حادث عارض أم معركة بالسودان؟.. شكوك عديدة حول ملابسات مقتل ضباط إماراتيين

"الأسوأ أن هذا يحدث وسط صمت عربي مخز"
نشرت وزارة الدفاع الإماراتية نعيا أثار جدلا عن مقتل 4 من أفراد قواتها المسلحة وإصابة 9 آخرين على أثر حادث تعرضوا له يوم 24 سبتمبر/ أيلول 2024، أثناء أداء الواجب بـ"الدولة".
ذلك النعي خلّف جدلا بشأن غياب التفاصيل الخاصة بكيفية مقتل وإصابة هذا العدد الكبير، وأثيرت تساؤلات من قبيل، هل هو حادث سير؟ أم حادث تحطم طائرة؟ أم انفجار؟
وقوع الحادث أيضا “داخل الدولة”، يشير إلى نفي ضمني لأمر محتمل بإمكانية الحديث عن روايات أخرى تتعلق بمقتل هؤلاء العسكريين في مكان ما خارج الإمارات.
لا سيما أن الإمارات متورطة في صراعات بعدد من الدول، مثل السودان وليبيا واليمن.
وسبق أن أعلن في 11 فبراير/ شباط 2024، عن مقتل أربعة من أفراد القوات المسلحة الإماراتية، بينهم ضابط كبير، في عملية استهدفت قاعدة "غوردون" العسكرية، التي تديرها الإمارات في العاصمة الصومالية مقديشو.
وكشفت حينها "أبو ظبي" أن الضابط الكبير، هو العقيد ركن طيار "محمد ربيع المنصوري" وشهرته "محمد المنصوري".
فهل كان الحادث الأخير على غرار حادثة "مقديشو"؟ وإذا كان لماذا لم تعلن الإمارات الحقيقة؟
أين قتلوا؟
كشف عن لغز مقتل العسكريين الإماراتيين، المفكر السوداني الدكتور تاج السر عثمان علي، الذي كتب في منشور عبر منصة "إكس" قائلا: "مقتل أربعة جنود إماراتيين وإصابة آخرين أثناء وجودهم مع مليشيات حميدتي بالسودان".
وأضاف: “يبقى السؤال: لماذا تخفي الإمارات حقيقة مقتل جنودها وهم يقفون مع المتمردين؟”
ثم أورد: "لماذا يزج محمد بن زايد بأبناء الإمارات في حروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل في السودان، ثم يعلن أنهم توفوا أثناء تأدية واجب في مكان مجهول أو في حوادث مرورية!".
وسبق أن كتب تاج السر عثمان علي، في منشور آخر معقبا على نعي وزارة الدفاع الإماراتية: "من حق أسر الجنود أن تخبروهم أن أبناءهم قتلوا وهم يقفون إلى جانب المتمردين في السودان!".
وتابع: "أخبروهم بمكان مقتلهم، ليعلموا أنكم تجار حروب بالوكالة دفعتم بأبنائهم في حرب لا تعنيهم".
كيف قتلوا؟
من جانبها، أشارت حسابات ومواقع سودانية مثل صحيفة “سودان تريبيون”، إلى أن العسكريين الإماراتيين قتلوا وأصيبوا في قصف الطيران الحربي التابع للجيش السوداني على مطار مدينة نيالا بولاية جنوب دارفور.
تلك المدينة الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع المتمردة، بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي" المدعوم إماراتيا.
وكشفت الصحيفة أن القصف الجوي أدى إلى تدمير المدرج وأبراج المراقبة ومكاتب إدارية داخل المرفق، كما طال القصف مقر الفرقة السادسة عشرة مشاة، ما خلف عشرات القتلى ومنهم الجنود الإماراتيون.
وأن الهجوم جاء على المطار بعد أيام قليلة من استقباله طائرة شحن ضخمة تقول مصادر متفرقة إنها أفرغت شحنات أسلحة ثقيلة وردت من الإمارات.
وذكرت أن القصف على "نيالا" تتضمن أيضا ضرب أنظمة تشويش حديثة كانت توجد في جبل نيالا الواقع في شرق المدينة.
وأشارت كذلك إلى استهداف مخازن استخدمتها قوات الدعم السريع في تخزين إمدادات عسكرية بالقرب من مدرسة "البير راغب" الثانوية بنات.
وأعلنت مواقع سودانية أن مبررات القصف العنيف للمدينة في هذا التوقيت، جاءت لقطع الشحنات العسكرية المرسلة من الإمارات، إلى الدعم السريع في عاصمة جنوب دارفور، قبل نقلها إلى مسارح العمليات في الخرطوم ومناطق أخرى.
لعبة مزدوجة
وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية، نشرت في 21 سبتمبر 2024، أن الإمارات تؤدي "لعبة مزدوجة قاتلة" في السودان.
وتحدثت الصحيفة في تقريرها عن كيفية تستر "أبو ظبي" بالعمل الإغاثي ظاهريا، بينما تعمل على توسيع "حملة سرية" لدعم الطرف المتوقع أن يكون المنتصر في الحرب الأهلية في السودان، وتقصد قوات الدعم السريع.
