظيمي للإضراب، والعودة إلى التفاوض الجدي والمسؤول".
وعبرت النقابات العمالية، عن استعدادها لـ"مواصلة النضال بكل الأشكال الاحتجاجية السلمية دفاعاً عن الحق في الإضراب والحقوق والمكتسبات الاجتماعية كافة".
وأمام هذا الغضب النقابي، أكد العديد من الهيئات السياسية والحقوقية دعمها لهذا الإضراب الوطني الشامل، معبرة عن تضامنها مع المركزيات النقابية في إضرابها العام.
حزب التقدم والاشتراكية (يساري معارض)، أعرب عن قلقه مما أسماه "تعنت الحكومة في تجاهل الاحتقان الاجتماعي المستمر ورفضها اتخاذ إجراءات ملموسة لتحسين الأوضاع، واستمرارها في تبني سياسات غير شعبية".
من جهته، أكد الحزب الاشتراكي الموحد (يساري معارض) أن هذا الإضراب العام يشكل "نضالا أساسيا في الدفاع عن حقوق العمال وحرياتهم".
وأبرز الحزب الاشتراكي الموحد، في بيان له، "أهمية وحدة الصف النضالي والانخراط بقوة في هذه المحطة النضالية التاريخية، ومواجهة السياسات الحكومية التي تتسبب في ارتفاع الأسعار وزيادة معاناة المواطنين".
أما على المستوى الحقوقي، فقد دعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (مؤسسة حقوقية غير رسمية) الحكومة إلى التراجع عن مشروع قانون الإضراب وفتح حوار مع جميع الفرقاء الممثلين للعمال.
وطالبت الهيئة الحقوقية، في بيان لها، بالتوافق على قانون يضمن الحقوق والحريات، بعيدا عن أي انحياز إلى "الباطرونا" (أرباب العمل الكبار) على حساب حقوق العمال والعاملات، وفي احترام للدستور والتشريعات الأممية ذات الصلة.
جدل الأرقام
وإذا كانت الهيئات النقابية أكدت نجاح الإضراب الذي دعمته هيئات سياسية وحقوقية، فإن الحكومة قللت من حجم المشاركة فيه عبر تقديم أرقام مغايرة لما أعلنت عنه النقابات بشأن نسبة المشاركة.
وفي 6 فبراير 2025، قال وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات "يونس السكوري"، خلال ندوة صحفية أعقبت انعقاد المجلس الحكومي، إن نسبة المشاركة في الإضراب بالقطاع العام لم تتجاوز 32 بالمئة، بينما بلغت في القطاع الخاص 1.4 بالمئة.
وأوضح الوزير أن نسبة المشاركة حسب القطاعات بلغت 35.5 بالمئة في قطاع التعليم، و33.3 بالمئة في قطاع الصحة، و30.5 بالمئة في قطاع العدل، و26.4 بالمئة في الجماعات الترابية، و25.9 بالمئة في المؤسسات العمومية وامتداداتها.
ودافع السكوري، عن القانون التنظيمي للإضراب الذي عد أنه جاء لحماية هذا الحق، بما في ذلك الاحتجاج الذي نظمته النقابات.
وهذا الأخير يطلق عليه اصطلاحا الإضراب العام، بينما سماه القانون الإضراب الوطني.
هذه الأرقام التي ساقها وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، رد عليها الأمين العام لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، ويرى أنها "إحصائيات مزيفة ومغلوطة"، متهما الوزير بأنه "لا يعرف كيفية حساب نسبة المشاركة في الإضراب العام".
وفي 8 فبراير 2025، كذّب القيادي النقابي، خلال المجلس الوطني لنقابة الاتحاد المغربي للشغل، الأرقام التي قدمها وزير التشغيل بخصوص حجم المشاركة في الإضراب الشامل.
ورأى أن وزير التشغيل احتسب المؤسسات والمصانع التي تتوفر على نقابات ولا توجد بها أي نقابة بسبب تهديد عمالها بالطرد حال تأسيس مثل هذا الكيان.
ورغم التباين والاختلاف بين الحكومة والنقابات بخصوص حجم المشاركة في هذا الإضراب العام، قال الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي عبد الحفيظ اليونسي، إنه تميز بثلاث سمات.
الأولى هي أنه يأتي في ظل النظام القانوني والاجتهاد القضائي الذي كان ينظم الإضراب قبل دخول القانون الجديد حيز التنفيذ.
وأضاف اليونسي، في حديث لـ"الاستقلال"، أن السمة الثانية هي أنه أول إضراب وطني عام في ظل الحكومة الحالية التي يقودها عزيز أخنوش، فيما تتمثل السمة الثالثة في أنه يتعلق بالقطاعين العام (وظيفة حكومية) والخاص.
