ورقة اختبار.. هل تخشى إيران من لبنان جديد بدون “حزب الله”؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الفاعلين في المشهد اللبناني ألقوا بـ"بالون اختبار جديد" لقياس مدى فاعلية إيران في هذا البلد، عقب اغتيال زعيم حزب الله حسن نصر الله إلى جانب كبار قادة الحزب خلال الفترة الأخيرة.

وأصبح الملف اللبناني "أكثر تعقيدا" وفق الخبراء، عقب شن إسرائيل عدونا على لبنان منذ 23 سبتمبر/ أيلول 2024 وأتبعته عملية توغل بري انطلاقا من الحدود الجنوبية.

وتقول إسرائيل إن عمليتها "محدودة وذات أهداف" معينة، وإنها تريد وقف نيران حزب الله باتجاه شمال إسرائيل للسماح بعودة عشرات الآلاف من المستوطنين الذين أجبروا على الفرار بسبب هذه النيران منذ الثامن من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

رسالة إيرانية

بعد تصفية إسرائيل لهرم قيادة “حزب الله” الذي أسسه الحرس الثوري الإيراني عام 1982، أعيد التركيز على حجم ودور الحزب و"حضوره السياسي القوي" في المشهد اللبناني.

لا سيما أن حزب الله ما يزال يعطل انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية منذ نهاية أكتوبر 2022، حينما غادر الرئيس ميشال عون سدة الرئاسة مع انتهاء ولايته.  

وتتهم القوى اللبنانية حزب الله بالهيمنة "بقوة السلاح الإيراني على الساحة اللبنانية"، الأمر الذي يكسبه "تأثيرا وازنا" في جميع الاستحقاقات الانتخابية، فضلا عن تحكمه "بقرار السلم والحرب" فيه.

وفي صورة لحجم النفوذ الإيراني في لبنان، زار وزير الخارجية عباس عراقجي، العاصمة بيروت في 4 أكتوبر 2024، وقال للصحفيين: "إيران كانت ولا تزال داعمة للبنان، وكانت ولا تزال داعمة للبنانيين الشيعة، وكانت ولا تزال داعمة لحزب الله، وكان من الضروري أن أقول هذا شخصيا".

كما أكد عراقجي الذي زار سفارة طهران فور وصوله إلى بيروت، والتقى القائم بالأعمال وطاقم السفارة، واطلع على آخر التطورات في لبنان، أن بلاده تدعم أي هدنة يعقدها لبنان شريطة أن تقبلها المقاومة اللبنانية وأن تحفظ حقوق الشعب اللبناني وتضمن وقفا كاملا لإطلاق النار في قطاع غزة.

وهذه أول زيارة لدبلوماسي إيراني إلى بيروت منذ اغتيال إسرائيل زعيم حزب الله في غارة جوية على مقر مركزي للحزب في الضاحية الجنوبية لبيروت في 27 سبتمبر 2024.

وأشارت وكالة "تسنيم" الإيرانية، إلى أن زيارة الوزير عراقجي إلى بيروت حملت رسالة مهمة مفادها أن "طهران لا تترك بيروت وحدها".

ونقلت الوكالة عن السفير الإيراني لدى بيروت مجتبى أماني قوله، تعليقا على زيارة عراقجي، إن "إيران لن تسمح بتغيير مصائر المنطقة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن المستقبل ستقرره دول المنطقة وستكون جبهة المقاومة على رأسها"، وفق تعبيره.

وأضاف أماني أن "زيارة عراقجي إلى لبنان كانت رحلة شجاعة وموثوقة وستكون لها تأثيرات إقليمية مهمة".

وقبيل اغتيال نصر الله، كانت المحاولات الدبلوماسية تتكثف لإقناع حزب الله بتطبيق القرار الأممي 1701 كحل لإنهاء التصعيد العسكري الذي تشهده حدود لبنان الجنوبية، بالتوازي مع محاولات دول "اللجنة الخماسية" الخاصة بلبنان لإنهاء الشغور الرئاسي في لبنان.

في أغسطس/ آب 2006 وعقب حرب تموز من العام ذاته بين حزب الله وإسرائيل، تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع القرار رقم 1701، والذي ينص على إنشاء منطقة بين الخط الأزرق في الحدود الجنوبية اللبنانية ونهر الليطاني، خالية من أي مسلحين أو معدات أو أسلحة، بخلاف ما يخص حكومة لبنان، والقوات الأممية العاملة في الجنوب "اليونيفيل". 

