الانقسام الفلسطيني يعقد مستقبل غزة بعد العدوان.. أبرز السيناريوهات
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي ورقة يناقش من خلالها "مآلات الحرب" الحالية في قطاع غزة، المستمرة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وأشار المعهد إلى الخلاف الممتد بين حركتي المقاومة الإسلامية حماس والتحرير الوطني الفلسطيني فتح، في ظل استبعاد احتمالية اقتراب حدوث مصالحة بين الجانبين.
كما عرج على فكرة "عدم وجود أي قوة عربية أو دولية تريد أن تنخرط في حكم قطاع غزة في اليوم التالي للحرب".
وفي ظل هذه الظروف، يتساءل المعهد الأمني: "هل يكون ذلك عاملا يدفع إسرائيل إلى خيار الحكم العسكري المؤقت لقطاع غزة؟".
خطوة غير ديمقراطية
في رأي المعهد الإسرائيلي، "لم يكن قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتعيين محمد مصطفى رئيسا جديدا للوزراء، بعد قبول استقالة محمد اشتية، مفاجئا".
"ففي نهاية المطاف، محمد مصطفى ما هو إلا نسخة مشابهة لمحمد اشتية، حيث استبدل عباس زميلا بآخر". وتوضيحا لأوجه الشبه بين الشخصيتين، يشير المعهد إلى أن كليهما عضو في حركة فتح.
ويذكر أن محمد مصطفى عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية والمستشار الاقتصادي لعباس.
ومن جانبه، ينظر الجمهور الفلسطيني إلى مصطفى على أنه متورط في تسهيل الفساد الاقتصادي لعباس وأفراد عائلته على حساب الشعب واقتصاده.
وفي غضون ذلك، يلفت المعهد الأمني إلى أن مصطفى "يحظى بقبول دائرة المقربين من عباس وكبار مسؤولي فتح، ومن بينهم القيادات الأجنبية التي وصلت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة عقب اتفاقات أوسلو (للسلام عام 1993)".
وتابع: "وفي مقابل ذلك، أثار تعيين مصطفى غضب حركة حماس وغيرها من التنظيمات الفلسطينية".
وبهذا الشأن، يقول إن "معارضة حماس للتعيين بدعوى أنه خطوة غير ديمقراطية أدى إلى رد فعل قاس بشكل خاص من قبل فتح، والذي تضمن اتهام الحركة (الإسلامية) وتحميلها مسؤولية الحرب في غزة".
إذ وصفتها بأنها "مبعوث إيراني تسبب في نكبة الشعب الفلسطيني بشكل أسوأ مما كان عليه في عام 1948".
وفي هذا السياق، يوضح المعهد أن "التنافس بين فتح وحماس، الذي له جذور أيديولوجية جوهرية، يتركز حول قيادة النضال الوطني الفلسطيني".
وتابع: "وفي هذه الأيام، ما تعده حماس حرب تحرير وطني على نطاق تاريخي، يذكر بانتصار صلاح الدين على الصليبيين، تنظر إليه فتح بصفته كارثة وطنية خطيرة مثل نكبة عام 1948".
وأردف: "تبذل حماس قصارى جهدها للحفاظ على سيطرتها المدنية على غزة حتى في المناطق التي احتلها الجيش الإسرائيلي وطهرها بالفعل في شمال القطاع، بينما تحاول فتح إقناع المجتمع الدولي والسكان المحليين بأنها البديل بعد الحرب".
فجوة كبيرة
"وفي ظل هذه الظروف، من الصعب أن نرى مصالحة بين حماس وفتح"، كما يؤكد معهد دراسات الأمن الإسرائيلي.
ويصف مساعي الخلاف والمصالحة بين فتح وحماس بوصفها "نغمة تكرر نفسها" منذ سيطرة حماس على قطاع غزة في يونيو/ حزيران 2007.
وأردف: "ورغم ذلك، في هذه الأثناء، يتوقع عباس إعلانا أحاديا من حماس بشأن التنازل عن السلطة في قطاع غزة والموافقة على دخول حكومة الوحدة الفلسطينية التكنوقراطية دون قيد أو شرط".
