بغض النظر عن الفائز.. لماذا تعد الصين الخاسر الأكبر من انتخابات أميركا؟

الفترة القادمة ستشهد تعقيد شبكة العلاقات والتحالفات والشراكات الأميركية
مع انطلاق الانتخابات الرئاسية الأميركية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني، تسود تساؤلات عن التغيرات المحتملة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة في عدة ملفات منها العلاقات مع الصين والدور في منطقة المحيطين الهادئ والهندي.
وفيما يخص بكين، تتوقع مجلة “فورميكي” الإيطالية أن تكون الصين بقيادة الرئيس شي جين بينغ الخاسر الأكيد بعد الانتخابات الأميركية لأن كلا من المرشحين كامالا هاريس ودونالد ترامب سيستمران في نفس سياسة الاحتواء و"تشديد القبضة".
وتعتقد المجلة أنه رغم اختلاف أساليب ترامب وهاريس بشأن الصين، فإن الفترة القادمة ستشهد تعقيد شبكة العلاقات والتحالفات والشراكات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
تعقيد التحالفات
وكان الرئيس الأميركي جو بايدن قد اجتمع في أغسطس/آب 2023 برئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا والرئيس الكوري الجنوبي يون سوك يول في كامب ديفيد واتفقوا على تعميق التعاون العسكري والاقتصادي واتخاذ موقف موحد ضد الصين والتهديدات الأمنية من كوريا الشمالية.
عدت المجلة الإيطالية ذلك "نجاحا رئيسا لرئاسة جو بايدن فيما يتعلق بملف المحيطين الهندي والهادئ؛ لأنه فتح المجال أمام توازن إقليمي جديد مع هذين الحليفين".

وفيما يتعلق بمستقبل السياسة الخارجية الأميركية في مختلف الملفات، من بينها الصين والدور الأميركي في منطقة المحيطين الهادئ والهندي، جزمت المجلة أن إستراتيجية احتواء بكين ستستمر رغم الخلافات بين المرشحين.
وأكدت أن ذلك سيكون في نطاق المحاولة خاصة بالنظر إلى تطور القدرات البحرية العسكرية والمدنية والهجينة والتطور على مستوى الفضاء، ناهيك عن الانتشار الهائل الذي وصلت إليه أنشطة التجسس لبكين.
لهذه الأسباب، تتوقع أن تكون سياسات إدارة ترامب أو هاريس منسجمة إستراتيجيا مع المناخ العام للمواجهة، مشددة أن كليهما سيحافظ على نفس سياسة إحكام القبضة على الصين.
وتلاحظ أن الطرق التي ينوي من خلالها المرشحين إدارة العلاقات مع الحلفاء الآسيويين تشير إلى نهج مختلف تمامًا وربما حاسم فيما يتعلق بتوازن المنطقة وهو عنصر الاهتمام الذي تركز عليه بكين.
وبحسب تعبيرها، لا تستطيع أميركا مواجهة الصين بمفردها، خصوصا أن الأخيرة تتصدر من حيث القوة الاقتصادية والعسكرية والسردية، مجموعة “CRINK”، التي تعد اختصارا للدول المنبوذة، روسيا والصين وكوريا الشمالية.
ترجح المجلة أن تشتد المنافسة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين، بغض النظر عمن سيتولى الرئاسة في يناير/كانون الثاني 2025.
وقالت إن الرئيس المقبل سيكون أمام تحديات التحديث العسكري في الصين والتقدم المحرز في عدة مجالات والنفوذ المتزايد في البلدان النامية.
لكنها أشارت إلى أن الدولة الآسيوية تعاني من مشاكل التباطؤ الاقتصادي، فيما تحد الصعوبات والتوترات المتزايدة مع القوى الصناعية المتقدمة من قدرتها على الهيمنة على آسيا، ناهيك عن تحقيق التفوق العالمي.
واستدركت أن “بكين، بفضل ما تتمتع به من قوة صناعية وتكنولوجية أضخم كثيرا من تلك التي كان يتمتع بها الاتحاد السوفيتي، مندمجة بشكل عميق في الاقتصاد العالمي بما في ذلك اقتصاد الولايات المتحدة ولا يمكن ببساطة تجاهلها أو عزلها كما كانت الحال أثناء الحرب الباردة”.
اختلاف النهج
من جهته، توعد ترامب بنهج أكثر عدوانية ضدها بفرض تعريفة بنسبة 60 بالمئة على كل السلع الصينية على الرغم من التحذيرات من ذلك قد يلحق أضرارا جسيمة بالاقتصاد العالمي.
في إدارة ملف الصين، رجحت فورميكي أن تستمر هاريس في المقابل بنفس نهج بايدن مع التركيز على زيادة القدرة التنافسية الأميركية في قطاعي التكنولوجيا الفائقة والاقتصاد الأخضر والاهتمام بالدفاع عن تايوان، بالإضافة إلى مزيد من هيكلة التحالفات والشراكات الإقليمية.
كما ترجح أن تسعى هاريس إلى" طمأنة بكين بأن بلادها لا تدفع نحو الحرب ولا تعمل على إعاقة التقدم الصين خاصة أن نشأتها في كاليفورنيا ومعرفتها بالمجتمع الأميركي الآسيوي تمنحها بعض الفهم لتعقيدات العلاقة بين الصين والولايات المتحدة".

