السنغال تواجه أزمة اقتصادية جديدة بسبب صندوق النقد الدولي.. ما القصة؟

منذ ٧ ساعات

12

طباعة

مشاركة

ضربة غير منتظرة تلقاها الاقتصاد السنغالي، بعدما أعلن صندوق النقد الدولي عن غياب أي جدول زمني محدد لاستئناف المفاوضات بشأن برنامج تمويلي جديد.

ونقل موقع "أفريكا أنتلجينس" في 9 يونيو/حزيران 2025، أنه تم وقف المفاوضات التي كان من المفترض أن تُفعل في يونيو، حول تمويل بقيمة 1.8 مليار دولار (أكثر من 1000 مليار فرنك غرب إفريقي).

ونقل الموقع أن هذا التأجيل يأتي في أعقاب تحقيق داخلي أجرته المفتشية العامة للمالية بالسنغال، صادقت عليه محكمة الحسابات، وكشف عن تلاعب بالحسابات العامة خلال الفترة من 2019 إلى مارس/آذار 2024.

وتهم هذه التلاعبات أخطاء كبيرة في الإبلاغ عن أرقام الدين العام وعجز الميزانية في عهد الرئيس السابق ماكي سال.

وفي تصريح للصحافة، أكدت مديرة الاتصال في صندوق النقد، جولي كوزاك، أن المؤسسة "ما تزال في انتظار النتائج النهائية للتدقيق".

وأشارت إلى أن معالجة هذا الملف المعقد "يتطلب وقتا وإجراءات دقيقة"، ما يعني أن استئناف المحادثات المالية "لن يتم في المدى القريب".

ويواجه الفريق الحكومي الجديد بقيادة الرئيس باسيرو ديوماي فاي تحديات جسيمة، في وقت تتقلص فيه الهوامش الميزانية وتتزايد الضغوط الاجتماعية، وسط حاجة ماسة إلى التمويل الخارجي لدعم أولويات ذات طابع استعجالي.

انتظار حكومي

وأكد موقع "أون كيت بلاس" السنغالي في 16 يونيو 2025، أن البرنامج الجديد الذي تم تعليقه "كانت تنتظره الحكومة بفارغ الصبر".

وأشار إلى أن وزير المالية الشيخ ديبا، كان قد أعرب سابقا عن تفاؤله باستئناف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في أبريل/نيسان 2025، بهدف التوصل إلى اتفاق جديد بنهاية يونيو 2025.

كما أعلن الوزير، بتفاؤل كبير، عن تطوير برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي، والذي من المتوقع الانتهاء منه بحلول نهاية يونيو 2025 على أبعد تقدير. إلا أن هذا الأمل لم يتحقق.

ونقل المصدر ذاته أن صندوق النقد الدولي يدرس أيضا إمكانية طلب السداد المبكر للـ700 مليون دولار التي تم صرفها بالفعل بموجب الاتفاقية المعلقة، أو الإبقاء على شروط السداد الأولية من خلال إعفاء، غير أنه لم يُتخذ أي قرار بهذا الشأن بعد.

وأشار إلى أن استئناف أي برنامج جديد مع صندوق النقد الدولي مشروط بموافقة المجلس التنفيذي للصندوق على الإعفاء أو بتصحيح أخطاء التقارير، مشددا على أنه "لا يمكن بدء مناقشات جديدة بشأن برنامج جديد إلا بعد هذا القرار".

وأوضح أنه في ظل خيارات التمويل الخارجي المحدودة، قد تضطر السنغال إلى خفض الإنفاق المخطط له، أو طلب الدعم المؤقت من المقرضين الإقليميين حتى الانتهاء من عملية التدقيق واستعادة الثقة الدولية.

بدوره، قال موقع "لانوفيل تريبين"، في 14 يونيو: إن السنغال التي لطالما عدت نموذجا للاستقرار المالي غرب إفريقيا، تواجه حاليا تحذيرا صارما من صندوق النقد الدولي.

ووصف ما وقع بأنه "ليس مجرد خطأ فني، بل يثير شكوكا حول شفافية المالية العامة في ظل الإدارات السابقة".

