تطورات متلاحقة.. ما حقيقة اتفاق ثلاثي بإبعاد الدبيبة لحل أزمة ليبيا؟

“الدبيبة يرفض التنحي لعدم الاتفاق على الدستور والقاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات”
سلسلة تطورات سياسية متلاحقة في ليبيا، تشير إلى توافق ليبي مصري وربما تركي على إنهاء الانقسام وإجبار رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة على التنحي وتعيين حكومة جديدة تدير انتخابات الرئاسة والبرلمان.
رئاسة مجلس النواب، بدأت بالفعل تسلم أوراق عدد من المترشحين لرئاسة الحكومة الجديدة، خلفا لحكومة الدبيبة أبرزهم محافظ البنك المركزي، الصديق الكبير، الأوفر حظا، وسياسيون بينهم فيصل قرقاب، وفضيل الأمين، ومحمد المزوغي، وعبد الحكيم بعيو.
وبدأ المترشحون، بعد تقديم أوراقهم، في التواصل مع السفارات العربية والأجنبية، والدول المتدخلة في الشأن الليبي، للحصول على دعمهم، بحسب موقع "ليبيا برس" في 27 أبريل/نيسان 2024.
أما الأكثر أهمية من ذلك فهو إعلان فتحي المريمي، المستشار الإعلامي لرئيس مجلس النواب عقيلة صالح، أن تسلم رئاسة مجلس النواب لملفات المترشحين، تم بتزكية مجلس الدولة، وبموجب اتفاق بين المجلسين، وفق موقع "ليبيا اليوم".
تطور مهم
وبدء تقديم طلبات الترشح لرئاسة الحكومة الجديدة معناه إنهاء حكومة الدبيبة الحالية في طرابلس.
وجاء هذا التطور عقب اتفاق 3 قادة، يمثلون أهم المؤسسات (الرئاسي والأعلى للدولة والبرلمان) على ضرورة تشكيل حكومة موحدة جديدة، تلغي حكومتي طرابلس وبنغازي، وتشرف على الانتخابات التي طال انتظارها.
وفي 10 مارس/آذار 2024 أعلن رؤساء المجلس الرئاسي محمد المنفي، والأعلى للدولة محمد تكالة، ومقرهما طرابلس، والنواب في بنغازي، عقيلة صالح، الاتفاق على تشكيل حكومة موحدة بدل حكومة الدبيبة.
وتم اتخاذ القرار في القاهرة، تحت علم الجامعة العربية، ما يشير إلى دور القاهرة في "تعجيل التخلص من الدبيبة" الذي رفض النظام المصري الاعتراف بحكومته، رغم تعاملها معه تجاريا.
لذا عد محللون الإعلان عن بدء تلقي البرلمان أسماء المرشحين لرئاسة الوزراء "تطورا مهما" يشير إلى توافق قادة الأجسام السياسية الثلاثة الفاعلة في ليبيا (الرئاسي والأعلى والبرلمان) على إنهاء حكومة الدبيبة رغم رفض الأخير.
ولم تعلق حكومة الدبيبة على إعلان مجلس النواب رسميا بشكل مباشر على بدء تلقي ملفات المرشحين لتشكيل حكومة موحدة جديدة، تقود البلاد إلى إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة.
كما لم يصدر أي تعليق رسمي من مجلسي الرئاسي والأعلى للدولة، بالنفي أو التأييد، ما يشير ضمنا لقبولهما هذه الترتيبات التي سبق الاتفاق عليها في القاهرة.
لكن خلال لقاء مع قيادات الشرطة في 27 أبريل، قال الدبيبة: "نريد أن نعلم لماذا لا تطرح مسودة الدستور لكي يستفتى عليها الشعب؟".
ورأى أن "تعمد بعض الأطراف السياسية استمرار المراحل الانتقالية لم يعد مقبولا أبدا".
وعلق الدبيبة على استقالة مبعوث الأمم المتحدة عبد الله باتيلي معتبرا أن ما قاله من تعطيل الانتخابات سبب "المسارات الموازية" والمؤسسات الموازية في إشارة لحكومة شرق ليبيا وبرلمان طبرق.
ووفق خريطة الطريق، التي أعدتها لجنة مشتركة من مجلسي النواب والأعلى للدولة (6 + 6)، ينبغي أن يُزكي ملفات المرشحين لرئاسة الحكومة 15 عضوا برلمانيا، و10 من أعضاء "الأعلى للدولة".
وتقدم للجنة مُشكلة من مقرري المجلسين، ويتم التصويت أولا بالاقتراع السري داخل "الأعلى للدولة" على قائمة المرشحين النهائية، ثم تُحال النتيجة للبرلمان ليدعو لجلسة رسمية علنية للتصويت، واختيار رئيس للحكومة.
وكان تحليل لموقع "ستراتفور" الأميركي في 11 مارس/آذار 2024 أكد أنه رغم الاتفاق الأخير بين القادة الثلاثة، لا يزال "من غير المرجح" تشكيل حكومة وحدة وطنية لإدارة الانتخابات.
