إسبانيا تعيد ترتيب علاقاتها بإفريقيا عبر خطة إستراتيجية.. ما فرص نجاحها؟

منذ ٣ ساعات

12

طباعة

مشاركة

لتحسين علاقاتها مع إفريقيا وسد الفراغ الأوروبي الذي خلّفته فرنسا، دشنت إسبانيا خطة إستراتيجية متوسطة المدى مع القارة السمراء مستفيدة من نهجها المتوازن خلال السنوات الماضية وقبولها من الطرف الآخر.

وكشف رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، عن خطة إستراتيجية تهدف إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية بين إسبانيا وإفريقيا على مدى السنوات الثلاث المقبلة، وتطوير "المسارات القانونية" للهجرة.

وقال سانشيز في حفل بالعاصمة مدريد، 5 ديسمبر/كانون أول 2024، إن "بلادنا تريد أن تبدأ عهدا جديدا في علاقتها مع القارة الإفريقية على قدم المساواة".

وتابع الزعيم الاشتراكي أن "إفريقيا بالفعل شريك رئيس لمدريد، وستستمر أهميتها في النمو في السنوات المقبلة". وذكّر بأن التجارة "مع القارة الإفريقية تجاوزت الآن تجارة إسبانيا مع أميركا اللاتينية".

وتتضمن الخطة الإستراتيجية "100 إجراء"، أبرزها تعزيز "الحوار السياسي" مع إفريقيا من خلال فتح سفارات وقنصليات جديدة، وإنشاء مؤسسة من المفترض أن "توفر فرصا أكاديمية" للشباب الإفريقي.

كما تنص على وضع "إستراتيجية تنقل مهني من أجل إرساء نموذج للهجرة يستفيد منه كل من بلدان المنشأ والمهاجرين وبلدان المقصد"، بحسب رئيس الوزراء الإسباني.

وحضر الحفل الرئيس الموريتاني محمد الشيخ الغزواني، ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي موسى فكي محمد، ورئيس مفوضية المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس) عمر أليو توراي.

كما حضره وزير الاقتصاد والتخطيط والتعاون السنغالي، عبد الرحمن سار، بالإضافة إلى أعضاء السلك الدبلوماسي الإفريقي والمعتمدون الأوروبيون في إسبانيا، وأعضاء حكومة مدريد وممثلو الأكاديميين وقطاع الأعمال والمجتمع المدني الذين لديهم روابط بالقارة الإفريقية.

التعاون الثنائي

وأكد الرئيس الموريتاني، ورئيس الاتحاد الإفريقي، محمد ولد الشيخ الغزواني، أن إستراتيجية إسبانيا الجديدة تجاه القارة ستلعب دورا محوريا في التعاون بين الطرفين.

وأضاف الغزواني في كلمة له بالمناسبة، أن الإستراتيجية الجديدة ستمكن من بناء علاقات تشاركية مثالية تعود بالمنفعة المشتركة، مجددا استعداد الاتحاد الإفريقي للتعاون مع إسبانيا من أجل تنفيذ هذه الخطة.

ورأى أن حجم وضخامة التحديات التي يواجهها الطرفان، سواء كانت تتعلق بالمناخ أو الأمن أو الهجرة أو غيرها من جوانب التنمية المستدامة، تتطلب تعميق هذا التعاون وتعزيزه أكثر في إطار شراكة إستراتيجية.

وشدد على أن هذه الإستراتيجية التي جرى وضعها في إطار من الشراكة والمشاركة، تتيح للطرفين العمل معا لتحديد أولوياتهما المشتركة بشكل أفضل، وبالتالي الاستفادة القصوى من إمكانات كل منهما بروح من التضامن والتكامل.

وفي قلب التحولات العالمية، تحتاج إفريقيا أكثر من أي وقت مضى إلى شراكات متينة وديناميكية قائمة على الاحترام والرغبة الملحة في تحقيق المصالح المشتركة، في ظل هذه الإستراتيجية الإسبانية الإفريقية 2025-2028، وفق الغزواني.

ورأى أن من الأولويات المشتركة بين الجانبين، ما يتعلق بالتنمية البشرية، ومواجهة تداعيات التغير المناخي، والطاقات النظيفة، ومكافحة الإرهاب وتدفقات الهجرة غير الشرعية.

ودعا الجانب الإسباني إلى التكامل الإقليمي من الناحية الاقتصادية، عبر تنفيذ منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية، وتعزيز الاستثمارات ذات المنفعة المتبادلة، ومساعدة منطقة الساحل لمواجهة التحديات القائمة.

ومع ذلك، يضيف الغزواني، "يجب علينا وضع آليات للمتابعة لضمان أن تصبح الالتزامات التي جرى التعهد بها هنا واقعا ملموسا لسكاننا في أسرع وقت ممكن".