كما اتهمتها بالتخفي تحت راية منظمة "الهلال الأحمر"، لتهريب الأسلحة ونشر الطائرات بدون طيار، وإدخال الضباط العسكريين والمهندسين المتخصصين في الاتصالات والتكنولوجيا إلى القواعد العسكرية التابعة للمتمردين.
وأوضحت "نيويورك تايمز" أنه تم إشعال وتغذية الحرب في السودان، الغنية بالذهب والتي يبلغ طول ساحلها على البحر الأحمر حوالي 500 ميل، من قبل مجموعة كبيرة من الدول الأجنبية، مثل إيران وروسيا.
لكن الإمارات التي تعزز دورها كصانعة ملوك إقليمية، هي التي تولّت النصيب الأكبر من مهمة إمداد الدعم السريع بالسلاح.
وذلك على أمل ترجيح كفة الميزان لصالحه وتحقيق مكاسب إستراتيجية خاصة بها، في حين يقع شعب السودان في مرمى النيران المتبادلة، وأصبح عرضة للأمراض والأوبئة والمجاعات القاتلة.
قوات سرية
لكن هناك جزءا متعلقا بالعسكريين الإمارات الذين يفدون على السودان لمساعدة الدعم السريع، وهو أمر يتجاوز المعدات العسكرية والأسلحة الثقيلة والمتوسطة.
لأنه بوجود عسكريين وضباط إماراتيين، تصبح "أبوظبي" جزءا أساسيا من الصراع الدموي الدائر في السودان.
وكشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية في 25 يوليو/ تموز 2024، أنها حصلت على معلومات تؤكد مشاركة قوات إماراتية، في الحرب الأهلية بالسودان إلى جانب قوات "الدعم السريع" ضد الجيش السوداني.
وأعلنت أن وثيقة مكونة من 41 صفحة جرى إرسالها إلى مجلس الأمن، تشير إلى أن “جوازات سفر تم العثور عليها في ساحات القتال بالسودان تؤكد أن الإمارات أرسلت قوات سرية إلى الأرض في الحرب المدمرة الدائرة هناك”.
ولفتت "الغارديان" إلى أن جوازات السفر تم استرجاعها من أم درمان، المدينة الواقعة على الضفة الأخرى من نهر النيل قبالة العاصمة الخرطوم، وكانت في منطقة تحت سيطرة الدعم السريع لكن الجيش السوداني استعادها أخيرا.
وقالت إن الوثائق تضمنت صورا لصفحات أربعة جوازات سفر تعود لمواطنين من دولة الإمارات، اثنان منهم من مواليد دبي، وواحد من مدينة العين، وآخر من عجمان، خامس أكبر المدن الإماراتية، وتتراوح أعمار هؤلاء بين 29 و49 عاما.
وأوضحت أن مصدرا مطلعا على عملية الاكتشاف ذكر بأن جوازات السفر تم انتشالها من حطام سيارة عثر عليها في أم درمان، وأنها تعود لضباط مخابرات إماراتيين.
واختتمت الصحيفة بأن ذلك الكشف من شأنه أن يشكل تصعيدا، ويزيد من تأجيج التعقيدات الجيوسياسية للحرب السودانية.

صفقة شيطانية
وتعليقا على المشهد، قال الصحفي السوداني محمد نصر، إن "وجود قوات وضباط إماراتيين في السودان لدعم حميدتي ليس بخبر جديد أو مستغرب، فهم موجودون منذ اللحظات الأولى للحرب عام 2023، كمستشارين ومراقبين ومقاتلين".
وأضاف لـ"الاستقلال"، أن “هناك صفقة شيطانية دبرت بليل بين محمد بن زايد وحميدتي، على أن يكون الأخير هو حاكم السودان، وقواته هي البديل عن القوات المسلحة السودانية”.
وبذلك يكون ابن زايد، وفق نصر، قد اصطاد مجموعة من الفرائس بسهم واحد، أولها إزاحة آخر بقايا الإسلاميين داخل المؤسسات السودانية، تحديدا الجيش والمخابرات.
وثانيا "السيطرة على مناجم الذهب خاصة الواقعة في دارفور وكردفان، وهي مطمع رئيس للإمارات، ووجدت بغيتها عند حميدتي، الذي سيمهد لها ما تريد".
وأكمل: "كذلك فإن تحكم الإمارات في السودان يضمن لها مجموعة من المكاسب الإستراتيجية، حيث سيكون مؤثرا على ملف ليبيا ودعمها لحليفها خليفة حفتر، وأيضا تحكمها في جزء جديد من موانئ البحر الأحمر، تحديدا بورتسودان التي تضع عينيها عليه منذ زمن بعيد".
وختم الصحفي السوداني قائلا: "كل ذلك لا يجعلنا نتعجب من وجود عسكريين إماراتيين على الأراضي السودانية، لكن الأسوأ أن هذا يحدث وسط صمت عربي مخز، يرى السودان يموت ببطء دون أن يحرك ساكنا، تماما كما فعل في غزة".