كذلك تتضمن بنود القرار 1701 نزع سلاح كل الجماعات المسلحة في لبنان، وبسط الحكومة سيطرتها على جميع الأراضي اللبنانية، مع منع وجود قوات أجنبية عليها دون موافقة رسمية من الدولة، إضافة لمنع مبيعات الأسلحة والمعدات إلى لبنان عدا ما تأذن به حكومته. 

ورقة اختبار

وقبل أيام من وصول وزير الخارجية الإيراني إلى بيروت، خرج رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتي، وأكد استعداد بلاده لتنفيذ ما يتطلبه القرار 1701 بما في ذلك نشر الجيش اللبناني جنوب نهر الليطاني.

وأكد ميقاتي وقتها أن وقف العدوان الإسرائيلي يشكل "مدخلا للحل"، مشددا على التزام لبنان بتطبيق القرار.

وقد جاء الموقف اللبناني الرسمي تكرارا للسابق وتحديدا بعد ما أعلنه الرئيسان الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون -بالتنسيق مع بعض الدول العربية- لوقف إطلاق نار مؤقت لمدة 3 أسابيع والبحث في آلية تطبيق القرار 1701.

إلا أن السلطة اللبنانية غير قادرة على ترجمة ما تعلنه الحكومة من تمسكها بتنفيذ القرار 1701، في ظل رفض حزب الله في هذه المرحلة في تطبيق أي قرار دولي ما لم يرتبط بقرار مماثل في غزة.

على الطرف الآخر، وفي محاولة لجس نبض حزب الله بعد خسارته غالبية قياداتها العليا العسكرية والأمنية عقب أكتوبر 2023، تشير تقارير صحفية إلى أن الولايات المتحدة رمت بورقة جديدة في المشهد اللبناني في "ظاهرها استغلال لحالة الضعف التي مست الحزب".

ونقل موقع “أكسيوس” الأميركي في 4 أكتوبر 2024 عن مسؤولين أميركيين قولهم إن البيت الأبيض يريد استغلال الضربة الإسرائيلية الضخمة التي تلقتها قيادات حزب الله وبنيته التحتية للدفع باتجاه انتخاب رئيس لبناني جديد في الأيام المقبلة.

ومن بين المرشحين وفق "أكسيوس" لمنصب الرئاسة الشاغر قائد القوات المسلحة الجنرال جوزيف عون، الذي تدعمه الولايات المتحدة وفرنسا، حيث يطمح إلى لعب القوات المسلحة اللبنانية دورا رئيسا في أي تسوية بلبنان بعد الحرب.

وأشار الموقع إلى أن اغتيال نصر الله ووصول حزب الله إلى “أضعف مستوياته” منذ سنوات، تعتقد إدارة بايدن أن هناك حاليا فرصة لتقليص نفوذها على النظام السياسي اللبناني بشكل كبير وانتخاب رئيس جديد ليس حليفا للمليشيات الشيعية، بحسب مسؤولين أميركيين.

وعقدة ملف الرئاسة في لبنان الذي ما يزال متعثرا منذ مغادرة ميشال عون قصر بعبدا في بيروت؛ سببها تمسك "الثنائي الشيعي" (حزب الله - حركة أمل بقيادة نبيه بري) بترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية.

وفرنجية سبق أن وصفه نصر الله حينما أعلن دعمه كمرشحه خلال احتفال حزبي في 6 مارس/ آذار 2023 بأنه "مطمئن للمقاومة".

وهذا التوجه الأميركي في هذه المرحلة يعد المؤشر العلني الأول لتعامل واشنطن مع الملف الرئاسي اللبناني من زاوية التطورات الحربية الجارية راهنا في هذا البلد.

لا سيما أنه بالتوازي مع ذلك، ترى اللجنة الخماسية الخاصة بلبنان والتي تضم ممثلين عن أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، لبحث ملف الرئاسة الشاغر، أن الوقت قد حان لمبادرة تخرج لبنان من عنق الزجاجة لمنع مزيد من تفاقم حالة عدم الاستقرار السياسي ودخول البلاد في أزمة اقتصادية منذ عام 2019 ألقت بـ80 بالمئة من المواطنين في براثن الفقر.

