كيف يضع "البترو دولار" الإماراتي تحديات جديدة أمام القارة الإفريقية؟
الاستثمارات الإماراتية في إفريقيا تهدف إلى تحقيق طموحات اقتصادية وجيوسياسية
تواصل دولة الإمارات تعزيز وجودها المالي في القارة الإفريقية من خلال شراء الأصول واكتساب النفوذ، حيث تسعى لتقديم نفسها كبديل جدي للتمويل الغربي والصيني، الذي غالبا ما يأتي بشروط صارمة.
وتقول صحيفة جون أفريك الفرنسية إن الاستثمارات الإماراتية في إفريقيا تهدف إلى تحقيق طموحات اقتصادية وجيوسياسية.
وتطرقت في هذا الإطار إلى الدور الذي تلعبه الإمارات في النزاعات الجيوسياسية الإقليمية، مثل الحرب بالوكالة في السودان مع السعودية.
النفط مقابل النفوذ
وإلى جانب ارتفاع الاستثمار الأجنبي المباشر من دول الخليج إلى إفريقيا، تشير الصحيفة الفرنسية إلى أن "دولة الإمارات تتصدر طريق الاستثمار بعقود تتراوح بين الهيدروجين الأخضر والنقل والخدمات اللوجستية والعقارات".
ومن الناحية الجغرافية، امتدت التدفقات المالية للإمارات من قاعدتها على الساحل الشرقي للقارة إلى نيجيريا وجنوب إفريقيا وأنغولا.
ومع احتياطيات معروفة من النفط الخام تُقدر بـ 111 مليار برميل، تلفت الصحيفة الأنظار إلى أن الدولة الخليجية "مليئة بالذهب الأسود".
وفضلا عن ارتفاع سعر النفط الخام منذ بداية جائحة كوفيد-19، من حوالي 22 دولارا للبرميل في أبريل/ نيسان 2020 إلى ما يقرب من 80 دولارا في مايو/ أيار 2024، فإن عائدات إضافية من مبيعاته تُستخدم لدعم إستراتيجية أبوظبي الاستثمارية العالمية.
وفي فبراير/ شباط 2023، أعلنت الإمارات عن استثمار بقيمة 35 مليار دولار في مصر، مما انتشل البلاد من حافة الانهيار الاقتصادي مع وصول مستويات الديون إلى مستويات قياسية.
في المقابل، حصلت الإمارات على حقوق تطوير شبه جزيرة رأس الحكمة على ساحل البحر الأبيض المتوسط في مصر، الدولة الواقعة شمال شرق إفريقيا.
وهو ما يعني -بحسب الصحيفة- تعزيز إستراتيجيتها البحرية في البحر الأحمر مع موانئ دبي العالمية (DP World)، المنتشرة في كل مكان على طول الساحل الشرقي لإفريقيا.
حرب بالوكالة
وفي مقابلة له مع "جون أفريك"، يقول خبير أمني مقيم في نيروبي إن "موانئ دبي العالمية تأسست في جمهورية الكونغو الديمقراطية وأنغولا وتنزانيا وأرض الصومال ومصر والسنغال وموزمبيق، ما سمح للدولة الإماراتية بالحصول على نفوذ كبير في القارة".
وفي هذا السياق، تلفت الصحيفة إلى أن هذا النفوذ يظهر أيضا في السودان، حيث تشن الإمارات حربا بالوكالة مع المملكة العربية السعودية.
وذلك في إشارة إلى دعم الإمارات مليشيا الدعم السريع، في وقت تساند السعودية الجيش السوداني في الحرب الدائرة هناك.
وبينما تتزايد الدعوات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لاتخاذ موقف بشأن الحرب في السودان، يمكن للإمارات، من خلال وجود موانئ دبي العالمية في موزمبيق، التأثير على عمليات التحكيم المتعلقة بالشؤون الإفريقية.
وهنا، توضح الصحيفة أن موزمبيق تُعد جزءا من مجموعة A3+، وهي آلية وُضعت لتعزيز نفوذ إفريقيا في عملية صنع القرار داخل المجلس.
وA3+ هي مجموعة تضم ثلاثة أعضاء أفارقة غير دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى ممثل الاتحاد الإفريقي (الجزائر, وموزمبيق وسيراليون).
ويصف الخبير الأمني من نيروبي هذا المشهد قائلا إن "إفريقيا هي (الملعب) المثالي لاختبار تطور الإستراتيجية الاقتصادية لدولة الإمارات وتحقيق أهدافها الجيوسياسية".
غطاء دبلوماسي
وفي الوقت نفسه، تنوه الصحيفة الفرنسية إلى أن هذه الاستثمارات توفر أيضا إطارا جديدا محتملا لطموحات إفريقيا الاقتصادية والسياسية.
فبادئ ذي بدء، تبدو الإمارات بديلا جديا للتمويل المشروط الذي يصاحب عموما الدعم من الدول الغربية، وكذلك الصين.
وبحسب الصحيفة، قادت هذه الأخيرة جهود تطوير البنية الأساسية في القارة، ولكنها دفعت أيضا العديد من البلدان الإفريقية إلى مسار خطير بسبب ضائقة الديون.