واسترسل: "أنا مقتنع بأن هذا الاجتماع سيشكل نقطة تحول حاسمة في علاقات التعاون بين إسبانيا وإفريقيا، فبإمكاننا معا، أن نبني شراكة نموذجية ومفيدة للطرفين، بل يجب علينا أن نبنيها".

تقييم الرؤية

وأصبحت إفريقيا مطمع ومطمح جميع الدول الكبرى ومنها الأوروبية، ولذلك نرى أنها بدأت في تعزيز شراكاتها مع دول القارة، وفق ما يرى أستاذ القانون العام بجامعة محمد الخامس بالرباط العباس الوردي.

وأضاف الوردي لـ "الاستقلال"، أن مدريد لا تريد أن تعطي الإشارة بأن هدفها اقتصادي فقط، ولذلك نرى أنها ركزت في إستراتيجيتها الجديدة على التعاون الثقافي والتعليمي وتكوين الشباب.

وهذه رؤية إستراتيجية إيجابية جدا لكنها قصيرة الأمد، "ولن تكفي لخلق البنية أو الجسر الذي تريده اسبانيا في علاقتها بإفريقيا"، وفق تقديره.

وأعاد ذلك إلى قصر الإستراتيجية ووجود مشاكل أخرى تعترض الشراكة ومنها العلاقات المتشنجة بين إفريقيا وعدد من الدول الأوروبية وخاصة فرنسا.

وذلك بسبب ماضي وسلوك فرنسا السلبي في القارة وما فعلته أيضا ما بعد زوال الاستعمار المباشر من تدخلات مستمرة، وفق قوله.

وبين أن هذا يحتم إرسال إشارات إيجابية لبناء مناخ ثقة متبادل بين الأطراف الجديدة العاملة على الإستراتيجية.

وشدد الأستاذ الجامعي على أن الدول الإفريقية القريبة من إسبانيا سيكون لها وضع خاص في هذه الشراكة، بالنظر إلى أن الجغرافيا بنية غير متحولة تحكم العلاقات السياسية.

وأردف: "لذلك يجب أخذها في الحسبان في تأطير العلاقات الثنائية أو متعددة الأطراف، حيث شهدنا مثلا أن التوتر الذي عرفته علاقات إسبانيا والمغرب في وقت سابق لم يدم طويلا".

وجرى الوصول إلى حل له، بعد اعتراف مدريد بـ"مغربية الصحراء" الغربية ووحدة البلاد الترابية ودعمها لمقترح الحكم الذاتي لحل النزاع القائم في تلك المنطقة.

مصالح إسبانيا

الإعلام الإسباني أكد أن الإستراتيجية الجديدة تخدم مصالح إسبانيا، في ظل التنافس الدولي على الاستفادة من الفرص التي توفرها القارة الإفريقية.

وفي هذا الصدد، قال موقع "lamoncloa" الإسباني، في 5 ديسمبر 2024، إن استقرار القارة السمراء وتقدمها أصبح مصلحة إستراتيجية لإسبانيا.

ولذلك عملت على تعزيز علاقاتها مع القارة، التي تمر بلحظة تحول اقتصادي وسياسي واجتماعي.

وذكر المصدر ذاته، أن إفريقيا تلعب بشكل متزايد دورا أكبر في المجتمع الدولي وأصبحت أكثر وعيا بثقلها، مما جعل بيدرو سانشيز يقول إن "إسبانيا تريد أن تبدأ حقبة جديدة في علاقتها مع القارة، على قدم المساواة".

وأبرز أن الإستراتيجية الإسبانية الإفريقية الجديدة تهدف لتوجيه عمل مدريد في القارة وترتكز على الشراكة والاحترام المتبادل والمنفعة المتبادلة.

وقال إن سانشيز حدد الأهداف الرئيسة الخمسة للإستراتيجية الجديدة، والتي تشمل تعزيز العلاقة الإسبانية الإفريقية التي تعزز وتعمق المعرفة والحوار المتبادل وتسهل العمل المشترك.

وثانيا؛ التنمية الاقتصادية وتمكين الشباب؛ ثم إقامة روابط أوثق بين مجتمعات واقتصادات إفريقيا وإسبانيا والعالم.

ورابعا التعاون لتعزيز القدرات في مسائل العدالة والأمن؛ وأخيرا التعايش مع مجتمعات إفريقية منفتحة ومؤسسات متينة.

وبين الموقع أن أحد الجوانب الرئيسة للإستراتيجية هو أنها، مصممة ولأول مرة ببعد قاري، حيث لا يتم تمييز بلدان عن أخرى.

في حين يجرى إيلاء اهتمام خاص لجيران إسبانيا المباشرين، أي شمال وغرب إفريقيا ومنطقة الساحل.