ورأى أن قرار الصندوق "يُعقّد مجال المناورة أمام الحكومة الجديدة، في وقت تتطلب فيه العديد من المشاريع الاجتماعية والاقتصادية دعما ماليا قويا".

وقال الموقع: إنه بعيدا عن الجوانب الفنية، يُبرز الجمود مع صندوق النقد الدولي تحديا في مجال الحوكمة، فالنظام الجديد، الذي تعهد بالتخلي عن ممارسات الماضي الغامضة، يرى في هذه الأزمة فرصة لإعادة بناء أسس الإدارة العامة.

وشدد على أن استعادة الثقة “تتطلب حاليا تدقيقا دقيقا، وزيادة الشفافية بشأن الديون، وتطبيق أدوات مراقبة أكثر فعالية”.

وأشار إلى أنه “بدون إطار مالي واضح يدعمه صندوق النقد الدولي، فإن هامش تمويل السياسات الاجتماعية -في ظل التوقعات الشعبية العالية- معرض لخطر الانكماش”.

وخلص الموقع إلى أن نقص التمويل الميسر طويل الأجل يُجبر الدولة على الاختيار بين سداد الديون، والإنفاق ذي الأولوية، والاستثمارات الهيكلية.

عدم اليقين

في ظل تجميد برنامجها مع صندوق النقد الدولي، أعلنت السنغال عن إصدار سندات جديدة بقيمة 526 مليون دولار، في عملية إستراتيجية لتمويل أولوياتها، وفي الوقت نفسه، تختبر ثقة المستثمرين الإقليميين.

وبحسب موقع "أجونس إيكوفان"، في 18 يونيو 2025، فإن هذه الخطوة تهدف إلى تمويل المشاريع ذات الأولوية في سياق تجميد المناقشات مع صندوق النقد الدولي.

وأوضح أن الحكومة السنغالية "تسعى إلى تنويع مصادر تمويلها، مُركزة على المدخرات المحلية والإقليمية والدولية".

وذكر المصدر ذاته أن الآلية المختارة من الحكومة هي طرح عام (APE) مفتوح من 19 إلى 30 يونيو 2025، بثلاث آجال استحقاق: 5 سنوات بعائد 6.60 بالمئة، و7 سنوات بعائد 6.75 بالمئة، و10 سنوات بعائد 6.95 بالمئة.

ولفت إلى أنه “رغم ثبات هذه العائدات، إلا أنها تأتي في سياق يشهد فيه منحنى العائد في السنغال تقلبات غير عادية، الأمر الذي جعل المستثمرين يطالبون بعلاوة أعلى للقروض متوسطة الأجل مقارنة بالقروض طويلة الأجل، مما يعكس حالة من عدم اليقين بشأن أفق 2026-2027”.

واستطرد: “هي الفترة التي سيتعين على السنغال خلالها سداد سنداتها الأوروبية، التي شهدت خصما كبيرا منذ مارس 2025”.

وذكر أن أسعار الفائدة المعروضة من الحكومة لهذه الجولة الجديدة تبدو تنافسية للغاية، لا سيما بالنسبة للسندات لأجل 7 و10 سنوات؛ حيث تسعى وزارة الخزانة إلى جذب اكتتابات لآجال استحقاق طويلة، مع الحفاظ على تكاليف تمويل معقولة.

وأشار الموقع إلى أنه سيتم استخدام المبلغ الذي تم جمعه لتمويل مشاريع في قطاعات تعد ذات أولوية كالتعليم والصحة والبنية التحتية والحصول على المياه، والطاقة، والزراعة، والتكنولوجيا الرقمية.

تقدير موقف

في تحليله لهذه الفترة من الاضطرابات الاقتصادية والمالية التي تعيشها السنغال، والتي تفاقمت بسبب أزمة ثقة مع صندوق النقد الدولي، يرى الخبير الاقتصادي سيدنا عمر سيي، أن بلاده "تعيش وضعا اقتصاديا صعبا".

ورأى سيي لـ"الاستقلال"، أن تعليق العلاقات مع صندوق النقد الدولي، إثر مزاعم بتزوير الأرقام، “يلقي بظلاله الثقيلة على التوقعات المالية للبلاد”.