علاوة على ذلك، تشير إلى أن الإمارات تقدم نفسها أيضا كنموذج تنموي سيادي وبديل، يعتمد بشكل كبير على الهيدروكربونات، بينما يفلت إلى حد كبير من المراقبة الدولية والدبلوماسية.
وفي هذا الصدد، يقول المحلل الأمني: "كان من المتوقع أن تكثف الولايات المتحدة جهودها في القارة بعد أن دعمت أبوظبي قوات الدعم السريع في السودان، لكنهم لم يفعلوا أي شيء".
وبشأن إستراتيجية الإمارات، أضاف: "إذا جعلت نفسك مفيدا بالطريقة الصحيحة، مثل بيع النفط إلى الشمال، فإن هذا يسمح لك بالحصول على غطاء دبلوماسي. ويبدو أن هذا هو الحال بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، على الأقل".
ولفت الخبير الأمني إلى أن "الإمارات هي طريق الهروب الرئيس من العقوبات الروسية"، موضحا أن "الولايات المتحدة لم تفعل شيئا مرة أخرى سوى القليل لمواجهة هذه الظاهرة".
شريك في الاختيار
وبالعودة إلى فبراير/ شباط 2022، تذكر "جون أفريك" الفرنسية أن "الغزو الروسي لأوكرانيا كان قد أدى إلى انهيار سلاسل التوريد، مما اضطر أوروبا إلى إيجاد مصادر بديلة للنفط والغاز في إفريقيا".
وتنوه إلى أن "أوروبا اتخذت هذا القرار رغم الالتزامات والوعود بوقف دعم التنقيب والاستخراج النفطي، الأمر الذي كان من شأنه بلا شك أن يعيق الثورة الصناعية في القارة".
ومع تزايد خيبة أمل إفريقيا في الغرب، برزت الإمارات كشريك مفضل، وفق الصحيفة.
فعلى سبيل المثال، في يناير/ كانون الثاني 2024، بدأت الحكومة الأوغندية مفاوضات مع شركة "Alpha MBM Investments"، ومقرها الإمارات، لتطوير مصفاة لتكرير النفط، بعد فشل المحادثات مع بعض الشركات والحكومات الغربية.
بالإضافة إلى ذلك، تذكر الصحيفة أن أوغندا كانت قد استُبعدت من اتفاقيات التجارة المميزة مع الولايات المتحدة في إطار قانون النمو والفرص الإفريقي (Agoa) بعد تبنيها قانونا مناهضا للشواذ، ينص على الإعدام كعقوبة.
وعلى جانب آخر، فإن أبوظبي التي تسابق للحصول على المعادن اللازمة للتحول في مجال الطاقة، تعهدت بمبلغ 4.5 مليارات دولار لدعم طموحات إفريقيا الخضراء في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP28) عام 2023.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، دفعت الشركة الدولية القابضة (IHC)، التي يسيطر عليها طحنون بن زايد شقيق رئيس دولة الإمارات، 1.1 مليار دولار للاستحواذ على حصة 51 بالمئة في مناجم "موباني" للنحاس في زامبيا.
وتدرس هذه الشركة الآن -وفق الصحيفة- الاستحواذ على حصة 80 بالمئة في منجم "لوبامبي" للنحاس، على أمل إبقاء الصين خارج الصفقة.
لاعبون جدد
وبشأن الدور الذي تلعبه الإمارات، يقول توربيورن سولتفيدت، الشريك الإداري لشركة "مابلكروفت" الدولية للاستشارات في الإستراتيجية والمخاطر: “إن الهدف هو أن تصبح مركزا عالميا لمعالجة المعادن”.
ويوضح أن عمليات الاستحواذ المذكورة ستساعد على إحياء سلسلة التوريد بأكملها.
من جانب آخر، أظهر اهتمام أبوظبي بإفريقيا أن الدعم الإماراتي يأتي أيضا بمكافآت كبيرة، كما يتضح من الاتفاقية الأخيرة مع مصر على سبيل المثال.
ففي أواخر أبريل 2024، كشفت وكالة “بلومبيرغ” أن إدارة مشاريع مؤسسة حمد بن خليفة، المرتبطة بالعائلة المالكة بالإمارات، وافقت على إقراض جنوب السودان 13 مليار دولار مقابل النفط.
ووصفت الوكالة الأميركية هذا الإقراض بأنه "واحدة من أكبر معاملات النفط مقابل المال" في القارة.
وتختتم الصحيفة تقريرها بالقول: “تكتسب الإمارات تدريجياً نفوذاً في إفريقيا، فيما تستخدم القارة هذا الاهتمام لمواجهة القوى الأخرى”.
إذ تريد القارة من خلال الإمارات استعادة السيطرة على مواردها الطبيعية ومصيرها، بما يتوافق مع استقلالها المتزايد ومكانتها على الساحة الدولية. لكن الكفة تميل بالفعل لصالح أبوظبي، وفق تقدير جون أفريك.