وفي هذه الظروف، يذهب المعهد إلى أن "الاتفاق بين الطرفين -حماس وفتح- سيكتسب معنى إضافيا في ظل سعي السلطة الأميركية والسلطة الفلسطينية -بدعم إسرائيلي جزئي- إلى عودة الأخيرة إلى قطاع غزة لإدارته وإعادة تأهيله".
وفي هذا السياق، ورد ذكر ماجد فرج، رئيس المخابرات العامة والمستشار الأمني الأقرب لعباس، كشخص يمكن أن يقود هذه المهمة.
جدير بالإشارة إلى أن فرج يتمتع بثقة كل من عباس والإدارة الأميركية، كما تقدره المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
ومن بين أمور أخرى، يذكر المعهد الإسرائيلي مقترحا آخر؛ وهو توزيع نحو 7000 من عناصر فتح في قطاع غزة وتدريبهم عسكريا على يد القوات الأميركية في الأردن، قبل إعادتهم كقوة أمنية وشرطية إلى القطاع تحت قيادة فرج.
وفيما يخص هذه المقترحات، يتساءل: "ما الذي يقنع مؤيدي السلطة الفلسطينية بأن هذه فكرة قابلة للتطبيق؟ لا سيما في ظل معاناتها هي ورئيسها عباس من عجز عميق في الشرعية العامة".
ولفت المعهد إلى أن "الجمهور الفلسطيني ينظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها عبء، ويطالب منذ فترة باستقالة عباس".
ومع الإشارة إلى "الفجوة التي تتزايد أكثر بين فتح وحماس"، يلفت المعهد إلى إعلان قيادات الأخيرة أن "الحركة غير مهتمة بالعودة للسيطرة على قطاع غزة"، وأنها "مستعدة أن تتولى السلطة الفلسطينية إدارة الجانب المدني في المنطقة، بشرط التوافق الوطني من المكونات المحلية كافة على هذه السلطة".
ويضيف المعهد أن حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحماس والمسؤول عن العلاقات مع فتح، أعلن في مؤتمر للتنظيمات الفلسطينية كافة عُقد في موسكو في 26 فبراير/ شباط 2024، أن حركته "توافق على تشكيل حكومة تكنوقراط، يكون مصدر صلاحياتها منظمة التحرير الفلسطينية".
كما ذكر بدران أن "حماس مستعدة للانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية دون شروط مسبقة والقبول بخطة المنظمة للحل السياسي للصراع مع إسرائيل وفقا لقرارات الأمم المتحدة".
ولكن من وجهة نظر المعهد، فإن هذه التصريحات "لا تشير إلى أن حماس ستكون مستعدة لتسليم أسلحتها وإخضاع قوتها العسكرية للآليات الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية".
ويوصي بضرورة التعامل مع هذه التصريحات على نحو مماثل لما حدث بعد إعلان حماس الوثيقة السياسية في مايو/أيار 2017، والتي ظهر فيها بعض البراغماتية، لكنها لم تكن تغييرا للهدف النهائي لحماس ولا لرؤيتها في التعامل مع إسرائيل.
وأكد أن "الحفاظ على القوة العسكرية هو أساس وشرط رئيس للعمل بالنسبة لحماس، على غرار نموذج حزب الله".
وبالعودة إلى تصريحات حماس بخصوص حكومة التكنوقراط، يلمح المعهد إلى أنها تقصد بذلك أن "السلطة الفلسطينية ستدير الشؤون المدنية في القطاع، لكن السيطرة الفعلية ستبقى خاضعة للبنادق وترسانة الحركة العسكرية".
قيادة فاشلة
بالعودة إلى موضوع محمد مصطفى مرة أخرى، يقول المعهد الإسرائيلي إن "تعيينه رئيسا للوزراء يُعد بمثابة رقابة على الإصلاحات المهمة في السلطة الفلسطينية".
وينوه المعهد إلى أن "عباس ومن حوله غير مهتمين بالإصلاحات، وبالتأكيد لا يريدون الانتخابات التي قد تبعدهم عن مراكز السيطرة والنفوذ".