"تحكم بالقرار"

وضمن هذا السياق، فقد كشفت معلومات خاصة لموقع "جنوبية" اللبناني في 5 أكتوبر 2024، أن سفير السعودية وليد البخاري وقبل مغادرته بيروت، سلم رئيسي مجلس النواب نبيه بري والحكومة ميقاتي، قائمة باسم "اللجنة الخماسية"، وتتضمن قائمة بأسماء خمس شخصيات مرشحة لمنصب رئيس الجمهورية الشاغر منذ عامين.

وحسب المعلومات، فإن قائمة الأسماء هي، قائد الجيش جوزيف عون، الوزير السابق ناصيف حتي، النائب نعمت فرام، الوزير السابق زياد بارود، ورئيس المجلس الدستوري السابق عصام سليمان.

وتضيف المعلومات، أنه و"بعد اللقاء الثلاثي الذي جمع كلا من ميقاتي وبري، والوزير السابق وليد جنبلاط، ذهب النائب وائل أبو فاعور (عضو كتلة اللقاء الديمقراطي) موفدا من قبل اللقاء، إلى قائد القوات اللبنانية (مناهض لحزب الله) سمير جعجع، فأجاب بأنه موافق على أول ثلاثة أسماء أي عون أو ناصيف حتي أو نعمت فرام.

غير أن بري، وفقا للمعلومات، "سرعان ما انقلب على هذه المبادرة، عقب زيارة وزير الخارجية الإيراني عراقجي إلى بيروت، ومطالبته للبنان وحزب الله باستمرار المقاومة والحرب والصمود في وجه إسرائيل، وعاد بري ليتمسك بترشيح فرنجية لمنصب رئاسة الجمهورية، كما انضم إلى موقفه ميقاتي بالحديث عن العودة إلى الحوار".

وختم موقع "جنوبية" بالقول: "بهذا تكون الأزمة اللبنانية عادت إلى المربع الأول، بنفحة إيرانية تدل على عدم وجود إرادة دولية جدية لحلها، رغم انكسار لبنان كله بفعل القتل والدمار الذي يحلّ به بسبب الحرب الجائرة التي تشنها ضده إسرائيل منذ عام".

ويرى بعض المراقبين أن عراقجي، الذي قال للصحفيين إن زيارتي للبنان ليست عادية أو روتينية، إنه يريد بعث برسالة بأن حزب الله سيبقى أداؤه السياسي كما كان بعد اغتيال نصر الله ورغم سعي إسرائيل لتدمير قوة الحزب.

وضمن هذه الجزئية، رأى الكاتب اللبناني علي الأمين في مقال له نشر في 5 أكتوبر 2024، أن تصريحات "عراقجي خلال زيارته لبيروت كان يصادر قرار لبنان وقرار حزب الله نفسه ويقول بطريقة عملية، نحن من يقرر ومن يفاوض".

وأضاف: "حسب المعلومات، فإن إيران أرسلت فرقها لتعويض النقص والخلل داخل قيادة حزب الله بعد فقد العديد من قادته وتشتت قدراته، كما أن طهران أمسكت مباشرة بمقاليد القيادة للحزب من خلال الحرس الثوري الإيراني".

وذهب الأمين للقول: “يأتي الدخول الإيراني هذا، في لحظة تحرك رئيس البرلمان بري، الذي فتح الباب قليلا، أمام فرصة الإمساك بمقاليد القرار، من خلال المؤسسات الرسمية، والذي باركه حزب الله.. حيث تلقى بري تأييدا لخطواته من قبل الحزب”.

وأردف: "لكن بري كان مصدوما مما سمعه من عراقجي، بأن لا فصل بين لبنان وغزة، وهو ما قد يفسر بأن الجانب الإيراني كان قلقا من تبدل موقف حزب الله بسبب الضغوط العسكرية من إسرائيل، وكذلك الداخلية على أكثر من صعيد سياسي واجتماعي".

من جانبه، يرى المحلل السياسي اللبناني، خطار أبو ذياب أن"عراقجي ينطق باسم المرشد الإيراني علي خامنئي وأتى إلى بيروت لتمرير رسائل للأميركيين والإسرائيليين بأن حزب الله لا يسمح بتطبيق القرار 1701 في جنوب لبنان رغم توجه الحكومة الحالية لتطبيقه".

وأضاف دياب قائلا في تصريحات تلفزيونية في 5 أكتوبر 2024: "لا يمكن استعادة السلام في لبنان من دون استعادة الدولة اللبنانية".