الوكالة الدولية للطاقة الذرية محل اتهام.. من سرب معلومات علماء النووي بإيران؟

استثمرت أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية موارد هائلة في التحقيقات الشاقة
على مدى سنوات، نفذت إسرائيل سلسلة من العمليات السرية لاغتيال علماء نوويين إيرانيين بارزين، مما شكل عائقا كبيرا أمام تقدم طهران في مجال التكنولوجيا النووية.
وبعد تحقيقات شاقة استمرت 18 عاما، تمكنت إيران أخيرا من كشف النقاب عن الجهة التي تقف وراء تسريب معلومات استخباراتية، أدت إلى استهداف العلماء النوويين، فيما رأى موقع "سوهو الصيني" أن هذا الكشف "تسبب في صدمة بطهران".

ظروف غامضة
بدأت موجة الاغتيالات عام 2007، عندما لقي الأستاذ الدكتور أردشير حسين بور، أحد أبرز علماء إيران النوويين، حتفه في ظروف غامضة بمدينة شيراز، حيث يوجد أحد أهم المراكز العسكرية الإيرانية.
أعلنت السلطات الإيرانية آنذاك أن الوفاة نجمت عن تسرب غاز، لكن هذا التفسير لم يقنع كثيرين، رأوا في الحادث دلائل على عملية اغتيال مدبرة"، يقول الموقع.
وتابع: "كان أردشير حسين بور يشغل دورا محوريا في البرنامج النووي الإيراني، وأثارت وفاته موجة من الصدمة في الأوساط العلمية، مما دفع الحكومة الإيرانية إلى الاشتباه في أن برنامجها النووي أصبح هدفا لقوى خارجية غامضة".
وبعد ثلاث سنوات، في عام 2010 شهدت شوارع طهران أجواء مشحونة بالتوتر والخوف؛ حيث تعرض الخبير البارز في الفيزياء الجزيئية الدكتور مسعود علي محمدي، لعملية اغتيال مروعة عندما انفجرت دراجة نارية مزودة بقنبلة يتحكم بها عن بُعد بالقرب من منزله، مما أودى بحياته على الفور.
ووفق الموقع: "هذه العملية، التي اتسمت بالدقة والتخطيط المتقن، صدمت أجهزة الأمن الإيرانية التي فشلت في العثور على أي أثر يقود إلى الجناة رغم تحقيقاتها المكثفة، كما لو أنها تائهة في ضباب كثيف".
وأردف: "بعد عشرة أشهر فقط، في 29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2010، حلّ سوء الحظ بالعلماء النوويين الإيرانيين مرة أخرى"؛ إذ تعرض الفيزيائي النووي البروفيسور فريدن عباسي، لهجوم بسيارة مفخخة في طهران، ولحسن الحظ، نجا من الانفجار، وفق الموقع.
واستدرك: "لكن في اليوم نفسه، لم يحالف الحظ مهندسا نوويا إيرانيا آخر، وهو مجيد شهرياري، إذ قُتل في انفجار سيارة مفخخة أخرى".
وأردف: "بعد فترة وجيزة، تعرض مصطفى أحمدي روشن، المسؤول عن الإشراف على منشأة نطنز لتخصيب اليورانيوم، لعملية اغتيال أكثر دراماتيكية"؛ إذ اقتربت دراجة نارية من سيارته أثناء عودته إلى منزله، وألقى المهاجمون قنبلة انفجرت على الفور، أسفرت عن مقتلهم في الحال.
ويرى الموقع الصيني أن هذه السلسلة من الاغتيالات "تميزت بدقة متناهية؛ حيث كان المهاجمون قادرين على تحديد تحركات العلماء بدقة مذهلة، واختيار اللحظة المثالية لتنفيذ هجماتهم".
وأضاف: "يبدو الأمر كما لو أن عينا خفية كانت تراقب العلماء عن كثب، مما يثير تساؤلات حول مصادر المعلومات الاستخباراتية التي سهلت هذه العمليات الدقيقة".
"وردا على تصاعد وتيرة الاغتيالات التي استهدفت علماء إيران النوويين، عاشت الحكومة الإيرانية حالة من القلق الشديد، مما دفعها إلى تعزيز الإجراءات الأمنية لحماية هؤلاء الذين يعدون ثروة وطنية".
وتابع الموقع: "رغم هذه الجهود، لم تتوقف المأساة، ففي 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تعرض الدكتور محسن فخري زاده، نائب وزير الدفاع ورئيس العلماء النوويين في إيران، لعملية اغتيال في بلدة أبوساد، على بُعد حوالي 70 كيلومترا شرق طهران".
وذكر أن "وفاة هذا العالم البارز، الذي كان يلعب دورا محوريا في البرنامج النووي، أثارت موجة من الحزن والغضب في إيران، وعززت من عزم الحكومة على كشف الجناة ومن يقف وراء تسريب المعلومات".