من ناحية أخرى، يظهر الاختلاف الحقيقي بين ترامب وهاريس في العلاقات مع الحلفاء الآسيويين.
وأشارت المجلة إلى أنه لطالما أثار نهج ترامب وشعاره "أميركا أولا" الجدل في الماضي، فضلا عن التوترات في العلاقات الاقتصادية والأمنية مع اليابان وكوريا الجنوبية.
وفي مقال نُشِر في مجلة" فورين أفيرز"، يرى الباحثون وانج جيسي، وهو ران، وتشاو جيانوي من جامعة بكين أن ترامب "أقل قدرة على حشد الحلفاء والشركاء ضد الصين والسعي إلى اتفاق منفصل مع روسيا"، الشريك الإستراتيجي التاريخي لها.
ويخاطر هذا النهج، على حد قول المجلة، بالتأثير سلبا عل العلاقات الأميركية مع أوروبا وآسيا لا سيما مع استعداد الرئيس السابق لتقديم تنازلات كبيرة من أجل إعادة التوازن إلى العلاقات الاقتصادية مع الصين.
على العكس من ذلك، من المحتمل أن تحافظ هاريس على نهج متعدد الأطراف وتوظف شبكة التحالفات والشراكات الأميركية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ وتواصل التعاون مع الشركاء الآسيويين.
نظام جديد
في الأثناء، تظهر استطلاعات الرأي أن ما يسمى بالتهديد الصيني يأتي في مرتبة متأخرة بعد الاقتصاد والهجرة والإجهاض والمناخ والديمقراطية وقضايا أخرى في الولايات المتحدة.
إلا أن بعض مستشاري ترامب السابقين، مثل مات بوتينجر، ينتقدون سياسة بايدن ويقترحون “مواجهة أيديولوجية” مع النظام الصيني ويشجعونه على اتباع دروس الحرب الباردة لاحتواء الصين "الاستبدادية والعدوانية" ويشجعون بذلك مشاركة شعبية وحياتية يومية في هذه المسألة.
في المقابل، يحذر راش دوشي، المستشار السابق لبايدن، من أنه من غير الحكمة التقليل من رد فعل بكين، مؤكدا أن الصين تتمتع بقوة صناعية وتكنولوجية أقوى بكثير من الاتحاد السوفيتي السابق واندماج أكبر في الاقتصاد العالمي.

وتقول المجلة: إن رؤية ترامب “أميركا أولا”، قد تؤدي إلى خيارات سياسية كالتضحية بحلفاء آسيويين مهمين للحصول على اتفاق مفيد مع بكين بشأن إعادة التوازن في الميزان التجاري في البداية ثم بعض القضايا العالمية المشتركة.
إلا أنها حذرت من أن هذا النهج يهدد التماسك بين شركاء أميركا ويترك أسئلة حاسمة مفتوحة حول مدى موثوقية واستمرارية التزامات الولايات المتحدة في المنطقة.
نهج هاريس قد يكون في المقابل، “أكثر استمرارية وموجها نحو حماية المصلحة الوطنية والحفاظ على التعاون مع الحلفاء والشركاء لبناء نظام متشعب، وفي بعض النواحي مشاركتهم الإستراتيجية".
وهو ما يجعلهم جزءا من نظام جديد من شأنه أن يؤدي على المدى الطويل إلى عزل الصين وتعقيد صعودها، وفق المجلة.
وبينت أن المخاطر تكمن في إمكانية أن يزيد الرئيس الصيني بدوره من تعاونه مع الدول المنبوذة المذكورة آنفا أو يتفطن إلى نقاط ضعف في النهج الأميركي.
لذلك، في جميع الاحتمالات، تجزم المجلة بأن الانتخابات الأميركية لن "تؤدي إلى تغيير جذري في الموقف الأميركي تجاه بكين، والذي سيظل يقظا وشديدا ولكنه يمكن أن يؤثر أكثر على إدارة التوازنات الإقليمية في منطقة المحيطين الهندي والهادئ" .
وختمت بأن الرئيس المقبل سيتكفل بمهمة "مواجهة الصين وأيضا الحفاظ على نهج واضح وموثوق لضمان الاستقرار الطويل الأمد في المنطقة التي تظل تشكل أهمية بالغة للتوازنات الجيوسياسية العالمية".