وأوضح أنه بدون دعم رئيس الوزراء المعترف به دوليا الدبيبة، سيكون من الصعب توحيد حكومة طرابلس وحكومة الشرق المدعومة من مجلس النواب في بنغازي.
وأضاف أنه "حتى لو حدث دعم غير المتوقع من الدبيبة لخطة توحيد الحكومة، فإن النظام السياسي الليبي سيظل مجزأ بين الشرق والغرب دون مشاركة (الانقلابي) خليفة حفتر، الذي يقود جيشا في الشرق".
وتم تنصيب حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الدبيبة، عبر عملية دعمتها الأمم المتحدة عام 2021، لكن البرلمان لم يعد يعترف بشرعيتها، وقال الدبيبة إنه "لن يتنازل" عن السلطة لحكومة جديدة "دون إجراء انتخابات وطنية".
وتعثرت العملية السياسية، الرامية لحل الصراع الممتد لما يزيد على 10 سنوات في ليبيا، منذ انهيار الانتخابات التي كان إجراؤها مقررا في 24 ديسمبر/ كانون الأول 2021، وسط خلافات بشأن أهلية المرشحين الرئيسين.
وتفاقمت الأزمة السياسية منذ ذلك التاريخ، ورفض الدبيبة التنحي، وردا على ذلك، قام برلمان شرق البلاد بتعيين رئيس وزراء منافس يحكم النصف الشرقي من ليبيا.
فرصة مذهلة
وأفاد الصحفي المتخصص في الشأن الليبي، علاء فاروق، أن أهمية هذه التطورات أنها جاءت بالتزامن مع زيارة وزير خارجية النظام المصري سامح شكري إلى تركيا في 20 أبريل 2024، والتي استهدفت الاتفاق على تنسيق أكبر بين البلدين في الملف الليبي، بعد زيارة سابقة في مارس 2024.
وأشار فاروق لـ"الاستقلال" إلى أن "التأكيد خلال الزيارة على التوافق على وحدة ليبيا ربما يسهم بقوة في الدفع نحو حلول مستدامة لأزمات ليبيا والتي تعثرت بعد استقالة باتيلي وتجمد الوضع السياسي".
وكان شكري قد أكد من تركيا عقب لقائه نظيره التركي هاكان فيدان في 20 أبريل، أن "مصر تنسق مع تركيا في ليبيا وسوريا والسودان والصومال، ومصالحنا في هذه الدول متكاملة وليست متقاطعة، ولدينا قدرة على التأثير حينما نعمل معا".
وقال وزير خارجية تركيا خلال المؤتمر الصحفي مع شكري: "نحن على اتفاق كامل مع مصر من أجل وحدة ليبيا وسيادتها وضرورة تقديم الدعم لتحقيق ذلك".
ويشير محللون إلى أن استقرار ليبيا واختيارها لرئيس وحكومة وبرلمان جدد سيصب في تحقيق مصالح واستفادة كل الأطراف، ليبيا ومصر وتركيا.
وأشار تحليل لموقع "بوليتيكس توداي" في 28 فبراير/شباط 2024 أن العوامل الرئيسة التي تزيد من أهمية ليبيا في أمور السياسة الخارجية لكلا البلدين هي المصالح الإستراتيجية في شرق البحر الأبيض المتوسط، وطرق الهجرة، وموارد الطاقة.
وأوضح أنه "يمكن لتركيا ومصر أن تكونا بمثابة عوامل محفزة لإحلال السلام والاستقرار في ليبيا".
وتحتاج تركيا إلى مستوى معين من الاستقرار لحماية مصالحها الوطنية في شرق البحر الأبيض المتوسط والحفاظ على علاقاتها التجارية مع ليبيا.
فيما تحتاج القاهرة لإيرادات النقد الأجنبي للعمال المصريين في ليبيا والدور المحتمل الذي يمكن أن تلعبه في مرحلة إعادة إعمار ليبيا.
كما أن الملف الليبي حساس بالنسبة لمصر بسبب الحدود البرية الواسعة التي تتقاسمها مع المنطقة الشرقية لليبيا، ومهم للغاية لتعزيز وجودها في شرق البحر الأبيض المتوسط.
ويرى موقع "أوراسيا ريفيو" في 8 أبريل/نيسان 2024 أن "التقارب بين مصر وتركيا يعد فرصة مذهلة للدولتين لإعادة ضبط أدوارهما لإعادة التنظيم الجيوسياسية والمخاوف المشتركة، وسيؤدي لتعزيز بيئة أكثر ملاءمة للمصالحة الليبية المستقبلية".
وفي 16 أبريل 2024، قدم المبعوث الأممي في ليبيا استقالته للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، متهما القادة الليبيين بالتعنت وعدم رغبتهم في التوصل إلى حل للأزمة.
لكن محللين رأوا أن دور المبعوث الأممي "ليس مهما" ولكن توافق القوى الإقليمية والدولية التي تُحرك القوى الليبية المختلفة هو الأكثر أهمية، في إشارة إلى القاهرة وتركيا تحديدا.