وفي رأيه، فإن "الثقافة التنظيمية للسلطة الفلسطينية هي إعادة إنتاج للثقافة الثورية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأنماط عملها على مر السنين".
ولا يمكن للقيادة الحالية -بحسب المعهد- أن "تؤدي في الواقع إلى تغيير عميق في السلطة الفلسطينية، والذي يعني تغييرا عميقا في صفوف القيادة والاعتراف بالفشل".
وفي هذا السياق، يشير معهد الدراسات إلى أن "ماجد فرج، الذي يمكن أن يقال عنه إنه محترف وواقعي وبعيد نسبيا عن العمل السياسي، غير قادر على التعامل مع التحديات الأمنية في المناطق الواقعة تحت مسؤولية السلطة".
ومن دون نشاط قوات الجيش الإسرائيلي في قلب المدن الفلسطينية ومخيمات اللاجئين، يؤكد المعهد أن "حماس كانت ستكمل سيطرتها على السلطة الفلسطينية".
وبالتالي، يتعجب المعهد متسائلا: "كيف سيتمكن أولئك الذين لم ينجحوا في مهمة أقل تعقيدا في الضفة الغربية من السيطرة على القطاع ولا سيما في ظل الظروف الفريدة والمعقدة التي يعيشها قطاع غزة على خلفية الحرب وتداعياتها؟".
حكومة عسكرية مؤقتة
وفي النهاية، بحسب ادعاء المعهد، "لن توافق أي جهة عربية أو دولية أو إسرائيلية على الاستثمار في إعادة إعمار القطاع ما دامت حماس هي الكيان الحاكم".
ومعنى استمرار الصراع بين فتح وحماس، مع بقاء الحركة الإسلامية ككيان حاكم في قطاع غزة بحكم الأمر الواقع، هو "أنه حتى لو تحقق اتفاق وقف لإطلاق النار في الحرب وأُطلق سراح الرهائن الإسرائيليين، فلن يكون من الممكن البدء بعمليات المساعدات المدنية وإعادة التأهيل في غزة".
وفي ضوء هذا الواقع، يشير المعهد إلى أن "هذا الواقع قد يقود إلى اتجاه يدفع بإسرائيل لإقامة حكومة عسكرية مؤقتة في قطاع غزة، حتى لو كان ذلك فقط بسبب عدم وجود بديل معقول".
ويشدد مرة أخرى على أن "حماس ليست خيارا"، مؤكدا على أن "عودة السلطة الفلسطينية إلى القطاع هي حلم بعيد المنال، ولا توجد آلية إقليمية أو دولية جاهزة للتحرك".
علاوة على ذلك، وفي غياب بديل حاكم لحماس، يقول المعهد إن "السكان المحليين يستمرون في الإيمان بإمكانية بقاء الحركة وحكمها، وهو ما يشجع قيادتها ويحفزهم للضغط على إسرائيل ولاستعادة قبضتها المدنية والعسكرية".
ولذلك، يعتقد أن "إسرائيل في هذه المرحلة عليها أن تعلن عن تشكيل حكومة عسكرية تُعرف بأنها مؤقتة في شمال قطاع غزة، في ظل وجود عدد قليل نسبيا من السكان وبنية تحتية ضعيفة لحماس"، وفق تقديره.
ويختتم المعهد بتوضيح أن "تشكيل هذه الحكومة العسكرية له ثلاثة أهداف أساسية، أولها، ضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى وجهتها بطريقة آمنة، وليس عبر حماس، مما يمنع الفوضى وسقوط ضحايا في الجانب الفلسطيني.
والهدف الثاني يتمثل في المضي قدما للتأكيد لقيادة حماس والسكان الفلسطينيين بأن الحركة لم تعد بديلا؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى إضعاف الدعم الشعبي لها.
أما الهدف الثالث والأخير فيشمل تهيئة المنطقة لدخول قوة عمل متعددة الجنسيات أو إقليمية أو مزيج منهما، بالإضافة إلى نقل صلاحيات إدارة المنطقة والسكان وبدء عملية إعادة التأهيل، استعدادا للاستقلال الفلسطيني في إدارة القطاع، وفق تقديره.