وأكد أن "السنغال تُخاطر بخسارة التمويل المُخصص لها من صندوق النقد الدولي، الأمر الذي يُشكل تحديا حاسما في مجال الشفافية أمام السلطات الجديدة".

وفي تفصيله للواقع الاقتصادي للسنغال، ذكر سيي أن نسبة الدين العام ارتفعت إلى الناتج المحلي الإجمالي من 48.8 بالمئة عام 2019 إلى 76.6 بالمئة عام 2023، ليصل الدين العام إلى 14 تريليون فرنك إفريقي في العام نفسه.

وحذر الخبير الاقتصادي من أن "هذا يُشكل عبئا ثقيلا على الاقتصاد الوطني، يُضاف إلى ذلك عجز مستمر في الميزانية، بلغ 6.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2022، مقارنة بـ4.8 بالمئة عام 2021".

وتابع: "كما "بلغ معدل التضخم، الذي غذته الأزمات الدولية، 9.7 بالمئة عام 2023، بزيادة حادة 2.5 بالمئة عام 2020".

واسترسل: "كما تباطأ النمو الاقتصادي من 6.5 بالمئة عام 2021 إلى 4.2 بالمئة في 2023، ويعزى ذلك أساسا إلى صدمات خارجية مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا". مشيرا إلى أن "بطالة الشباب ما تزال مصدر قلق كبير".

في مواجهة هذه التحديات، شدد سيي على "أهمية وضع إستراتيجيات واضحة لاستعادة ثقة المانحين وتمويل رؤية السنغال 2050".

وعلى الصعيد المالي، يردف، بأن "الهدف يتمثل في خفض العجز إلى 3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2025".

تجاوز العقبات

وشدد سيي على أن "مكافحة الفساد يجب أن تشكل أولوية قصوى، مع تعزيز مكتب مكافحة الفساد الوطني وإنشاء محاكم متخصصة، وهي رغبة أعربت عنها الحكومة الجديدة بوضوح".

ورأى الخبير الاقتصادي أن هذه الإصلاحات ضرورية لتمويل رؤية السنغال الطموحة 2050، التي تُقدر احتياجاتها بنحو 30 ألف مليار فرنك إفريقي (حوالي 25 مليار دولار).

وكان الرئيس باسيرو ديوماي فاي قد أقر رسميا "رؤية 2050" في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2024، والتي تهدف إلى إعادة تعريف مستقبل السنغال على مدى السنوات الخمس والعشرين القادمة، خلفا لخطة السنغال الناشئة للإدارة السابقة.

وتستند رؤية "السنغال 2050" على أربعة محاور رئيسة، وهي "بناء اقتصاد تنافسي، والاستدامة البيئية، وتنمية رأس المال البشري والعدالة الاجتماعية، بالإضافة إلى إعادة تشكيل الحوكمة".

والهدف الرئيس هو مضاعفة دخل الفرد السنوي ثلاث مرات بحلول عام 2050، وزيادته من حوالي 1691 دولارا عام 2023 إلى 4500 دولار، وتحقيق معدل نمو سنوي متوسط ​​يتراوح بين 6 و7 بالمئة.

ورأى سيي أن التنويع الاقتصادي "يعد أمرا بالغ الأهمية في مجابهة التحديات المالية التي يفرضها صندوق النقد الدولي".

واسترسل: "فعلى سبيل المثال، يشهد القطاع الرقمي نموا في مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي، من 5 بالمئة عام 2020 إلى 8.5 بالمئة عام 2023".

كما تشمل إستراتيجيات المرونة أيضا تعبئة الموارد المحلية، مع زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 12 بالمئة بحلول عام 2023.

ورأى أن "الشراكات بين القطاعين العام والخاص تمثل سبيلا واعدا آخر لتجاوز عقبات التمويل، حيث يبلغ إجمالي المشاريع الجارية 15 مشروعا بقيمة 2000 مليار فرنك إفريقي (ما يعادل 3.5 مليارات دولار)".

وخلص سيي إلى أن السر الأساس في الانتصار على التحديات القائمة ومواجهة كل الإشكالات المسجلة هو "الثقة"، معتبرا أن هناك حاجة ملحة لاستعادتها وتعزيزها في السنغال.