ومن العناصر المميزة الأخرى لها، أن إسبانيا تقدم نفسها كدولة عضو في الاتحاد الأوروبي مستعدة للاضطلاع بدور أكبر في توجيه وتنفيذ سياسة بروكسل تجاه إفريقيا.

وذلك فضلا عن الاستفادة بشكل أكبر من أدوات السياسة الأوروبية لدعم التنمية والأهداف الإستراتيجية بالقارة، المتفق عليها مع الشركاء الأفارقة.

أهداف شاملة

ويؤكد المحلل السياسي الإسباني أوسكار جاريدو جويجارو، أن حكومة بلاده وضعت من بين أهداف عملها الخارجي توسيع وجودها في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، كما تسعى لأن تضع قدمها في منطقة جنوب الصحراء الكبرى.

وشدد جويجارو في مقال نشره عبر موقع "thediplomatinspain"، في 6 نوفمبر/تشرين ثاني 2024، أن النموذج القوي للتعاون بين إسبانيا والسنغال، على المستوى الدبلوماسي والتجاري والأمني ​​والدفاعي أو الثقافي، يراد تعزيزه ليشمل منطقة الجنوب الإفريقي.

وقال إنه في الوقت الذي يتراجع فيه النفوذ الغربي في المنطقة، ممثلا بفرنسا، عززت إسبانيا نفسها، في السنوات العشرين الماضية، في المنطقة الغربية من القارة الإفريقية كشريك متواضع ولكن يمكن الاعتماد عليه.

وخاصة في ظل الدعوة المستمرة للتعاون بين الطرفين في المنطقة لأجل النمو والرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة. 

علاوة على ذلك، أثبتت إسبانيا قدرتها على بناء علاقات بين متساوين في المنطقة، ونجحت في تجنب النظر إليها على أنها جهة فاعلة ذات ادعاءات استعمارية جديدة، وفق تقديره.

وشدد جويجارو على أنه بالإضافة إلى أميركا اللاتينية والمغرب العربي، أصبحت إسبانيا ملتزمة الآن بكون  منطقة جنوب الصحراء الكبرى في إفريقيا أولوية في سياستها الخارجية.

وخلص المحلل السياسي إلى أن إسبانيا تبذل جهدا لبناء علاقات نموذجية مع دول القارة الإفريقية، تسمح لها بأن تصبح لاعبا متميزا ومهما في المنطقة.

تقدير إفريقي

وفي الشهر الذي سبق التوقيع على الإستراتيجية الجديدة، توقف موقع "panews" السنغالي، عند الشراكة بين المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا المعروفة اختصارا بـ "سيدياو" وإسبانيا للفترة 2024-2027، والتي تعد جزءا من ديناميكية التنمية المستدامة.

وأضاف الموقع، في 7 نوفمبر 2024، أن هذه الشراكة تسعى إلى "ضمان تحول إيجابي لقطاعات الزراعة والطاقة والمساواة بين الجنسين والبنية التحتية، وبالتالي تمهيد الطريق لنمو شامل ومنصف".

وذكر المصدر ذاته أن إسبانيا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا أكدا التزامهما بزيادة التعاون، من خلال مراجعة البرامج ذات الأولوية المشتركة للفترة 2024-2027.

وأبرز أن هذه المبادرة تهدف إلى توحيد جهودهم في عدة مجالات إستراتيجية من أجل تعزيز التنمية الشاملة والمستدامة في غرب إفريقيا.

وفي إطار هذا التعاون المعزز، عُقدت جلسة عمل فنية في 5 نوفمبر 2024 في العاصمة النيجرية أبوجا، جمعت مديرية العلاقات الخارجية والوكالات الفنية التابعة لسيدياو، ومكتب التعاون الإسباني.

واستعرض المشاركون الإجراءات والأنشطة المرتبطة بالبرامج ذات الأولوية للفترة 2024-2027، مع التركيز على عدة محاور رئيسة.

 ومنها التنمية الريفية، والنظم الغذائية الزراعية المستدامة والأمن الغذائي، والحصول على الطاقة النظيفة، والمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة والتواصل والبنية التحتية، فضلا عن التنمية الاقتصادية الشاملة وتعزيز المؤسسات.

ويهدف هذا التعاون إلى الاستجابة للتحديات المحددة التي تواجهها المنطقة مع تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمرن، في إطار تواصل فيه إسبانيا دعم جهود المنظمة شبه الإقليمية للتنمية المتكاملة في غرب إفريقيا.

وقال الموقع، إنه من خلال إعادة تأكيد التزامهما المتبادل، تعتزم المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وإسبانيا وضع الأسس لتعاون دائم، من المرجح أن يؤدي إلى تغييرات ملموسة في حياة سكان غرب القارة.

وشدد أن تعزيز هذا التعاون، من خلال الأهداف المشتركة والتبادلات الفنية، يعكس الرغبة في تلبية احتياجات الدول الأعضاء في المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا بشكل أفضل.