ورأى أن هذه السمات الثلاث لا يمكن فصلها عن السياق الاقتصادي والاجتماعي حيث تدهورت القدرة الشرائية للمواطنين في ظل الغلاء المتصاعد، مؤكدا أن هذا السياق الاقتصادي والاجتماعي أدى إلى هذا الإضراب العام.
أما بالنسبة للسياق السياسي، يوضح اليونسي، أنه يتعلق بتعذر التوافق بين الحكومة والنقابات بخصوص مشروع قانون الإضراب.
وتابع أنه لا يمكن أن ننكر أن السبب المباشر لهذه الخطوة التصعيدية هو تمرير الحكومة لمشروع قانون الإضراب بأغلبيتها البرلمانية بمجلسي البرلمان، وبالتالي تغليب منطق الغلبة على التوافق في علاقة مع النقابات.
وسجل اليونسي، أن هذا الإضراب العام فيه نوع من "الإنذار النقابي" للحكومة لكي لا تمرر مشروع قانون النقابات الذي سيتم مناقشته في الأيام المقبلة، بنفس الطريقة بالاعتماد على أغلبيتها العددية دون إشراك وتوافق مع النقابات.
جرس إنذار
وإذا كان الأكاديمي اليونسي، يرى أن السياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي دفع النقابات لخوض هذا الإضراب العام، فإن الحقوقي والمحلل السياسي خالد البكاري، استغرب توقيت هذه الخطوة التصعيدية على تقدير أن السياق الحالي ليس جديدا.
البكاري، سجل أنه من الناحية المبدئية فإن الإضراب العام مشروع بسبب الغلاء وتراجع القدرة الشرائية للمواطنين إضافة إلى الهجوم على مجموعة من مكتسبات الشغيلة العمالية، مؤكدا أن هذا السياق الاجتماعي والاقتصادي يبرره.
وتابع أن كل هذه التراجعات ليست وليدة اليوم بل كانت سابقا منذ سنوات، معبرا عن استغرابه لخوض النقابات العمالية لهذا الإضراب العام في هذا التوقيت بالذات.
وعبّر البكاري، خلال مشاركته في برنامج "من الرباط" بالموقع المحلي "صوت المغرب"، عن تخوفه من أن يكون هذا الإضراب العام محاولة للضغط على الحكومة من أجل عدم إخراج قانون للنقابات.
ورأى أنه كيفما سيكون مشروع قانون النقابات الذي من المحتمل أن تحيله الحكومة على البرلمان للمصادقة عليه، فإنه أحسن من الفراغ التي تعيش على وقعه الهيئات النقابية.
وأردف أن هذا المشروع لن يخدم مصلحة البيروقراطية النقابية خاصة ما يتعلق بمراقبة مالية النقابات وتحديد عدد ولايات زعماء النقابات، مشيرا إلى أن "واقع النقابات من حيث الديمقراطية والشفافية فيه مشاكل كبيرة".
وأعرب البكاري، عن تخوفه من أن يكون هذا الإضراب العام "ورقة ضغط استباقية" على الحكومة لكي لا تمر إلى اعتماد قانون النقابات إلى غاية نهاية ولايتها.
وبخصوص مآلات هذا الإضراب العام، قال أستاذ القانون الدستوري بجامعة الحسن الأول بسطات عبد الحفيظ اليونسي، إن "على الدولة بمؤسساتها أن تخرج بالخلاصات اللازمة" بعد خوض النقابات لهذا الاحتجاج.
ونبه اليونسي إلى أن هذا الإضراب العام جرس إنذار للدولة لكي تعيد النظر في طريقة تعاملها مع الوضعية الاجتماعية بالخصوص.
وذلك في ظل سيطرة القطاع الخاص على الخدمات وبقاء الناس بمختلف الطبقات أمام واقع لا مفر منه، إما أن تستفيد من مستوى معين من الخدمات والمعيشة أو أنك أمام اندحار مجتمعي وطبقي نعيشه يوميا بالمغرب.
بدوره، أكد المحلل السياسي خالد البكاري، أن نتائج الإضراب العام ينبغي أن تدق ناقوس خطر بالنسبة للنقابات أولا.
إذ كشف أن النقابات ليس لها امتداد جماهيري داخل الشغيلة التي تمثلها، ثم جرس إنذار ليس للحكومة بل للدولة جراء ضعف الوسائط الاجتماعية من نقابات وأحزاب.
ورغم عدم ظهور احتقان اجتماعي على السطح بالمغرب حيث لا توجد احتجاجات، فإن هذا لا ينفي أن المغاربة غير راضين عن الوضع الحالي، وفق قوله.
وتابع: "هم لم يعودوا يثقون لا في النقابات ولا في الأحزاب ولا في الحكومة وهذا وضع خطير جدا".