تحقيقات شاقة
"في ضوء ذلك، وعلى مدار أكثر من عقد ونصف، استثمرت أجهزة الأمن والاستخبارات الإيرانية موارد هائلة في تحقيقات شاقة لتعقب الجهات المسؤولة عن هذه الاغتيالات"؛ إذ "تابع المحققون كل خيط ممكن، وخضع كل شخص ذي صلة لفحص دقيق، دون أن يتركوا أي دليل دون تحقيق".
وأردف الموقع: "كان من الواضح للجميع أن الموساد الإسرائيلي، أحد أقوى وأكثر الأجهزة الاستخباراتية سرية في العالم، هو العقل المدبر وراء هذه العمليات"؛ إذ تمكن الموساد من تنفيذ هذه الاغتيالات بمهارة فائقة، تاركا التحقيقات الإيرانية تواجه طريقا مسدودا مرة تلو الأخرى.
وأوضح أنه "على مدى 18 عاما، جاب المحققون الإيرانيون العالم، وواجهوا قوى مختلفة، واعتمدوا على لقاءات سرية مع مخبرين، وتفحصوا مسارح الجرائم، وسعوا للتعاون الاستخباراتي الدولي، في محاولة لاختراق شبكة المعلومات المعقدة".
ورغم هذه الجهود الحثيثة، أشار الموقع إلى أن "الجناة ظلوا بعيدي المنال عن أيدي السلطات الإيرانية، مما جعل حياة العلماء النوويين الإيرانيين مهددة باستمرار".
ولفت إلى أن "هذه التحقيقات الطويلة أثارت انتقادات داخلية؛ حيث اتهم البعض أجهزة الاستخبارات بالتهاون والخذلان"، "إلا أن المحققين، وفي ظل هذا الضغط هائل، لم يستسلموا، مدركين أن حماية العلماء النوويين ليست مجرد قضية أمنية، بل ترتبط ارتباطا وثيقا بالبرنامج النووي وسيادة البلاد".
واستطرد الموقع: "وفي لحظة بدت فيها الأمور ميؤوسا منها، شهدت القضية انفراجة مفاجئة في يونيو/ حزيران 2025".
فقد نجحت أجهزة الاستخبارات الإيرانية، من خلال عملية مخططة بعناية فائقة، في اختراق نظام المعلومات السرية الإسرائيلي، مما فتح الباب أمام كشف أسرار جديدة حول العمليات التي استهدفت العلماء النوويين الإيرانيين؛ إذ عثرت أجهزة الاستخبارات الإيرانية على آلاف الوثائق التي تكشف تفاصيل عن المنشآت النووية الإسرائيلية، وعلاقاتها مع الولايات المتحدة وأوروبا، وقدراتها الدفاعية، وفق ما أعلنت إيران في 7 يونيو.
ولكن رغم ذلك، تمكنت إسرائيل فجر 13 من نفس الشهر من اغتيال عدد من علماء إيران النوويين والقادة العسكريين ضمن حرب بدأتها بدعم أميركي تضمنت هجوما واسعا على منشآت نووية وقواعد صواريخ.

كشف صادم
وبحسب الموقع، "كشفت إيران وسط هذه الوثائق عن سر صادم هز أركان المجتمع الدولي وهو أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية كانت، على مدار سنوات، تنقل سرا مراسلات طهران الحكومية الموجهة إليها إلى أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية".
وأردف: "تضمنت هذه المراسلات معلومات حساسة، تشمل هويات العلماء النوويين الإيرانيين، ومناصبهم، وعناوين إقامتهم، وجداولهم اليومية".
وبالتالي، يتضح مما كشفته إيران أن أفرادا من الوكالة الدولية للطاقة الذرية هم من سهلوا للموساد الإسرائيلي تنفيذ سلسلة اغتيالات دقيقة استهدفت علماء إيران النوويين على مدى 18 عاما.
وأشار الموقع إلى أن "الأكثر إثارة للغضب هو تورط أعضاء من الوكالة، الذين زاروا المنشآت النووية الإيرانية تحت ستار الرقابة النووية والتعاون الدولي، في أنشطة تجسس لصالح إسرائيل".
وذكر أن "هؤلاء الأفراد، الذين كانوا يتجولون بحرية في المواقع النووية، جمعوا معلومات حيوية عن تقدم البرنامج النووي الإيراني وتفاصيل حياة العلماء، ونقلوها بطرق سرية إلى إسرائيل، مما جعل الوكالة، التي كانت إيران تثق بها، أداة في يد العدو".
ويعتقد الموقع الصيني أنه "لم يكن بمقدور إيران أن تتخيل أن منظمة دولية كانت تستقبلها بحسن نية تتحول إلى أداة للخيانة"؛ إذ "استخدمت إسرائيل هذه المعلومات لتنفيذ اغتيالات دقيقة استهدفت علماء بارزين مثل أردشير حسين بور، ومسعود علي محمدي، وماجد شهرياري، ومحسن فخري زاده".
ويقدّر أن "هذه العمليات لم تكن مجرد هجمات، بل جزءا من إستراتيجية إسرائيلية تهدف إلى الحفاظ على تفوقها النووي في الشرق الأوسط، حيث تُعد إسرائيل الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك أسلحة نووية".
وترى إسرائيل في البرنامج النووي الإيراني تهديدا وجوديا، يمكن أن يقوض التوازن العسكري الإقليمي ويعرّض أمنها القومي للخطر، وفق الموقع.
لذلك "لجأت إلى أساليب غير مشروعة، بما في ذلك الاغتيالات، مستفيدة من التسريبات التي قدمتها الوكالة الدولية لتسهيل هذه العمليات".
وعقّب الموقع: "هذا الكشف يعكس طبيعة الصراع الجيوسياسي العميق بين إيران وإسرائيل؛ حيث تتجاوز المواجهة الحدود العسكرية إلى حرب استخباراتية معقدة".
وأردف: "يبرز هذا الحدث كيف يمكن لمؤسسات دولية، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن تُستخدم كأدوات في صراعات الدول، مما يثير تساؤلات حول نزاهتها ودورها في حفظ الأمن العالمي".
ولفت إلى أنه "بالنسبة لإيران، يمثل هذا الاكتشاف نقطة تحول؛ حيث تعتزم استغلال هذه المعلومات لتعزيز حماية برنامجها النووي ومواجهة التهديدات الإسرائيلية بمزيد من الحزم".