ويرى المحلل السياسي، علاء فاروق، أن غياب الأمم المتحدة ولو مؤقتا ربما سيفسح المجال أكثر للقاهرة وأنقرة أن يمارسا ضغوطا على حلفائهم في الداخل (تركيا تضغط على الدبيبة وتيار الغرب الليبي، ومصر تضغط على حفتر وعقيلة صالح ومعسكر الشرق الليبي).
وأوضح فاروق لـ"الاستقلال" أنه “ربما تقتنع هذه الأطراف بتقديم تنازلات من أجل الدفع نحو العملية الانتخابية والتداول السلمي للسلطة وإنقاذ البلاد من أي حروب متوقعة أو اقتتال”.
الدور الأميركي
بالتوازي مع توافق مصري تركي متزايد بشأن ليبيا، بدأت تظهر بوادر عودة قوية للدور الأميركي، بالتنسيق مع القاهرة وأنقرة، خشية توسع النفوذ الروسي هناك، في ظل الحديث عن قرب تدشين "الفيلق الإفريقي" الروسي شرق ليبيا.
وأكد المبعوث الأميركي السابق إلى ليبيا، جوناثان وينر، أن "العثور على بدائل للشخصيات التي تُعارض الانتخابات (في إشارة للدبيبة) شرط أساسي لأي عملية تقودها الأمم المتحدة في المستقبل".
وتحدث عن "تمكين ليبيا من تجاوز نظام الحكومات الموازية وأمراء الحرب الذين يسعون فقط إلى تقسيم الغنائم".
أيضا تحدث موقع "أفريكا أنتليجنس" الاستخباراتي الفرنسي في 26 أبريل 2024 عن "اجتماع أمني مُرتقب في باريس بشأن ليبيا".
وأكد أن "باريس تعتزم احتضان مُمثلين عن وزارات الخارجية والدفاع الأميركية والبريطانية والإيطالية خلال الأيام القليلة المقبلة، لمناقشة القضايا الأمنية في ليبيا".
وفي 11 مارس/آذار 2024، كشفت شبكة "سي إن إن" أن "الولايات المتحدة تريد إعادة فتح سفارتها في ليبيا، بعد عقد من تعليق عملياتها هناك، بسبب تثبيت روسيا موطئ قدم مؤثر هناك".
وأكدت أن وزارة الخارجية الأميركية خصصت في موازنتها للسنة المالية 2025، مبلغ 12.7 مليون دولار "لاستئناف عمليات السفارة في ليبيا، وتوفير النفقات التشغيلية للسفارة".
وأوضحت أن طلب الميزانية نص على أنه "مع تزايد نفوذ روسيا في الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي، فإن الوجود الأميركي في ليبيا أمر حيوي للحفاظ على مصالحنا الأمنية على المدى الطويل".
وأثارت مسألة الغياب الأميركي عن ليبيا في وقت تعزز فيه روسيا وجودها هناك تساؤلات عديدة في وسائل الإعلام الأميركية، وتساءل موقع "فورين بوليسي" في 6 أبريل 2024 عن سر عدم وجود واشنطن في ليبيا.

وظل الدبيبة، الذي تدعمه أميركا وأوروبا، يرفض التنحي، لعدم الاتفاق على الدستور والقاعدة الدستورية وقوانين الانتخابات، وكانت آخر تصريحاته في هذا الصدد في 13 فبراير 2024.
وقال إنه مستمر في البقاء في منصبه، ودعا للاستفتاء على الدستور أول، والتوافق على القاعدة الدستورية، ثم إجراء الانتخابات، ثم يكون تغيير حكومته "آخر مرحلة انتقالية في ليبيا".
وسبق أن اشترط في 4 مارس 2023 لترك الحكم وإجراء انتخابات أن يُستفتى الشعب على "القاعدة الدستورية للانتخابات"، التي يصدرها البرلمان والمجلس الأعلى.
ويفُهم من رفضه أنه يرفض السماح لحفتر، القريب من النظام المصري، بالمشاركة في الانتخابات، وهو ما ظهر في قوله: "الليبيون لن يقبلوا بعودة الحكم العسكري مجددا إلى البلاد".
مع هذا، أكد المبعوث الخاص للولايات المتحدة إلى ليبيا ريتشارد نورلاند خلال اجتماعه مع الدبيبة، في 6 مارس 2024 "أهمية تشكيل حكومة تصريف أعمال بمشاركة جميع الفاعلين في العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة لإزاحة ما تبقى من عوائق أمام الانتخابات"، ما قد يشير لتغير في الموقف الأميركي.
المصادر
- Navigating the Aftermath: Turkey-Egypt Rapprochement and its Echoes in Libya
- What Does Egypt-Turkey Rapprochement Mean For Libya?
- Why Isn’t the U.S. in Libya?
- فيدان: مصر وتركيا متفقتان على وحدة ليبيا
- جدل ليبي بشأن تلقي «النواب» ملفات مرشحين لـ«الحكومة الجديدة»
- Libya: Despite Some Leaders' Recent Agreement, Unity Government Remains Unlikely